فصل: من فوائد ابن الجوزي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وعنده مفاتح الغيب}.
قال ابن جرير: المفاتح: جمع مفتح؛ يقال مفتح ومفتاح، فمن قال: مفتح، جمعه: مفاتح.
ومن قال: مفتاح، جمعه: مفاتيح، وفي {مفاتح الغيب} سبعة أقوال:
أحدها: أنها خمس لا يعلمها إلا الله عز وجل.
روى البخاري في أفراده من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غدٍ إلا الله، ولا تعلم نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله» قال ابن مسعود: أُوتي نبيُّكم علم كل شيء إلا مفاتيحَ الغيب.
والثاني: أنها خزائن غيب السموات من الأقدار والأرزاق، قاله ابن عباس.
والثالث: ما غاب عن الخلق من الثواب والعقاب، وما تصير إليه الأمور، قاله عطاء.
والرابع: خزائن غيب العذاب، متى ينزل، قاله مقاتل.
والخامس: الوُصلة إلى علم الغيب إذا اسْتُعْلم، قاله الزجاج.
والسادس: عواقب الأعمار وخواتيم الأعمال.
والسابع: ما لم يكن، هل يكون، أم لا يكون؟ وما يكون كيف يكون وما لا يكون، إن كان، كيف يكون؟ فأما البَرُّ، فهو القفر.
وفي البحر قولان:
أحدهما: أنه الماء، قاله الجمهور.
والثاني: أنه القرى، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها} قال الزجاج: المعنى أنه يعلمها ساقطة وثابتة، كما تقول: ما يجيئك أحد إلا وأنا أعرفه، ليس تأويله: اعرفه في حال مجيئه فقط.
فأما ظلمات الأرض، فالمراد بها بطن الأرض.
وفي الرطب واليابس، خمسة أقوال:
أحدها: أن الرطب: الماء، واليابس: البادية.
والثاني: الرطب: ما يُنبِت، واليابس: مالا يُنبِت.
والثالث: الرطب: الحي، واليابس: الميت.
والرابع: الرطب: لسان المؤمن يذكر الله، واليابس: لسان الكافر لا يتحرك بذكر الله.
والخامس: أنهما الشيء ينتقل من إحدى الحالتين إلى الأخرى، فهو يعلمه رطبًا، ويعلمه يابسًا.
وفي الكتاب المبين قولان:
أحدهما: أنه اللوح المحفوظ، قاله مقاتل.
والثاني: أنه علم الله المتقَنُ، ذكره الزجاج.
فإن قيل: ما الفائدة في إِحصاء هذه الأشياء في كتاب؟ فعنه ثلاثة أجوبة، ذكرهن ابن الأنباري.
أحدها: أنه أحصاها في كتاب، لتقف الملائكة على نفاذ علمه.
والثاني: أنه نبه بذلك عباده على تعظيم الحساب، وأعلمهم أنه لا يفوته ما يصنعون، لأن من يثبت مالا ثواب فيه ولا عقاب، فهو إلى إثبات ما فيه ثواب وعقاب أسرع.
والثالث: أن المراد بالكتاب: العلم؛ فالمعنى: أنها مثبتة في علمه. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
{مفاتح} جمع مفتح وهذه استعارة عبارة عن التوصل إلى الغيوب كما يتوصل في الشاهد بالمفتاح إلى المغيب عن الإنسان ولو كان جمع مفتاح لقال مفاتيح، ويظهر أيضًا أن {مفاتح} جمع مفتح بفتح الميم أي مواضع تفتح عن المغيبات، ويؤيد هذا قول السدي وغيره {مفاتح الغيب} خزائن الغيب، فأما مِفتح بالكسر فهو بمعنى مفتاح، وقال الزهراوي: ومَفتح أفصح، وقال ابن عباس وغيره، الإشارة ب {مفاتح الغيب} هي إلى الخمسة التي في آخر لقمان، {إن الله عنده علم الساعة} [لقمان: 34] الآية، لأنها تعم جميع الأشياء التي لم توجد بعد، ثم قوي البيان بقوله: {ويعلم ما في البر والبحر} تنبيهًا على أعظم المخلوقات المجاورة للبشر وقوله: {من ورقة} على حقيقته في ورق النباتات، و{من} زائدة و{إلا يعلمها} يريد على الإطلاق وقبل السقوط ومعه وبعده، {ولا حبة في ظلمات الأرض} يريد في أشد حال التغيب، وهذا كله وإن كان داخلًا في قوله: {وعنده مفاتح الغيب} عند من رآها في الخمس وغيرها ففيه البيان والإيضاح والتنبيه على مواضع العبر، أي إذا كانت هذه المحقورات معلومة فغيرها من الجلائل أحرى، {ولا رطب ولا يابس} عطف على اللفظ وقرأ الحسن وعبد الله بن أبي إسحاق {ولا رطبٌ ولا يابسٌ} بالرفع عطفًا على الموضع في {ورقة}، لأن التقدير وما تسقط ورقة و{إلا في كتاب مبين} قيل يعني كتابًا على الحقيقة، ووجه الفائدة فيه امتحان ما يكتبه الحفظة، وذلك أنه روي أن الحفظة يرفعون ما كتبوه ويعارضونه بهذا الكتاب المشار إليه ليتحققوا صحة ما كتبوه، وقيل: المراد بقوله: {إلا في كتاب} علم الله عز وجل المحيط بكل شيء، وحكى النقاش عن جعفر بن محمد قولًا: أن الورقة يراد بها السقط من أولاد بني آدم، والحبة يراد بها الذي ليس يسقط، والرطب يراد به الحي، واليابس يراد به الميت، وهذا قول جار على طريقة الرموز، ولا يصح عن جعفر بن محمد رضي الله عنه، ولا ينبغي أن يلتفت إليه. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله عز وجل: {وعنده مفاتح الغيب} المفتاح الذي يفتح به المغلاق جمعه مفاتيح ويقال فيه تفتح بكسر الميم وجمعه مفاتح والمفتح بفتح الميم الخزانة وكل خزانة كانت لصنف من الأشياء فهي مفتح وجمعه مفاتح فقوله وعنده مفاتح الغيب يحتمل أن يكون المراد منه المفاتيح التي يفتح بها ويحتمل أن يكون المراد منه الخزائن.
فعلى التفسير الأولى فقد جعل للغيب مفاتيح على طرق الاستعارة، لأن المفاتيح هي التي يتوصل بها إلى ما في الخزائن المستوثق منها بالإغلاق، فمن علم كيف يفتح بها ويتوصل إلى ما فيها، فهو عالم.
وكذلك هاهنا لأن الله تعالى لما كان عالمًا بجميع المعلومات وما غاب منها وما لم يغب عن هذا المعنى بهذه العبارة.
وعلى التفسير الثاني، يكون المعنى وعنده خزائن الغيب والمراد منه القدرة الكاملة على كل الممكنات ثم اختلفت أقوال المفسرين في قوله وعنده مفاتح الغيب {لا يعلمها إلا هو} فقيل: مفاتيح الغيب خمس وهي ما روي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله تعالى، لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا الله، ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدًا، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يدري أحد متى يجيء المطر».
وفي رواية أخرى: «لا يعلم أحد ما تغيض الأرحام، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى الساعة إلا الله»، أخرجه البخاري.
وقال الضحاك ومقاتل: مفاتح الغيب: خزائن الأرض، وعلم نزول العذاب، وقال عطاء: هو ما غاب عنكم من الثواب والعقاب.
وقيل: هو انقضاء الآجال وعلم أحوال العباد من السعادة والشقاوة وخواتيم أعمالهم.
وقيل: هو علم ما لم يكن بعد أن يكون إذ يكون كيف يكون وما لا يكون أن لو كان كيف يكون وقال ابن مسعود: أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء إلا مفاتح الغيب.
وقال ابن عباس: إنها خزائن غيب السموات والأرض من الأقدار والأرزاق {ويعلم ما في البر والبحر} قال مجاهد: البر المفاوز والقفاز، والبحر القُرى والأمصار لا يحدث فيها شيء إلا وهو يعلمه.
وقال جمهور المفسرين: هو البر والبحر المعروفان، لأن جميع الأرض إما بر وإما بحر وفي كل واحد منهما من عجائب مصنوعاته وغرائب مبتدعاته ما يدل على عظيم قدرته وسعة علمه {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها} يريد ساقطة وثابتة والمعنى أنه يعلم عدد ما يسقط من الورق وما بقي على الشجر من ذلك ويعلم كم انقلبت ظهرًا لبطن إلى أن تسقط على الأرض {ولا حبة في ظلمات الأرض} قيل: هو الحب المعروف يكون في بطن الأرض قبل أن ينبت.
وقيل: هي الحبة التي في الصخرة التي في أسفل الأرضين {ولا رطب ولا يابس} قال ابن عباس: الرطب الماء واليابس البادية.
وقال عطاء: يريد ما ينبت وما لا ينبت.
وقيل: المراد بالرطب الحي واليابس الميت.
وقيل: هو عبارة عن كل شيء لأن جميع الأشياء إما رطبة وإما يابسة.
فإن قلت إن جميع هذه الأشياء داخلة تحت قوله وعنده مفاتح الغيب فَلِمَ أفرد هذه الأشياء بالذكر وما فائدة ذلك؟.
قلت: لما قال الله تعالى وعنده مفاتح الغيب على سبيل الإجمال ذكر من بعد ذلك الإجمال ما يدل على التفصيل، فذكر هذه الأشياء المحسوسة ليدل بها على غيرها، فقدم ذكر البر والبحر لما فيهما من العجائب والغرائب من المدن والقرى والمفاوز والجبال وكثرة ما فيها من المعادن والحيوان، وأصناف المخلوقات مما يعجز الوصف عن إدراكها، ثم ذكر بعد ذلك ما هو أقل من ذلك وهو مشاهد لكل أحد لأن الورقة الساقطة والثابتة يراها كل أحد، لكن لا يعلم عددها وكيفية خلقها إلا الله تعالى ثم ذكر بعد ذلك ما هو أصغر من الورقة وهي الحبة.
ثم ذكر بعد ذلك مثالًا يجمع الكل وهو الرطب واليابس فذكر هذه الأشياء وأنه لا يخرج شيء منها عن علمه سبحانه وتعالى فصارت هذه الأمثال منبهة على عظمة عظيمة وقدرة عالية وعلم واسع فسبحان العليم الخبير.
قوله تعالى: {إلا في كتاب مبين} فيه قولان: أحدهما أن الكتاب المبين هو علم الله الذي لا يغير ولا يبدل.
والثاني: أن المراد بالكتاب المبين، هو اللوح المحفوظ، لأن الله كتب فيه علم ما يكون وما قد كان قبل أن يخلق السموات والأرض.
وفائدة إحصاء الأشياء كلها في هذا الكتاب، لتقف الملائكة على إنفاذ علمه ونبه بذلك على تعظيم الحساب وأعلم عباده أنه لا يفوته شيء مما يصنعونه لأنه من أثبت ما لا ثواب فيه ولا عقاب في كتاب فهو إلى إثبات ما فيه ثواب وعقاب أسرع. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ}.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: جاء في الخبر أن هذه الآية لما نزلت نزل معها اثنا عشر ألف مَلَك.
وروى البخارِيّ عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مفاتح الغيب خمسٌ لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما تَغِيض الأرحام إلا الله ولا يعلم ما في غدٍ إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله ولا تدري نفس بأيّ أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله» وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غدٍ فقد أعظم على الله الفِرْية؛ والله تعالى يقول: {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السماوات والأرض الغيب إِلاَّ الله}.
ومفاتح جمع مَفْتَح، هذه اللغة الفصيحة.
ويقال: مفتاح ويجمع مفاتيح.
وهي قراءة ابنِ السَّمَيْقَع {مفاتِيح}.
والمِفتح عبارة عن كل ما يَحُلّ غَلقَا، محسوسا كان كالقُفْل على البيت أو معقولا كالنظر.
وروى ابن ماجه في سننه وأبو حاتم البُسْتيّ في صحيحه عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من الناس مفاتيحَ للخير مَغَالِيق للشرّ وإن من الناس مفاتيحَ للشرّ مغالِيق للخير فطُوبَى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويْلٌ لمن جعل الله مفاتيحَ الشرّ على يديه» وهو في الآية استعارة عن التوصُّل إلى الغيوب كما يتوصّل في الشاهد بالمفتاح إلى المغيب عن الإنسان؛ ولذلك قال بعضهم: هو مأخوذ من قول الناس افتح عليّ كذا؛ أي أعطني أو علّمني ما أتوصل إليه به.
فالله تعالى عنده علم الغيب، وبيده الطرق الموصّلة إليه، لا يملكها إلا هو، فمن شاء إطلاعه عليها أطلعه، ومن شاء حجبه عنها حجبه.
ولا يكون ذلك من إفاضته إلا على رسله؛ بدليل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ} وقال: {عَالِمُ الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَدًا} {إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ}.