فصل: من فوائد القاسمي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ} أي: قل لهؤلاء المشركين المقترحين عليك تارة تنزيل الآيات، وأخرى غير ذلك: لا أدعي أن خزائن رزق الله مفوضة إليّ، فأعطيكم منها ما تريدون من قلب الجبال ذهبًا، وغير ذلك.
والخزائن: جمع خزانة، وهي اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء، وخَزْنُ الشيء إحرازه، بحيث لا تناله الأيدي.
{وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} أي: من أفعاله تعالى حتى تسألوني عن وقت الساعة، أو وقت نزول العذاب أو نحوهما.
{وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} أي: حتى تكلفوني من الأفاعيل الخارقة للعادات ما لا يطيقه البشر، من الرقيّ في السماء ونحوه، أو تعدّوا عدم اتصافي بصفاتهم قادحًا في أمري، كما ينبئ عنه قولهم: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ}. والمعنى: إني لا أدعي شيئًا من هذه الأشياء الثلاثة، حتى تقترحوا عليّ ما هو من آثارها وأحكامها، وتجعلوا عدم إجابتي إلى ذلك، دليلًا على عدم صحة ما أدعيه من الرسالة التي لا تعلق لها بشيء مما ذكر قطعًا. بل إنما هي عبارة عن تلقي الوحي من جهة الله عز وجل، والعلم بمقتضاه فقط، كما ينبئ عنه قوله تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} أي: ما أتبع فيما أقول لكم إلا ما يوحى إليّ من جهته تعالى، شرفني بذلك وأنعم به عليّ، إذ يكشف لي عن الملائكة فيخبرونني.
ثم كرر الأمر تثنية للتبكيت بقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} مثل للضال والمهتدي على الإطلاق. والاستفهام إنكاري، والمراد إنكار استواء من لا يعلم ما ذكر من الحقائق، ومن يعلمها. وفيه الإشعار بكمال ظهورها، ومن التنفير عن الضلال، والترغيب في الاهتداء- ما لا يخفى. أفاده أبو السعود.
وقوله تعالى: {أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ} تقريع وتوبيخ داخل تحت الأمر. أي: أفلا تتفكرون فتهتدوا، ولا تكونوا ضالين أشباه العميان.
تنبيهات:
الأول- جعل بعض المفسرين قوله تعالى: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} تبرؤا من دعوى الألوهية، لأن قسمة الأرزاق بين العباد، ومعرفة الغيب، مخصوصان به تعالى: قال: ولذا كرر في الملكية لفظ: {وَلا أَقُولُ}. والمعنى: لا أدعي الألوهية ولا الملكية.
وأورد على هذا أن المراد: لا أملك أن أفعل ما أريد مما تقترحونه، وليس المراد التبرؤ عن دعوى الإلهية، وإلا لقيل: لا أقول لكم إني إله. كما قيل: ولا أقول لكم إني ملك. وأيضًا في الكناية عن الألوهية بـ: {عِندِي خَزَائِنُ اللّهِ} ما لا يخفى من البشاعة، بل هو جواب عن اقتراحهم عليه صلى الله عليه وسلم أن يوسع عليهم خيرات الدنيا- كذا في العناية.
قال أبو السعود: وجعل هذا تبرؤًا عن دعوى الإلهية، مما لا وجه له قطعًا.
الثاني- قال الجبائي: الآية دالة على أن الملك أفضل من الأنبياء، لأن المعنى: لا أدعي منزلة فوق منزلتي. ولولا أن الملك أفضل، وإلا لم يصح ذلك. قال القاضي: إن الغرض بما نفى طريقة التواضع، فالأقرب أن يدل ذلك على أن الملك أفضل، وإن كان المراد نفي قدرته على أفعال لا يقوى عليها إلا الملائكة. لم يدل على كونهم أفضل.
وقرر الزمخشري الأول تأييدًا لمذهبه فقال في تفسير الآية: أي: لا أدعي ما يستبعد في العقول أن يكون لبشر من ملك خزائن الله، وهي قِسَمه بين الخلق وأرزاقه، وعلم الغيب، وإني من الملائكة الذين هم أشرف جنس خلق الله تعالى، وأفضله، وأقربه منزلة منه. أي: لم أدع إلهية ولا ملكية، لأنه ليس بعد الإلهية منزلة أرفع من منزلة الملائكة، حتى تستبعدوا دعواي وتستنكروها، وإنما أدعي ما كان مثله لكثير من البشر، وهو النبوة. انتهى.
وتعقبه الناصر في الانتصاف بقوله: هو يبنى على القاعدة المتقدمة له، في تفضيل الملائكة على الأنبياء. ولعمري إن ظاهر هذه الآية يؤيده، فلذلك انتهز الفرصة في الاستدلال بها. ولمخالفه أن يقول: إنما أوردت الآية ردًّا على الكفار في قولهم: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ}.. الآية- فردّ قولهم: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ} بأنه بشر، وذلك شأن البشر، ولم يدّع أنه ملك حتى يتعجب من أكله للطعام، وحينئذ لا يلزم منها تفضيل الملائكة على الأنبياء، لأنه لا خلاف أن الأنبياء، يأكلون الطعام، وأن الملائكة ليسوا كذلك، فالتفرقة بهذا الوجه متفق عليها، ولا يوجب عليه ذلك اتفاقًا على أن الملائكة أفضل من الأنبياء.
وكذلك رد قولهم: {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ} بأنه لا يملك خزائن الله تعالى حتى يأتيهم بكنز منها على وفق مقترحهم، ولا قال لهم ذلك حتى يقام عليه الحجة به.
ثم قال الناصر رحمه الله: ولم يحسن الزمخشريّ في قوله: ليس بعد الإلهية منزلة أرفع من منزلة الملائكة فإنه جعل الإلهية من جملة المنازل كالملكية، ومثل هذا الإطلاق لا يسوغ. والمنزلة عبارة عن المحل الذي يُنزل اللهُ فيه العبد من علوّ وغيره، فإطلاقها على الإلهية تحريف. والله الموفق للصواب.
الثالث- قال الرازي: ظاهر قوله تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لا يعمل إلا بالوحي، وهو يدل على حكمين:
الأول- أن هذا النص يدلّ على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم من تلقاء نفسه في شيء من الأحكام، وأنه ما كان يجتهد، بل جميع أحكامه صادرة عن الوحي، ويتأكد هذا بقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.
الثاني- أن نفاة القياس قالوا: ثبت بهذا النص أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يعمل إلا بالوحي النازل عليه، فوجب أن لا يجوز لأحد من أمته أن يعملوا إلا بالوحي النازل عليه، بقوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ}، وذلك ينفي جواز العمل بالقياس. ثم أكد هذا الكلام بقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} وذلك لأن العمل بغير الوحي يجري مجرى عمل الأعمى. والعمل بمقتضى نزول الوحي يجري مجرى علم البصير. ثم قال: {أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} والمراد منه التنبيه على أنه يجب على العاقل أن يعرف الفرق بين هذين البابين، وأن لا يكون غافلًا عن معرفته. انتهى.
وفي فتح الرحمن: تمسك بذلك من لم يثبت اجتهاد الاجتهاد الأنبياء، عملًا بما يفيده القصر في هذه الآية.
والمسألة مدونة في الأصول. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أوتيت القرآن ومثله معه. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ}.
و{قل} كما نعلم- هي أمر من الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول يبلغ ما أمر به الله، وكان يكفي أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا أقول لكم عندي خزائن الله. لكنها دقة البلاغ عن الله، إنّ القرآن توقيفي بمعنى أن كل كلمة فيه نزلت من الله كما هي وبلغها الوحي الأمين لسيدنا رسول الله، وبلغها لنا صلى الله عليه وسلم كما هي، ويدل ذلك على أن أحدًا لا يملك التصرف حتى في اللفظ، بل لابد من أمانة النقل المطلقة.
وأبلغنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحق قد أرسله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا بآية دالة على صدق البلاغ عنه وهي القرآن. وكان يجب على مَن يستقبل هذا البلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه. فليس من حق أحد أن يطلب من الرسول آيات غير التي أنزلها الله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يدَّع إلا أنه مبلغ عن الله، فيجب أن تكون المقابلة له في إطار هذا الادعاء.
وقد تجاوز الكافرون ذلك عندما طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات أخرى، كتفجير بعض الأرض ينابيع مياه، أو أن يكون له بيت من زخرف، ولذلك يوضح له الحق سبحانه أن يبلغهم أنه لا يملك مع الله خزائن السموات والأرض، فكيف تطلبون بيوتا وقصورا، وكيف تطلبون معرفة الغيب حتى تقبلوا على النافع وتتجنبوا الضار؟. ألا يكفيكم المنهج الإلهي الذي يهديكم إلى صناعة كل نافع لكم ويجنبكم كل أمر ضار بكم؟ ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل لهم إنه يعلم الغيب. وهو بشهادتهم هم يقولون عنه ما جاء بالقرآن الكريم: {وَقَالُواْ مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق لولا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يلقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظالمون إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلًا مَّسْحُورًا} [الفرقان: 7- 8].
لقد سخروا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطالبوا أن تكون له آيات أخرى، وتساءلوا كيف يمكن أن يزعم أنه رسول وهو يأكل الطعام كما يأكلون، ويغشى الأسواق لكسب العيش كما يفعل البشر، ولو كان رسولًا لكفاه الله مشقة كسب العيش، ولأنزل إليه مَلكًا يساعده في البلاغ عن الله، أو يلقي إليه الله من السماء بكنز ينفق منه، أو تكون له حديقة غناء يأكل من ثمارها.
هذا ما قاله كبار المشركين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، وأرادوا أن يصدوا الناس عن الإيمان بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرة يتهمونه بأنه مسحور، ومرة بأنه مجنون، وثالثة بأنه يهذي، ورابعة بأنه كذاب، وخامسة بأنه يتلقى القرآن من أعاجم، ويدحض الحق كل هذه الأكاذيب وكل تلك الافتراءات التي ضلوا بها وأضلوا بها سواهم.
إنه صلى الله عليه وسلم رسول من الرسل: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ فِي الأسواق وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20].
إن الرسل من قبلك يا رسول الله كانت تأكل الطعام، وتكسب العيش من العمل ويترددون على الأسواق، فإذا كان المشركون يعيبون عليك ذلك ويحاولون إضلال الناس بكل الأساليب، فأنت ومن معك يا رسول الله من المؤمنين سيكتب الله لكم النصر ويَجْزِي كُلًا بما عمل. ثم إن الآيات التي يطلبها المشركون من رسول الله كانت كلها تعنتًا؛ فهو لم يقل لهم: إنه ملك. لقد قال لهم: إنه رسول مبلغ عن الله، وكل ما يؤديه هو صدق الأداء عن الله، فكيف يطلبون منه أشياء لا تتعلق إلا بملكية الله لخزائن الأرض؟ وكيف يطلبون منه أن يعلمهم الغيب؟ وكيف ينتقدون أنه رسول وبشر يأكل ويتزوج ويمشي في الأسواق؟
إن كل تلك الأقوال دليل التعنت؛ لأنهم قد طلبوا أشياء تخرج عن مجال ما ادعاه رسول الله لنفسه من أنه رسول مبلغ عن الله؛ إنهم طلبوا الخير النافع والينابيع التي تجري، والجنات والقصور، وأشياء كلها ليست في مقدور رسول مبلغ عن الله، لأن الذي يهبها هو الله سبحانه وتعالى.
وكلمة {خزائن} هذه مفردها خِزانة وهي الشيء الذي يكنز فيه كل نفيس ليخرج منه وقت الحاجة. ولا تقل: خِزانة إلا لشيء جعلته ظرفًا لشيء نفيس تخاف عليه من أن تخرجه في غير أَوَانِ وزمان إخراجه. وخزائن الأرض كلها يملكها الله، فهو سبحانه وتعالى القائل: {والأرض مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 19- 21].
إذن فالحق جاء بالقضية الكلية، وهي أن أسرار الله ونفائسه في الكون هي بيد الله في خزائنه، وهو سبحانه يجليها ويظهرها ويكشفها لوقتها. كيف؟ إن الحق سبحانه وتعالى تكلم عن بدء الخلق، وتكلم عن خلق السموات والأرض، وتكلم عن هذا الموضوع كلامًا مجملًا تفسره الآيات الأخرى. فالحق سبحانه وتعالى يقول: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ العالمين وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ استوى إِلَى السماء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 9- 11].
يأمر الحق رسوله أن يبلغ هؤلاء المشركين كيف يكفرون بالله الذي خلق الأرض في يومين وكيف يجعلون له شركاء وهو الخالق للأرض التي هي مناط الحركة لابن آدم.
لقد خلق فيها سبحانه ما يقيت ابن آدم وتقوم به حياته وإن أراد الترف فلابد له من الطموح في الحياة. وهو سبحانه جعل في الأرض رواسي- أي جبالًا- وبارك في الأرض وفي الرواسي. ثم جاء بتقدير الأقوات بعد ذكر الرواسي وهي الجبال، فكأن الجبال في حقيقة أمرها هي مخازن القوت. وقد يقول قائل: كيف ذلك؟
ونقول: إن الواقع قد أثبت هذه الحقيقة؛ فأنت إن نظرت إلى الأنهار التي تجري، لوجدتها تتكون من الماء الذي تساقط من الأمطار على الجبال، فالمياه المكونة من ذرات صغيرة دقيقة تنزل على هذه الجبال لتفتتها، وكأن المياه هي المبُرَد الذي يزيل من سطح الجبال هذه الرمال المليئة بالعناصر الغذائية للأرض، وهو ما نسميه نحن الغرين، والغرين- كما نعلم- هو ما ينزل مع المياه من سطوح الجبال إلى مجرى النهر، وباندفاع المياه في مجرى النهر تنتقل المادة الخصبة إلى الأرض، وتتكون تلك الطبقة الخصبة التي تتغذى منها النباتات. ولو شاء الحق سبحانه وتعالى لجعل سطح الأرض كله مستويًا، وفيه الخصوبة التي تنبت النبات.
لكن حكمته سبحانه شاءت أن تصنع للنبات غذاءه بهذه الطريقة. فأنت إذا ما نظرت إلى النبات وجدته يختلف من نوع إلى نوع في أسلوب امتصاصه للعناصر الغذائية اللازمة له، فهناك نوع من النبات يمتص غذاءه من عمق نصف المتر، ونوع ثانٍ يأخذ غذاءه من عمق المتر، وهكذا. وإن لم نأت للأرض المزورعة بسماد أو مخصبات أو غرين، فإن الأرض تضعف؛ لأن الحق يريد لعملية الزراعة أن تستمر وتمتد وتتوالى، فجعل الجبال مكونة بشكل صُلب، وتمر على الجبال عوامل التعرية من حرارة وبرودة وتشققات ثم ينزل عليها المطر فيذيب من سطوح الجبال بعضًا من تلك المواد الغذائية اللازمة للأرض، تنتقل هذه المواد الغذائية عبر المياه إلى الأرض، وبهذا يتوالى الإمداد بالخصب من الجبال إلى الأرض. وهكذا نجد أن الجبال في حقيقتها هي مخازن لخيرات الله.