فصل: من فوائد الثعلبي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فصل:
أما السؤال الثامن والعشرون: فقد يتضمن ذلك سؤالين أحدهما: ما السر في كون السلام في آخر الصلاة والثاني: لم كان معرفا والجواب: أما اختتام الصلاة به فقد جعل الله تعالى لكل عبادة تحليلا منها فالتحليل من الحج بالرمي وما بعده وكذلك التحليل من الصوم بالفطر بعد الغروب فجعل السلام تحليلا من الصلاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» صحيح تحريمها هنا هو بابها الذي يدخل منه إليها وتحليلها بابها الذي يخرج به منها فجعل التكبير باب الدخول والتسليم باب الخروج لحكمة بديعة بالغة يفهمها من عقل عن الله وألزم نفسه بتأمل محاسن هذا الدين العظيم وسافر فكره في استخراج حكمه وأسراره وبدائعه وتغرب عن عالم العادة والألف فلم يقنع بمجرد الأشباح حتى يعلم ما يقوم به من الأرواح فإن الله تعالى لم يشرع شيئا سدى ولا خلوا من حكمة بالغة بل في طوايا ما شرعه وأمر به من الحكم والأسرار التي تبهر العقول ما يستدل به الناظر فيه على وراءه فيسجد القلب خضوعا وإذعانا فنقول وبالله التوفيق لما كان المصلي قد تخلى عن الشواغل وقطع جميع العلائق وتطهر وأخذ زينته وتهيأ للدخول على الله تعالى ومناجاته شرع له أن يدخل عليه دخول العبيد على الملوك فيدخل بالتعظيم والإجلال فشرع له أبلغ لفظ يدل على هذا المعنى وهو قول الله أكبر فإن في اللفظ من التعظيم والتخصيص والإطلاق في جانب المحذوف المجرور بمن ما لا يوجد في غيره ولهذا كان الصواب أن غير هذا اللفظ لا يقوم مقامه ولا يؤدي معناه ولا تنعقد الصلاة إلا به كما هو مذهب أهل المدينة وأهل الحديث فجعل هذا اللفظ واستشعار معناه والمقصود باب الصلاة الذي يدخل العبد على ربه منه فإنه إذا استشعر بقلبه أن الله أكبر من كل ما يخطر بالبال استحيا منه أن يشغل قلبه في الصلاة بغيره فلا يكون موفيا لمعنى الله أكبر ولا مؤديا لحق هذا اللفظ ولا أتى البيت من بابه بل الباب عنه مسدود وهذا بإجماع السلف أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها وحضره بقلبه وما أحسن ما قال أبو الفرج بن الجوزي في بعض وعظه: حضور القلب أول منزل من منازل الصلاة فإذا نزلته انتقلت إلى بادية المعنى فإذا رحلت عنها أنخت بباب المناجاة فكان أول قرى الضيف اليقظة وكشف الحجاب لعين القلب فكيف يطمع في دخول مكة من لا خرج إلى البادية وقد تبعث قلبك في كل واد فربما تفجأك الصلاة وليس قلبك عندك فتبعث الرسول وراءه فلا يصادفه فتدخل في الصلاة بغير قلب والمقصود أنه قبيح بالعبد أن يقول بلسانه الله أكبر وقد امتلأ قلبه بغير الله فهو قبلة قلبه في الصلاة ولعله لا يحضر بين يدي ربه في شيء منها فلو قضى حق الله أكبر وأتى البيت من بابه لدخل وانصرف بأنواع التحف والخيرات فهذا الباب الذي يدخل منه المصلى وهو التحريم وأما الباب الذي يخرج منه فهو باب السلام المتضمن أحد الأسماءا الحسنى فيكون مفتتحا لصلاته باسمه تبارك وتعالى ومختتما لها باسمه فيكون ذاكرا لاسم ربه أول الصلاة وآخرها فأولها باسمه وآخرها باسمه فدخل فيها باسمه وخرج منها باسمه مع ما في اسم السلام من الخاصية والحكمة المناسبة لانصراف المصلي من بين يدي الله تعالى فإن المصلي ما دام في صلاته بين يدي ربه فهو في حماه الذي لا يستطيع أحد أن يخفره بل هو في حمى من جميع الآفات والشرور فإذا انصرف من بين يديه تبارك وتعالى ابتدرته الآفات والبلايا والمحن وتعرضت له من كل جانب وجاءه الشيطان بمصائده وجنده فهو متعرض لأنواع البلايا والمحن فإذا انصرف من بين يدي الله مصحوبا بالسلام لم يزل عليه حافظ من الله إلى وقت الصلاة الأخرى وكان من تمام النعمة عليه أن يكون انصرافه من بين يدي ربه بسلام يستصحبه ويدوم له ويبقى معه فتدبر هذا السر الذي لو لم يكن في هذا التعليق غيره لكان كافيا فكيف وفيه من الأسرار والفوائد ما لا يوجد عند أبناء الزمان والحمد في ذلك لله وحده فكما أن المنعم به هو الله وحده فالمحمود عليه هو الله وحده وقد عرف بهذا جواب السؤال الثاني وهو مجيء السلام هنا معرفا ليكون دالا على اسمه السلام وليكن هذا آخر الكلام في مسألة سلام عليكم فلولا قصد الاختصار لجاءت مجلدا ضخما هذا ولم تتعرض فيها إلى المسائل المسطورة في الكتب من فروع السلام ومسائله فإنها مملوءة منها فمن أرادها فليأخذها من هناك والحمد لله رب العالمين. اهـ.

.من فوائد الثعلبي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذَا جَاءَكَ الذين يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا}.
اختلفوا فيما نزلت هذه الآية. فقال عكرمة: نزلت في الذين نهى اللّه عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم عن طردهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام وقال: «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام».
وقال الكلبي: لما نزلت هذه الآية: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} جاء عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم فاعتذر إليه من مقالته واستغفر اللّه تعالى منها، وقال: يا رسول اللّه ما أردت بهذا إلاّ الخير فنزل في عمر رضي الله عنه {وَإِذَا جَاءَكَ الذين يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} الآية.
وقال عطاء: نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وسالم وأبي عبيدة وصهيب بن عمير وعمر وجعفر وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر، والأرقم بن الأرقم وأبي سلمة بن الأسد رضي اللّه عنهم أجمعين.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه عنه: «أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رجال فقالوا: إنا أصبنا ذنوبًا كثيرة عظيمة فسكت عنهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأنزل اللّه على الرجال الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سواءا بِجَهَالَةٍ}» قال مجاهد: لا يعلم حلالًا من حرام ومن جهالته ركب الأمر وكل من عمل خطيئة فهو بها جاهل، وقيل: جاهل بما يورثه ذلك الذنب، يقال: جهل حين آثر المعصية على الطاعة {ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ} فرجع عن دينه {وَأَصْلَحَ} عمله، وقيل: أخلص توبته {فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} واختلف القراء في قوله تعالى: {أَنَّهُ} الكوفيون بفتح الألف منهما جميعًا. ابن كثير والأعمش وابن عمر وحمزة والكسائي على الإستئناف، ونصبها الحسن وعاصم ويعقوب بدلًا من رحمة، وفتح أهل المدينة الأولى على معنى وكتب إنّه وكسروا الثانية على الاستئناف لأن ما بعدها لا يخبر أبدًا. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا} اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال:
أحدها: أنها نزلت في رجال أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنا أصبنا ذنوبًا عظيمة، فسكت عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، قاله أنس بن مالك.
والثاني: أنها نزلت في الذين نُهي عن طردهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام، وقال: الحمد لله الذي جعل في أُمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام، قاله الحسن، وعكرمة.
والثالث: أنها نزلت في أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحمزة، وجعفر، وعثمان بن مظعون، وأبي عبيدة، ومصعب بن عمير، وسالم، وأبي سلمة، والأرقم ابن أبي الأرقم، وعمار، وبلال، قاله عطاء.
والرابع: أن عمر بن الخطاب كان اشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بتأخير الفقراء، استمالة للرؤساء إلى الإسلام.
فلما نزلت {ولا تطرد الذين يدعون ربهم} جاء عمر يعتذر من مقالته ويستغفر منها، فنزلت فيه هذه الآية، قاله ابن السائب.
والخامس: أنها نزلت مبِّشرة بإسلام عمر بن الخطاب؛ فلما جاء وأسلم، تلاها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاه أبو سليمان الدمشقي.
فأما قوله تعالى: {يؤمنون بآياتنا} فمعناه: يصدِّقون بحججنا وبراهيننا.
قوله تعالى: {فقل سلام عليكم} فيه قولان:
أحدهما: أنه أُمر بالسلام عليهم، تشريفا لهم؛ وقد ذكرناه عن الحسن، وعكرمة.
والثاني: أنه أُمر بابلاغ السلام إليهم عن الله تعالى، قاله ابن زيد.
قال الزجاج: ومعنى السلام: دعاء للانسان بأن يسلم من الآفات.
وفي السوء قولان:
أحدهما: أنه الشرك، والثاني: المعاصي.
وقد ذكرنا في سورة (النساء) معنى الجهالة.
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {أنه من عمل منكم سوءًا} {فانه غفور} بكسر الألف فيهما.
وقرأ عاصم، وابن عامر، بفتح الألف فيهما.
وقرأ نافع: بنصب ألف {أنه} وكسر ألف {فانه غفور} قال أبو علي: من كسر ألف {إنه} جعله تفسيرا للرحمة، ومن كسر ألف {فانه غفور} فلأن ما بعد الفاء حكم الابتداء، ومن فتح ألف {أنه من عمل} جعل {أنَّ} بدلا من الرحمة، والمعنى: كتب ربكم أنه من عمل، ومن فتحها بعد الفاء، أضمر خبرًا تقديره: فله {أنه غفور رحيم} والمعنى: فله غفرانه، وكذلك قوله تعالى: {فإن له نار جهنم} [التوبة: 63] معناه: فله أن له نار جهنم، وأما قراءة نافع، فانه أبدل من الرحمة، واستأنف ما بعد الفاء. اهـ.

.من فوائد ابن كثير في الآية:

قال رحمه الله:
وقوله: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أي: فأكرمهم برد السلام عليهم، وبَشَّرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم؛ ولهذا قال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} أي: أوجبها على نفسه الكريمة، تفضلا منه وإحسانًا وامتنانًا {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ} قال بعض السلف: كل من عصى الله، فهو جاهل.
وقال معتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن عِكْرِمة في قوله: {مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ} قال: الدنيا كلها جهالة. رواه ابن أبي حاتم.
{ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ} أي: رجع عما كان عليه من المعاصي، وأقلع وعزم على ألا يعود وأصلح العمل في المستقبل، {فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق حدثنا مَعْمَر، عن همَّام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما قَضَى الله الخَلْقَ، كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي». أخرجاه في الصحيحين وهكذا رواه الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة ورواه موسى بن عقبة عن الأعرج، عن أبي هريرة. وكذا رواه الليث وغيره، عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
وقد روى ابن مَرْدُوَيه، من طريق الحكم بن أبان، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فرغ الله من القضاء بين الخلق، أخرج كتابًا من تحت العرش: إن رحمتي سبقت غضبي، وأنا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة أو قبضتين فيخرج من النار خلقًا لم يعملوا خيرًا، مكتوب بين أعينهم. عُتَقَاء الله».
وقال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان النَّهْدِي، عن سلمان في قوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} قال: إنا نجد في التوراة عطفتين: أن الله خلق السماوات والأرض، وخلق مائة رحمة- أو: جعل مائة رحمة- قبل أن يخلق الخلق، ثم خلق الخلق، فوضع بينهم رحمة واحدة، وأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة. قال فبها يتراحمون، وبها يتعاطفون، وبها يتباذلون وبها يتزاورون، وبها تحِنّ الناقة، وبها تَثِجُّ البقرة، وبها تثغو الشاة، وبها تَتَابعُ الطير، وبها تَتَابع الحيتان في البحر. فإذا كان يوم القيامة، جمع الله تلك الرحمة إلى ما عنده، ورحمته أفضل وأوسع.
وقد روي هذا مرفوعا من وجه آخر وسيأتي كثير من الأحاديث الموافقة لهذه عند قوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]
ومما يناسب هذه الآية الكريمة من الأحاديث أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: «أتدري ما حق الله على العباد؟ أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا»، ثم قال: «أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟ ألا يعذبهم» وقد رواه الإمام أحمد، من طريق كميل بن زياد، عن أبي هريرة رضي الله عنه. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم}.
الجمهور أنها نزلت في الذين نهى الله عن طردهم فكان إذا رآهم بدأهم بالسلام وقال: «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أبدأهم بالسلام» وقيل: الذين صوّبوا رأي أبي طالب في طرد الضعفة.
وقال الفضيل بن عياض: قال قوم: قد أصبنا ذنوبًا فاستغفر لنا فأعرض عنهم فنزلت.
وقيل: نزلت في عمر حين أشار بإجابة الكفرة ولم يعلم أنها مفسدة، وعلى هذه الأسباب يكون تفسير {الذين يؤمنون} فإن كان عنى بهم الستة الذين نهى عن طردهم فيكون من باب العام أريد به الخاص ويكون قوله: {سلام عليكم} أمرًا بإكرامهم وتنبيهًا على خصوصية تشريفهم بهذا النوع من الإكرام وإن كان عنى عمر حين اعتذر واستغفر وقال: ما أردت بذلك إلا الخير كان من إطلاق الجمع على الواحد المعظم، والظاهر أنه يراد به المؤمنون من غير تخصيص لا بالستة ولا بغيرهم وإنها استئناف إخبار من الله تعالى بعد تقصي خبر أولئك الذين نهى عن طردهم ولو كانوا إياهم لكان التركيب الأحسن، وإذا جاؤك والآيات هنا آيات القرآن وعلامات النبوة.
وقال أبو عبد الله الرازي: آيات الله آيات وجوده وآيات صفات جلاله وإكرامه وكبريائه ووحدانيته وما سوى الله لا نهاية له، ولا سبيل للعقول إلى الوقوف عليه على التفصيل التام إلا أن الممكن هو أن يطلع على بعض الآيات ثم يؤمن بالبقية على سبيل الإجمال ثم يكون مدة حياته كالسابح في تلك البحار وكالسائح في تلك القفار، ولما كان لا نهاية لها فكذلك، لا نهاية في ترقي العبد في معارج تلك الآيات وهذا مشرع جملي لا نهاية لتفاصيله، ثم إن العبد إذا كان موصوفًا بهذه الصفات فعندها أمر الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم سلام عليكم فيكون هذا التسليم بشارة بحصول الكرامة عقيب تلك السلامة والنجاة من بحر عالم الظلمات ومركز الجسمانيات ومعدن الآفات والمخافات وموضع التغييرات والتبديلات، وأما الكرامة بالوصول إلى الباقيات الصالحات المجردات المقدسات والوصول إلى فسحة عالم الأنوار والترقي إلى معارج سرادقات الجلال؛ انتهى كلامه وهو تكثير لا طائل تحته طافح بإشارات أهل الفلسفة بعيد من مناهج المتشرّعين وعن مناحي كلام العرب ومن غلب عليه شيء حتى في غير مظانه ولله در القائل يغري منصور الموحدين بأهل الفلسفة من قصيدة:
وحرق كتبهم شرقًا وغربا ** ففيها كامن شرّ العلوم

يدب إلى العقائد من أذاها ** سموم والعقائد كالجسوم

وقال المبرد: السلام في اللغة اسم من أسماء الله تعالى وجمعه سلامة ومصدر واسم شجر.