فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فصل في النهي عن مجالسة الظالمين:

.قال الجصاص:

قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} الآية، فأمر الله نبيه بالإعراض عن الذين يخوضون في آيات الله، وهي القرآن، بالتكذيب وإظهار الاستخفاف إعراضا يقتضي الإنكار عليهم وإظهار الكراهة لما يكون منهم إلا أن يتركوا ذلك ويخوضوا في حديث غيره. وهذا يدل على أن علينا ترك مجالسة الملحدين وسائر الكفار عند إظهارهم الكفر والشرك وما لا يجوز على الله تعالى إذا لم يمكنا إنكاره وكنا في تقية من تغييره باليد أو اللسان؛ لأن علينا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمره الله به إلا أن تقوم الدلالة على أنه مخصوص بشيء منه قوله تعالى: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ} المراد: إن أنساك الشيطان ببعض الشغل فقعدت معهم وأنت ناس للنهي فلا شيء عليك في تلك الحال. ثم قال تعالى: {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} يعني: بعدما تذكر نهي الله تعالى لا تقعد مع الظالمين. وذلك عموم في النهي عن مجالسة سائر الظالمين من أهل الشرك وأهل الملة لوقوع الاسم عليهم جميعا، وذلك إذا كان في ثقة من تغييره بيده أو بلسانه بعد قيام الحجة على الظالمين بقبح ما هم عليه، فغير جائز لأحد مجالستهم مع ترك النكير سواء كانوا مظهرين في تلك الحال للظلم والقبائح أوغير مظهرين له؛ لأن النهي عام عن مجالسة الظالمين؛ لأن في مجالستهم مختارا مع ترك النكير دلالة على الرضا بفعلهم ونظيره قوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ} [المائدة: 78] الآيات، وقد تقدم ذكر ما روي فيه، وقوله تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 113]. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ، وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ.
وَالْخَوْضُ هُوَ الْمَشْيُ فِيمَا لَا يَتَحَصَّلُ حَقِيقَةً، مِنْ الْخَائِضِ فِي الْمَاءِ الَّذِي لَا يُدْرَى بَاطِنُهُ، اُسْتُعِيرَ مِنْ الْمَحْسُوسِ لِلْمَعْقُولِ عَلَى مَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي الْأُصُولِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُشَارَكَةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى رَسُولِهِ بِالْمُجَالَسَةِ، سَوَاءٌ تَكَلَّمَ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ أَوْ كَرِهَهُ.
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُجَالَسَةَ أَهْلِ الْمُنْكَرِ لَا تَحِلُّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} قَالَ قَوْمٌ: هَذَا خِطَابٌ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْأُمَّةُ، وَكَأَنَّ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ ذَهَبُوا إلَى تَنْزِيهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النِّسْيَانِ وَهُمْ كِبَارُ الرَّافِضَةِ، قَبَّحَهُمْ اللَّهُ، وَإِنْ عَذَرْنَا أَصْحَابَنَا فِي قَوْلِهِمْ: إنْ قَوْله تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك}، خِطَابٌ لِلْأُمَّةِ بِاسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِاسْتِحَالَةِ الْإِشْرَاكِ عَلَيْهِ فَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِي هَذَا لِجَوَازِ النِّسْيَانِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى}.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْبِرًا عَنْ نَفْسِهِ: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ»، وَقَالَ وَقَدْ سَمِعَ قِرَاءَةَ رَجُلٍ يَقْرَأُ: «لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْت أُنْسِيتهَا».
وَقَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: «تَلَاحَى رَجُلَانِ فَنَسِيتهَا».
وَقَالَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ نَسِيت آيَةَ كَذَا، بَلْ نُسِّيتهَا»، كَرَاهِيَةَ إضَافَةِ اللَّفْظِ إلَى الْقُرْآنِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَذَلِكَ أَتَتْك آيَاتُنَا فَنَسِيتهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}.
وَفَائِدَتُهُ: أَنَّ لَفْظَ نَسِيت يَنْطَلِقُ عَلَى تَرَكْت انْطِلَاقًا طِبْقِيًّا، ثُمَّ نَقُولُ فِي تَقْسِيمِ وَجْهَيْ مُتَعَلِّقِهِ سَهَوْت إذَا كَانَ تَرَكَهُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَعَمَدْت إذَا كَانَ تَرَكَهُ عَنْ قَصْدٍ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّ قَوْلَهُ: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» عَامٌّ فِي وَجْهَيْ النِّسْيَانِ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ.
وَقَوْلُهُ إذَا ذَكَرَهَا: يَعْنِي أَنَّ السَّاهِيَ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الذِّكْرُ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْخِطَابُ، وَأَنَّ الْعَامِدَ ذَاكِرٌ أَبَدًا فَلَا يَزَالُ الْخِطَابُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ}.
لا توافقهم في الحالة، ولا ترد عليهم ببسط القالة. ذَرْهُم ووحشتَهم بِحُسْنِ الإعراض عنهم، والبعد عن الإصغاء إلى تهاويشهم بحُسْنِ الانقباض.
قوله جلّ ذكره: {وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي إنْ بَدَرَ منك تغافلٌ فتداركْتَه بحسن التذكر وجميل التَّنَبُّه، فاجتهِدْ ألا (تزل) في تلك الغلطة قدمُك ثانيةً لئلا تقاسي أليمَ العقوبة مِنّا. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره}.
هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ويدخل فيه المؤمنون لأن علة النهي وهو سماع الخوض في آيات الله يشمله وإياهم.
وقيل: هو خاص بتوحيده لأن قيامه عنهم كان يشق عليهم وفراقه على مغاضبه والمؤمنون عندهم ليسوا كهو.
وقيل: خطاب للسامع والذين يخوضون المشركون أو اليهود أو أصحاب الأهواء ثلاثة أقوال، و{رأيت} هنا بصرية ولذلك تعدت إلى واحد ولابد من تقدير حال محذوفة أي {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} وهم خائضون فيها أي وإذا رأيتهم ملتبسين بهذه الحالة.
وقيل: {رأيت} علمية لأن الخوض في الآيات ليس مما يدرك بحاسة البصر وهذا فيه بعد لأنه يلزم من ذلك حذف المفعول الثاني من باب علمت فيكون التقدير {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} خائضين فيها وحذفه اقتصارًا لا يجوز وحذفه اختصارًا عزيز جدًا حتى أن بعض النحويين منعه والخوض في الآيات كناية عن الاستهزاء بها والطعن فيها.
وكانت قريش في أنديتها تفعل ذلك {فأعرض عنهم} أي لا تجالسهم وقم عنهم وليس إعراضًا بالقلب وحده بينه {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذًا مثلهم} وقد تقدم من قول المفسرين في هذه الآية أن قوله: وقد نزل عليكم في الكتاب: أن الذي نزل في الكتاب هو قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون} الآية و{حتى يخوضوا} غاية الإعراض عنهم أي فلا بأس أن تجالسهم والضمير في {غيره} قال الحوفي عائد إلى الخوض كما قال الشاعر:
إذ نهى السفيه جرى إليه ** وخالف والسفيه إلى خلاف

أي جرى إلى السفه.
وقال أبو البقاء: إنما ذكر الهاء لأنه أعادها على معنى الآيات ولأنها حديث وقول: {وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} أي إن شغلك بوسوسته حتى تنسى النهي عن مجالستهم فلا تقعد معهم بعد الذكرى أي ذكرك النهي.
قال الزمخشري: ويجوز أن يراد وإن كان الشيطان ينسيك قبل النهي قبح مجالسة المستهزئين لأنها مما تنكره العقول فلا تقعد بعد الذكرى أي بعد إن ذكرناك قبحها ونبهناك عليه معهم؛ انتهى.
وهو خلاف ظاهر الشرط لأنه قد نهي عن القعود معهم قبل ثم عطف على الشرط السابق هذا الشرط فكله مستقبل وما أحسن مجيء الشرط الأول بإذا التي هي للمحقق لأن كونهم يخوضون في الآيات محقق ومجيء الشرط الثاني بأن لأن إن لغير المحقق وجاء {مع القوم الظالمين} تنبيهًا على علة الخوض في الآيات والطعن فيها وأن سبب ذلك ظلمهم وهو مجاوزة الحد ووضع الأشياء غير مواضعها.
قال ابن عطية: وأما شرط ويلزمها النون الثقيلة في الأغلب وقد لا تلزم كما قال الشاعر:
أما يصبك عدو في مناوأة

إلى غير ذلك من الأمثلة؛ انتهى.
وهذه المسألة فيها خلاف، ذهب بعض النحويين إلى أنها إذا زيدت بعد إن ما لزمت نون التوكيد ولا يجوز حذفها إلا ضرورة وذهب بعضهم إلى أنها لا تلزم وإنه يجوز في الكلام وتقييده الثقيلة ليس بجيد بل الصواب النون المؤكدة سواء كانت ثقيلة أم خفيفة وكأنه نظر إلى مواردها في القرآن وكونها لم تجيء فيها بعد أما إلا الثقيلة.
وقرأ ابن عامر {ينسينك} مشدّدًا عداه بالتضعيف وعداه الجمهور بالهمزة.
وقال ابن عطية: وقد ذكر القراءتين إلا أن التشديد أكثر مبالغة؛ انتهى.
وليس كما ذكر لا فرق بين تضعيف التعدية والهمزة ومفعول {ينسينك} الثاني محذوف تقديره {وإما ينسينك الشيطان} نهينا إياك عن القعود معهم والذكرى مصدر ذكر جاء على فعلى وألفه للتأنيث ولم يجيء مصدر على فعلى غيره. اهـ.

.من فوائد الشوكاني في الآية:

قال رحمه الله:
قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ في ءاياتنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}.
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح له.
والخوض: أصله في الماء ثم استعمل في غمرات الأشياء التي هي مجاهل تشبيها بغمرات الماء، فاستعير من المحسوس للمعقول.
وقيل: هو مأخوذ من الخلط، وكل شيء خضته فقد خلطته، ومنه خاض الماء بالعسل: خلطه.
والمعنى: إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والردّ والاستهزاء فدعهم، ولا تقعد معهم لسماع مثل هذا المنكر العظيم حتى يخوضوا في حديث مغاير له، أمره الله سبحانه بالإعراض عن أهل المجالس التي يستهان فيها بآيات الله إلى غاية هي الخوض في غير ذلك.
وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة، الذين يحرّفون كلام الله، ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله، ويردّون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة، فإن إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقلّ الأحوال أن يترك مجالستهم، وذلك يسير عليه غير عسير.
وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزّهه عما يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة، فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر.
وقد شاهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر، وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه، وبلغت إليه طاقتنا، ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها، علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرّمات، ولاسيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة، فإنه ربما ينفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه، فيعمل بذلك مدّة عمره ويلقى الله به معتقدًا أنه من الحق، وهو من أبطل الباطل وأنكر المنكر.
قوله: {وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشيطان فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى} إما هذه هي الشرطية وتلزمها غالبًا نون التأكيد ولا تلزمها نادرًا، ومنه قول الشاعر:
إما يصبك عدوّ في منازلة ** يومًا فقل كيف يستعلي وينتصر

وقرأ ابن عباس {ينسينك} بتشديد السين، ومثله قول الشاعر:
وقد ينسيك بعض الحاجة الكسل

والمعنى: إن أنساك الشيطان أن تقوم عنهم فلا تقعد بعد الذكرى إذا ذكرت {مَعَ القوم الظالمين} أي الذين ظلموا أنفسهم بالاستهزاء بالآيات والتكذيب بها.
قيل: وهذا الخطاب وإن كان ظاهره للنبي صلى الله عليه وسلم فالمراد التعريض لأمته لتنزّهه عن أن ينسيه الشيطان.
وقيل: لا وجه لهذا، فالنسيان جائز عليه كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة «إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني» ونحو ذلك. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ} أي: بالطعن والاستهزاء {فِي آيَاتِنَا} أي: المنسوبة إلى مقام عظمتنا، التي حقها أن تعظم بما يناسب عظمتنا. والموصول كناية عن مشركي مكة، فقد كان ديدنهم ذلك {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي: فلا تجالسهم، وقم عنهم {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} أي: حتى يأخذوا في كلام آخر، غير ما كانوا فيه من الخوض في آياتنا.
{وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ} بأن يشغلك فتنسى النهي عن مجالستهم {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي: إن ينسينّك الشيطان، فجلست معهم، فلا تؤاخذ به، لكن إذا ذكرت النهي، فلا تقعد معهم، لأنهم ظالمون بالطعن في الكلام المعجز، عنادًا.
وفي الحديث: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه»- رواه الطبرانيّ عن ثوبان مرفوعًا. وإسناده صحيح- وهذه الآية هي المشار إليها في قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُم} الآية. لأن في حضور المنكَر مع إمكان التباعد عنه، مشاركة لصاحبه.
فوائد:
قال السيوطي في الإكليل: في هذه الآية وجوب اجتناب مجالس الملحدين، وأهل اللغو، ويستدل بها على أن الناسي غير مكلف، وأنه إذا ذكر عاد إليه التكليف، فيعفى عما ارتكبه في حال نسيانه. ويندرج تحت ذلك مسائل كثيرة في العبادات والتعليقات. انتهى.
وقال الرازي: ومن الحشوية من استدل بهذه الآية في النهي عن الاستدلال والمناظرة في ذات الله تعالى وصفاته. قال: لأن ذلك خوض في آيات الله، والخوض في آيات الله حرام بدليل هذه الآية.
والجواب عنه: أن المراد من الخوض في الآية الشروع في الطعن والاستهزاء. فسقط هذا الاستدلال- والله أعلم-.