فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{قُل لَّوْ أَنَّ عِندِى} أي في قدرتي وإمكاني {مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} من العذاب {لَقُضِىَ الأمر بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} أي بأن ينزل عليكم إثر استعجالكم، وفي بناء الفعل للمفعول من الإيذان بتعين الفاعل الذي هو الله جلت عظمته وتهويل الأمر ومراعاة حسن الأدب ما لا يخفى.
وقال الزمخشري ومن تبعه: المعنى لو كان ذلك في مكنتي لأهلكتكم عاجلًا غضبًا لربي عز وجل وامتعاضًا من تكذيبكم به ولتخلصت منكم سريعًا، ولا يساعده المقام، ومثله حمل {مَا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} على الآيات المقترحة وقضاء الأمر على قيام الساعة.
{والله أَعْلَمُ بالظالمين} أي بحالهم وبأنهم مستحقون للإمهال بطريق الاستدراج لتشديد العذاب، ولذلك لم يفوض الأمر إلي ولم يقض بتعجيل العذاب، والجملة مقررة لما أفادته الجملة الامتناعية من انتفاء كون أمر العذاب مفوضًا إليه عليه الصلاة والسلام المستتبع لانتفاء قضاء الأمر وتعليل له.
وقيل: هي في معنى الاستدراك كأنه قيل: لو قدرت أهلكتكم ولكن الله تعالى أعلم بمن يهلك من غيره وله حكمة في عدم التمكين منه، وأيًا ما كان فلا حاجة إلى حذف مضاف، وزعم بعضهم ذلك، والتقدير وقت عقوبة الظالمين وهو كما ترى والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} استئناف بياني لأنّ قوله: {ما عندي ما تستعجلون به} [الأنعام: 57] يثير سؤالًا في نفس السامع أن يقول: فلو كان بيدك إنزال العذاب بهم ماذا تصنع، فأجيب بقوله: {لَو أنّ عندي ما تستعجلون به} الآية.
وإذ قد كان قوله: {لو أنّ عندي} إلخ استئنافًا بيانيًا فالأمر بأن يقوله في قوة الاستئناف البياني لأنّ الكلام لمَّا بني كلّه على تلقين الرسول ما يقوله لهم فالسائل يتطلّب من الملقّن ماذا سيلقّن به رسوله إليهم.
ومعنى {عندي ما تستعجلون به} تقدّم آنفًا، أي لو كان في علمي حكمته وفي قدرتي فعله.
وهذا كناية عن معنى لَسْتُ إلهًا ولكنَّني عبد أتَّبع ما يوحى إليَّ.
وقوله: {لقُضي الأمر بيني وبينكم} جواب {لو}.
فمعنى {قضي} تمّ وانتهى.
والأمر مراد به النزاع والخلاف.
فالتعريف فيه للعهد، وبُني {قضي الأمر} للمجهول لظهور أنّ قاضيَه هو مَن بيده ما يستعجلون به.
وتركيب {قضي الأمر} شاع فجرى مجرى المثل، فحُذف الفاعل ليصلح التمثّل به في كلّ مقام، ومنه قوله: {قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان} [يوسف: 41] وقوله: {ولولا كلمة الفصل لقُضيَ بينهم} [الشورى: 21] وقوله: {وأنذرهم يومَ الحسرة إذ قُضي الأمر} [مريم: 39]؛ ولذلك إذا جاء في غير طريقة المثل يصرّح بفاعله كقوله تعالى: {وقَضيْنا إليه ذلك الأمر} [الحجر: 66].
وذلك القضاء يحتمل أمورًا: منها أن يأتيهم بالآية المقتَرَحَة فيؤمنوا، أوْ أن يغضَب فيهلكهم، أو أن يصرف قلوبهم عن طلب ما لا يجيبهم إليه فيتوبوا ويرجعوا.
وجملة: {والله أعلم بالظالمين} تذييل، أي الله أعلم منِّي ومن كلّ أحد بحكمة تأخير العذاب وبوقت نزوله، لأنَّه العليم الخبير الذي عنده ما تستعجلون به.
والتعبير {بالظالمين} إظهار في مقام ضمير الخطاب لإشعارهم بأنَّهم ظالمون في شركهم إذ اعتدوا على حقّ الله، وظالمون في تكذيبهم إذ اعتدوا على حقّ الله ورسوله، وظالمون في معاملتهم الرسول صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأمر} [الأنعام: 58] الآية، صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لو كان بيده تعجيل العذاب عليهم لعجله عليهم، مع أنه ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النَّبي صلى الله عليه وسلم ارسل الله إليه ملك الجبال، وقال له: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين- وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها- فقال صلى الله عليه وسلم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشركَ به شيئًا».
والظاهر في الجواب: هو ما أجاب به ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية، وهو أن هذه الآية دلت على أنه لو كان إليه وقوع العذاب الذي يطلبون تعجيله في وقت طلبهم لعجله عليهم، وأما الحديث فليس فيه أنهم طلبوا تعجيل العذاب في ذلك الوقت، بل عرض عليه الملك إهلاكهم فاختار عدم إهلاكهم، ولا يخفى الفرق بين المتعنت الطالب تعجيل العذاب وبين غيره. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة الأنعام: آية 37]

{وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (37)}.
{لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ} نزل بمعنى أنزل. وقرئ أن ينزل بالتشديد والتخفيف. وذكر الفعل والفاعل مؤنث، لأن تأنيث آية غير حقيقى، وحسن للفصل. وإنما قالوا ذلك مع تكاثر ما أنزل من الآيات على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لتركهم الاعتداد بما أنزل عليه، كأنه لم ينزل عليه شيء من الآيات عنادًا منهم {قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً} تضطرهم إلى الإيمان.
كنتق الجبل على بنى إسرائيل ونحوه، أو آية إن جحدوها جاءهم العذاب {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أنّ اللّه قادر على أن ينزل تلك الآية، وأن صارفا من الحكمة يصرفه عن إنزالها.

.[سورة الأنعام: آية 38]

{وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)}.
{أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ} مكتوبة أرزاقها وآجالها وأعمالها كما كتبت أرزاقكم وآجالكم وأعمالكم {ما فَرَّطْنا} ما تركنا وما أغفلنا {فِي الْكِتابِ} في اللوح المحفوظ {مِنْ شَيْءٍ} من ذلك لم نكتبه ولم نثبت ما وجب أن يثبت مما يختص به {ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} يعنى الأمم كلها من الدواب والطير فيعوضها وينصف بعضها من بعض، كما روى أنه يأخذ للجماء من القرناء. فإن قلت: كيف قيل: {إِلَّا أُمَمٌ} مع إفراد الدابة والطائر؟ فإن قلت: لما كان قوله تعالى: {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ} دالا على معنى الاستغراق ومغنيا عن أن يقال: وما من دواب ولا طير، حمل قوله: {إِلَّا أُمَمٌ} على المعنى، فإن قلت، هلا قيل: وما من دابة ولا طائر إلا أمم أمثالكم؟ وما معنى زيادة قوله: {فِي الْأَرْضِ} و{يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ} قلت: معنى ذلك زيادة التعميم والإحاطة، كأنه قيل: وما من دابة فقط في جميع الأرضين السبع، وما من طائر قط في جو السماء من جميع ما يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم محفوظة أحوالها غير مهمل أمرها. فإن قلت: فما الغرض في ذكر ذلك؟ قلت: الدلالة على عظم قدرته، ولطف علمه، وسعة سلطانه وتدبيره تلك الخلائق المتفاوتة الأجناس، المتكاثرة الأصناف، وهو حافظ لما لها وما عليها، مهيمن على أحوالها، لا يشغله شأن عن شأن، وأنّ المكلفين ليسوا بمخصوصين بذلك دون من عداهم من سائر الحيوان. وقرأ ابن أبى عبلة: ولا طائر، بالرفع على المحل، كأنه قيل: وما دابة ولا طائر. وقرأ علقمة: ما فرطنا، بالتخفيف.

.[سورة الأنعام: آية 39]

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)}.
فإن قلت: كيف أتبعه قوله: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا}؟ قلت: لما ذكر من خلائقه وآثار قدرته ما يشهد لربوبيته وينادى على عظمته قال: والمكذبون {صُمٌّ} لا يسماعون كلام المنبه.
{بُكْمٌ} لا ينطقون بالحق، خابطون في ظلمات الكفر، فهم غافلون عن تأمل ذلك والتفكر فيه، ثم قال إيذانًا بأنهم من أهل الطبع {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ} أي يخذله ويخله وضلاله لم يلطف به، لأنه ليس من أهل اللطف {وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي يلطف به لأنّ اللطف يجدى عليه.

.[سورة الأنعام: الآيات 40- 41]

{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (41)}.
{أَرَأَيْتَكُمْ} أخبرونى. والضمير الثاني لا محل له من الإعراب، لأنك تقول: أرأيتك زيدًا ما شأنه، فلو جعلت للكاف محلا لكنت كأنك تقول: أرأيت نفسك زيدا ما شأنه؟ وهو خلف من القول ومتعلق الاستخبار محذوف، تقديره: إن أتاكم عذاب انّه {أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ} من تدعون. ثم بكتهم بقوله: {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} بمعنى أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضرّ، أم تدعون اللّه دونها {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة {فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ} أي ما تدعونه إلى كشفه {إِنْ شاءَ} إن أراد أن يتفضل عليكم ولم يكن مفسدة {وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ} وتتركون آلهتكم، أو لا تذكرونها في ذلك الوقت، لأنّ أذهانكم في ذلك الوقت مغمورة بذكر ربكم وحده، إذ هو القادر على كشف الضر دون غيره. ويجوز أن يتعلق الاستخبار بقوله: {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} كأنه قيل: أغير اللّه تدعون إن أتاكم عذاب اللّه. فإن قلت: إن علقت الشرط به فما تصنع بقوله: {فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ} مع قوله: {أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ} وقوارع الساعة لا تكشف عن المشركين؟ قلت: قد اشترط في الكشف المشيئة، وهو قوله: إِنْ شاءَ إيذانًا بأنه إن فعل كان له وجه من الحكمة، إلا أنه لا يفعل لوجه آخر من الحكمة أرجح منه.

.[سورة الأنعام: الآيات 42- 45]

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (45)}.
البأساء، والضراء: البؤس، والضر. وقيل البأساء: القحط والجوع. والضراء: المرض ونقصان الأموال والأنفس. والمعنى: ولقد أرسلنا إليهم الرسل فكذبوهم فأخذناهم {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} يتذللون ويتخشعون لربهم ويتوبون عن ذنوبهم {فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا} معناه: نفى التضرع، كأنه قيل: فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا. ولكنه جاء بلولا ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وقسوة قلوبهم، وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم {فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ} من البأساء والضراء: أي تركوا الاتعاظ به ولم ينفع فيهم ولم يزجرهم {فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ} من الصحة والسعة وصنوف النعمة، ليزاوج عليهم بين نوبتي الضراء والسراء، كما يفعل الأب المشفق بولده يخاشنه تارة ويلاطفه أخرى، طلبًا لصلاحه حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا من الخير والنعم، لم يزيدوا على الفرح والبطر، من غير انتداب لشكر ولا تصدّ لتوبة واعتذار {أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ} واجمون متحسرون آيسون {فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ} آخرهم لم يترك منهم أحد، قد استؤصلت شأفتهم {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} إيذان بوجوب الحمد عند هلاك الظلمة وأنه من أجلّ النعم وأجزل القسم. وقرئ {فتحنا} بالتشديد.

.[سورة الأنعام: آية 46]

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46)}.
{إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ} بأن يصمكم ويعميكم {وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ} بأن يغطى عليها ما يذهب عنده فهمكم وعقلكم {يَأْتِيكُمْ بِهِ} أي يأتيكم بذاك، إجراء للضمير مجرى اسم الإشارة أو بما أخذ وختم عليه {يَصْدِفُونَ} يعرضون عن الآيات بعد ظهورها.

.[سورة الأنعام: آية 47]

{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)}.
لما كانت البغتة أن يقع الأمر من غير أن يشعر به وتظهر أماراته، قيل {بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً} وعن الحسن: ليلا أو نهارًا. وقرئ بغتة أو جهرة {هَلْ يُهْلَكُ} أي ما يهلك هلاك تعذيب وسخط إلا الظالمون. وقرئ. هل يهلك بفتح الياء.

.[سورة الأنعام: آية 48]

{وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48)}.
{مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} من آمن بهم وبما جاءوا به وأطاعهم، ومن كذبهم وعصاهم ولم يرسلهم ليتلهى بهم ويقترح عليهم الآيات بعد وضوح أمرهم بالبراهين القاطعة {وَأَصْلَحَ} ما يجب عليه إصلاحه مما كلف.

.[سورة الأنعام: آية 49]

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (49)}.
جعل العذاب ماسا، كأنه حىّ يفعل بهم ما يريد من الآلام. ومنه قولهم: لقيت منه الأمرّين والأقورين.
حيث جمعوا جمع العقلاء: وقوله: {إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}.

.[سورة الأنعام: آية 50]

{قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50)}.
أى لا أدعى ما يستبعد في العقول أن يكون لبشر من ملك خزائن اللّه- وهي قسمه بين الخلق وإرزاقه، وعلم الغيب، وأنى من الملائكة الذين هم أشرف جنس خلقه اللّه تعالى وأفضله وأقربه منزلة منه. أي لم أدّع إلهية ولا ملكية، لأنه ليس بعد الإلهية منزلة أرفع من منزلة الملائكة، حتى تستبعدوا دعواي وتستنكرونها. وإنما أدّعى ما كان مثله لكثير من البشر وهو النبوّة {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ} مثل للضالّ والمهتدى ويجوز أن يكون مثلا لمن اتبع ما يوحى إليه. ومن لم يتبع. أو لمن ادّعى المستقيم وهو النبوة، والمحال وهو الإلهية أو الملكية {أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ} فلا تكونوا ضالين أشباه العميان. أو فتعلموا أنى ما ادعيت ما لا يليق بالبشر. أو فتعلموا أن أتباع ما يوحى إلىَّ مما لابد لي منه. فإن قلت: {أَعْلَمُ الْغَيْبَ} ما محله من الإعراب؟ قلت: النصب عطفًا على قوله: {عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ}، لأنه من جملة المقول كأنه قال: لا أقول لكم هذا القول ولا هذا القول.