فصل: قال ابن كثير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن كثير:

وقوله: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} أي: ابتلينا واختبرنا وامتحنا بعضهم ببعض {لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غالب من اتبعه في أول البعثه، ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والإماء، ولم يتبعه من الأشراف إلا قليل، كما قال قومُ نوح لنوح: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} الآية [هود: 27]، وكما قال هرقل ملك الروم لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل، فقال له: فهل اتبعه ضعفاء الناس أو أشرافهم؟ قال: بل ضعفاؤهم. فقال: هم أتباع الرسل.
والغرض: أن مشركي قريش كانوا يسخرون بمن آمن من ضعفائهم، ويعذبون من يقدرون عليه منهم، وكانوا يقولون: {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا}؟ أي: ما كان الله ليهدي هؤلاء إلى الخير- لو كان ما صاروا إليه خيرا- ويدعنا، كما قالوا: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11]، وكما قال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم: 73].
قال الله تعالى في جواب ذلك: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم: 74]، وقال في جوابهم حين قالوا: {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} أي: أليس هو أعلم بالشاكرين له بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم، فيوفقهم ويهديهم سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إليه صراطًا مستقيما، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. وفي الحديث الصحيح: «إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى ألوانكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». اهـ.

.قال أبو حيان:

{وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا}.
الكاف للتشبيه في موضع نصب والإشارة بذلك إلى فتون سابق وقد تقدم ذكر أمم رسل وإرسالهم مبشرين ومنذرين، وتقسيم أممهم إلى مؤمن ومكذب فدل ذلك على أن اتباع الرسل مختلفون وواقع فيهم الفتون لا محالة؛ كما وقع في هذه الأمة فشبه تعالى ابتلاء هذه الأمة واختبارها بابتلاء الأمم السالفة أي حال هذه الأمّة حال الأمم السابقة في فتون بعضهم ببعض والفتون بالغني والفقر أو بالشرف والوضاعة والقوّة والضعف.
قال الزمخشري: ومثل ذلك الفتن العظيم فتن بعض الناس ببعض أي ابتليناهم به وذلك إن المشركين كانوا يقولون للمسلمين {أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا} أي أنعم عليهم بالتوفيق لإصابة الحق ولما يسعدهم عنده من دوننا ونحن المقدمون والرؤساء وهم العبيد والفقراء إنكارًا لأن يكون أمثالهم على الحق وممنونًا عليهم من بيننا بالخير نحوًا {أؤلقي الذكر عليه من بيننا} {لو كان خيرًا ما سبقونا إليه} ومعنى فتناهم ليقولوا ذلك خذلانهم فافتتنوا حتى كان افتتانهم سببًا لهذا القول لأنه لا يقول مثل قولهم هذا إلا مخذول متقوّل؛ انتهى.
وآخر كلامه على طريقة المعتزلة من تأويل الفتنة التي نسبها تعالى إليه بالخذلان لأن جريًا على عادته.
قال ابن عطية: ابتلاء المؤمنين بالمشركين هو ما يلقون منهم من الأذى، وابتلاء المشركين بالمؤمنين هو أن يرى الرجل الشريف من المشركين قومًا لا شرف لهم قد عظمهم هذا الدين وجعل لهم عند نبيهم قدرًا ومنزلة، والإشارة بذلك إلى من ذكر من ظلمهم أن تطرد الضعفة؛ انتهى.
ولا ينتظم هذا التشبيه إذ يصير التقدير ومثل ذلك أي طلب الطرد {فتنا بعضهم ببعض} والذي يتبادر إليه الذهن أنك إذا قلت: ضربت مثل ذلك إنما يفهم منه مثل ذلك الضرب لا أنه تقع المماثلة في غيره واللام في {ليقولوا} الظاهر أنها لام كي أي هذا الابتلاء لكي يقولوا: هذه المقالة على سبيل الاستفهام لأنفسهم والمناجاة لها، ويصير المعنى ابتلينا أشراف الكفار بضعفاء المؤمنين ليتعجبوا في نفوسهم من ذلك ويكون سببًا للنظر لمن هدى ومن أثبت أن اللام تكون للصيرورة، جوز هنا أن تكون للصيرورة ويكون قولهم على سبيل الاستحقاق {وهؤلاء} إشارة إلى المؤمنين {ومن الله عليهم} أي بزعمهم إن دينهم منه تعالى.
{أليس الله بأعلم بالشاكرين} هذا استفهام معناه التقرير والردّ على أولئك القائلين أي الله أعلم بمن يشكر فيضع فيه هدايته دون من يكفر فلا يهديه، وجاء لفظ الشكر هنا في غاية من الحسن إذ تقدم من قولهم: {أهؤلاء منّ الله عليهم} أي أنعم عليهم فناسب ذكر الإنعام لفظ الشكر؟ والمعنى أنه تعالى عالم بهؤلاء المنعم عليهم الشاكرين لنعمائه وتضمن العلم معنى الثواب والجزاء لهم على شكرهم فليسوا موضع استخفافكم ولا استعجابكم.
وقيل: بالشاكرين من منّ عليهم بالإيمان دون الرؤساء الذين علم منهم الكفر.
وقيل: من يشكر على الإسلام إذا هديته.
وقيل: بمن يوفق للإيمان كبلال ومن دونه.
وقال الزمخشرى: أي الله أعلم بمن يقع منه الإيمان والشكر فيوفقه للإيمان وبمن يصمم على كفره فيخذله ويمنعه التوفيق؛ انتهى.
وهو على طريقة الاعتزال. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {وكذلك فتنَّا بعضهم ببعض} يعني وكذلك ابتلينا الغني بالفقير، والفقير بالغني، والشريف بالوضيع، والوضيع بالشريف فكل أحد مبتلى بضده فكان ابتلاء الأغنياء فالشرفاء حسدهم لفقراء الصحابة على كونهم سبقوهم إلى الإسلام وتقدموا عليهم فامتنعوا من الدخول في الإسلام لذلك فكان فتنة وابتلاء لهم، وأما فتنة الفقراء بالأغنياء، فلما يرون من سعة رزقهم وخصب عيشهم فكان ذلك فتنة لهم {ليقولوا} يعني الأغنياء والشرفاء والرؤساء {أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا} يعني منَّ على الفقراء والضعفاء بالإسلام ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا اعتراض من الكفار على الله تعالى فأجابهم بقوله: {أليس الله بأعلم بالشاكرين} يعني أنه تعالى أعلم بخلقه وبأحوالهم وأعلم بالشاكرين من الكافرين. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} استئناف مبينٌ لما نشأ عنه ما سبق من النهي، وذلك إشارة إلى مصدر ما بعده من الفعل الذي هو عبارةٌ عن تقديمه تعالى لفقراء المؤمنين في أمر الدين بتوفيقهم للإيمان مع ما هم عليه في أمر الدنيا من كمال سوء الحال، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو درجة المشار إليه، وبُعْدِ منزلتِه في الكمال، والكاف مُقحَمَةٌ لتأكيد ما أفاده اسمُ الإشارة من الفخامة، ومحلُها في الأصل النصب على أنه نعتٌ لمصدرٍ مؤكّدٍ محذوف، والتقدير فتنا بعضَهم ببعض فتونًا كائنًا مثلَ ذلك الفتون، ثم قُدّم على الفعل لإفادة القصْرِ المفيدِ لعدم القصور فقط، واعتُبرت الكافُ مُقحَمةً فصار نفسَ المصدرِ المؤكدِ لا نعتًا له. والمعنى ذلك الفتونَ الكاملَ البديعَ فتنّا، أي ابتلَينا بعضَ الناس ببعضهم لا فتونًا غيره، حيث قدمنا الآخِرين في أمر الدينِ على الأولين المتقدَّمين عليهم في أمر الدنيا تقدمًا كليًا، واللام في قوله تعالى: {لّيَقُولواْ} للعاقبة، أي ليقول البعضُ الأولون مُشيرين إلى الآخِرين محقِّرين لهم نظرًا إلى ما بينهما من التفاوت الفاحشِ الدنيوي، وتعاميًا عما هو مَناطُ التفضيلِ حقيقةً {أَهَؤُلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا} بأن وفّقهم لإصابة الحقِّ ولِما يُسعِدَهم عنده تعالى من دوننا، ونحن المقدَّمون والرؤساء، وهم العبيدُ والفقراء، وغرضُهم بذلك إنكارُ وقوعِ المنِّ رأسًا على طريقة قولِهم: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} لا تحقيرُ الممنونِ عليهم مع الاعتراف بوقوعه بطريق الاعتراضِ عليه تعالى، وقولُه تعالى: {أَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بالشاكرين} ردٌّ لقولهم ذلك وإبطال له، وإشارةٌ إلى أن مدارَ استحقاقِ الإنعامِ معرفةُ شأنِ النعمةِ والاعترافُ بحق المُنعِم، والاستفهامُ لتقرير علمه البالغِ بذلك، أي أليس الله بأعلمَ بالشاكرين لِنِعَمِه حتى تستبعِدوا إنعامَه عليهم؟ وفيه من الإشارة إلى أن أولئك الضعفاءَ عارفون بحقِّ نِعَم الله تعالى في تنزيل القرآنِ والتوفيقِ للإيمان، شاكرون له تعالى على ذلك مع التعريض بأن القائلين بمعزلٍ من ذلك كله ما لا يخفى. اهـ.

.قال الألوسي:

{وكذلك فَتَنَّا} أي ابتلينا واختبرنا {بَعْضَهُم بِبَعْضٍ} والمراد عاملناهم معاملة المختبر وذلك إشارة إلى الفتن المذكور في النظم الكريم، وعبر عنه بذلك إيذانًا بتفخيمه كقولك: ضربت ذلك الضرب.
والكاف مقحمة بمعنى أن التشبيه غير مقصود منها بل المقصود لازمه الكنائي أو المجازي وهو التحقق والتقرر وهو إقحام مطرد وليست زائدة كما توهم.
والمعنى مثل ذلك الفتن العظيم البديع فتنا بعض الناس ببعضهم حيث قدمنا الآخرين في أمر الدين على الأولين المتقدمين عليهم في أمر الدنيا، ويؤول إلى أن هذا الأمر العظيم متحقق منا.
ومن ظنَّ أن التشبيه هو المقصود لم يجوز أن يكون ذلك إشارة إلى المذكور لما يلزمه من تشبيه الشيء بنفسه.
وتكلف لوجه التشبيه والمغايرة بجعل المشبه به الأمر المقرر في العقول والمشبه ما دل عليه الكلام من الأمر الخارجي، وقيل: المراد مثل ما فتنا الكفار بحسب غناهم وفقر المؤمنين حتى أهانوهم لاختلافهم في الأسباب الدنيوية فتناهم بحسب سبق المؤمنين إلى الإيمان وتخلفهم عنه حتى حسدوهم وقالوا ما قالوا لاختلاف أديانهم، ولا يخفى أن الأول أدق نظرًا وأعلى كعبًا وقد سلف بعض الكلام على ذلك.
{لّيَقُولواْ} أي البعض الأولون مشيرين إلى الآخرين محقرين لهم {أَهَؤُلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم} بأن وفقهم لإصابة الحق والفوز بما يسعدهم عنده سبحانه: {مّن بَيْنِنَا} أي من دوننا ونحن المقدمون والرؤساء وهم العبيد والفقراء وغرضهم بذلك إنكار المن رأسًا على حد قولهم: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11] لا تحقير الممنون عليهم مع الإعتراف بوقوعه بطريق الاعتراض عليه سبحانه، وذكر الإمام أنه سبحانه وتعالى بين في هذه الآية أن كلًا من الفريقين المؤمنين والكفار مبتلى بصاحبه فأولئك الكفار الرؤساء الأغنياء كانوا يحسدون فقراء الصحابة رضي الله تعالى عنهم على كونهم سابقين في الإسلام متسارعين إلى قبوله فقالوا: لو دخلنا في الإسلام لوجب علينا أن ننقاد لهؤلاء الفقراء وكان ذلك يشق عليهم.
ونظيره قوله تعالى: {أَؤُلْقِيَ الذّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ} [القمر: 25].
و{لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} وأما فقراء الصحابة فكانوا يرون أولئك الكفار في الراحة والمسرة والخصب والسعة فكانوا يقولون: كيف حصلت هذه الأحوال لهؤلاء الكفار مع أنا (بقينا) في الشدة والضيق والقلة.
وأما المحققون المحقون فهم الذين يعلمون أن كل ما فعله الله تعالى فهو حق وصدق وحكمة وصواب ولا اعتراض عليه إما بحكم المالكية كما نقول أو بحسب المصلحة كما يقول المعتزلة. انتهى.
وفيه نظر لأن صدر كلامه صريح في أن الكفار معترفون بوقوع المن للمشار إليهم حاسدون لهم على وقوعه وهو مناف لتنظيره بقولهم: {لَوْ كَانَ خَيْرًا} إلخ.
وأيضًا كلامه كالصريح في أن فقراء المؤمنين حسدوا الكفار على دنياهم واعترضوا على الله سبحانه بالترفيه على أعدائه والتضييق على أحبائه وذلك مما يجل عنه أدنى المؤمنين فكيف أولئك الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وأيضًا مقابلة فقراء الصحابة رضي الله تعالى عنهم بالمحققين المحقين يدل على أنهم وحاشاهم لم يكونوا كذلك وهو بديهي البطلان عند المحققين المحقين فتدبر.
واللام ظاهرة في التعليل وهي متعلقة بفتنا وما بعدها علة له. اهـ.

.قال الفخر:

احتج أصحابنا بهذه الآية في مسألة خلق الأفعال من وجهين:
الأول: أن قوله: {وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} تصريح بأن إلقاء تلك الفتنة من الله تعالى، والمراد من تلك الفتنة ليس إلا اعتراضهم على الله في أن جعل أولئك الفقراء رؤساء في الدين والاعتراض على الله كفر وذلك يدل على أنه تعالى هو الخالق للكفر.
والثاني: أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا: {أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا} والمراد من قوله: {مَنَّ الله عَلَيْهِم} هو أنه مَنَّ عليهم بالإيمان بالله ومتابعة الرسول، وذلك يدل على أن هذه المعاني إنما تحصل من الله تعالى لأنه لو كان الموجد للإيمان هو العبد، فالله ما منّ عليه بهذا الإيمان، بل العبد هو الذي منّ على نفسه بهذا الإيمان، فصارت هذه الآية دليلًا على قولنا في هذه المسألة من هذين الوجهين: أجاب الجبائي عنه، بأن الفتنة في التكليف ما يوجب التشديد، وإنما فعلنا ذلك ليقولوا أهؤلاء؟ أي ليقول بعضهم لبعض استفهامًا لا إنكارًا {أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا} بالإيمان؟ وأجاب الكعبي عنه بأن قال: {وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} ليصبروا أو ليشكروا، فكان عاقبة أمرهم أن قالوا: {أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا} على ميثاق قوله: {فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] والجواب عن الوجهين أنه عدول عن الظاهر من غير دليل لاسيما والدليل العقلي قائم على صحة هذا الظاهر، وذلك لأنه لما كانت مشاهدة هذه الأحوال توجب الأنفة، والأنفة توجب العصيان والاصرار على الكفر، وموجب الموجب موجب، كان الإلزام واردًا، والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

والسلف كما قال شيخنا إبراهيم الكوراني وقاضي القضاة تقي الدين محمد التنوخي وغيرهما على إثبات العلة لأفعاله تعالى استدلالًا بنحو عشرة آلاف دليل على ذلك.
واحتج النافون لذلك بوجوه ردها الثاني في المحتبر، وذكر الأول في مسلك السداد ما يعلم منه ردها، وهذا بحث قد فرغ منه وطوي بساطه، وقال غير واحد: هي لام العاقبة، ونقل عن شرح المقاصد ما يأتي ذلك وهو أن لام العاقبة إنما تكون فيما لا يكون للفاعل شعور بالترتب وقت الفعل أو قبله فيفعل لغرض ولا يحصل له ذلك بل ضده فيجعل كأنه فعل الفعل لذلك الغرض الفاسد تنبيهًا على خطئه ولا يتصور هذا في كلام علام الغيوب بالنظر إلى أفعاله وإن وقع فيه بالنظر إلى فعل غيره سبحانه كقوله عز وجل: {فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] إذ ترتب فوائد أفعاله تعالى عليها مبنية على العلم التام، نعم إن ابن هشام وكثيرًا من النحاة لم يعتبروا هذا القيد، وقالوا: إنها لام تدل على الصيرورة والمآل مطلقًا فيجوز أن تقع في كلامه تعالى حينئذ على وجه لا فساد فيه، ومن الناس من قال: إنها للتعليل مقابلًا به احتمال العاقبة على أن {فَتَنَّا} متضمن معنى خذلنا أو على أن الفتن مراد به الخذلان من إطلاق المسبب على السبب.