فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن مردويه عن معاوية بن أبي سفيان قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تحدثون من آخركم وفاة؟ قلنا: أجل. قال: فإني من أوّلكم وفاة وتتبعوني أفنادًا يهلك بعضكم بعضًا، ثم نزع هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} حتى بلغ {لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون}».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة والبزار وابن حبان والحاكم وصححه واللفظ له وابن مردويه عن ثوبان «أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن ربي روي لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وأعطاني الكنزين الأحمر والأبيض، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليها عدوًا من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها، وقال: يا محمد إني إذًا قضيت قضاء لم يرد، إني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكها بسنة عامة، ولا أظهر عليهم عدوًا من غيرهم فيستبيحهم بعامة، ولو اجتمع من بين أقطارها حتى يكون بعضهم هو يهلك بعضًا وبعضهم هو يسبي بعضًا، وإني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين، ولن تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، وأنه قال: كلها يوجد في مائة سنة، وسيخرج في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي الله، وأنا خاتم الأنبياء لا نبي بعدي، ولن يزال في أمتي طائفة يقاتلون على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله. قال وزعم أنه لا ينزع رجل من أهل الجنة شيئًا من ثمرها إلا أخلف الله مكانها مثلها، وأنه قال: ليس دينار ينفقه رجل بأعظم أجرًا من دينار ينفقه على عياله، ثم دينار ينفقه على فرسه في سبيل الله، ثم دينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله. قال: وزعم أن نبي الله عظم شأن المسألة وأنه إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم، فيسألهم ربهم ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: ربنا لم ترسل إلينا رسولًا ولم يأتنا امر. فيقول: أرأيتم إن أمرتكم بأمر تطيعوني؟ فيقولون: نعم. فيأخذ مواثيقهم على ذلك فيأمرهم أن يعمدوا لجهنم فيدخلونها، فينطلقون حتى إذا جاءوها رأوا لها تغيظًا وزفيرًا فهابوا، فرجعوا إلى ربهم فقالوا: ربنا فرقنا منها. فيقول: ألم تعطوني مواثيقكم لتطيعن، اعمدوا إليها فادخلوا. فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا فرجعوا، فيقول: ادخلوها داخرين. قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: لو دخلوها أوّل مرة كان عليهم بردًا وسلامًا».
وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن جابر بن عتيك قال: جاءنا عبد الله بن عمرو في بني معاوية وهي قرية من قرى الأنصار، فقال لي: هل تدري أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجدكم هذا؟ قلت: نعم. وأشرت له إلى ناحية منه فقال: هل تدري ما الثلاث التي دعا بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه؟ قلت: نعم. فقال أخبرني بهن. قلت: دعا أن لا يظهر عليهم عدوًا من غيرهم، ولا يهلكهم بالسنين فاعطيها، ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها.
قال: صدقت لا يزال الهرج إلى يوم القيامة.
وأخرج أحمد والطبراني وابن مردويه عن أبي نضرة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سألت ربي أربعًا فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدة، سألت الله أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها، وسألت الله أن لا يظهر عليهم عدوًا من غيرهم فأعطانيها، وسألت الله أن لا يهلكهم بالسنين كما أهلك الأمم فأعطانيها، وسألت الله أن لا يلبسهم شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها».
وأخرج أحمد والنسائي وابن مردويه عن أنس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر صلى سبحة الضحى ثمان ركعات، فلما انصرف قال: «إني صليت صلاة رغبة ورهبة، سألت ربي ثلاثًا فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يبتلي أمتي بالسنين ففعل، وسألته أن لا يظهر عليها عدوهم ففعل، وسألته أن لا يلبسهم شيعًا فأبى عليّ».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن حذيفة بن اليمان قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حرة بني معاوية، واتبعث أثره حتى ظهر عليها فصلى الضحى ثماني ركعات، فأطال فيهن ثم التفت إلي فقال: إني سألت الله ثلاثًا فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يسلط على أمتي عدوًّا من غيرهم فأعطاني، وسألته أن لا يهلكهم بغرق فأعطاني، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني».
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي ثلاثًا فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنين ففعل، وسألت ربي أن لا يسلط على أمتي عدوًا لها ففعل، وسألت ربي أن لا يهلك أمتي بعضها ببعض فمنعنيها».
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صليت صلاة رغبًا ورهبًا ودعوت دعاء رغبًا ورهبًا حتى فرج لي عن الجنة، فرأيت عناقيدها فهويت أن أتناول منها شيئًا فخوفت بالنار، فسألت ربي ثلاثًا فأعطاني إثنتين وكف عني الثالثة، سألته أن لا يظهر على أمتي عدوها ففعل، وسألته أن لا يهلكها بالسنين ففعل، وسألته أن لا يلبسها شيعًا ولا يذيق بعضها بأس بعض فكفها عني».
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن شداد قال: فقد معاذ بن جبل أو سعد بن معاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده قائمًا يصلي في الحرة، فأتاه فتنحنح، فلما انصرف قال: يا رسول الله رأيتك صليت صلاة لم تصل مثلها؟ قال: «صليت صلاة رغبة ورهبة، سألت ربي فيها ثلاثًا فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أمتي جوعًا ففعل، ثم قرأ {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين...} [الأعراف: 130] الآية. وسألته أن لا يسلط عليهم عدوًا من غيرهم ففعل، ثم قرأ {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق} [الفتح: 28] إلى آخر الآية، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني، ثم قرأ {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} إلى آخر الآية، ثم قال: لا يزال هذا الذين ظاهرًا على من ناوأهم».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن خباب بن الأرت في قوله: {أو يلبسكم شيعًا} قال: راقب خباب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، حتى إذا كان في الصبح قال له: يا نبي الله لقد رأيتك تصلي هذه الليلة صلاة ما رأيتك تصلي مثلها؟ قال: «أجل إنها صلاة رغبة ورهبة، سألت ربي فيها ثلاث خصال فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلكنا بما أهلكت به الأمم قبلكم فأعطاني، وسألته أن لا يسلط علينا عدوًا من غيرنا فأعطاني، وسألته أن لا يلبسنا شيعًا فمنعني».
وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق نافع بن خالد الخزاعي عن أبيه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة خفيفة تامة الركوع والسجود، فقال: قد كانت صلاة رغبة ورهبة، فسألت الله فيها ثلاثًا فأعطاني إثنتين وبقي واحدة، سألت الله أن لا يصيبكم بعذاب أصاب به قبلكم فأعطانيها، وسألت الله أن لا يسلط عليكم عدوًا يستبيح بيضتكم فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض فمنعنيها».
وأخرج الطبراني عن خالد الخزاعي وكان من أصحاب الشجرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم صلاة فأخف وجلس فأطال الجلوس، فلما انصرف قلنا: يا رسول الله أطلت الجلوس في صلاتك؟ قال: «إنها صلاة رغبة ورهبة، سألت الله فيها ثلاث خصال فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يسحتكم بعذاب أصاب من كان قبلكم فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط على بيضتكم عدوًا فيجتاحها فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض فمنعنيها».
وأخرج نعيم بن حماد في كتاب الفتن عن ضرار بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في قوله: {أو يلبسكم شيعًا} قال: أربع فتن: تأتي فتنة الأولى يستحل فيها الدماء، والثانية يستحل فيها الدماء والأموال، والثالثة يستحل فيها الدماء والأموال والفروج، والرابعة عمياء مظلمة تمور مور البحر، تنتشر حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن شداد بن أوس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها، وأني أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي أن لا يهلك قومي بسنة عامة، وأن لا يلبسهم شيعًا ولا يذيق بعضهم بأس بعض. فقال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، ولا أسلط عليهم عدوًا من سواهم فيهلكوهم حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، وبعضهم يقتل بعضًا، وبعضهم يسبي بعضًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني أخاف على أمتي الأئمة المضلين، فإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة وابن المنذر واللفظ له وابن مردويه عن معاذ بن جبل قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فأطال قيامها وركوعها وسجودها، فلما انصرف قلت: يا رسول الله لقد أطلت اليوم الصلاة؟ فقال: «إنها صلاة رغبة ورهبة، إني سألت ربي ثلاثًا فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يسلط على أمتي عدوًا من سواهم فيهلكهم عامة فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم سنة فتهلكهم عامة فأعطانيها، ولفظ أحمد، وابن ماجة، وسألته أن لا يهلكهم غرقًا فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها».
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سألت ربي لأمتي أربع خصال فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدة، سألته أن لا تكفر أمتي واحدة فأعطانيها، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوًا من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يعذبهم بما عذب به الأمم من قبلهم فأعطانيها، وسألته لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها».
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: «لما نزلت هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا} قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ، فسأل ربه أن لا يرسل عليهم عذابًا من فوقهم، أو من تحت أرجلهم، ولا يلبس أمته شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعض كما أذاق بني إسرائيل، فهبط إليه جبريل فقال: يا محمد إنك سألت ربك أربعًا فأعطاك إثنتين ومنعك إثنتين، لن يأتيهم عذاب من فوقهم ولا من تحت أرجلهم يستأصلهم، فإنهما عذابان لكل أمة اجتمعت على تكذيب نبيها ورد كتاب ربها، ولكنهم يلبسهم شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعض وهذان عذابان لأهل الإِقرار بالكتب والتصديق بالأنبياء ولكن يعذبون بذنوبهم، وأوحى الله إليه {فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون} [الزخرف: 41] يقول: من أمتك، أو نرينك الذي وعدناهم من العذاب وأنت حي فإنا عليهم مقتدرون.
فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم فراجع ربه فقال: أي مصيبة أشد من أن أرى أمتي يعذب بعضها بعضًا، وأوحى إليه {المَ أحسب الناس أن يتركوا} [العنكبوت: 1- 2] الآيتين. فأعلمه أن أمته لم تخص دون الأمم بالفتن، وأنها ستبتلى كما ابتليت الأمم، ثم أنزل عليه {قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين} [المؤمنون: 93] فتعوذ نبي الله فأعاذه الله لم ير من أمته إلا الجماعة والألفة والطاعة، ثم أنزل عليه آية حذر فيها أصحاب الفتنة، فأخبره أنه إنما يخص بنها ناس منهم من دون ناس فقال: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب} [الأنفال: 25] فخص بها أقوامًا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بعده، وعصم بها أقوامًا»
.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: لما نزلت {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا} الآية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيوف، فقالوا: ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله؟ قال: نعم. فقال بعض الناس: لا يكون هذا أبدًا، فأنزل الله: {انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون وكذب به قومك وهو الحق} إلى قوله: {وسوف تعلمون}».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قولة {عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} قال: هذا للمشركين {أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض} قال: هذا للمسلمين. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله: {عَذَابًا مِنْ فَوقكُم} يجوز أن يكون الظَّرْفُ معلِّقًا بـ {نبعث} وأن يكون متعلّقًا بمحذوف على أنه صفةٌ لـ {عذابًا} أي: كائنًا من هاتين الجِهَتين.
قوله: {أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} عطف على {يبعث}.
والجمهور على فتح الياء من {يَلْبِسَكُمْ} وفيه وجهان:
أحدهما: أنه بمعنى يخلطكم فِرقًا مختلفين على أهْوَاء شَتَّى كل فرقة مُشَايعة لإمام، ومعنى خَلْطِهِم: إنْشابُ القتالِ بيهم، فيختلطون في ملاحم القتال كقول الحماسي: [الكامل]
وَكَتِيبَةٍ لَبَّسْتُهَا بِكَتيبَةٍ ** حَتَّى إَذَا الْتَبَسَتْ نَفَضْتُ لَهَا يِدِي

فَتَرَكُتُهُمْ تَقِصُ الرِّمَاحُ ظُهُورَهُم ** مَا بَيْنَ مُنْعَفِرِ وَآخَرَ مُسْنَدِ

وهذه عبارة الزمخشري: فجعله من اللَّبْسِ الذي هو الخَلْطُ، وبهذا التفسر الحسن ظهر تعدِّي يلبس إلى المفعول، و{شِيَعًا} نصب على الحال، وهي جمع غير الصدر كقعدت جلوسًا.
قال أبو حيَّان: ويحتاج في جعله مصدرًا إلى نقل من اللغة.
ويجوز على هذا أيضًا أن يكون حالًا كأتَيْتُهُ رَكْضًا أي: راكضًا، أو ذا ركض.
وقال أبو البقاء: والجمهور على فتح الياء، أي: يَلْبِسُ عليكم أموركم، فحذف حرف الجر والمفعول، والأجود أن يكون التقدير: أو يَلْبِسُ أموركم، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه.

.فصل في قراءة {يلبسكم}:

قرأ أبو عبد الله المدني: {يُلْبِسَكُمْ} بضم الياء من ألْبَسَ رباعيًا، وفيه وجهان:
أحدهما: أن يكون المفعول الثَّاني مَحْذُوفًا، تقديره أو يُلْبِسكم الفِتْنَةَ، و{شيعًا} على هذا حالٌ، أي: يلبسكم الفِتْنَةَ في حال تفرُّقِكُمْ وشَتَاتِكُمْ.
الثاني: أن يكون {شيعًا} هو المفعول الثاني، كأنه جعل النَّاس يلبسن بعضهم مجازًا كقوله: [المتقارب]
لَبِسْتُ أنَاسًا فَأفْنَيْتُهُمْ ** وأفْنَيْتُ بَعْدَ أنَاسٍ أنَاسَا

والشِّيعَةُ: من يَتَقوَّى بهم الإنسان، والجمع: شيع كما تقدم، وأشْيَاع، كذا قال الراغب، والظاهر أن أشْيَاعًا جمع شِيعَ كعنب وأعْنَاب، وضِلَع وأصْلاع وشيع جمع شِيْعَة فهو جمع الجمع.
قوله: {ويُذيْقَ} نَسَقٌ على {يِبْعَث}، والإذاقَةُ اسْتِعَارةٌ، وهي فاشية: {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَر} [القمر: 48]، {ذُقْ إِنَّكَ} [الدخان: 49]، {فَذُوقُواْ العذاب} [الأنعام: 30].
وقال: [الوافر]
أذَقْنَاهُمْ كُئُوسَ المَوْتِ صِرْفًا ** وَذَاقُوا مِنْ أسِنَّتِنَا كُئُوسَا

وقرأ الأعمش: {ونُذِيِقَ} بنون العظمة، وهو التْتِفَاتٌ، فائدته تعظيم الأمر، والتحذير من سطوَتِهِ. اهـ. باختصار.