فصل: تفسير الآية رقم (56):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما في وقتنا فنرى العامة إذا ضاق بهم الخناق تركوا دعاء الملك الخلاق ودعوا سكان الثرى ومن لا يسمع ولا يرى.
{وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إلى أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فأخذناهم بالبأساء والضراء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام: 42] أي ليطيعوا ويبرزوا من الحجاب وينقادوا متضرعين عند تجلي صفة القهر {ولكن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنعام: 43] أي ما تضرعوا لقساوة قلوبهم بكثافة الحجاب وغلبة غشي الهوى وحب الدنيا وأصل كل ذلك سوء الاستعداد {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ} فلم تسمعوا خطابه {وأبصاركم} فلم تشاهدوا عجائب قدرته وأسرار صنعته {وَخَتَمَ على قُلُوبِكُمْ} فلم يدخلها شيء من معرفته سبحانه: {مَّنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِهِ} [الأنعام: 46] أي هل يقدر أحد سواه جلت قدرته على فتح باب من هذه الأبواب كلا بل هو القادر الفعال لما يريد {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى} أي من حيث أنا {خَزَائِنُ الله} أي مقدوراته {وَلا أَعْلَمُ} أي من حيث أنا أيضًا {الغيب وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنّى مَلَكٌ} أي روح مجرد لا أحتاج إلى طعام ولا شراب {إِنْ أَتَّبِعُ} أي من تلك الحيثية {إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ} من الله تعالى.
وله صلى الله عليه وسلم مقام {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى} [الأنفال: 17].
و{إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] وليس لطير العقل طيران في ذلك الجو {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الاعمى} عن نور الله تعالى وإحاطته بكل ذرة من العرش إلى الثرى وظهوره بما شاء حسب الحكمة وعدم تقييده سبحانه بشيء من المظاهر {والبصير} [الأنعام: 50] بذلك فيتكلم في كل مقام بمقال: {وَلاَ تَطْرُدِ} أي لأجل التربية والتهذيب والامتحان {الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} الذي أوصلهم حيث أوصلهم من معارج الكمال {بالغداة} أي وقت تجلي الجمال {والعشى} أي وقت تجلي العظمة والجلال {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} أي يريدونه سبحانه بذاته وصفاته ويطلبون تجليه عز وجل لقلوبهم {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم} أي حساب أعمالهم القلبية من شيء لأن الله تعالى قد تولى حفظ قلوبهم وأمطر عليها سحائب عنايته فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، وقوله تعالى: {وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شيء} عطف على سابقه أتى به للمبالغة على ما مر في العبارة.
ويحتمل أن يراد لا تطرد السالكين لأجل المحجوبين فما عليك من حساب السالكين أو المحجوبين شيء ومعنى ذلك يعرف بأدنى التفات {فَتَطْرُدَهُمْ} عن الجلوس معك {فَتَكُونَ مِنَ الظالمين} [الأنعام: 52] لهم بنقص حقوقهم وعدم القيام برعاية شأنهم.
ومن المؤولين من قال: إن الآية في أهل الوحدة أي لا تزجر الواصلين الكاملين ولا تنذرهم فإن الإنذار كما لا ينجع في الذين قست قلوبهم لا ينجع في الذين طاشوا وتلاشوا في الله تعالى وهم الذين يخصونه سبحانه بالعبادة دائمًا بحضور القلب وعدم مشاهدة شيء سواه حتى ذواتهم {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم} فيما يعملون {مِن شيء} إذ لا واسطة بينهم وبين ربهم {وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شيء} أي لا يخوضون في أمور دعوتك بنصر وإعانة لاشتغالهم به سبحانه عمن سواه ودوام حضورهم معه {فَتَطْرُدَهُمْ} عما هم عليه من دوام الحضور بدعوتك لهم لشغل ديني {فَتَكُونَ مِنَ الظالمين} لتشويشك عليهم أوقاتهم، والله تعالى أعلم بحقيقة كلامه {وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ} أي الناس وهم المحجوبون {بِبَعْضِ} وهم العارفون {لّيَقُولواْ} أي المحجوبون مشيرين إلى العارفين مستحقرين لهم حيث لم يروا منهم سوى حالهم في الظاهر وفقرهم ولم يروا قدرهم ومرتبتهم وحسن حالهم في الباطن وغرهم ما هم فيه من المال والجاه والتنعم وخفض العيش {أَهَؤُلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم} بالهداية والمعرفة {مّن بَيْنِنَا} أرادوا أنه سبحانه لم يمن عليهم {أَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بالشاكرين} [الأنعام: 53] أي الذين يشكرونه حق شكره فيمن عليهم بعظيم جوده {وَإِذَا جَاءكَ الذين يُؤْمِنُونَ بآياتنا} أي بواسطتها {فَقُلْ} لهم أنت أيها الوسيلة: {سلام عَلَيْكُمُ} وهذا لأنهم في مقام الوسائط ولو بلغوا إلى درجة أهل المشاهدة لمنحهم سبحانه بسلامه كما قال عز شأنه {سَلاَمٌ قَوْلًا مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} [ياس: 58] وباقي الآية ظاهر.
وقال الإمام الرازي: إن قوله سبحانه: {وَإِذَا جَاءكَ} إلخ مشتمل على أسرار عالية وذلك لأن ما سوى الله تعالى فهو آيات وجود الله تعالى وآيات صفات جلاله وإكرامه (وكبريائه) وآيات وحدانيته وما سواه سبحانه لا نهاية له (وما لا نهاية له) فلا سبيل للعقل إلى الوقوف عليه على التفصيل التام إلا أن الممكن هو أن يطلع على بعض الآيات ويتوسل بمعرفتها إلى معرفة الله تعالى ثم يؤمن بالبقية على سبيل الإجمال ثم إنه يكون مدة حياته كالسابح في تلك البحار وكالسائح في تلك القفار.
ولما كان لا نهاية لها فكذلك لا نهاية لترقي العبد في معارج تلك الآيات، وهذا (شرح إجمالي) لا نهاية لتفاصيله.
ثم إن العبد إذا صار موصوفًا بهذه الصفة فعند هذا أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم: {سلام عَلَيْكُمُ} فيكون هذا التسليم بشارة بحصول السلامة.
وقوله سبحانه: {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} بشارة بحصول (الكرامة) عقيب تلك السلامة.
أما السلامة فبالنجاة من بحر عالم الظلمات ومركز الجسمانية ومعدن الآفات (والمخافات) وموضع التغيرات والتبدلات، وأما الكرامة فبالوصول إلى الباقيات الصالحات والمجردات القدسيات والوصول إلى فسحة عالم الأنوار والترقي إلى معارج سرادقات الجلال انتهى.
وقال آخر: الإشارة إلى نوع من السالكين أي إذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا بمحو صفاتهم في صفاتنا {فَقُلْ سلام عَلَيْكُمْ} لتنزهكم عن عيوب صفاتكم وتجردكم عن ملابسها {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} أي ألزم ذاته المقدسة رحمة إبدال صفاتكم بصفاته لكم لأن في الله سبحانه خلفًا عن كل ما فات {أنَّهُ مِنَ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءا بِجَهَالَةٍ} أي ظهر عليه في تلوينه صفة من صفاته بغيبة أو غفلة {ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ} أي بعد ظهور تلك الصفة بأن رجع عن تلوينه وفاء إلى الحضور {وَأَصْلَحَ} أي ما ظهر منه بالخضوع والتضرع بين يديه سبحانه والرياضة {فأنه} عز شأنه {غَفُورٌ} يسترها عنه {رَّحِيمٌ} [الأنعام: 54] يرحمه بهبة التميكن ونعمة الاستقامة {وَكَذَلِكَ نفَصّلُ الآيات} أي مثل ذلك التبيين الذي بيناه لهؤلاء المؤمنين نبين لك صفاتنا {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين} [الأنعام: 55] وهم المحجوبون بصفاتهم الذين يفعلون لذلك ما يفعلون.
والله تعالى الموفق للصواب. اهـ.

.تفسير الآية رقم (56):

قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان محط حالهم في السؤال طرد الضعفاء قصد اتباع أهوائهم، أمره تعالى بأن يخبرهم أنه مباين لهم- لما بين له بالبيان الواضح من سوء عاقبة سبيلهم- مباينة لا يمكن معها اتباع أهوائهم، وهي المباينة في الدين فقال: {قل إني نهيت} أي ممن له الأمر كله {أن أعبد الذين تدعون} أي تعبدون بناء منكم على محض الهوى والتقليد في أعظم أصول الدين، وحقر أمرهم وبين سفول رتبتهم بقوله: {من دون الله} أي الذي لا أعظم منه، فقد وقعتم في ترك الأعظم ولزوم الدون الذي هو دونكم في أعظم الجهل المؤذن بعمى القلب مع الكفر بالمحسن، فمباينتي مبناها على المقاطعة، فكيف تطمع في متابعة! ثم أكد ذلك بأمر آخر دال على أنه لا شبهة لهم في عبادتهم فقال: {قل لا أتبع أهواءكم} أي عوضًا عما أنا عليه من الحكمة البالغة المؤيدة بالبراهين الساطعة والأدلة القاطعة.
ولما كان من المعلوم أن الهوى لا يدعو إلى هدى، بل إلى غاية الردى، حقق ما أفهمته هذه الجملة بقوله: {قد ضللت إذًا} أي إذا اتبعت أهواءكم؛ ولما كان الضال قد يرجع، بين أن هذا ليس كذلك، لعراقتهم في الضلال، فقال معبرًا بالجملة الاسمية الدالة على الثبات: {وما أنا} أي إذ ذاك على شيء من الهداية لأعد {من المهتدين}. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية المتقدمة ما يدل على أنه يفصل الآيات ليظهر الحق وليستبين سبيل المجرمين، ذكر في هذه الآية أنه تعالى نهى عن سلوك سبيلهم.
فقال: {قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} وبين أن الذين يعبدونها إنما يعبدونها بناء على محض الهوى والتقليد، لا على سبيل الحجة والدليل، لأنها جمادات وأحجار وهي أخس مرتبة من الإنسان بكثير، وكون الأشرف مشتغلًا بعبادة الأخس أمر يدفعه صريح العقل.
وأيضًا أن القوم كانوا ينحتون تلك الأصنام ويركبونها، ومن المعلوم بالبديهة أنه يقبح من هذا العامل الصانع أن يعبد معموله ومصنوعه.
فثبت أن عبادتها مبنية على الهوى.
ومضادة للهدى، وهذا هو المراد من قوله: {قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ} ثم قال: {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ المهتدين} أي إن اتبعت أهواءكم فأنا ضال وما أنا من المهتدين في شيء.
والمقصود كأنه يقول لهم أنتم كذلك. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال أبو حيان:

{قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله}.
أمره تعالى أن يجاهرهم بالتبري من عبادتهم غير الله، ولما ذكر تعالى تفصيل الآيات لتستبين سبيل المبطل من المحق نهاه عن سلوك سبيلهم ومعنى نهيت زجرت.
قال الزمخشري: بما ركب في من أدلة العقل وبما أوتيت من أدلة السمع والذين يدعون هم الأصنام، عبر عنها بالذين على زعم الكفار حين أنزلوها منزلة من يعقل و{تدعون}.
قال ابن عباس: معناه تعبدون.
وقيل: تسمونهم آلهة من دعوت ولدي زيدًا سميته.
وقيل: يدعون في أموركم وحوائجكم وفي قوله: {تدعون من دون الله} استجهال لهم ووصف بالاقتحام فيما كانوا منه على غير بصيرة، ولفظة {نهيت} أبلغ من النفي بلا {أعبد} إذ فيه ورود تكليف.
{قل لا أتبع أهواءكم} أي ما تميل إليه أنفسكم من عبادة غير الله ولما كانت أصنامهم مختلفة كان لكل عابد صنم هوى يخصه فلذلك جمع، و{أهواءكم} عام وغالب ما يستعمل في غير الخير ويعم عبادة الأصنام وما أمروا به من طرد المؤمنين الضعفاء وغير ذلك مما ليس بحق وهي أعم من الجملة السابقة وأنص على مخالفتهم، وفي قوله: {أهواءكم} تنبيه على السبب الذي حصل منه الضلال وتنبيه لمن أراد اتباع الحق ومجانبة الباطل كما قال ابن دريد:
وآفة العقل الهوى فمن علا ** على هواه عقله فقد نجا

{قد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين} المعنى إن اتبعت أهواءكم ضللت وما اهتديت والجملة من قوله: {وما أنا من المهتدين} مؤكدة لقوله: {قد ضللت} وجاءت تلك فعلية لتدل على التجدد وهذه اسمية لتدل على الثبوت فحصل نفي تجدد الضلال وثبوته وجاءت رأس آية.
وقرأ السلمي وابن وثاب وطلحة {ضللت} بكسر فتحة اللام وهي لغة، وفي التحرير قرأ يحيى وابن أبي ليلى هنا في السجدة في أئذا ضللنا بالصاد غير معجمة ويقال صل اللحم أنتن ويروى ضللنا أي دفنا في الضلة وهي الأرض الصلبة رواه أبو العباس عن مجاهد بن الفرات في كتاب الشواذ له. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} قيل: {تدعون} بمعنى تعبدون.
وقيل: تدعونهم في مهمات أُموركم على جهة العبادة؛ أراد بذلك الأصنام.
{قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ} فيما طلبتموه من عبادة هذه الآشياء، ومن طرد من أردتم طرده.
{قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا} أي قد ضللت إن اتبعت أهواءكم.
{وَمَا أَنَاْ مِنَ المهتدين} أي على طريق رشد وهدى.
وقرئ {ضَلَلْتُ} بفتح اللام وكسرها وهما لغتان.
قال أبو عمرو بن العلاء: ضَللْتُ بكسر اللام لغة تميم، وهي قراءة يحيى بن وَثَّاب وطلحة بن مُصَرِّف، والأولى هي الأصح والأفصح؛ لأنها لغة أهل الحجاز، وهي قراءة الجمهور.
وقال الجوهريّ: والضلال والضلالة ضد الرشاد، وقد ضَلَلْتُ أَضِلُّ، قال الله تعالى: {قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ على نَفْسِي} [سبأ: 50] فهذه لغة نجد، وهي الفصيحة، وأهل العالية يقولون: ضَلِلْتُ بالكسر أَضَلّ. اهـ.

.قال البيضاوي:

{قُلْ إِنّي نُهِيتُ} صرفت وزجرت بما نصب لي من الأدلة وأنزل علي من الآيات في أمر التوحيد. {أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} عن عبادة ما تعبدون من دون الله، أو ما تدعونها آلهة أي تسمونها. {قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ} تأكيد لقطع أطماعهم وإشارة إلى الموجب للنهي وعلة الامتناع عن متابعتهم واستجهال لهم، وبيان لمبدأ ضلالهم وأن ما هم عليه هوى وليس يهدي، وتنبيه لمن تحرى الحق على أن يتبع الحجة ولا يقلد. {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا} أي اتبعت أهواءكم فقد ضللت. {وَمَا أَنَاْ مِنَ المهتدين} أي في شيء من الهدى حتى أكون من عدادهم، وفيه تعريض بأنهم كذلك. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُلْ إِنّى نُهِيتُ} أُمر عليه الصلاة والسلام بالرجوع إلى مخاطبة المُصِرّين على الشرك إثرَ ما أُمر بمعاملة مَنْ عداهم من أهل الإنذار والتبشيرِ بما يليق بحالهم أي قل لهم قطعًا لأطماعهم الفارغةِ عن ركونه عليه الصلاة والسلام إليهم، وبيانًا لكون ما هم عليه من الدين هوىً محضًا وضلالًا بحتًا، إني صُرفتُ وزُجِرْت بما نُصب لي من الأدلة وأُنزل علي من الآيات في أمر التوحيد {أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ} أي عن عبادة ما تعبدونه {مِن دُونِ الله} كائنًا ما كان.
{قُلْ} كَرر الأمرَ مع قرب العهد اعتناءً بشأن المأمور به أو إيذانًا باختلاف المَقولَيْن من حيث إن الأولَ حكايةٌ لِما من جهته تعالى من النهي، والثاني حكايةٌ لما من جهته صلى الله عليه وسلم من الانتهاء عما ذُكر من عبادة ما يعبدونه وإنما قيل: {لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ} استجهالًا لهم وتنصيصًا على أنهم فيما هم فيه تابعون لأهواءَ باطلةٍ وليسوا على شيء مما ينطلق عليه الدين أصلًا، وإشعارًا بما يوجب النهيَ والانتهاءَ، وقوله تعالى: {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا} استئنافٌ مؤكِّد لانتهائه عما نِخيَ عنه مقرِّر لكونهم في غاية الضلال والغَواية، أي إن اتبعتُ أهواءكم فقد ضللت، وقوله تعالى: {وَمَا أَنَاْ مِنَ المهتدين} عطفٌ على ما قبله، والعدولُ إلى الجملة الاسمية للدلالة على الدوام والاستمرار أي دوامِ النفْي واستمرارِه لا نفْيِ الدوام والاستمرار كما مر مرارًا أي ما أنا في شيء من الهدى حين أكون في عِدادهم. اهـ.