فصل: من فوائد ابن عطية في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال أبو علي: الوجه: الغداة، لأنها تستعمل نكرة، وتتعرف باللام؛ وأما غُدوة، فمعرفة.
وقال الخليل: يجوز أن تقول أتيتك اليوم غُدوة وبُكرة، فجعلها بمنزلة ضحوة، فهذا وجه قراءة ابن عامر.
فإن قيل: دعاء القوم كان متصلًا بالليل والنهار، فلماذا خص الغداة والعشي، فالجواب: أنه نبه بالغداة على جميع النهار، وبالعشي على الليل، لأنه إذا كان عمل النهار خالصا له، كان عمل الليل أصفى.
قوله تعالى: {يريدون وجهه} قال الزجاج: أي: يريدون الله، فيشهد الله لهم بصحة النيات، وأنهم مخلصون في ذلك.
وأما الحساب المذكور في الآية ففيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه حساب الأعمال، قاله الحسن.
والثاني: حساب الأرزاق.
والثالث: أنه بمعنى الكفاية، والمعنى ما عليك من كفايتهم، ولا عليهم كفايتك.
قوله تعالى: {فتكون من الظالمين} قال ابن الأنباري: عظم هذا الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم، وخُوِّفَ بالدخول في جملة الظالمين، لأنه كان قد همّ بتقديم الرؤساء على الضعفاء. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} الآية.
المراد ب {الذين} ضعفة المؤمنين في ذلك الوقت في أمور الدنيا بلال وعمار وابن أم عبد ومرثد الغنوي وخباب وصهيب وصبيح وذو الشمالين والمقداد ونحوهم وسبب الآية أن الكفار قال بعضهم للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن لشرفنا وأقدارنا لا يمكننا أن نختلط بهؤلاء، فلو طردتهم لاتبعناك وجالسناك، ورد في ذلك حديث عن ابن مسعود، وقيل: إنما قاله هذه المقالة أبو طالب على جهة النصح للنبي صلى الله عليه وسلم قال له: لو أزلت هؤلاء لاتبعك أشراف قومك وروي أن ملأ قريش اجتمعوا إلى أبي طالب في ذلك، وظاهر الأمر أنهم أرادوا بذلك الخديعة، فصوب هذا الرأي من أبي طالب عمر بن الخطاب وغيره من المؤمنين فنزلت الآية، وقال ابن عباس: إن بعض الكفار إنما طلب أن يؤخر هؤلاء عن الصف الأول في الصلاة، ويكونون هم موضعهم، ويؤمنون إذا طرد هؤلاء من الصف الأول فنزلت الآية، أسند الطبري إلى خباب بن الأرت أن الأقرع بن حابس ومن شابهه من أشراف العرب قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم اجعل لنا منك مجلسًا، لا يخالطنا فيه العبيد والحلفاء، واكتب لنا كتابًا، فهمّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فنزلت هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تأويل بعيد في نزول الآية، لأن الآية مكية وهؤلاء الأشراف لم يفدوا إلا في المدينة، وقد يمكن أن يقع هذا القول منهم ولكنه إن كان وقع فبعد نزول الآية بمدة اللهم إلا تكون الآية مدنية، قال خباب رضي الله عنه: ثم نزلت {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم} [الأنعام: 54] الآية فكنا نأتي فيقول لنا: سلام عليكم ونقعد معه، فإذا أراد يقوم قام وتركنا، فأنزل الله: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم} [الكهف: 28] الآية فكان يقعد معنا، فإذا بلغ الوقت الذي يقوم فيه قمنا وتركناه حتى يقوم و{يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال الحسن بن أبي الحسن المراد به صلاة مكة التي كانت مرتين في اليوم بكرة وعشيًا وقيل: بل قوله: {بالغداة والعشي} عبارة عن استمرار الفعل وأن الزمن معمور به، كما تقول: الحمد لله بكرة وأصيلا، فإنما تريد الحمد لله في كل وقت والمراد على هذا التأويل قيل، هو الصلوات الخمس، قاله بن عباس وإبراهيم، وقيل الدعاء وذكر الله واللفظة على وجهها وقال بعض القصاص: إنه الاجتماع إليهم غدوة وعشيًا فأنكر ذلك ابن المسيب وعبد الرحمن بن أبي عمرة وغيرهما وقالوا: إنما الآية في الصلوات في الجماعة، وقيل: قراءة القرآن وتعلمه قاله أبو جعفر ذكره الطبري، وقيل العبادة قاله الضحاك: وقرأ أبو عبد الرحمن ومالك بن دينار والحسن ونصر بن عاصم وابن عامر {بالغدوة والعشي}، وروي عن أبي عبد الرحمن {بالغدو} بغير هاء، وقرأ ابن أبي عبلة {بالغدوات والعشيات} بألف فيهما على الجمع، وغدوة: معرفة لأنها جعلت علمًا لوقت من ذلك اليوم بعينه وجاز إدخال الألف واللام عليها كما حكى أبو زيد لقيته فينة غير مصروف والفينة بعد الفينة فألحقوا لام المعرفة ما استعمل معرفة، وحملًا على ما حكاه الخليل أنه يقال: لفيته اليوم غدوة منونًا، ولأن فيها مع تعيين اليوم، إمكان تقدير معنى الشياع، ذكره أبو علي الفارسي و{وجهه} في هذا الموضع معناه جهة التزلق إليه كما تقول خرج فلان في وجه كذا أي في مقصد وجهة {وما عليك من حسابهم من شيء} معناه لم تكلف شيئًا غير دعائهم فتقدم أنت وتؤخر ويظهر يكون الضمير في {حسابهم} و{عليهم} للكفار الذين أرادوا طرد المؤمنين، أي ما عليك منهم آمنوا ولا كفروا فتطرد هؤلاء رعيًا لذلك، والضمير في {تطردهم} عائد على الضعفة من المؤمنين، ويؤيد هذا التأويل أن ما بعد الفاء أبدًا سبب ما قبلها، وذلك لا يبين إذا كانت الضمائر كلها للمؤمنين، وحكى الطبري أن الحساب هنا إنما هو في رزق الدنيا، أي لا ترزقهم ولا يرزقونك.
قال القاضي أبو محمد: فعلى هذا تجيء الضمائر كلها للمؤمنين، وذكره المهدوي، وذكر عن الحسن أنه من حساب عملهم كما قال الجمهور، و{ما عليك} وقوله: {فتكون} جواب النهي في قوله: {ما عليك} {فتطردهم} جواب النهي في قوله: {ولا تطرد} و{من الظالمين}، معناه يضعون الشيء غير مواضعه. اهـ.

.من فوائد البيضاوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشى}.
بعدما أمره بإنذار غير المتقين ليتقوا أمره بإكرام المتقين وتقريبهم وأن لا يطردهم ترضية لقريش. روي أنهم قالوا: لو طردت هؤلاء الأعبد يعنون فقراء المسلمين كعمار وصهيب وخباب وسلمان جلسنا إليك وحادثناك فقال: «ما أنا بطارد المؤمنين» قالوا: فأقمهم عنا إذا جئناك قال: «نعم». وروي أن عمر رضي الله عنه قال له: لو فعلت حتى ننظر إلى ماذا يصيرون فدعا بالصحيفة وبعلي رضي الله تعالى عنه ليكتب فنزلت. والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام، وقيل صلاتا الصبح والعصر. وقرأ ابن عامر بالغدوة هنا وفي الكهف. {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} حال من يدعون، أي يدعون ربهم مخلصين فيه قيد الدعاء بالإِخلاص تنبيهًا على أنه ملاك الأمر. ورتب النهي عليه إشعارًا بأنه يقتضي إكرامهم وينافي إبعادهم. {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شيء وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيْء} أي ليس عليك حساب إيمانهم فلعل إيمانهم عند الله أعظم من إيمان من تطردهم بسؤالهم طمعًا في إيمانهم لو آمنوا، أو ليس عليك اعتبار بواطنهم وإخلاصهم لما اتسموا بسيرة المتقين وإن كان لهم باطن غير مرضي كما ذكره المشركون وطعنوا في دينهم فحسابهم عليهم لا يتعداهم إليك، كما أن حسابك عليك لا يتعداك إليهم. وقيل ما عليك من حساب رزقهم أي من فقرهم. وقيل الضمير للمشركين والمعنى: لا تؤاخذ بحسابهم ولا هم بحسابك حتى يهمك إيمانهم بحيث تطرد المؤمنين طمعًا فيه. {فَتَطْرُدَهُمْ} فتبعدهم وهو جواب النفي {فَتَكُونَ مِنَ الظالمين} جواب النهي ويجوز عطفه على فتطردهم على وجه التسبب وفيه نظر. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} الآية.
قال المشركون؛ ولا نرضى بمجالسة أمثال هؤلاء يعنون سَلْمان وصُهَيبًا وبِلالًا وخَبَّابًا فاطردهم عنك؛ وطلبوا أن يَكتب لهم بذلك، فهمّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ودعا عليًّا ليكتب؛ فقام الفقراء وجلسوا ناحية؛ فأنزل الله الآية.
ولهذا أشار سعد بقوله في الحديث الصحيح: فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع؛ وسيأتي ذكره.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعًا في إسلامهم، وإسلام قومهم، ورأى أن ذلك لا يفوّت أصحابه شيئًا، ولا ينقص لهم قدرًا، فمال إليه فأنزل الله الآية، فنهاه عما همَّ به من الطّرد لا أنه أوقع الطرد.
روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاءِ عنك لا يجترئون علينا؛ قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هُذَيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله عزّ وجلّ: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}.
قيل: المراد بالدعاء المحافظة على الصَّلاة المكتوبة في الجماعة؛ قاله ابن عباس ومجاهد والحسن.
وقيل: الذكر وقراءة القرآن.
ويحتمل أن يريد الدعاء في أوّل النهار وآخره؛ ليستفتحوا يومهم بالدعاء رغبة في التوفيق، ويختموه بالدعاء طلبًا للمغفرة.
{يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} أي طاعته، والإخلاص فيها، أي يخلصون في عبادتهم وأعمالهم لله، ويتوجهون بذلك إليه لا لغيره.
وقيل: يريدون الله الموصوف بأن له الوجه كما قال: {ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام} [الرحمن: 27] وهو كقوله: {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابتغاء وَجْهِ رَبِّهِمْ} [الرعد: 22].
وخص الغداة والعشيّ بالذكر؛ لأن الشغل غالب فيهما على الناس، ومن كان في وقت الشغل مقبلًا على العبادة كان في وقت الفراغ من الشغل أعمل.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يصبر نفسه معهم كما أمره الله في قوله: {واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف: 28] فكان لا يقوم حتى يكونوا هم الذين يبتدئون القيام، وقد أخرج هذا المعنى مبينًا مكملًا ابن ماجه في سننه عن خَبّاب في قول الله عزّ وجلّ: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي} إلى قوله: {فَتَكُونَ مِنَ الظالمين} قال: جاء الأقرعُ بن حابِس التميميّ وعُيينة بن حِصْن الفَزَاريّ فوجدا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صُهَيب وبِلال وعَمّار وخَبّاب، قاعدًا في ناس من الضعفاء من المؤمنين؛ فلما رأوهم حَوْل النبي صلى الله عليه وسلم حَقَروهم؛ فأتوه فخلوا به وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسًا تَعرفُ لنا به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبُد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت؛ قال: «نعم» قالوا: فاكتب لنا عليك كتابًا؛ قال: فدعا بصحيفة ودعا عليًّا رضي الله عنه ليكتب ونحن قعود في ناحية؛ فنزل جبريل عليه السَّلام فقال: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظالمين} ثم ذكر الأقرع بن حابِس وعُيَيْنة بن حِصْن؛ فقال: {وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ليقولوا أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بالشاكرين} [الأنعام: 53] ثم قال: {وَإِذَا جَاءَكَ الذين يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} [الأنعام: 54] قال: فدنونا منه حتى وضعنا رُكَبنا على رُكْبته؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتَركَنَا: فأنزل الله عزّ وجل: {واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا} ولا تجالس الأشراف {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} يعني عُيَنْنة والأقرع {واتبع هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28] أي هلاكًا قال: أَمْر عُيَيْنة والأقرع؛ ثم ضرب لهم مَثَل الرجلين ومَثَل الحياة الدنيا.
قال خَبَّاب: فكنا نقعد مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بلغنا الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم.
رواه عن أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القَطَّان حدّثنا عمرو بن محمد العَنْقَزِيّ حدّثنا أسباط عن السُّديّ عن أبي سعيد الأزْدي وكان قارئ الأزد عن أبي الكنود عن خَبّاب؛ وأخرجه أيضًا «عن سعد قال: نزلت هذه الآية فينا ستة، فيّ وفي ابن مسعود وصُهَيب وعمّار والمِقْداد وبلال؛ قال: قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا نرضى أن نكون أتباعًا لهم فاطردهم، قال: فدخل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما شاء الله أن يدخل؛ فأنزل الله عزّ وجل: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي} الآية» وقرئ {بِالغُدْوَةِ} وسيأتي بيانه في الكهف إن شاء الله.
قوله تعالى: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} أي من جزائهم ولا كفاية أرزاقهم، أي جزاؤهم ورزقهم على الله، وجزاؤك ورزقك على الله لا على غيره.
من الأولى للتبعيض، والثانية زائدة للتوكيد.
وكذا {وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ} المعنى وإذا كان الأمر كذلك فأقبل عليهم وجالسهم ولا تطردهم مراعاة لحق من ليس على مثل حالهم في الدّين والفضل؛ فإن فعلت كنت ظالمًا.
وحاشاه من وقوع ذلك منه، وإنما هذا بيان للأحكام، ولئلا يقع مثل ذلك من غيره من أهل السلام؛ وهذا مثل قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وقد علم الله منه أنه لا يُشرِك ولا يَحبط عمله.
{فَتَطْرُدَهُمْ} جواب النفي.
{فَتَكُونَ مِنَ الظالمين} نصب بالفاء في جواب النهي؛ المعنى: ولا تطرد الذين يدعون ربهم فتكون من الظالمين، وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم، على التقديم والتأخير.
والظلم أصله وضع الشيء في غير موضعه؛ وقد تقدّم في البقرة مستوفى.
وقد حصل من قوّة الآية والحديث النهي عن أن يعظم أحد لجاهه ولثوبه، وعن أن يحتقر أحد لخموله ولرثاثة ثوبيه. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}.
قال سلمان وخباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري وهما من المؤلفة قلوبهم فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعدًا مع صهيب وبلال وعمار وخباب في نفر في ضعفاء المؤمنين فلما رأوهم حوله، حقّروهم فأتوه فقالوا: يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم وكانت عليهم جباب صوف لها رائحة ليس عليهم غيرها لجالسناك وأخذنا عنك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أنا بطارد المؤمنين» قالوا: فإنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسًا تعرف به العرب فضلنا فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا فإذا نحن فرغنا فأقعدهم إن شئت.