فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {أنّدْعُوا} استفهام توبيخ وإنكار، والجملة في مَحَلِّ نصب بالقول، و{ما} مفعولة بـ {ندعوا}، وهي موصولة أو نكرة موصوفة، و{مِنْ دون الله} متعلِّقٌ بـ {ندعوا}.
قال أبو البقاء: ولا يجوز أن يكون حالًا من الضمير في {يَنْفَعُنَا} ولا معمولًا لـ {يَنْفَعُنَا} لتقدُّمهِ على {ما}، والصلة والصفة لا تَعْملُ فيما قبل الموصول والموصوف.
قوله: من الضمير في يَنْفعنَا يعني به المرفوع العائد على ما وقوله: لا تعمل فيما قبل الموصول والموصوف يعني: أن ما لا تخرج عن هذين القسمين ولكن يجوز أن يكون من دون حالًا من ما نفسها على قوله؛ إذ لم يجعل المانع من جعله حالًا من ضميره الذي في {يَنْفَعُنَا} إلاَّ صِناعِيًا لا معنويًا، ولا فرق بين الظاهر وضميره بمعنى أنه إذا جازَ أن يكون حالًا من ظاهره، جاز أن يكون حالًا من ضميره، إلا أن يمنع مَانِعٌ.
قوله: {ونُرَدُّ} فيه وجهان:
أظهرهما: أنه نَسَقٌ على {نَدْعُوا} فهو داخل في حيِّز الاستفهام المُتَسَلِّطِ عليه القَوْلُ.
الثاني: أنه حالٌ على إضمار مبتدأ؛ أي: ونحن نُرَدُّ.
قال أبو حيَّان بعد نقله هنا عن أبي البقاء: وهو ضعيف لأضمار المبتدأ، ولأنها تكون حالًا مؤكّدة، وفي كونها مؤكدة نظرٌ؛ لأن المؤكدة ما فهم معناها من الأوَّلِ، وكأنه يقول: من لازم الدعاء {من دون الله} الارتداد على العقب.
قوله: {عَلى أعْقَابِنَا} فيه وجهان:
أحدهما: أنه معلّق بـ {نُرَدُّ}.
والثاني: أنه متعلِّق بمحذوف على أنه حال من مرفوع {نرد} أي: نرد راجعين على أعْقابنا، أو منقلبين، أو متأخرين كذا قدَّرُوهُ، وهو تفسير معنى؛ إذا المُقَدَّرُ في مثله كونٌ مُطلقٌ، وهذا يحتمل أن يقال فيه: إنه حال مؤكدة، و{بعد إذ} مُتعلِّقٌ بـ {نُرَدُّ}.
قوله: {كالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ} في هذه الكاف وجهان:
أحدهما: أنه نَعْتُ مصدرٍ محذوف؛ أي: نُرَدُّ رَدًّا مثل ردِّ الذين.
الثاني: في مَحَلّ نصب على الحال من مرفوع {نرد}، أي: نرد مُشْبهينَ الذي استهوته الشياطين، فمن جوَّز تعدُّدّ الحالِ جعلها حالًا ثانية، إن جعل {على أعقابنا} حالًا، ومن لم يُجَوِّزْ ذلك جعل هذه الحال بدلًا من الحال الأولى، أو لم يجعل على أعقابنا حالًا، بل معلّقًا بـ {نرد}.
الجمهور على {اسْتهْوتْهُ} بتاء التأنيث، وحمزة {اسْتَهْوَاهُ} وهو على قاعدته من الإمالة، والوجهان معروفان مما تقدم في {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام: 61] وقرأ أبو عبد الرحمن والأعمش: {اسْتَهْوَتْهُ الشَّيْطانُ} بتأنيث الفعل، والشيطان مفردًا.
قال الكسائي: وهي كذلك في مصحف ابن مسعود، وتوجيه هذه القراءة أنَّا نُؤوِّل المذكربمؤنث كقولهم: أتته كتابي فاحتقرها؛ أي: صحيفتي، وتقدَّم له نظائر.
وقرأ الحسن البصري: {الشَّيَاطُون} وجعلوها لَحْنًا، ولا تَصِلُ إلى الَّحْنِ، إلا أنها لُغَيّةٌ رديئة، سُمِع: حول بسان فلان بساتون وله سلاطون، ويُحْكَى أنه لما حيكت قراءة الحسن لَحَّنَهُ بعضهم، فقال الفراء: أي والله يُلحِّنُون الشيخ، ويستشهدون بقول رؤبة.
ولعمري لقد صدق الفراء في إنكار ذلك.
والمراد بـ {الَّذي} الجِنْسُ، ويحتمل أن يراج به الواحد الفَذُّ.
قوله: {في الأرْضِ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه مُتعلِّق بقوله: {اسْتَهْوتْهُ}.
الثاني: أنه حالٌ من مفعول {اسْتَهْوَتْهُ}.
الثالث: أنه حالٌ من {حيران}.
الرابع: أنه حالٌ من الضمير المُسْتَكِنّ في {حيران}، و{حيران} حال إما من هاء {استهوته} على أنها بدلٌ من الأولى، وعند من يجيز تعدُّدَهَا، وإما من {الَّذِي}، وإما من الضمير المستكن في الظرف، و{حيران} مؤنثة حيرى، فلذلك لم يَنْصَرِفُ، والفعل حَارَ يَحَارُ حَيْرةً وحَيَرانًا وحَيْرورةً، والحيران المُتَرَدِّدُ في الأمر لا يهتدي إلى مَخْرَجٍ.
وفي اشتقاق اسْتَهْوَتْهُ قولان:
الأول: أنه مشتق من الهُوِيِّ في الأرض، وهو النزول من الموضع العالي إلى الوهدة السافلة العميقة في قعر الأرض فشبه الله تعالى حال هذا الضَّالِّ به، كقوله: {وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السماء} [الحج: 31] ولا شك: أن الإنسان حال هُويِّةِ من المكان المعالي إلى الوهْدةِ العميقة يكون في غايةِ الاضْطرابِ والدهشة والحيرةِ.
والثاني: أنه مُشْتَقٌ من اتِّباعِ الهَوَى والميل، فإنه من كان كذلك، فإنه ربما بلغ النهاية في الحَيْرَةِ.
واعلم أن هذا المثل في غاية الحُسْنِ؛ لأن الذي يَهْوِي من المكان العالي إلى الوَهْدَةِ العميقة، يحصل له كمال التَّرَدُّدِ والدهشة والحيرة؛ لأنه لا يعرف أي موضع يزداد بلاَؤهُ بسبب سقوطه عليه أو يَقِلُّ.
قوله: {لَهُ أصْحَابٌ} جملة في مَحَلّ نصب صفة لـ {حيران}، ويجوز أن يكون حالًا من الضمير في {حيران}، وأن تكون مستأنفة، و{إلى الهدى} متعلقة بـ {يدعونه}، وفي مصحف ابن مسعود وقراءته: {أتينا} بصيغة الماضين و{إلى الهدى} على هذه القراءة معلّق به، وعلى قراءة الجمهور، فالجملة الأمرية في محل نصب بقول مضمر أي يقولون: أئتنا والقول المضمر في محل صفة لأصحاب وكذلك {يدعونه}.
قوله: {وأمِرْنَا لِنُسْلِمَ} في هذه اللام أقوال:
أحدها: وهو مذهب سيبويه أن هذه اللام بعد الإرادة للقيام، والأمر للذَّهاب، كذا نقل أبو حيَّان ذلك عن سيبويه وأصحابه، وفيه ضَعْفٌ تقدَّم في سورة النساء عند قوله: {يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [النساء: 26].
الثاني: أن مفعول الأمر والإرادة محذوف، وتقديره: وأمرنا بالإخلاص لنسلم.
الثالث: قال الزمخشري: هي تَعْلِيلٌ للأمر بمعنى أمرنا وقيل لنا أسلموا لأجل أن نسلم.
الرابع: أن اللام زائدة؛ أي: أمرنا أن نسلم.
الخامس: أنها بمعنى الباء أي بأن نسلم.
السادس: أن اللام وما بعدها مفعول الأمر واقعة موقع أن أي: أنهما مُتعاقِبَانِ، فتقول: أمرتك لتقوم، وأن تقوم، وهذا مذهب الكوفيين.
وقال ابن عطية: ومذهب سبيويه أن {لِنُسْلِمَ} في موضع المفعول، وأن قولك: أمرت لأقوم وأن أقوم بيجريان سواءً وقال الشاعر: [الطويل]
أُرِيدُ لأنْسَى حُبَّهَا فَكَأنَّمَا ** تَمثَّلُ لِي لَيْلَى بِكُلِّ طَرِيقِ

وهذا ليس مذهب سبيويه، إنما مذهبه ما تقدَّم تحقيقه في سورة النساء.
قوله: {وأنْ أقِيمُوا} فيه أقوال:
أحدها: أنها في مَحَلِّ نصب بالقول نَسَقًا على قوله: {إنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الهُدَى} أي: قل هذين الشيئين.
والثاني: أنه نَسَقٌ على {لنسلم} أي: وأمرنا بكذا للإسلام، ولنقيم الصلاة، وأن تُوصل بالأمر كقولهم: كتب إليه بأن قم، حكاه سبيويه وهذا رَأيُ الزَّجَّاج.
والثالث: أنه نَسَقٌ على {ائْتِنَا} قال مكي: لأن معناه: أن ائتنا، وهو غير ظاهر.
والرابع: أنه مَعْطُوفٌ على مفعول الأمر المقدر، والتقدير: وأمرنا بالإيمان، وبإقامة الصلاة قاله ابن عطية.
قال أبو حيَّان: وهذا لا بأس به، إذ لابد من تقدير المفعول الثاني لـ {أمرنا} ويجوز حذف المعطوف عليه لِفَهْمِ المعنى؛ تقول: أضَرَبْتَ زيدًا؟ فيجب نعم وعمرًا؛ والتقدير: ضربته وعمرًا.
وقد أجاز الفراء: جاءني الذي وزيد قائمان، التقدير: الذي هو وزيد قائمان، فحذف هو لدلالة المعنى عليه، وهذا الذي قاله أنه لا بأس به ليس من أصول البصريين.
وأما نعم وعمرًا فلا دلالة فيه؛ لأن نعم قامت مقام الجملة المحذوفة.
وقال مكي قريبًا من هذا القول، إلاَّ أنه لم يُصَرِّحْ بحذف المعطوف عليه، فإنه قال: وأن في موضع نَصْب بحذف الجارِّ، تقديره: وبأنْ أقيموا، فقوله: وبأن أقيموا هو معنى قول ابن عطية، إلاَّ أن ذلك أوضحه بحذف المعطوف عليه.
وقال الزمخشري: فإن قلت: علام عطف قوله: {وأن أقيموا}؟ قلت: على موضع {لنسلم} كأنه قيل: وأمرنا أن نسملم، وأن أقيموا.
قال أبو حيَّان: وظاهر هذا التقدير أن {لنسلم} في موضع المفعُولِ الثاني لـ {أمرنا} وعطف عليه: {وأن أقيموا} فكتون اللام على هذا زَائِدَةً، وكان قد تقدَّم قبل هذا أن اللام تعليل للأمر، فتناقض كلامه؛ لأن ما يكون عِلَّةً يستحيل أن يكون مفعولًا، ويدلُّ على أنه أراد بقوله: أن نسلم في موضع المفعول الثاني قوله بعد ذلك: ويجوز أن يكون التقدير: وأمرنا لأن نسلم، ولأن أقيموا، أي للإسلام ولإقامة الصلاة، وهذا قول الزَّجَّاجِ، فلو لم يكن هذا القول مغايرًا لقوله الأوَّل لاتَّحَدَ قَوْلاَهُ، وذلك خُلْفٌ.
قال الزَّجَّاج: {أن أقيموا} عطف على قوله: {لنسلم}، تقديره: وأمرنا لأن نسلم، وأن أقيموا.
قال ابن عطية: واللَّفْظُ يُمانِعُهُ، لأن نسلم معرب، و{أقيموا} مبني، وعطف المبني على المعرب لا يجوز، لأن العطف يقتضي التَّشْرِيكَ في العامل.
قال أبو حيان: وما ذكر من أنه لا يعطف المبني على المعرب ليس كما ذكر، بل يجوز ذلك نحو: قام زيد وهذا، وقال تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار} [هود: 98] غَايَةُ ما في الباب أن العامل يُؤثِّرُ في المعرب، ولا يُؤثِّرُ في المبني، وتقول: إن قام زيد ويقصدني أكرمه، ف إن لم تُؤثِّرْ في قام؛ لأنه مبني، وأثرت في يقصدني؛ لأنه معرب ثم قال ابن عطية: اللهم إلا أن تجعل العطف في إن وحدها، وذلك قلق، وإنما يَتَخَرَّجُ على أن يقدر قوله: {وأن أقيموا} بمعنى ولنقم، ثم خرجت بلفظ الأمر لما في ذلك من جزالةِ اللفظ، فجاز العطفُ على أن يلغي حكم اللفظ، ويعول على المعنى، ويشبه هذا من وجهة ما حكاهُ يونس عن العرب: ادخلوا الأوَّل فالأوَّل، وإلا فلا يجوز إلاَّ الأول فالأوَّل بالنصب.
قال أبو حيَّان: وهذا الذي استدركه بقوله: اللهم إلا إلى آخره هو الذي أراده الزَّجَّاج بعينه، وهو {أن أقيموا} معطوف على أن نسلم، وأن كليهما عِلَّةٌ للمأمور به المحذوف، وإنما قلق عند ابن عطية؛ لأنه أراد بقاء {أن أقيموا} على معناها من موضوع الأمر، وليس كذلك؛ لأن أنْ إذا دخلت على فعل الأمر، وكانت المصْدَرِيَّةَ انْسَبَكَ منها ومن الأمر مصدر، وإذا انْسَبَكَ منهما مصدر زال معنى الأمر، وقد أجاز النحويون سيبويه وغيره أن تُوصَلَ أن المصدرية الناصبة للمضارع بالماضي والأمر.
قال سيبويه: وتقول: كتبت إليه بأن قم، أي بالقيام، فإذا كان الحكم كذا كان قوله: {لنسلم} و{أن أقيموا} في تقدير الإسلام ولإقامة الصلاة، وأما تشبيه ابن عطيَّة له بقوله: ادخلوا الأوَّل فالأول: بالرفع، فليس بتشبيهح لأن ادخلوا لايمكن لو أزيل عنه الضمير أن يتسلَّطَ على ما بعده، بخلاف أنْ فإنها تُوصَلُ بالأمرِ، فإذن لا شبه بينهما انتهى.
أما قول أبي حيَّان: وإنما قلق عند ابن عطية؛ لأنه أراد بقاء {أنْ أقيموا} على معناها من موضوع الأمر، فليس القلقُ عنده لذلك ققط كما حصره الشيخ، بل لأمر آخر من جهة اللفظ، وهو أن السِّيَاقَ التَّرْكِيبِيَّ يقتضي لعى ما قاله الزجاج أن يكون لنسلم وأن نقيم، فتأتي في الفعل الثاني بضمير المتكلم، فلما لم يقل ذلك قلق عنده، ويدلُّ على ما ذكرته قول ابن عطية: بمعنى: ولنقم ثم خرجت بلفظ الأمر إلى آخره.
والخامس: أنه مَحْمُولٌ على المعنى؛ إذا المعنى قيل لنا: أسْلِمُوا وأن أقيموا.
وقال الزجاج: فإن قيل: كيف حَسُنَ عطف قوله: {وأن أقيموا الصلاة واتقوه} على قوله: {وأمِرْنَا لِنُسلمَ لِرَبِّ العالمينَ}؟
فالجواب من وجهين:
الأول: أن يكون التقدير: وأمرنا لنسلم لرب العالمين، ولأن نقيم الصلاة.
الثاني: أن يكون التقدير: وأمرنا فقيل لنا أسلموا لربِّ العالمين، وأقيموا الصَّلاة.
فإن قيل: هَبْ أن المُرَادَ ما ذكرتم، لكن ما الحِكْمَةُ في العُدُولِ عن هذا اللَّفْظِ الظَّاهِرِ، والتركيب الموافق للعقل إلى ذلك اللفظ الذي لا يهتدي العقل إلى معناه، إلاَّ بالتأويل؟!.
فالجواب: لأن الكافر ما دام يبقى على كُفْرِهِ كان كالغَائبِ الأجنبي، فلا جرم خُوطِبَ بخطاب الغائبين، فيقال له: {وأمِرْنَا لِنُسلِمَ لِرَبِّ العَالمينَ} فإذا أسلم وآمن ودخل في الإيمان صار كالقريب الحاضر، فلا جرمَ خُوطِبَ بخطاب الحاضرين، ويقال له {وأنْ أقيمُوا الصَّلاة وأتَّقُوُه} فالمقصود من ذِكْرِ هذهين النوعين من الخطاب للتنبيه على الفَرْقِ بين حالتي الكُفْرِ والإيمان، وتقريره أن الكافر بعيد غائب، والمؤمن قريب حاضر. اهـ. باختصار.