فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإن قيل: قوله: {وَتَقَلُّبَكَ في الساجدين} يحتمل وجوهًا أخر: أحدها: إنه لما نسخ فرض قيام الليل طاف الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الليلة على بيوت الصحابة لينظر ماذا يصنعون لشدة حرصه على ما يظهر منهم من الطاعات فوجدها كبيوت الزنانير لكثرة ما سمع من أصوات قراءتهم وتسبيحهم وتهليلهم.
فالمراد من قوله: {وَتَقَلُّبَكَ في الساجدين} طوافه صلوات الله عليه تلك الليلة على الساجدين.
وثانيها: المراد أنه عليه السلام كان يصلي بالجماعة فتقلبه في الساجدين معناه: كونه فيما بينهم ومختلطًا بهم حال القيام والركوع والسجود.
وثالثها: أن يكون المراد أنه ما يخفى حالك على الله كلما قمت وتقلبت مع الساجدين في الاشتغال بأمور الدين.
ورابعها: المراد تقلب بصره فيمن يصلي خلفه، والدليل عليه قوله عليه السلام: «أتموا الركوع والسجود فإني أراكم من وراء ظهري» فهذه الوجوه الأربعة مما يحتملها ظاهر الآية، فسقط ما ذكرتم.
والجواب: لفظ الآية محتمل للكل، فليس حمل الآية على البعض أولى من حملها على الباقي.
فوجب أن نحملها على الكل وحينئذ يحصل المقصود، ومما يدل أيضًا على أن أحدًا من آباء محمد عليه السلام ما كان من المشركين قوله عليه السلام: «لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات» وقال تعالى: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} [التوبة: 28] وذلك يوجب أن يقال: إن أحدًا من أجداده ما كان من المشركين.
إذا ثبت هذا فنقول: ثبت بما ذكرنا أن والد إبراهيم عليه السلام ما كان مشركًا، وثبت أن آزر كان مشركًا.
فوجب القطع بأن والد إبراهيم كان إنسانًا آخر غير آزر.
الحجة الثانية: على أن آزر ما كان والد إبراهيم عليه السلام.
أن هذه الآية دالة على أن إبراهيم عليه السلام شافه آزر بالغلظة والجفاء.
ومشافهة الأب بالجفاء لا تجوز، وهذا يدل على أن آزر ما كان والد إبراهيم، إنما قلنا: إن إبراهيم شافه آزر بالغلظة والجفاء في هذه الآية لوجهين: الأول: أنه قرئ {وَإِذْ قَالَ إبراهيم لاِبِيهِ ءَازَرَ} بضم آزر وهذا يكون محمولًا على النداء ونداء الأب بالاسم الأصلي من أعظم أنواع الجفاء.
الثاني: أنه قال لآزر: {إِنّى أَرَاكَ وَقَوْمَكَ في ضلال مُّبِينٍ} وهذا من أعظم أنواع الجفاء والإيذاء.
فثبت أنه عليه السلام شافه آزر بالجفاء، وإنما قلنا: أن مشافهة الأب بالجفاء لا تجوز لوجوه: الأول: قوله تعالى: {وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إياه وبالوالدين إحسانا} [الإسراء: 23] وهذا عام في حق الأب الكافر والمسلم، قال تعالى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] وهذا أيضًا عام.
والثاني: أنه تعالى لما بعث موسى عليه السلام إلى فرعون أمره بالرفق معه فقال: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} [طه: 44] والسبب فيه أن يصير ذلك رعاية لحق تربية فرعون.
فههنا الوالد أولى بالرفق.
الثالث: أن الدعوة مع الرفق أكثر تأثيرًا في القلب، أما التغليظ فإنه يوجب التنفير والبعد عن القبول.
ولهذا المعنى قال تعالى لمحمد عليه السلام: {وجادلهم بالتى هي أَحْسَنُ} [النحل: 125] فكيف يليق بإبراهيم عليه السلام مثل هذه الخشونة مع أبيه في الدعوة؟ الرابع: أنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام الحلم، فقال: {إِنَّ إبراهيم لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ} [هود: 75] وكيف يليق بالرجل الحليم مثل هذا الجفاء مع الآب؟ فثبت بهذه الوجوه أن آزر ما كان والد إبراهيم عليه السلام بل كان عمًا له، فأما والده فهو تارح والعم قد يسمى بالأب على ما ذكرنا أن أولاد يعقوب سموا إسمعيل بكونه أبًا ليعقوب مع أنه كان عمًا له.
وقال عليه السلام: «ردوا علي أبي» يعني العم العباس وأيضًا يحتمل أن آزر كان والد أم إبراهيم عليه السلام وهذا قد يقال له الأب.
والدليل عليه قوله تعالى: {وَمِن ذُرّيَّتِهِ دَاوُودَ وسليمان} [الأنعام: 84] إلى قوله: {وعِيسَى} [الأنعام: 85] فجعل عيسى من ذرية إبراهيم مع أن إبراهيم عليه السلام كان جدًا لعيسى من قبل الأم.
وأما أصحابنا فقد زعموا أن والد رسول الله كان كافرًا وذكروا أن نص الكتاب في هذه الآية تدل على أن آزر كان كافرًا وكان والد إبراهيم عليه السلام.
وأيضًا قوله تعالى: {وَمَا كَانَ استغفار إبراهيم لاِبِيهِ} إلى قوله: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114] وذلك يدل على قولنا، وأما قوله: {وَتَقَلُّبَكَ في الساجدين} قلنا: قد بينا أن هذه الآية تحتمل سائر الوجوه قوله تحمل هذه الآية على الكل، قلنا هذا محال لأن حمل اللفظ المشترك على جميع معانيه لا يجوز، وأيضًا حمل اللفظ على حقيقته ومجازه معًا لا يجوز، وأما قوله عليه السلام: «لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات» فذلك محمول على أنه ما وقع في نسبه ما كان سفاحًا، أما قوله التغليظ مع الأب لا يليق بإبراهيم عليه السلام.
قلنا: لعله أصر على كفره فلأجل الإصرار استحق ذلك التغليط. والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
قرئ {ءَازَرَ} بالنصب وهو عطف بيان لقوله: {لأبِيهِ} وبالضم على النداء، وسألني واحد فقال: قرئ {ءَازَرَ} بهاتين القراءتين، وأما قوله: {وَإِذْ قَالَ موسى لأخِيهِ هارون} قرئ {هارون} بالنصب وما قرئ ألبتة بالضم فما الفرق؟ قلت القراءة بالضم محمولة على النداء والنداء بالاسم استخفاف بالمنادى.
وذلك لائق بقصة إبراهيم عليه السلام لأنه كان مصرًا على كفره فحسن أن يخاطب بالغلظة زجرًا له عن ذلك القبيح، وأما قصة موسى عليه السلام فقد كان موسى عليه السلام يستخلف هرون على قومه فما كان الاستخفاف لائقًا بذلك الموضع، فلا جرم ما كانت القراءة بالضم جائزة. اهـ.
قال الفخر:
اختلف الناس في تفسير لفظ الإله والأصح أنه هو المعبود، وهذه الآية تدل على هذا القول لأنهم ما أثبتوا للأصنام إلا كونها معبودة، ولأجل هذا قال إبراهيم لأبيه: {أتتخذ أصنامًا آلهة} وذلك يدل على أن تفسير لفظ الإله هو المعبود. اهـ.
قال الفخر:
اشتمل كلام إبراهيم عليه السلام في هذه الآية على ذكر الحجة العقلية على فساد قول عبدة الأصنام من وجهين: الأول: أن قوله: {أتتخذ أصنامًا آلهة} يدل على أنهم كانوا يقولون بكثرة الآلهة؛ إلا أن القول بكثرة الآلهة باطل بالدليل العقلي الذي فهم من قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} والثاني: أن هذه الأصنام لو حصلت لها قدرة على الخير والشر لكان الصنم الواحد كافيًا، فلما لم يكن الواحد كافيًا دل ذلك على أنها وإن كثرت فلا نفع فيها ألبتة. اهـ.
قال الفخر:
احتج بعضهم بهذه الآية على أن وجوب معرفة الله تعالى ووجوب الاشتغال بشكره معلوم بالعقل لا بالسمع.
قال لأن إبراهيم عليه السلام حكم عليهم بالضلال، ولولا الوجوب العقلي لما حكم عليهم بالضلال.
لأن ذلك المذهب كان متقدمًا على دعوة إبراهيم.
ولقائل أن يقول: إنه كان ضلالًا بحكم شرع الأنبياء الذين كانوا متقدمين على إبراهيم عليه السلام. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)}.
الأصل متَّهَمٌ في الجحود، والنَّسْلُ متَّصِفٌ بالتوحيد، والحقُّ سبحانه يفعل ما يريد. اهـ.

.قال في البحر المديد:

الإشارة: كل من سكن إلى شيء دون الله، أو مال إليه بالعشق والمحبة، فهو صنم في حقه، فإن لم ينزع عن محبته، ولم يقلع عن السكون إليه، كان حجابًا بينه وبين شهود أسرار التوحيد. وفي الحِكَم: ما أحببت شيئًا إلا وكنت عبدًا له، وهو لا يحب أن تكون لغيره عبدًا. وفي الحديث: «تَعِس عبدُ الدينار والدرهم».. أي: خاب وخسر، فإذا اطلع الحق تعالى على قلب عبده فرآه مائلًا لغيره، حجب عنه أنوار قدسه، وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه:
لِي حَبِيبٌ إنما هو غَيُور ** يُطلُّ في القَلبِ كَطَيرٍ حَذُور

إذا رأى شَيئًا امتَنَع أن يَزُور

. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
العامل في {إذ} فعل مضمر تقديره: واذكر أو قص، قال الطبري: نبه الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم على الاقتداء بإبراهيم في محاجته قومه إذ كانوا أهل أصنام وكان قوم محمد أهل أصنام.
قال القاضي أبو محمد: وليس يلزم هذا من لفظ الآية، أما أن جميع ما يجيء من مثل هذا عرضه للاقتداء، وقرأ السبعة وجمهور الناس {آزَرَ} بفتح الهمزة التي قبل الألف وفتح الزاي والراء، قال السدي وابن إسحاق وسعيد بن عبد العزيز: هو اسم أبي إبراهيم.
قال القاضي أبو محمد: وقد ثبت أن اسمه تارح فله على هذا القول اسمان كيعقوب وإسرائيل، وهو في الإعراب على هذا بدل من الأب المضاف في موضع خفض وهو اسم علم، وقال مجاهد بل هو اسم صنم وهو في موضع نصب بفعل مضمر تقديره: أتتخذ أصنامًا.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا ضعف، وقال بعضهم بل هو صفة ومعناه هو المعوج المخطئ.
قال القاضي أبو محمد: ويعترض هذا بأن آزر إذا كان صفة فهو نكرة ولا يجوز أن تنعت المعرفة بالنكرة ويوجه ذلك على تحامل بأن يقال أريدت فيه الألف واللام وإن لم يلفظها، وإلى هذا أشار الزجّاج لأنه قدر ذلك فقال لأبيه المخطئ، وبأن يقال إن ذلك مقطوع منصوب بفعل تقديره اذن المعوج أو المخطئ، وإلا تبقى فيه الصفة بهذه الحال.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وقيل نصبه على الحال كأنه قال: وإذ قال إبراهيم لأبيه وهو في حال عوج وخطأ، وقرأ أبي بن كعب وابن عباس والحسن ومجاهد وغيرهم بضم الراء على النداء ويصح مع هذا ان يكون {آزر} اسم أبي إبراهيم، ويصح أن يكون بمعنى المعوج والمخطئ، وقال الضحاك: {آزر} بمعنى شيء، ولا يصح مع هذه القراءة أن يكون {آزر} صفة، وفي مصحف أبيّ {يا أزر} بثبوت حرف النداء {اتخذت أصنامًا} بالفعل الماضي، وقرأ ابن عباس فيما روي عنه أيضًا: {أَزْرًا تتخذ} بألف الاستفهام وفتح الهمزة من آزر وسكون الزاي ونصب الراء وتنوينها وإسقاط ألف الاستفهام من {اتخذ} ومعنى هذه القراءة عضدًا وقوة مظاهرة على الله تعالى تتخذ، وهو من نحو قوله تعالى: {أشدد به أزري} [طه: 31] وقرأ أبو اسماعيل رجل من أهل الشام بكسر الهمزة من هذا الترتيب ذكرها أبو الفتح، ومعناها: أنها مبدلة من واو كوسادة وإسادة فكأنه قال: أوزرًا ومأثمًا تتخذ أصنامًا، ونصبه على هذا بفعل مضمر، ورويت أيضًا عن ابن عباس، وقرأ الأعمش: {إزْرًا تتخذ} بكسر الهمزة وسكون الزاي دون ألف توقيف، و{أصنامًا آلهة} مفعولان، وذكر: أن آزر أبا إبراهيم كان نجارًا محسنًا ومهندسًا وكان نمرود يتعلق بالهندسة والنجوم فحظي عنده آزر لذلك، وكان على خطة عمل الأصنام تعمل بأمره وتدبيره ويطبع هو في الصنم بختم معلوم عنده، وحينئذ يعبد ذلك الصنم، فلما نشأ إبراهيم ابنه على الصفة التي تأتي بعد كان أبوه يكلفه بيعها، فكان إبراهيم ينادي عليها: من يشتري ما يضره ولا ينفعه؟ ويستخف بها ويجعلها في الماء منكوسة، ويقول اشربي، فلما شهر أمره بذلك وأخذ في الدعاء إلى الله تعالى قال لأبيه هذه المقالة، و{أراك} في هذا الموضع يشترك فيها البصر والقلب لأنها رؤية قلب ومعرفته وهي متركبة على رؤية بصر، و{مبين} بمعنى واضح ظاهر، وهو من أبان الشيء، إذا ظهر ليس بالفعل المتعدي المنقول من باب يبين.
قال القاضي أبو محمد: ويصح أن يكون المفعول مقدرًا تقديره: في ضلال مبين كفركم، وقيل كان آزر رجلًا من أهل كوثا من سواد الكوفة، قال النقاش وبها ولد إبراهيم عليه السلام، وقيل كان من أهل حران. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر}.
اختلف العلماء في لفظ آزر فقال محمد بن إسحاق والكلبي والضحاك: آزر اسم أبي إبراهيم وهو تارح ضبطه بعضهم بالحاء المهملة وبعضهم بالخاء المعجمة فعلى هذا يكون لأبي إبراهيم اسمان: آزر وتارح مثل يعقوب وإسرائيل اسمان لرجل واحد فيحتمل أن يكون اسمه الأصلي آزر وتارح لقب له وبالعكس والله سماه آزر وإن كان عند النسابين والمؤرخين اسمه تارح ليعرف بذلك وكان آزر أبو إبراهيم من كوثي وهي قرية من سواد الكوفة.
وقال سليمان التيمي: آزر سب وعيب.
ومعناه في كلامهم المعوج.
وقيل: الشيخ الهرم وهو بالفارسية وهذا على مذهب من يجوز أن في القرآن ألفاظًا قليلة فارسية.