فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله عز وجل: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} أي: قل يا محمد لقومك إن الله هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم يعني الصيحة والحجارة والريح والطوفان كما فعل بقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط {أو من تحت أرجلكم} يعني الرجفة والخسف كما فعل بقوم شعيب وقارون.
وقال ابن عباس ومجاهد: عذابًا من فوقكم، يعني أئمة السوء والسلاطين الظلمة أو من تحت أرجلكم يعني عبيد السوء.
وقال الضحاك: من فوقكم يعني من قبل كباركم أو من تحت أرجلكم يعني السفلة {أو يلبسكم شيعًا} الشيع جمع شيعة وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة وأشياع وأصله من التشيع.
ومعنى الشيعة: الذين يتبع بعضهم بعضًا: وقيل: الشيعة هم الذين يتقوى بهم الإنسان.
قال الزجاج: في قوله أو يلبسكم شيعًا يعني يخلط أمركم خلط اضطراب لا خلط إنفاق فيجعلكم فرقًا مختلفين يقاتل بعضكم بعضًا وهو معنى قوله: {ويذيق بعضكم بأس بعض} قال ابن عباس: قوله أو يلبسكم شيعًا يعني الأهواء المختلفة ويذيق بعضكم بأس بعض يعني أنه يقتل بعضكم بيد بعض.
وقال مجاهد: يعني أهواء متفرقة وهو ما كان فيهم من الفتن والاختلاف.
وقال ابن زيد: هو الذي فيه الناس اليوم من الاختلاف والأهواء وسفك بعضهم دماء بعض.
ثم اختلف المفسرون فيمن عني بهذه الآية فقال قوم عني بها المسلمون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وفيهم نزلت هذه الآية.
قال أبو العالية: في قوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} الآية.
قال: هن أربع وكلهن عذاب فجاءت اثنتان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة ألبسوا شيعًا وأذيق بعضهم بأس بعض وبقيت اثنتان وهما لابد واقعتان يعني الخسف والمسخ.
وعن أبي بن كعب نحوه وهن أربع خلال وكلهن واقع قبل يوم القيامة مضت ثنتان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة ألبسوا شيعًا وأذيق بعضهم بأس بعض ثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجم.
وقال مجاهد: في قوله من فوقكم أو من تحت أرجلكم لأمة محمد فأعفاهم منه أو يلبسكم شيعًا ما كان بينهم من الفتن والاختلاف زاد غيره ويذيق بعضكم بأس بعض يعني ما كان فيهم من القتل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(خ) عن جابر قال لما نزلت هذه الآية قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بوجهك أو من تحت أرجلكم قال أعوذ بوجهك أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض قال هذا أهون أو هذا أيسر».
(م) عن سعد بن أبي وقاص أنه أقبل مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم من العالية حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه ودعا ربه طويلًا ثم انصرف إلينا فقال: «سألت ربي ثلاثًا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها وسألت ربي أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألت ربي أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها».
عن خباب بن الأرت قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فأطالها فقالوا يا رسول الله صليت صلاة لم تكن تصليها قال: «أجل إنها صلاة رغبة ورهبة إني سألت الله فيها ثلاثة فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا تهلك أمتي بسنة فأعطانيها وسألته أن لا يسلط عليهم عدوًا من غيرهم فأعطانيها وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها» أخرجه الترمذي.
وقوله تعالى: {انظر كيف نصرف الآيات} أي انظر يا محمد كيف نبين دلائلنا وحجتنا لهؤلاء المكذبين {لعلهم يفقهون} يعني يفهمون ويعتبرون فينزجروا ويرجعوا عما هم عليه من الكفر والتكذيب. اهـ.

.قال النسفي:

{قُلْ هُوَ القادر} هو الذي عرفتموه قادرًا أو هو الكامل القدرة فاللام يحتمل العهد والجنس {على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مّن فَوْقِكُمْ} كما أمطر على قوم لوط وعلى أصحاب الفيل الحجارة {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} كما غرّق فرعون وخسف بقارون، أو من قبل سلاطينكم وسفلتكم، أو هو حبس المطر والنبات {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} أو يخلطكم فرقًا مختلفين على أهواء شتى، كل فرقة منكم مشايعة لإمام.
ومعنى خلطهم أن ينشب القتال بينهم فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} يقتل بعضكم بعضًا.
والبأس السيف وعنه عليه الصلاة والسلام: «سألت الله تعالى أن لا يبعث على أمتي عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم فأعطاني ذلك أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني وأخبرني جبريل أن فناء أمتي بالسيف» {انظر كَيْفَ نُصَرّفُ الآيات} بالوعد والوعيد {لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}.
هذا إخبار يتضمن الوعيد، والأظهر من نسق الآيات أنه خطاب للكفار وهو مذهب الطبري.
وقال أبي وأبو العالية وجماعة: هي خطاب للمؤمنين.
قال أبي: هنّ أربع: عذاب قبل يوم القيامة مضت اثنتان قبل وفاة الرسول بخمس وعشرين سنة لبسوا شيعًا وأذيق بعضهم بأس بعض، وثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجم.
وقال الحسن: بعضها للكفار بعث العذاب من فوق ومن تحت وسائرها للمؤمنين، انتهى.
وحين نزلت استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم وقال في الثالثة: «هذه أهون أو هذه أيسر» واحتج بهذا من قال هي للمؤمنين.
وقال الطبري: لا يمتنع أن يكون عليه لسلام تعوذ لأمته مما وعد به الكفار وهون الثالثة لأنها في المعنى هي التي دعا فيها فمنع كما في حديث الموطأ وغيره.
والظاهر {من فوقكم أو من تحت أرجلكم} الحقيقة كالصواعق وكما أمطر على قوم لوط وأصحاب الفيل الحجارة وأرسل على قوم نوح الطوفان، كقوله: {ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر} وكالزلازل ونبع الماء المهلك وكما خسف بقارون.
وقال السدي عن أبي مالك وابن جبير: الرجم والخسف.
وقال ابن عباس: {من فوقكم} ولاة الجور و{من تحت أرجلكم} سفلة السوء وخدمته.
وقيل: حبس المطر والنبات.
وقيل: {من فوقكم} خذلان السمع والبصر والآذان واللسان و{من تحت أرجلكم} خذلان الفرج والرجل إلى المعاصي؛ انتهى، وهذا والذي قبله مجاز بعيد.
{أو يلبسكم شيعًا} أي يخلطكم فرقًا مختلفين على أهواء شتى كلّ فرقة منكم مشايعة لإمام ومعنى خلطهم انشاب القتال بينهم فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال كقول الشاعر:
وكتيبة لبستها بكتيبة ** حتى إذا التبست نفضت لها يدي

فتركتهم تقص الرماح ظهورهم ** ما بين منعفر وآخر مسند

قال ابن عباس ومجاهد: تثبت فيكم الأهواء المختلفة فتصيرون فرقًا.
وقيل: المعنى يقوي عدوكم حتى يخالطوكم.
وقرأ أبو عبد الله المدني {يلبسكم} بضمّ الياء من اللبس استعارة من اللباس فعلى فتح الياء يكون {شيعًا} حالًا.
وقيل: مصدر والعامل فيه {يلبسكم} من غير لفظه؛ انتهى.
ويحتاج في كونه مصدرًا إلى نقل من اللغة وعلى ضم الياء يحتمل أن يكون التقدير أو يلبسكم الفتنة شيعًا ويكون {شيعًا} حالًا، وحذف المفعول الثاني ويحتمل أن يكون المفعول الثاني شيعًا كان الناس يلبسهم بعضهم بعضًا كما قال الشاعر:
لبست أناسًا فأفنيتهم ** وغادرت بعد أناس أناسا

وهي عبارة عن الخلطة والمعايشة.
{ويذيق بعضكم بأس بعض} البأس الشدة من قتل وغيره والإذاقة والإنالة والإصابة هي من أقوى حواس الاختبار وكثر استعمالها في كلام العرب وفي القرآن قال تعالى: {ذوقوا مس سقر} وقال الشاعر:
أذقناهم كؤوس الموت صرفًا ** وذاقوا من أسنتنا كؤوسا

وقرأ الأعمش: ونذيق بالنون وهي نون عظمة الواحد وهي التفات فأيدته نسبة ذلك إلى الله على سبيل العظمة والقدرة القاهرة.
{انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون} هذا استرجاع لهم ولفظة تعجب للنبي صلى الله عليه وسلم والمعنى إنا نسألك في مجيء الآيات أنواعًا رجاء أن يفقهوا ويفهموا عن الله تعالى، لأن في اختلاف الآيات ما يقتضي الفهم إن غربت آية لم تعزب أخرى. اهـ.

.قال أبو السعود:

وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا} استئنافٌ مَسوقٌ لبيان أنه تعالى هو القادرُ على إلقائهم في المهالك إثرَ بيانِ أنه هو المُنْجي لهم منها، وفيه وعيدٌ ضمنيٌّ بالعذاب لإشراكهم المذكورِ على طريقة قولِه عز وجل: {أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر} إلى قوله تعالى: {أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أخرى} الآية، و(عليكم) متعلقٌ (بيبعثَ) وتقديمُه على مفعوله الصريح للاعتناء به والمسارعةِ إلى بيان كون المبعوثِ مما يضرُّهم، ولتهويل أمْرِ المؤخرِ. وقوله تعالى: {مّن فَوْقِكُمْ} متعلقٌ به أيضًا أو بمحذوف وقع صفةً لعذابًا أي عذابًا كائنًا من جهة الفوق كما فَعَل بمن فَعَل من قوم لوطٍ وأصحابِ الفيل وأضرابِهم {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} أو من جهة السُفلِ كما فعل بفِرْعونَ وقارونَ، وقيل: {مِنْ فوقكم} أكابِرُكم ورؤسائِكم و{من تحت أرجلِكم} سفلتُكم وعبيدُكم، وكلمة أو لمنع الخُلوّ دون الجمع، فلا منْعَ لما كان من الجهتين معًا، كما فُعل بقوم نوحٍ {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} أي يخلطَكم فِرَقًا متحزّبين على أهواءَ شتّى، كلُّ فرقةٍ مشايعةٌ لإمامٍ فينشَبُ بينكم القتالُ فتختلطوا في الملاحم كقول الحَماسي:
وكتيبةٍ لبَّستُها بكتيبة ** حتى إذا التَبَسَتْ نفضْتُ لها يدي

{وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} عطفٌ على {يبعثَ} وقرئ بنون العظمة على طريقة الالتفات لتهويل الأمرِ والمبالغةِ في التحذير، والبعضُ الأولُ الكفارُ والآخَرُ المؤمنون ففيه وعدٌ ووعيد. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عند قوله تعالى: {عَذَابًا مّن فَوْقِكُمْ}: «أعوذُ بوجهك». وعند قوله تعالى: {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}: «أعوذ بوجهك». وعند قوله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}: «هذا أهونُ أو هذا أيسرُ». وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سألت ربي أن لا يبعثَ على أمتي عذابًا من فوقهم أو من تحت أرجلِهم فأعطاني ذلك، وسألته أن لا يجعلَ بأسهم بينهم فمنعني ذلك» {انظر كَيْفَ نُصَرّفُ الآيات} من حال إلى حال {لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} كي يفقَهوا ويقِفوا على جلية الأمرِ فيرجِعوا عماهم عليه من المكابرة والعِناد. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ} يا محمد لهؤلاء الكفار {هُوَ القادر} لا غيره سبحانه: {على أَن يَبْعَثَ} أي يرسل {عَلَيْكُمْ} متعلق بيبعث.
وتقديمه على المفعول الصريح وهو قوله سبحانه: {عَذَابًا} للاعتناء به والمسارعة إلى بيان كون المبعوث مما يضرهم ولتهويل أمر المؤخر، والكلام استئناف مسوق لبيان أنه تعالى هو القادر على إلقائهم في المهالك إثر بيان أنه سبحانه هو المنجى لهم منها، وفيه وعيد ضمني بالعذاب لإشراكهم المذكور، والتنوين للتفخيم أي عذابًا عظيمًا.
{مّن فَوْقِكُمْ} أي من جهة العلو كالصيحة والحجارة والريح وإرسال السماء {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} أي من جهة السفل كالرجفة والخسف والإغراق، وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: من فوقكم أي من قبل أمرائكم وأشرافكم ومن تحت أرجلكم أي من قبل سفلتكم وعبيدكم.
وفي رواية أخرى عنه تفسير الأول بأئمة السوء والثاني بخدم السوء والمتبادر ما قدمنا وهو المروي عن غير واحد من المفسرين.
والجار والمجرور متعلق بيبعث أيضًا، ويجوز أن يكون متعلقًا بمحذوف وقع صفة لعذاب.
و(أو) لمنع الخلو دون الجمع فلا منع لما كان من الجهتين معًا كما فعل بقوم نوح عليه الصلاة والسلام.
{أَوْ يَلْبِسَكُمْ} أي يخلط أمركم عليكم ففي الكلام مقدر، وخلط أمرهم عليهم بجعلهم مختلفي الأهواء، وقيل: المراد اختلاط الناس في القتال بعضهم ببعض فلا تقدير، وعليه قول السلمي:
وكتيبة لبستها بكتيبة ** حتى إذا التبست نفضت لها يدي

وقرئ {يَلْبِسَكُمْ} بضم الياء وهو عطف على {يَبْعَثَ} وقوله تعالى: {شِيَعًا} جمع شيعة كسدرة وسدر وهم كل قوم اجتمعوا على أمر نصب على الحال، وقيل: إنه مصدر منصوب بيلبسكم من غير لفظه، وجوز على هذا أن يكون حالًا أيضًا أي مختلفين.
وقوله سبحانه: {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} عطف على {يَبْعَثَ} كما نقل عن السمين، ويفهم من كلام البعض أنه عطف على يلبس وهو من قبيل عطف التفسير أو من عطف المسبب على السبب.