فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال أبو حيان:

{قل إني على بينة من ربي} أي على شريعة واضحة وملة صحيحة.
وقيل: البينة هي المعجزة التي تبين صدقي وهي القرآن، قالوا: ويجوز أن تكون التاء في {بينة} للمبالغة والمعنى على أمر بين لما نفي أن يكون متبعًا للهوى نبه على ما يجب اتباعه وهو الأمر الواضح من الله تعالى.
{وكذبتم به} إخبار منه عنهم أنهم كذبوا به والظاهر عود الضمير على الله أي وكذبتم بالله.
وقيل: عائد على {بينة} لأن معناه على أمر بيِّن.
وقيل: على البيان الدال عليه بينة.
وقيل: على القرآن.
{ما عندي ما تستعجلون به} الذي استعجلوا به قيل الآيات المقترحة قاله الزجاج.
وقيل: العذاب ورجح بأن الاستعجال لم يأت في القرآن إلا للعذاب لأنهم لم يستعجلوا بالآيات المقترحة وبأن لفظ {وكذبتم به} يتضمن أنكم واقعتم ما أنتم تستحقون به العذاب إلا أن ذلك ليس لي.
قال الزمخشري: يعني العذاب الذي استعجلوه في قولهم: {فأمطر علينا حجارة من السماء} {إن الحكم إلا لله} أي الحكم لله على الإطلاق وهو الفصل بين الخصمين المختلفين بإيجاب الثواب والعقاب.
وقيل: القضاء بإنزال العذاب وفيه التفويض العام لله تعالى.
{يقضي الحق} هي قراءة العربيين والأخوين أي يقضي القضاء الحق في كل ما يقضى فيه من تأخير أو تعجيل، وضمن بعضهم يقضي معنى ينفذ فعداه إلى مفعول به.
وقيل: يقضي بمعنى يصنع أي كل ما يصنعه فهو حق قال الهذلي:
وعليهما مسدودتان قضاهما ** داود أو صنع السوابغ تبع

أي صنعهما وقيل حذف الباء والأصل بالحق، ويؤيده قراءة عبد الله وأبي وابن وثاب والنخعي وطلحة والأعمش يقضي بالحق بياء الجر وسقطت الباء خطأ لسقوطها لفظًا لالتقاء الساكنين.
وقرأ مجاهد وابن جبير يقضي بالحق.
{وهو خير الفاصلين} وفي مصحف عبد الله وهو أسرع الفاصلين.
وقرأ ابن عباس والحرميان وعاصم {يقص الحق} من قص الحديث كقوله: {نحن نقص عليك أحسن القصص} أو من قص الأثر أي اتبعه.
وحكى أن أبا عمرو بن العلاء سئل أهو يقص الحق أو يقضي الحق؟ فقال: لو كان يقص لقال وهو خير القاصين أقرأ أحد بهذا وحيث قال: {وهو خير الفاصلين} فإنما يكون الفصل في القضاء؛ انتهى.
ولم يبلغ أبا عمرو أنه قرئ بها ويدل على ذلك قوله: أقرأ بها أحد ولا يلزم ما قال، فقد جاء الفصل في القول قال تعالى: {إنه لقول فصل} وقال: {أحكمت آياته ثم فصلت} وقال: {نفصل الآيات} فلا يلزم من ذكر الفاصلين أن يكون معينًا ليقضي و{خير} هنا أفعل التفضيل على بابها.
وقيل: ليست على بابها لأن قضاءه تعالى لا يشبه قضاء ولا يفصل كفصله أحد وهذا الاستدلال يدل على أنها بابها. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {قل إني على بينة من ربي} الآية، هذه الآية تماد في إيضاح مباينته لهم، والمعنى قل إني على أمر بين فحذف الموصوف ثم دخلت هاء المبالغة كقوله عز وجل: {بل الإنسان على نفسه بصيرة} [القيامة: 14] ويصح أن تكون الهاء في {بينة} مجردة للتأنيث، ويكون بمعنى البيان، كما قال: {ويحيى من حيَّ عن بينة} [الأنفال: 42] والمراد بالآية أني أيها المكذبون في اعتقادي ويقيني وما حصل في نفسي من العلم على بينة من ربي {وكذبتم به} الضمير في {به} عائد على بين في تقدير هاء المبالغة أو على البيان التي هي {بينة} بمعناه في التأويل الآخر، أو على الرب، وقيل على القرآن وهو وإن لم يتقدم له ذكر جلي فإنه بعض البيان الذي منه حصل الاعتقاد واليقين للنبي عليه السلام، فيصح عود الضمير عليه.
قال القاضي أبو محمد: وللنبي عليه السلام أمور أخر غير القرآن وقع له العلم أيضًا من جهتها كتكليم الحجارة له ورؤيته للملك قبل الوحي وغير ذلك وقال بعض المفسرين في {به} عائد على {ما} والمراد بها الآيات المقترحة على ما قال بعض المفسرين، وقيل المراد بها العذاب، وهذا يترجح بوجهين: أحدهما من جهة المعنى وذلك أن قوله: {وكذبتم به} يتضمن أنكم واقعتم ما تستوجبون به العذاب إلا أنه ليس عندي، والآخر من جهة اللفظ وهو الاستعجال الذي لم يأت في القرآن استعجالهم إلا العذاب لأن اقتراحهم بالآيات لم يكن باستعجال، وقوله: {إن الحكم إلا لله} أي القضاء والإنفاذ {يقص الحق} أي يخبر به، والمعنى يقص القصص الحق، وهذه قراءة ابن كثير وعاصم ونافع وابن عباس، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر {يقضي الحق} أي ينفذه، وترجع هذه القراءة بقوله: {الفاصلين} لأن الفصل مناسب للقضاء، وقد جاء أيضًا الفصل والتفصيل مع القصص، وفي مصحف عبد الله بن مسعود {وهو أسرع الفاصلين} قال أبو عمرو الداني: وقرأ عبد الله وأبيّ ويحيى ابن وثاب وإبراهيم النخعي وطلحة الأعمش {يقضي بالحق} بزيادة باء الجر، وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير {يقضي الحق وهو خير الفاصلين}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي} أي دلالة ويقين وحجة وبرهان، لا على هوى؛ ومنه البينة لأنها تبين الحق وتظهره.
{وَكَذَّبْتُم بِهِ} أي بالبينة لأنها في معنى البيان؛ كما قال: {وَإِذَا حَضَرَ القسمة أُوْلُواْ القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم مِّنْهُ} [النساء: 8] على ما بيناه هناك.
وقيل يعود على الرب، أي كذبتم بربي لأنه جرى ذكره.
وقيل: بالعذاب.
وقيل: بالقرآن.
وفي معنى هذه الآية والتي قبلها ما أنشده مُصْعَب بن عبد الله بن الزُّبير لنفسه، وكان شاعرًا محسنًا رضي الله عنه:
أأقعدُ بعدما رجفتْ عظامي ** وكان الموتُ أقربَ ما يَلينِي

أُجادلُ كلَّ مُعترِضٍ خَصيمِ ** وأجعل دِينَه غَرَضًا لِدينِي

فأتركُ ما علمتُ لرأي غيرِي ** وليس الرأيُ كالعلم اليقينِ

وما أنا والخصومةُ وهي شيءٌ ** يُصرَّفُ في الشَّمالِ وفي اليمين

وقد سُنَّت لنا سُنَنٌ قِوام ** يَلُحْنَ بكلِّ فَجٍّ أو وَجِين

وكان الحقُّ ليس به خفاءٌ ** أغَرَّ كَغُرَّة الفَلَقِ المبينِ

وما عِوضٌ لنا مِنهاجُ جَهْمٍ ** بمنهاج ابنِ آمنةَ الأمينِ

فأمّا ما علمتُ فقد كَفَانِي ** وأمّا ما جهلتُ فجنِّبونِي

قوله تعالى: {مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} أي العذاب؛ فإنهم كانوا لفرط تكذيبهم يستعجلون نزوله استهزاء نحو قولهم: {أَوْ تُسْقِطَ السماء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} [الإسراء: 92] {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السماء} [الأنفال: 32].
وقيل: ما عندي من الآيات التي تقترحونها.
{إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ} أي ما الحكم إلاَّ لله في تأخير العذاب وتعجيله.
وقيل: الحكم الفاصل بين الحق والباطل لله.
{يَقُصُّ الحق} أي يقص القَصَص الحق؛ وبه استدل من منع المجاز في القرآن، وهي قراءة نافع وابن كثير وعاصم ومجاهد والأعرج وابن عباس؛ قال ابن عباس قال الله عزّ وجل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص} [يوسف: 3].
والباقون {يَقْضِ الحَقَّ} بالضاد المعجمة، وكذلك قرأ عليّ رضي الله عنه وأبو عبد الرحمن السُّلَمِي وسعيد بن المسيّب، وهو مكتوب في المصحف بغير ياء، ولا ينبغي الوقف عليه، وهو من القضاء؛ ودل على ذلك أن بعده {وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين} والفصل لا يكون إلاَّ قضاء دون قَصص، ويُقوِّي ذلك قوله قبله: {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ} ويقوّي ذلك أيضًا قراءة ابن مسعود {إنِ الْحُكْمُ إلاّ لِلَّهِ يَقْضِي بِالْحَقِّ} فدخول الباء يؤكد معنى القضاء.
قال النحاس؛ هذا لا يلزم؛ لأن معنى يقضي يأتي ويصنع فالمعنى: يأتي الحق، ويجوز أن يكون المعنى: يقضي القضاء الحق.
قال مكيّ: وقراءة الصاد أحب إليّ؛ لاتفاق الحرميَّيْن وعاصم على ذلك، ولأنه لو كان من القضاء للزمت الباء فيه كما أتت في قراءة ابن مسعود.
قال النحاس: وهذا الاحتجاج لا يلزم؛ لأن مثل هذه الباء تحذف كثيرًا. اهـ.

.قال أبو السعود:

قوله تعالى: {قُلْ إِنّى على بَيّنَةٍ} تحقيقٌ للحق الذي عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وبيانٌ لاتّباعه إياه إثرَ إبطالِ الذي عليه الكَفَرةُ وبيانِ عدمِ اتباعِه له والبينةُ الحجةُ الواضحةُ التي تفصِلُ بين الحق والباطل والمرادُ بها القرآنُ والوحْيُ وقيل: هي الحججُ العقلية أو ما يعمُّها، ولا يساعدُه المقامُ، والتنوينُ للتفخيم، وقولُه تعالى: {مّن رَّبّى} متعلقٌ بمحذوفٍ هو صفةٌ (لبينة) مؤكّدة لما أفادهه التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من التشريفِ ورفعِ المنزلة ما لا يخفى، وقولُه تعالى: {وَكَذَّبْتُم بِهِ} إما جملةٌ مستأنفة أو حاليةٌ بتقدير قد أو بدونه، جيء بها لاستقباح مضمونِها واستبعاد وقوعِه مع تحقق ما يقتضي عدمَه من غاية وضوحِ البينة، والضميرُ المجرورُ للبينة، والتذكير باعتبار المعنى المرادِ، والمعنى إني على بينةٍ عظيمة كائنةٍ من ربي وكذبتم بها وبما فيها من الأخبار التي من جمتلها الوعيدُ بمجيء العذاب، وقولُه تعالى: {مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} استئنافٌ مبينٌ لخطئهم في شأن ما جعلوه منشأً لتكذيبهم بها، وهو عدمُ مجيءِ ما وَعد فيها من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بقولهم: {متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين} بطريق الاستهزاءِ أو بطريق الإلزامِ على زعمهم أي ليس ما تستعجلونه من العذاب الموعودِ في القرآنِ وتجعلون تأخُّرَه ذريعةً إلى تكذيبه في حُكمي وقدرتي حتى أَجيءَ به وأُظهرَ لكم صِدْقَه، أو ليس أمرُه بمُفوَّضٍ إلي {إِنِ الحكم} أي ما الحكمُ في ذلك تعجيلًا وتأخيرًا أو ما الحكمُ في جميع الأشياء، فيدخُل فيه ما ذُكر دخولًا أوليًا {إِلاَ لِلَّهِ} وحده من غير أن يكون لغيره دخْلٌ ما فيه بوجه من الوجوه، وقولُه تعالى: {يَقُصُّ الحق} أي يَتْبعُه، بيانٌ لشؤونه تعالى في الحكم المعهودِ أو في جميع أحكامِه المنتظمةِ له انتظامًا أوليًا، أي لا يحكمُ إلا بما هو حقٌّ فيُثبتُ حقيقة التأخير. وقرئ {يقضي} فانتصابُ {الحقَّ} حينئذٍ على المصدرية أي يقضي القضاءَ الحقَّ أو على المفعولية أي يصنعُ الحقَّ ويدبرُه من قولهم: قضى الدِّرعَ إذا صنعها، وأصلُ القضاءِ الفصلُ بتمام الأمرِ، وأصلُ الحُكمِ المنعُ فكأنه يمنعُ الباطل عن معارَضةِ الحقِّ أو الخصمِ عن التعدِّي على صاحبه {وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين} اعتراضٌ تذييليٌّ مقرِّرٌ لمضمونِ ما قبله، مشيرٌ إلى أن قصَّ الحقِّ هاهنا بطريق خاصَ هو الفصلُ بين الحقِّ والباطل، هذا هو الذي تَسْتَدْعيه جزالةُ التنزيلِ. وقد قيل: إن المعنى إني من معرفة ربي وأنه لا معبود سواه على حجةٍ واضحةٍ وشاهدِ صدقٍ وكذبتم به أنتم حيث أشركتم به تعالى غيرَه. وأنت خبيرٌ بأن مساقَ النظم الكريمِ فيما سَبق وما لَحِق على وصفهم بتكذيب آياتِ الله تعالى بسبب عدمِ مجيءِ العذاب الموعودِ فيها، فتكذيبُهم به سبحانه في أمر التوحيد مما لا تعلُّقَ له بالمقام أصلًا. اهـ.

.قال الشوكاني:

قوله: {قُلْ إِنّى على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى} البينة: الحجة والبرهان، أي إني على برهان من ربي ويقين، لا على هوى وشك، أمره الله سبحانه بأن يبين لهم أن ما هو عليه من عبادة ربه هو عن حجة برهانية يقينية، لا كما هم عليه من اتباع الشبه الداحضة والشكوك الفاسدة التي لا مستند لها إلا مجرد الأهوية الباطلة.
قوله: {وَكَذَّبْتُم بِهِ} أي بالربّ أو بالعذاب أو بالقرآن أو بالبينة، والتذكير للضمير باعتبار المعنى.
وهذه الجملة إما حالية بتقدير قد، أي والحال أن قد كذبتم به، أو جملة مستأنفة مبينة لما هم عليه من التكذيب بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجج الواضحة والبراهين البينة.
قوله: {مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} أخبرهم بأنه لم يكن عنده ما يتعجلونه من العذاب، فإنهم كانوا لفرط تكذيبهم يستعجلون نزوله استهزاء، نحو قوله: {أَوْ تُسْقِطَ السماء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} [الإسراء: 92]، وقولهم: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء} [الأنفال: 32]، وقولهم: {متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين} [سبأ: 29]، وقيل: {مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} من الآيات التي تقترحونها عليّ.
قوله: {إِنِ الحكم إِلاَّ الله} أي ما الحكم في كل شيء إلا لله سبحانه، ومن جملة ذلك ما تستعجلون به من العذاب أو الآيات المقترحة.
والمراد: الحكم الفاصل بين الحق والباطل.
قوله: {يَقُصُّ الحق} قرأ نافع وابن كثير وعاصم {يَقُصُّ} بالقاف والصاد المهملة، وقرأ الباقون {يَقْضِى} بالضاد المعجمة والياء، وكذا قرأ علي وأبو عبد الرحمن السلمي، وسعيد بن المسيب، وهو مكتوب في المصحف بغير ياء.
فعلى القراءة الأولى، هو من القصص، أي يقصّ القصص الحق، أو من قصّ أثره، أي يتبع الحق فيما يحكم به.
وعلى القراءة الثانية، هو من القضاء، أي يقضي القضاء بين عباده، و{الحق} منتصب على المفعولية، أو على أنه صفة لمصدر محذوف، أي يقضي القضاء الحق، أو يقص القصص الحق {وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين} أي بين الحق والباطل بما يقضي به بين عباده ويفصله لهم في كتابه. اهـ.