فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{وَذَرِ الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ} الذي كُلِّفوه وأُمروا بإقامة مواجبِه {لَعِبًا وَلَهْوًا} حيث سخِروا به واستهزأوا أو بنَوْا أمرَ دينهم على ما لا يكادُ يتعاطاه العاقلُ بطريق الجِدّ وإنما يصدُر عنه لو صدَر بطريق اللعِبِ واللهوِ كعبادة الأصنام وتحريمِ البحائرِ والسوائبِ ونحوِ ذلك، والمعنى أعرضْ عنهم ولا تُبالِ بأفعالهم وأقوالهم وقيل: هو تهديدٌ لهم كقوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} الآية، {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} واطمأنوا بها حتى زعموا أنْ لا حياةَ بعدها أبدًا {وَذَكّرْ بِهِ} أي بالقرآنِ من يصلُح للتذكير {أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} أي لئلا تُبْسَلَ كقوله تعالى: {أَن تَضِلُّواْ} الآية، أو مخافةَ أن تُبسَل أو كراهةَ أن تبسل نفوسٌ كثيرة كما في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} وتُرتَهنَ لسوء عملِها، وأصلُ الإبسالِ والبَسْل المنعُ، ومنه أسد باسلٌ لأن فريستَه لا تُفلت منه أو لأنه ممتنَعٌ، والباسل الشجاع لامتناعه من قِرْنه وهذا بَسْلٌ عليك أي حرام ممنوعٌ وقد جوِّز أن يكون الضميرُ المجرورُ في (به) راجعًا إلى الإبسال مع عدم جريان ذكرِه كما في ضمير الشأن وتكون الجملةُ بدلًا منه مفسِّرًا له، لما في الإبهام أولًا والتفسيرِ ثانيًا من التفخيم وزيادةِ التقرير كما في قوله:
على جودِه لَضَنَّ بالماء حاتمِ

بجرّ حاتم على أنه بدل من ضمير جوده فالمعنى وذكر بارتهان النفوس وحبسها بما كسبت وقوله تعالى: {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} استئنافٌ مَسوقٌ للإخبار بذلك وقيل: في محل النصب على أنه حالٌ من ضمير {كسبت} وقيل: في محل الرفع على أنه وصفٌ لـ {نفسٌ} والأظهرُ أنه حالٌ من {نفسٌ} فإنه في قوة نفسٌ كافرةٌ أو نفوسٌ كثيرة كما في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} و{من دون الله} متعلقٌ بمحذوف هو حال من {وليٌّ} كما بُيِّن في تفسير قوله تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ} الآية، وقيل: هو خبرٌ لليس فيكون {لها} حينئذٍ متعلقًا بمحذوفٍ على البيان {وَإِن تَعْدِلْ} أي إن تَفْدِ تلك النفسُ {كُلَّ عَدْلٍ} أي كلَّ فِداءٍ على أنه مصدرٌ مؤكد {لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا} على إسنادِ الفعلِ إلى الجار والمجرور لا إلى ضمير العدل كما في قوله تعالى: {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} فإنه المَفْدِيُّ به لا المصدرُ كما نحن فيه {أولئك} إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجتهم في سوء الحال، ومحلُه الرفعُ على الابتداء والخبرُ قوله تعالى: {الذين أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ} والجملةُ مستأنفةٌ سيقت إثرَ تحذيرِهم من الإبسال المذكور لبيان أنهم المبتَلَوْن بذلك أي أولئك المتخِذون دينَهم لعبًا ولهوًا المغترون بالحياة الدنيا هم الذين أُبسِلوا بما كسبوا، وقولُه تعالى: {لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ} استئناف آخَرُ مُبينٌ لكيفية الإبسال المذكور وعاقبتِه، مبنيٌّ على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل: ماذا لهم حين أُبسلوا بما كسبوا؟ فقيل: لهم شرابٌ من ماءٍ مغليَ يتجَرْجَرُ في بطونهم وتتقطَّعُ به أمعاؤهم {وَعَذَابٌ أَلِيمٌ} بنار تشتعل بأبدانهم {بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} أي بسبب كفرهم المستمر في الدنيا وقد جُوِّز أن يكون {لهم شراب} الخ، حالًا من ضمير {أبسلوا} وترتيبُ ما ذُكر من العذابَيْن على كفرهم مع أنهم معذبون بسائر معاصيهم أيضًا حسبما ينْطق به قولُه تعالى: {بِمَا كَسَبُواْ} لأنه العُمدةُ في إيجاب العذاب والأهمُ في باب التحذير، أو أريد بكفرهم ما هو أعمُّ منه ومن مستتْبِعاته من المعاصي والسيئات هذا، وقد جوِّز أن يكون أولئك إشارةً إلى النفوس المدلولِ عليها (بنفسٌ) محلُه الرفعُ بالابتداء والموصولُ الثاني صفتُه أو بدلٌ منه ولهم شراب إلخ خبرُه والجملة مَسوقةٌ لبيان تَبِعةِ الإبسال. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَذَرِ الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ} الذي فرض عليهم وكلفوه وأمروا بإقامة مواجبه وهو الإسلام {لَعِبًا وَلَهْوًا} حيث سخروا به واستهزأوا، وجوز أن يكون المعنى اتخذوا الدين الواجب شيئًا من جنس اللعب واللهو كعبادة الأصنام وتحريم البحائر والسوائب ونحو ذلك أو اتخذوا ما يتدينون به وينتحلونه بمنزلة الذين لأهل الأديان شيئًا من اللعب واللهو.
وحاصله أنهم اتخذوا اللعب واللهو دينًا، وقيل: المراد بالدين العيد الذي يعاد إليه كل حين معهود بالوجه الذي شرعه الله تعالى كعيد المسلمين أو بالوجه الذي لم يشرع من اللعب واللهو كأعياد الكفرة لأن أصل معنى الدين العادة والعيد معتاد كل عام ونسب ذلك لابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والمعنى على سائر الأقوال لا تبال بهؤلاء وامص لما أمرت به.
وأخرج ابن جرير وغيره أن المعنى على التهديد كقوله تعالى: {ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: 11] و{ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} [الحجر: 3]، وقيل: المراد الأمر بالكف عنهم وترك التعرض لهم.
والآية عليه منسوخة بآية السيف، وهو مروي عن قتادة.
ونصب {لَعِبًا} على أنه مفعول ثان لاتخذوا وهو اختيار السفاقسي، ويفهم من ظاهر كلام البعض أنه مفعول أول و{دِينَهُمُ} ثان، وفيه إخبار عن النكرة بالمعرفة.
ويفهم من كلام الإمام أنه مفعول لأجله واتخذ متعد لواحد فإنه قال بعد سرد وجوه التفسير في الآية: والخامس وهو الأقرب أن (المحق) في الدين هو الذي ينصر الدين لأجل أن قام الدليل على أنه حق وصدق وصواب فأما الذين ينصرونه ليتوسلوا به إلى أخذ المناصب والرياسة وغلبة الخصم وجمع الأموال فهم نصروا الدين للدنيا، وقد حكم الله تعالى عليها في سائر الآيات بأنها لعب ولهو.
فالمراد من قوله سبحانه: {وَذَرِ الَّذِينَ اتخذوا} إلخ هو الإشارة إلى من يتوسل بدينه إلى دنياه.
وإذا تأملت في حال أكثر الخلق وجدتهم موصوفين بهذه الصفة وداخلين تحت هذه الآية اه.
ولا يخفى أنه أبعد من العيوق فلا تغتر به وإن جل قائلة.
{وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} أي خدعتهم وأطمعتهم بالباطل حتى أنكروا البعث وزعموا أن لا حياة بعدها واستهزأوا بآيات الله تعالى.
وجعل بعضهم غر من الغر وهو ملء الفم أي أشبعتهم لذاتها حتى نسوا الآخرة وعليه قوله:
ولما التقينا بالعشية غرني ** بمعروفه حتى خرجت أفوق

{وَذَكّرْ بِهِ} أي بالقرآن.
وقد جاء مصرحًا به في قوله سبحانه: {فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45] والقرآن يفسر بعضه بعضًا.
وقيل: الضمير لحسابهم، وقيل: للدين.
وقيل: إنه ضمير يفسره قوله سبحانه: {أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} فيكون بدلًا منه واختاره أبو حيان.
وعلى الأوجه الأخر هو مفعول لأجله أي لئلا تبسل أو مخافة أو كراهة أن تبسل.
ومنهم من جعله مفعولًا به لذكر.
ومعنى {تُبْسَلَ} تحبس كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وأنشد له قول زهير:
وفارقتك برهن لافكاك له ** يوم الوداع وقلبي مبسل علقًا

وفي رواية ابن أبي حاتم عنه تسلم.
وروي ذلك أيضًا عن الحسن ومجاهد والسدى واختاره الجبائي والفراء، وفي رواية ابن جرير وغيره تفضح.
وقال الراغب: {تُبْسَلَ} هنا بمعنى تحرَمَ الثواب.
وذكر غير واحد أن الإبسال والبسل في الأصل المنع، ومنه أسد باسل لأن فريسته لا تفلت منه أو لأنه متمنع، والباسل الشجاع لامتناعه من قرنه، وجاء البسل بمعنى الحرام.
وفرق الراغب بينهما بأن الحرام عام لما منع منه بحكم أو قهر والبسل الممنوع (منه) بالقهر، ويكون بسل بمعنى أجل ونعم، واسم فعل بمعنى أكفف.
وتنكير {نَفْسٌ} للعموم مثله في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] أي لئلا تحبس وترهن كل نفس في الهلاك أو في النار أو تسلم إلى ذلك أو تفضح أو تحرم الثواب بسبب عملها السوء أو ذكر بحبس أو حبس كل نفس بذلك، وحمل النكرة على العموم مع أنها في الإثبات لاقتضاء السياق له، وقيل: إنها هنا في النفي معنى، وفيما اختاره أبو حيان من التفخيم وزيادة التقرير ما لا يخفى.
وقوله تعالى: {لَيْسَ لَهَا} أي النفس {مِن دُونِ الله وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٍ} إما استئناف للإخبار بذلك أو في محل رفع صفة {نَفْسٌ} أو في محل نصب على الحالية من ضمير {كَسَبَتْ} أو من {نَفْسٌ} فإنه في قوة نفس كافرة أو نفوس كثيرة واستظهر بعض الحالية.
ومن {دُونِ الله} متعلق بمحذوف وقع حالا من {وَلِيُّ}، وقيل: خبرًا لليس، و{لَهَا} حينئذ متعلق بمحذوف على البيان، ومن جعلها زائدة لم يعلقها بشيء، والمراد أنه لا يحول بينها وبين الله تعالى بأن يدفع عقابه سبحانه عنها ولي ولا شفيع.
{وَإِن تَعْدِلْ} أي إن تفد تلك النفس {كُلَّ عَدْلٍ} أي كل فداء.
وكل نصب على المصدرية لأنه بحسب ما يضاف إليه لا مفعول به، وقيل: إنه صفة لمحذوف وهو بمعنى الكامل كقولك: هو رجل كل رجل أي كامل في الرجولية والتقدير عدلًا كل عدل.
ورد بأن كلا بهذا المعنى يلزم التبعية والإضافة إلى مثل المتبوع نعتًا لا توكيدًا كما في التسهيل ولا يجوز حذف موصوفة.
وقوله تعالى: {لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا} جواب الشرط، والفعل مسند إلى الجار والمجرور كسير من البلد لا إلى ضمير العدل لأن العدل كما علمت مصدر وليس بمأخوذ بخلافه في قوله تعالى: {لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا عَدْلٍ} [البقرة: 48] فإنه فيه بمعنى المفدى به، وجوز كون الإسناد إلى ضميره مرادًا به الفدية على الاستخدام إلا أنه لا حاجة إليه مع صحة الإسناد إلى الجار والمجرور، وبذلك يستغنى أيضًا عن القول بكونه راجعًا إلى المعدول به المأخوذ من السياق.
وقيل: معنى الآية وإن تقسط تلك النفس كل قسط في ذلك اليوم لا يقبل منها لأن التوبة هناك غير مقبولة وإنما تقبل في الدنيا.
{أولئك} أي المتخذون دينهم لعبًا ولهوًا المغترون بالحياة الدنيا {الذين أُبْسِلُواْ} أي حرموا الثواب وسلموا للعذاب أو بأحد المعاني الباقية للإبسال {بِمَا كَسَبُواْ} أي بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة.
واسم الإشارة مبتدأ، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجة المشار إليهم في سوء الحال، وخبره الموصول بعده، والجملة استئناف سيق إثر تحذير أولئك من الإبسال المذكور لبيان أنهم المبتلون بذلك.
وقوله سبحانه: {لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ} استئناف آخر مبين لكيفية الإبسال المذكور مبنى على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل: ماذا لهم حين أبسلوا؟ فقيل: لهم شراب من حميم أي ماء حار يتجرجر ويتردد في بطونهم ويتقطع به أمعاؤهم {وَعَذَابٌ أَلِيمٌ} بنار تشتعل بأبدانهم كما هو المتبادر من العذاب {بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} أي بسبب كفرهم المستمر في الدنيا، ويطلق الحميم على الماء البارد فهو ضد كما في القاموس.
وجوز أبو البقاء أن تكون جملة {لَهُمْ شَرَابٌ} حالًا من ضمير {أُبْسِلُواْ} وان تكون خيرًا لاسم الإشارة ويكون {الذين} نعتًا له أو بدلًا منه.
وأن تكون خبرًا ثانيًا.
واختار كما يشير إليه كلامه أن تكون الإشارة إلى النفوس المدلول عليها بنفس وجعلت الجملة لبيان تبعة الإبسال.
واختار كثير من المحققين ما أشرنا إليه.
وترتيب ما ذكر من العذابين على كفرهم مع أنهم معذبون بسائر معاصيهم أيضًا حسبما ينطق به قوله سبحانه: {بِمَا كَسَبُواْ} لأنه العمدة في أيجاب العذاب والأهم في باب التحذير أو أريد كما قيل بكفرهم ما هو أعم منه ومن مستتبعاته من المعاصي. اهـ.

.قال الشوكاني:

قوله: {وَذَرِ الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا} أي اترك هؤلاء الذين اتخذوا الدين الذي كان يجب عليهم العمل به والدخول فيه لعبًا ولهوًا، ولا تعلق قلبك بهم فإنهم أهل تعنت، وإن كنت مأمورًا بإبلاغهم الحجة.
وقيل: هذه الآية منسوخة بآية القتال.
وقيل المعنى: أنهم اتخذوا دينهم الذي هم عليه لعبًا ولهوًا، كما في فعلهم بالأنعام من تلك الجهالات والضلالات المتقدم ذكرها.
وقيل: المراد بالدين هنا العيد، أي اتخذوا عيدهم لعبًا ولهوًا، وجملة: {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} معطوفة على {اتخذوا} أي غرّتهم حتى آثروها على الآخرة وأنكروا البعث وقالوا: {إِنْ هي إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [المؤمنون: 37].
قوله: {وَذَكّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} الضمير في {بِهِ} للقرآن أو للحساب.
والإبسال: تسليم المرء نفسه للهلاك، ومنه أبسلت ولدي، أي رهنته في الدم، لأن عاقبة ذلك الهلاك.
قال النابغة:
ونحن رهنًا بالأُفاقة عامرًا ** بما كان في الدرداء رهنًا فأبسلا

أي فهلك، والدرداء: كتيبة كانت لهم معروفة بهذا الاسم، فالمعنى: وذكر به خشية أو مخافة أو كراهة أن تهلك نفس بما كسبت، أي ترتهن وتسلم للهلكة، وأصل الإبسال: المنع، ومنه شجاع باسل، أي ممتنع من قرنه.
قوله: {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا} العدل هنا: الفدية.
والمعنى: وإن بذلت تلك النفس التي سلمت للهلاك كل فدية لا يؤخذ منها ذلك العدل حتى تنجو به من الهلاك، وفاعل {يُؤْخَذْ} ضمير يرجع إلى العدل، لأنه بمعنى المفدى به كما في قوله: {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 48].
وقيل: فاعله {منها}، لأن العدل هنا مصدر لا يسند إليه الفعل.
وكل عدل منصوب على المصدر، أي عدلًا كل عدل، والإشارة بقوله: {أولئك} إلى المتخذين دينهم لعبًا ولهوًا، وحبره {الذين أبسلوا بما كسبوا} أي هؤلاء الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا هم الذين سلموا للهلاك بما كسبوا، و{لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ} جواب سؤال مقدّر كأنه قيل: كيف حال هؤلاء؟ فقيل: لهم شراب من حميم، وهو الماء الحارّ، ومثله قوله تعالى: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءوسِهِمُ الحميم} [الحح: 19] وهو هنا: شراب يشربونه فيقطع أمعاءهم. اهـ.