فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

{أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ} في الجهالة تأويلان:
أحدهما: الخطيئة، قاله الحسن، ومجاهد، والضحاك.
والثاني: ما جهل كراهية عاقبته، قاله الزجاج.
ويحتمل ثالثًا: أن الجهالة هنا ارتكاب الشبهة بسوء التأويل.
{ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ} يعني تاب من عمله الماضي وأصلح في المستقبل. اهـ.

.قال القرطبي:

{أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سواءا بِجَهَالَةٍ} أي خطيئة من غير قصد؛ قال مجاهد: لا يعلم حلالًا من حرام ومن جهالته رَكِب الأمرَ، فكل من عمل خطيئة فهو بها جاهل؛ وقد مضى هذا المعنى في النساء.
وقيل: من آثر العاجل على الآخرة فهو الجاهل.
{فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} قرأ بفتح أَنَّ مِن {فَأَنَّهُ} ابن عامر وعاصم، وكذلك {أَنَّهُ مَن عَمِلَ} ووافقهما نافع في {أَنَّهُ مَن عَمِلَ}.
وقرأ الباقون بالكسر فيهما؛ فمن كسر فعلى الاستئناف، والجملة مفسرة للرّحمة؛ وإنّ إذا دخلت على الجمل كُسِرت وحكم ما بعد الفاء الابتداء والاستئناف فكُسِرت لذلك.
ومن فتحهما فالأُولى في موضع نصب على البدل من الرحمة، بدل الشيء من الشيء وهو هو فأعمل فيها {كَتَبَ} كأنه قال: كتب ربكم على نفسه أنه من عمل؛ وأما {فَأَنَّهُ غَفُورٌ} بالفتح ففيه وجهان؛ أحدهما أن يكون في موضع رفع بالابتداء والخبر مضمر، كأنه قال: فله أنه غفور رحيم؛ لأن ما بعد الفاء مبتدأ، أي فله غفران الله.
الوجه الثاني أن يضمر مبتدأ تكون أنّ وما عملت فيه خبره؛ تقديره فأمره غفران الله له، وهذا اختيار سيبويه، ولم يُجِز الأوّل، وأجازه أبو حاتم وقيل: إنّ كَتَبَ عمل فيها؛ أي كتب ربكم أنه غفور رحيم.
وروي عن علي بن صالح وابن هُرْمز كسر الأولى على الاستئناف، وفتح الثانية على أن تكون مبتدأة أو خبر مبتدأ أو معمولة لكتب على ما تقدّم.
ومن فتح الأولى وهو نافع جعلها بدلًا من الرحمة، واستأنف الثانية لأنها بعد الفاء، وهي قراءة بيِّنة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ}.
أحلَّه محل الأكابر والسَّادة، فإن السلام من شأن الجائي إلا في صفة الأكابر؛ فإن الجائي أو الآتي يسكت لهيبة المأتي حتى يبتدئ ذلك المقصودُ بالسؤال، فعند ذلك يجيب الآتي.
ويقال إذا قاسوا تعبَ المجيء فأزِلُ عنهم المشقةَ بأن قُلْ: {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ}.
ويقال السلام هو السلامة أي فَقُلْ لهم سلام عليكم؛ سَلِمْتُمْ في الحال عن الفُرقة وفي المآل عن الحُرْقة.
قوله جلّ ذكره: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}.
إِنْ وَكَلَ بك من كتب عليك الزلة فقد تولَّى بنفسه لك كتابة الرحمة.
ويقال كتب بمعنى حَكَمَ، وإنه ما حكم إلا بما علم.
ويقال كتابته لك أزلية، وكتابته عليك وقتية، والوقتية لا تبْطِلُ الأزلية.
قوله جلّ ذكره: {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} يعني مَنْ تعاطى شيئًا من أعمال الجُهَّال ثم سوَّف في الرجوع والأوبة قابلناه، يعني مَن تعاطى شيئًا بحسن الإمهال وجميل الأفضال، فإذا عاد بتوبة وحسرة أقبلنا عليه بِكُلِّ لطف وقبول. اهـ.

.كلام نفيس لابن القيم في السلام:

قال عليه الرحمة:
مسألة:
سلام عليكم ورحمة الله في هذا التسليم ثمانية وعشرون سؤالا: السؤال الأول: ما معنى السلام وما حقيقته السؤال الثاني: هل هو مصدر أو اسم السؤال الثالث: هل قول المسلم سلام عليكم خبر أو إنشاء السؤال الرابع: ما معنى السلام المطلوب عند التحية وإذا كان دعاء وطلبا فما الحكمة في طلبه عند التلاقي والمكاتبة دون غيره من المعاني السؤال الخامس: إذا كان من السلامة فمعلوم أن الفعل منها لا يتعدى ب على فلا يقال سلامة عليك وسلمت عليك بكسر اللام وإنما يقال سلام لك كما قال تعالى: {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} السؤال السادس: ما الحكمة في الابتداء في السلام مع كون الخبر جارا ومجرورا وقياس العربية تقديم الخبر في ذلك نحو في الدار رجل السؤال السابع: لم اختص المسلم بهذا النظم والراد بتقديم الجار والمجرور على السلام وهلا كان رده بتقديم السلام مطلقا كابتدائه السؤال الثامن: ما الحكمة في كون سلام المبتدئ بلفظ النكرة وسلام الراد عليه بلفظ المعرفة وكذلك ما الحكمة في ابتداء السلام في المكاتبة بالنكرة وفي آخرها بالمعرفة فيقال أولا سلام عليكم وفي انتهاء المكاتبة والسلام عليكم وهل هذا التعريف لأجل العهد وتقدم السلام أم لحكمة سوى ذلك السؤال التاسع: ما الفائدة في دخول الواو العاطفة في السلام الآخر فيقول أولا: سلام عليكم وفي الانتهاء والسلام عليكم وعلى أي شيء هذا العطف السؤال العاشر: ما السر في نصب السلام في تسليم الملائكة ورفعه في تسليم إبراهيم وهل هو كما تقول النحاة: أن سلام إبراهيم أكمل لتضمنه جملة اسمية دالة على الثبوت وتضمن سلام الملائكة صيغة جملة فعلية دالة على الحدوث أم لسر غير ذلك السؤال الحادي عشر: ما السر في نصب السلام من قوله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} ورفعه من قوله: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} وما الفرق بين الموضعين السؤال الثاني عشر: ما الحكمة في تسليم الله على أنبيائه ورسله والسلام إنما هو طلب السلامة للمسلم عليه فكيف يتصور هذا المعنى في حق الله وهذا من أهم الأسئلة وأحسنها السؤال الثالث عشر: إذا ظهرت حكمة سلامه تعالى عليهم فما الحكمة في كونه سلم عليهم بلفظ النكرة وشرع لعباده أن يسلموا على رسوله بلفظ المعرفة فيقولون السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وكذلك سلامهم على أنفسهم وعلى عباد الله الصالحين السؤال الرابع عشر: ما السر في تسليم الله على يحيى بلفظ النكرة في قوله: {وَسَلامٌ عَلَيْهِ} وتسليم المسيح على نفسه بلفظ المعرفة بقوله: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ} وأي السلامين أتم وأعم السؤال الخامس عشر: ما الحكمة في تقييد هذين السلامين بهذه الأيام الثلاثة {يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} خاصة مع أن السلام مطلوب في جميع الأوقات فلو أتى به مطلقا أما كان أعم فإن هذا التقييد خص السلام بهذه الأيام خاصة السؤال السادس عشر: ما الحكمة في تسليم النبي صلى الله عليه وسلم على من اتبع الهدى في كتاب هرقل بلفظ النكرة وتسليم موسى على من اتبع الهدى بلفظ المعرفة كما جاء في القرآن وهلا كان سلام النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ المعرفة ليطابق القرآن وما الفرق بينهما السؤال السابع عشر: قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} هل هذا سلام من الله فيكون الكلام قد تضمن جملتين طلبية وهي الأمر بقوله: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} وخبرية وهي سلامة تعالى على عباده وعلي هذا فيكون من باب عطف الخبر على الطلب أو هو أمر من الله بالسلام عليهم وعلى هذا فيكون قد أمر بشيئين أحدهما: قول الحمد لله والثاني: قول سلام على عباده الذين اصطفى ويكون كلاهما معمولا لفعل القول وأي المعنيين أليق بالآية السؤال الثامن عشر: روى أبو داود في سننه من حديث أبي جري الهجيمي قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى» صحيح قال الترمذي حديث صحيح وقد صح عنه في السلام على الأموات فعلا وأمرا «السلام عليكم دار قوم مؤمنين» رواه مسلم فما وجه هذا الحديث وكيف الجمع بينه وبين الأحاديث الصحيحة السؤال التاسع عشر: ما وجه دخول الواو في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم» رواه البخاري ومسلم وقد استشكل كثير من الناس أمر هذه الواو حتى أنكر بعضهم من الحذاق أن تكون ثابتة قال: لأن الواو في مثل هذا تقتضي تقرير الأول وتصديقه كما إذا قلت زيد كاتب فقال: المخاطب وفقيه فإنه يقتضي إثبات الأول وزيادة وصف فقيه فكيف دخلت في هذا الموضوع وما وجهها السؤال العشرون: ما السر في اقتران الرحمة والبركة بالسلام دون غيرهما من الصفات كالمغفرة والبر والإحسان ونحو هذا السؤال الحادي والعشرون: لم كانت نهاية السلام عند قوله: «وبركاته» ولم تشرع الزيادة عليها السؤال الثاني والعشرون: ما الحكمة في إضافة الرحمة والبركة إلى الله تعالى وتجريد السلام عن هذه الإضافة ولم لا أضيفت كلها أو ردت كلها السؤال الثالث والعشرون: ما الحكمة في إفراد السلام والرحمة وجمع البركة السؤال الرابع والعشرون: ما الحكمة في تأكيد الأمر بالسلام على النبي بالمصدر دون الصلاة في قوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ولم يقل صلوا صلاة السؤال الخامس والعشرون: ما الحكمة في تقديم السلام عليه في الصلاة على الصلاة عليه وهلا وقعت البداءة بالصلاة عليه أولا ثم اتبعت بالسلام لتصح البداءة بما بدأ الله به من تقديم الصلاة على السلام السؤال السادس والعشرون: ما الحكمة في كون السلام عليه في الصلاة بصيغة خطاب المواجهة وأما الصلاة عليه فجاءت بصيغة الغيبة لذكره باسم العلم.
السؤال السابع والعشرون: وهو ما جر إليه طرد الكلام ما الحكمة في كون الثناء على الله ورد بصيغة في قولنا التحيات لله مع أنه سبحانه هو المناجي المخاطب الذي يسمع كلامنا ويرى مكاننا وجاء السلام على النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة الخطاب مع أن الحال كان يقتضي العكس فما الحكمة في ذلك السؤال الثامن والعشرون: وهو خاتمة الأسئلة ما السر في كون السلام خاتمة الصلاة وهلا كان في ابتدائها وإذا كان كذلك فما السر في مجيئه معرفا وهلا جاء منكرا.
وأما السؤال الأول وهو ما حقيقة هذه اللفظة فحقيقتها البراءة والخلاص والنجاة من الشر والعيوب وعلى هذا المعنى تدور تصاريفها فمن ذلك قولك: «سلمك الله وسلم فلان من الشر ومنه دعاء المؤمنين على الصراط رب سلم اللهم سلم» ومنه سلم الشيء لفلان أي خلص له وحده فخلص من ضرر الشركة فيه قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} أي خالصا له وحده لا يملكه معه غيره ومنه السلم ضد الحرب قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} لأن كلا من المتحاربين يخلص ويسلم من أذى الآخر ولهذا يبنى منه على المفاعلة فيقال: المسالمة مثل المشاركة ومنه القلب السليم وهو النقي من الغل والدغل وحقيقته الذي قد سلم لله تعالى وحده فخلص من دغل الشرك وغله ودغل الذنوب والمخالفات بل هو المستقيم على صدق حبه وحسن معاملته فهذا هو الذي ضمن له النجاة من عذابه والفوز بكرامته ومنه أخذ الإسلام فإنه من هذه المادة لأنه الاستسلام والانقياد لله تعالى والتخلص من شوائب الشرك فسلم لربه وخلص له كالعبد الذي سلم لمولاه ليس فيه شركاء متشاكسون ولهذا ضرب سبحانه هذين المثلين للمسلم المخلص الخالص لربه والمشرك به ومنه السلم للسلف وحقيقته العوض المسلم فيه لأن من هو في ذمته قد ضمن سلامته لربه ثم سمى العقد سلما وحقيقته ما ذكرناه فإن قيل: فهذا ينتقض بقولهم للديغ سليما قيل: ليس هذا بنقض له بل طرد لما قلناه فإنهم سمعوه سليما باعتبار ما يهمه ويطلبه ويرجو أن يئول إليه حاله من السلامة فليس عنده أهم من السلامة ولا هو أشد طلبا منه لغيرها فسمى سليما لذلك وهذا من جنس تسميتهم المهلكة مفازة لأنه لا شيء أهم عند سالكها من فوزه منها أي نجاته فسميت مفازة لأنه يطلب الفوز منها وهذا أحسن من قولهم إنما سميت مفازة وسميت اللديغ سليما تفاؤلا وإن كان التفاؤل جزء هذا المعنى الذي ذكرناه وداخل فيه فهو أعم وأحسن فإن قيل: فكيف يمكنكم رد السلم إلى هذا الأصل قيل: ذلك ظاهر لأن الصاعد إلى مكان مرتفع لما كان متعرضا للهوي والسقوط طالبا للسلامة راجيا لها سميت الآلة التي يتوصل بها إلى غرضه سلما لتضمنها سلامته إذ لو صعد بتكلف من غير سلم لكان عطبه متوقعا فصح أن السلم من هذا المعنى ومنه تسمية الجنة بدار السلام وفي إضافتها إلى السلام ثلاثة أقوال أحدها أنها إضافة إلى مالكها السلام سبحانه الثاني أنها إضافة إلى تحية أهلها فإن تحيتهم فيها السلام الثالث أنها إضافة إلى معنى السلام أي دار السلام من كل آفة ونقص وشر والثلاثة متلازمة وإن كان الثالث أظهرها فإنه لو كانت الإضافة إلى مالكها لأضيفت إلى اسم من أسمائه غير السلام وكان يقال دار الرحمن أو دار الله أو دار الملك ونحو ذلك فإذا عهدت إضافتها إليه ثم جاء دار السلام حملت على المعهود وأيضا فإن المعهود في القرآن إضافتها إلى صفتها أو إلى أهلها أما الأول: فنحو دار القرار دار المجد جنة المأوى جنات النعيم جنات الفردوس وأما الثاني: فنحو دار المتقين ولم تعهد إضافتها إلى اسم من أسماء الله تعالى في القرآن فالأولى حمل الإضافة على المعهود في القرآن وكذلك إضافتها إلى التحية ضعيف من وجهين أحدهما: أن التحية بالسلام مشتركة بين دار الدنيا والآخرة وما يضاف إلى الجنة لا يكون إلا مختصا بها كالخلد والقرار والبقاء الثاني: أن من أوصافها غير التحية ما هو أكمل منها مثل كونها دائمة وباقية ودار الخلد والتحية فيها عارضة عند التلاقي والتزاور بخلاف السلامة من كل عيب ونقص وشر فإنها من أكمل أوصافها المقصودة على الدوام التي لا يتم النعيم فيها إلا به فإضافتها إليه أولى وهذا ظاهر.