فصل: من فوائد أبي حيان في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال: نعم.
قالوا فاكتب لنا عليك بذلك كتابًا.
قال: فأتى بالصحيفة ودعا عليًا ليكتب.
قال: ونحن قعود في ناحية إذا نزل جبريل عليه السلام بقوله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} إلى قوله: {أليس الله بأعلم الشاكرين} فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده ثم دعانا فأتيناه وهو يقول سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله تبارك وتعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} الآية فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد ذلك وندنو منه حتى كانت ركبنا تمس ركبته فإذا بلغ الساعة التي يريد أن يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم وقال لنا «الحمد الله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات».
وروي عن سعد بن أبي وقاص قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترؤون علينا.
قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هزيل وبلال ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} أخرجه مسلم.
وقال الكلبي: قالوا له، يعني أشراف قريش، اجعل لنا يومًا ولهم يومًا.
قال: لا أفعل.
قالوا: فاجعل المجلس واحدًا وأقبل علينا وولِّ ظهرك إليهم.
فأنزل الله هذه الآية.
وقال مجاهد: قالت قريش لولا بلال وابن أم عبد يعني ابن مسعود لبايعناك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال ابن مسعود: مر ملأ من قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين فقالوا: يا محمد رضيت بهؤلاء بدلًا من قومك هؤلاء الذين مَنَّ الله عليهم من بيننا أنحن نكون تبعًا لهؤلاء اطردهم فلعلك إن طردتهم أن نتبعك فنزلت هذه الآية.
وقال عكرمة: جاء عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدي والحارث بن نوفل في أشراف بني عبد مناف من أهل الكفر إلى أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا طالب لو أن ابن أخيك محمدًا يطرد عنه موالينا وحلفاءنا فإنهم عبيدنا وعسفاءنا، كان أعظم في صدورنا وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقنا له فأتى أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بالذي كلموه به فقال عمر بن الخطاب: لو فعلت ذلك حتى ننظر ما الذي يريدون وإلى ماذا يصيرون فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم قوله أليس الله بأعلم بالشاكرين} فجاء عمر فاعتذر من مقالته.
قلت بين هذه الروايات الرواية الأولى التي عن سلمان وخباب بن الأرث فرق كثير وبعد عظيم، وهو أن إسلام سلمان كان بالمدينة، وكان إسلام المؤلفة قلوبهم بعد الفتح وسورة الأنعام مكية.
والصحيح ما روي عن ابن مسعود والكلبي وعكرمة في ذلك، ويعضده حديث مسعد بن أبي وقاص المخرج في صحيح مسلم من أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء، يعني ضعفاء المسلمين، والله أعلم.
وأما معنى الآية فقوله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم.
يعني: ولا تطرد هؤلاء الضعفاء ولا تبعدهم عن مجلسك لأجل ضعفهم وفقرهم.
ثم وصفهم فقال تعالى: {الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} يعني صلاة الصبح وصلاة العصر.
ويروى عنه أن المراد منه الصلوات الخمس.
وإنما ذكر هذين الوقتين تنبيهًا على شرفهما ولأنهم مواظبون عليهما مع بقية الصلوات، ولأن الصلوات تشتمل على القراءة والدعاء والذكر فعبر بالدعاء عن الصلاة لهذا المعنى.
قال مجاهد: صليت الصبح مع سعيد بن المسيب فلما سلم الإمام ابتدر الناس القاص فقال سعيد بن المسيب: ما أسرع الناس إلى هذا المجلس؟ فقال مجاهد: يتأولون قوله تعالى يدعون ربهم بالغداة والعشي قال أوفي هذا إنما هو في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن وقال ابن عباس إن ناسًا من الفقراء كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال ناس من أشراف الناس نؤمن لك وإذا صلينا فأخِّر هؤلاء الذين معك فليصلوا خلفنا، وقيل: المراد منه حقيقة الدعاء والذكر والمعنى: أنهم كانوا يذكرون ربهم ويدعونه طرفي النهار يريدون وجهه يعني يطلبون بعبادتهم وطاعتهم وجه الله مخلصين في عبادتهم له.
وقال ابن عباس: يطلبون ثواب الله تعالى: {ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء} يعني لا تكلف أمرهم ولا يكلفون أمرك.
وقيل: ما عليك حسابهم رزقهم فتملهم وتطردهم عنك ولا رزقك عليهم إنما الرازق لجميع الخلق هو الله تعالى فلا تطردهم عنك: {فتطردهم فتكون من الظالمين} يعني بطردهم عنك وعن مجلسك.
فقوله: فتطردهم، جواب النفي وهو قوله ما عليك من حسابهم من شيء وقوله: فتكون من الظالمين، جواب النهي وهو قوله ولا تطرد الذين يدعون ربهم واحتج الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بهذه الآية فقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم لما همَّ بطرد الفقراء عن مجلسه لأجل الأشراف عاتبه الله على ذلك ونهاه عن طردهم وذلك يقدح في العصمة وقوله فتطردهم فتكون من الظالمين والجواب عن هذا الاحتجاج أن النبي صلى الله عليه وسلم ما طردهم ولا همَّ بطردهم، لأجل استخفاف بهم والاستنكاف من فقرهم وإنما كان هذا الهم لمصلحة وهي التلطف بهؤلاء الأشراف في إدخالهم في الإسلام فكان ترجيح هذا الجانب أولى وهو اجتهاد منه فأعلمه الله تعالى أن إدناء هؤلاء الفقراء أولى الهمِّ بطردهم فقربهم منه وأدناهم.
وأما قوله فتطردهم فتكون من الظالمين فإن الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه فيكون المعنى أن أولئك الفقراء الضعفاء يستحقون التعظيم والتقريب فلا تهم بطردهم عنك فتضع الشيء في غير موضعه فهو من باب ترك الأفضل والأولى لا من باب ترك الواجبات والله أعلم. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}.
قال سعد بن أبي وقاص: نزلت فينا ستة فيّ وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال قالت قريش: إنا لا نرضى أن نكون لهؤلاء تبعًا فاطردهم عنك فنزلت.
وقال خباب بن الأرت: فينا نزلت كنا ضعفاء عند النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا بالغداة والعشي ما ينفعنا، فقال الأقرع بن حابس وعيينة بن حصين: إنا من أشراف قومنا وإنا نكره أن يرونا معهم فاطردهم إذا جالسناك فنزلت، فأتيناه وهو يقول: سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته وهذا فيه بعد، لأن الآية مكية وهؤلاء الأشراف لم ينذروا إلا بالمدينة.
وفي رواية عن خباب فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} الآية.
فكان يقعد معنا فإذا بلغ الوقت الذي يقوم فيه قمنا وتركناه حتى يقوم.
وروى العوفي عن ابن عباس إن ناسًا من الأشراف قالوا: نؤمن بك وإذا صلينا خلفك فأخر هؤلاء الذين معك فيصلوا خلفنا فيكون الطرد تأخرهم من الصف لا طردهم من المجلس.
ورويت هذه الأسباب بزيادة ونقص ومضمونها أن ناسًا من أشراف العرب سألوا من الرسول صلى الله عليه وسلم طرد فقراء المؤمنين عنه فنزلت، ولما أمر تعالى بإنذار غير المتقين {لعلهم يتقون} أردف ذلك بتقريب المتقين وإكرامهم ونهاه عن طردهم ووصفهم بموافقة ظاهرهم لباطنهم من دعاء ربهم وخلوص نياتهم، والظاهر من قوله تعالى: {يدعون ربهم} يسألونه ويلجأون إليه ويقصدونه بالدعاء والرغبة {بالغداة والعشي} كناية عن الزمان الدائم ولا يراد بهما خصوص زمانهما كما تقول: الحمد لله بكرة وأصيلًا تريد في كل حال فكنى بالغداة عن النهار وبالعشي عن الليل، أو خصهما بالذكر لأن الشغل فيهما غالب على الناس ومن كان في هذين الوقتين يغلب عليه ذكر الله ودعاؤه كان في وقت الفراغ أغلب عليه.
وقيل: المراد بالدعاء الصلاة المكتوبة.
فقال الحسن ومقاتل: هي الصلاة بمكة التي كانت مرتين في اليوم بكرة وعشيًا.
وقال قتادة ومجاهد: في رواية عنه هي صلاة الصبح والعصر.
وقال ابن عمر وابن عباس ومجاهد في رواية وابراهيم: هي الصلوات الخمس.
وقال بعض القصاص: إنه الاجتماع إليهم غدوة وعشيًا فأنكر ذلك ابن المسيب وعبد الرحمن بن أبي عمرة وغيرهما، وقالوا: إلا الآية في الصلوات في الجماعة.
وقال أبو جعفر: هي قراءة القرآن وتعلمه.
وقال الضحاك: العبادة.
وقال ابراهيم في رواية: ذكر الله.
وقال الزجاج: دعاء الله تعالى بالتوحيد والإخلاص وعبادته.
وقرأ الجمهور {بالغداة}.
وقرأ ابن عامر وأبو عبد الرحمن ومالك بن دينار والحسن ونصر بن عاصم وأبو رجاء العطاردي بالغدو.
وروي عن أبي عبد الرحمن أيضًا بالغدوّ بغيرها.
وقرأ ابن أبي عبلة: بالغدوات والعشيات بالألف فيهما على الجمع، والمشهور في غدوة أنها معرفة بالعلمية ممنوعة الصرف.
قال الفرّاء: سمعت أبا الجرّاح يقول: ما رأيت كغدوة قط يريد غداة يومه، قال: ألا ترى أن العرب لا تضيفها فكذا لا تدخلها الألف واللام إنما يقولون: جئتك غداة الخميس؛ انتهى.
وحكى سيبويه والخليل أن بعضهم ينكرها فيقول: رأيته غدوة بالتنوين وعلى هذه اللغة قرأ ابن عامر ومن ذكر معه وتكون إذ ذاك كفينة.
حكى أبو زيد: لقيته فينة غير مصروف ولقيته الفينة بعد الفينة أي الحين بعد الحين ولما خفيت هذه اللغة على أبي عبيد أساء الظن بمن قرأ هذه القراءة فقال: إنما نرى ابن عامر والسلمي قرآ تلك القراءة اتباعًا للخط وليس في إثبات الواو في الكتاب دليل على القراءة بها، لأنهم كتبوا الصلاة والزكاة بالواو ولفظهما على تركها وكذلك الغداة على هذا وجدنا العرب؛ انتهى.
وهذا من أبي عبيد جهل بهذه اللغة التي حكاها سيبويه والخليل وقرأ بها هؤلاء الجماعة وكيف يظن بهؤلاء الجماعة القرّاء أنهم إنما قرؤا بها لأنها مكتوبة في المصحف بالواو والقراءة، إنما هي سنة متبعة وأيضًا فابن عامر عربي صريح كان موجودًا قبل أن يوجد اللحن لأنه قرأ القرآن على عثمان بن عفان ونصر بن عاصم أحد العرب الأئمة في النحو، وهو ممن أخذ علم النحو عن أبي الأسود الدؤلي مستنبط علم النحو والحسن البصري من الفصاحة بحيث يستشهد بكلامه فكيف يظن بهؤلاء إنهم لحنوا؟ انتهى.
واغتروا بخط المصحف ولكن أبو عبيدة جهل هذه اللغة وجهل نقل هذه القراءة فتجاسر على ردها عفا الله عنه، والظاهر أن العشي مرادف للعشية ألا ترى قوله: {إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد} وقيل: هو جمع عشية ومعنى {يريدون وجهه} يخلصون نياتهم له في عبادتهم ويعبر عن ذات الشيء وحقيقته بالوجه.
وقال ابن عباس: يطلبون ثواب الله والجملة في موضع الحال وقد استدل بقوله: {وجهه} من أثبت الأعضاء لله تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
{ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء} قال الحسن والجمهور: الحساب هنا حساب الأعمال.
وقيل: حساب الأرزاق أي لا ترزقهم ولا يرزقونك حكاه الطبري.
وقال الزمخشري: كقوله: {إن حسابهم إلا على ربي} وذلك أنهم طعنوا في دينهم وإخلاصهم فقال: {ما عليك من حسابهم من شيء} بعد شهادته لهم بالإخلاص وبإرادة وجه الله تعالى في أعمالهم وإن كان الأمر كما يقولون عند الله، فما يلزمك إلا اعتبار الظاهر والاتسام بسيرة المتقين وإن كان لهم باطن غير مرضي فحسابهم عليهم لازم لهم لا يتعداهم إليك، كما إن حسابك عليك لا يتعداك إليهم كقوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} انتهى.
ولا يمكن ما ذكره من الترديد في قوله: وإن كان الأمر إلى آخره لأنه تعالى قد أخبر بأنهم {يدعون ربهم بالغداة العشي يريدون وجهه} وإخبار الله تعالى هو الصدق الذي لا شك فيه فلا يقال فيهم وإن كان الأمر كما يقولون وإن كان لهم باطن غير مرضي لأنه فرض مخالف لما أخبر الله تعالى به من خلوص بواطنهم ونياتهم له تعالى.
قال الزمخشري: فإن قلت: ما كفى قوله: {ما عليك من حسابهم من شيء} حتى ضم إليه {ما من حسابك عليهم من شيء} قلت: قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة وقصدهما مؤدّي واحد وهو المعنى في قوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعًا كأنه قيل: لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه؛ انتهى.
وقوله: كأنه قيل لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه تركيب غير عربي، لا يجوز عود الضمير هنا غائبًا ولا مخاطبًا لأنه إن أعيد غائبًا فلم يتقدّم له اسم مفرد غائب يعود عليه، إنما يتقدّم قوله: ولا هم ولا يمكن العود إليه على اعتقاد الاستغناء بالمفرد عن الجمع لأنه يصير التركيب بحساب صاحبهم وإن أعيد مخاطبًا فلم يتقدّم له مخاطب يعود عليه إنما تقدم قوله: لا تؤاخذ أنت، ولا يمكن العود إليه لأنه مخاطب فلا يعود عليه غائبًا ولو أبرزته مخاطبًا لم يصح التركيب أيضًا وإصلاح هذا التركيب أن يقال: لا يؤاخذ كل واحد منكم ولا منهم بحساب صاحبه أو لا تؤاخذ أنت بحسابهم ولا هم بحسابك، أو لا تؤاخذ أنت ولا هم بحسابكم فتغلب الخطاب على الغيبة كما تقول أنت وزيد تضربان، والظاهر أن الضمائر كلها عائدة على {الذين يدعون}.