فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قرأ أبو عمرو وورش عن نافع {رئي} بفتح الراء وكسر الهمزة حيث كان، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بكسرهما فإذا كان بعد الألف كاف أو هاء نحو: رآك ورآها فحينئذ يكسرها حمزة والكسائي ويفتحها ابن عامر.
وروى يحيى عن أبي بكر عن عاصم مثل حمزة والكسائي فإذا تلته ألف وصل نحو: رأى الشمس، ورأى القمر.
فإن حمزة ويحيى عن أبي بكر ونصر عن الكسائي يكسرون الراء ويفتحون الهمزة والباقون يقرؤن جميع ذلك بفتح الراء والهمزة، واتفقوا في رأوك، ورأوه أنه بالفتح.
قال الواحدي: أما من فتح الراء والهمزة فعلته واضحة وهي ترك الألف على الأصل نحو: رعى ورمى.
وأما من فتح الراء وكسر الهمزة فإنه أمال الهمزة نحو الكسر ليميل الألف التي في رأى نحو الياء وترك الراء مفتوحة على الأصل.
وأما من كسرهما جميعًا فلأجل أن تصير حركة الراء مشابهة لحركة الهمزة، والواحدي طول في هذا الباب في كتاب البسيط فليرجع إليه. والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
القصة التي ذكرناها من أن إبراهيم عليه السلام ولد في الغار وتركته أمه وكان جبريل عليه السلام يربيه كل ذلك محتمل في الجملة.
وقال القاضي: كل ما يجري مجرى المعجزات فإنه لا يجوز لأن تقديم المعجز على وقت الدعوى غير جائز عندهم، وهذا هو المسمى بالإرهاص إلا إذا حضر في ذلك الزمان رسول من الله فتجعل تلك الخوارق معجزة لذلك النبي.
وأما عند أصحابنا فالإرهاص جائز فزالت الشبهة والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
إن إبراهيم عليه السلام استدل بأفول الكوكب على أنه لا يجوز أن يكون ربًا له وخالقًا له.
ويجب علينا هاهنا أن نبحث عن أمرين: أحدهما: أن الأفول ما هو؟ والثاني: أن الأفول كيف يدل على عدم ربوبية الكوكب؟ فنقول: الأفول عبارة عن غيبوبة الشيء بعد ظهوره.
وإذا عرفت هذا فلسائل أن يسأل، فيقول: الأفول إنما يدل على الحدوث من حيث إنه حركة وعلى هذا التقدير، فيكون الطلوع أيضًا دليلًا على الحدوث، فلم ترك إبراهيم عليه السلام الاستدلال على حدوثها بالطلوع وعول في إثبات هذا المطلوب على الأفول؟
والجواب: لا شك أن الطلوع والغروب يشتركان في الدلالة على الحدوث إلا أن الدليل الذي يحتج به الأنبياء في معرض دعوة الخلق كلهم إلى الله لابد وأن يكون ظاهرًا جليًا بحيث يشترك في فهمه الذكي والغبي والعاقل.
ودلالة الحركة على الحدوث وإن كانت يقينية إلا أنها دقيقة لا يعرفها إلا الأفاضل من الخلق.
أما دلالة الأفول فإنها دلالة ظاهرة يعرفها كل أحد، فإن الكوكب يزول سلطانه وقت الأفول فكانت دلالة الأفول على هذا المقصود أتم.
وأيضًا قال بعض المحققين: الهوى في خطرة الإمكان أفول، وأحسن الكلام ما يحصل فيه حصة الخواص وحصة الأوساط وحصة العوام، فالخواص يفهمون من الأفول الإمكان، وكل ممكن محتاج، والمحتاج: لا يكون مقطوع الحاجة، فلابد من الانتهاء إلى من يكون منزهًا عن الإمكان حتى تنقطع الحاجات بسبب وجوده كما قال: {وَأَنَّ إلى رَبّكَ المنتهى} [النجم: 42] وأما الأوساط فإنهم يفهمون من الأفول مطلق الحركة، فكل متحرك محدث، وكل محدث فهو محتاج إلى القديم القادر.
فلا يكون الآفل إلهًا بل الإله هو الذي احتاج إليه ذلك الآفل.
وأما العوام فإنهم يفهمون من الأفول الغروب وهم يشاهدون أن كل كوكب يقرب من الأفول والغروب فإنه يزول نوره وينتقص ضوءه ويذهب سلطانه ويصير كالمعزول ومن يكون كذلك لا يصلح للإلهية، فهذه الكلمة الواحدة أعني قوله: {لا أُحِبُّ الآفلين} كلمة مشتملة على نصيب المقربين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال، فكانت أكمل الدلائل وأفضل البراهين.
وفيه دقيقة أخرى: وهو أنه عليه السلام إنما كان يناظرهم وهم كانوا منجمين.
ومذهب أهل النجوم أن الكوكب إذا كان في الربع الشرقي ويكون صاعدًا إلى وسط السماء كان قويًا عظيمًا التأثير.
أما إذا كان غريبًا وقريبًا من الأفول فإنه يكون ضعيف التأثير قليل القوة.
فنبه بهذه الدقيقة على أن الإله هو الذي لا تتغير قدرته إلى العجز وكماله إلى النقصان، ومذهبكم أن الكوكب حال كونه في الربع الغربي، يكون ضعيف القوة، ناقص التأثير، عاجزًا عن التدبير، وذلك يدل على القدح في إلهيته، فظهر على قول المنجمين أن للأفول مزيد خاصية في كونه موجبًا للقدح في إلهيته، والله أعلم.
أما المقام الثاني: وهو بيان أن كون الكوكب آفلًا يمنع من ربوبيته.
فلقائل أيضًا أن يقول: أقصى ما في الباب أن يكون أفوله دالًا على حدوثه إلا أن حدوثه لا يمنع من كونه ربًا لإبراهيم ومعبودًا له، ألا ترى أن المنجمين وأصحاب الوسايط يقولون أن الإله الأكبر خلق الكواكب وأبدعها وأحدثها، ثم أن هذه الكواكب تخلق النبات والحيوان في هذا العالم الأسفل، فثبت أن أفول الكواكب وإن دل على حدوثها إلا أنه لا يمنع من كونها أربابًا للإنسان وآلهة لهذا العالم.
والجواب: لنا هاهنا مقامان:
المقام الأول: أن يكون المراد من الرب والإله الموجود الذي عنده تنقطع الحاجات، ومتى ثبت بأفول الكواكب حدوثها، وثبت في بداهة العقول أن كل ما كان محدثًا، فإنه يكون في وجوده محتاجًا إلى الغير.
وجب القطع باحتياج هذه الكواكب في وجودها إلى غيرها، ومتى ثبت هذا المعنى امتنع كونها أربابًا وآلهة.
بمعنى أنه تنقطع الحاجات عند وجودها، فثبت أن كونها آفلة يوجب القدح في كونها أربابًا وآلهة بهذا التفسير.
المقام الثاني: أن يكون المراد من الرب والإله.
من يكون خالقًا لنا وموجدًا لذواتنا وصفاتنا.
فنقول: أفول الكواكب يدل على كونها عاجزة عن الخلق والإيجاد وعلى أنه لا يجوز عبادتها وبيانه من وجوه: الأول: أن أفولها يدل على حدوثها.
وحدوثها يدل على افتقارها إلى فاعل قديم قادر ويجب أن تكون قادرية ذلك القادر أزلية.
وإلا لافتقرت قادريته إلى قادر آخر، ولزم التسلسل وهو محال، فثبت أن قادريته أزلية.
وإذا ثبت هذا فنقول: الشيء الذي هو مقدور له إنما صح كونه مقدورًا له باعتبار إمكانه والإمكان واحد في كل الممكنات.
فثبت أن ما لأجله صار بعض الممكنات مقدورًا لله تعالى فهو حاصل في كل الممكنات، فوجب في كل الممكنات أن تكون مقدروة لله تعالى.
وإذا ثبت هذا امتنع وقوع شيء من الممكنات بغيره على ما بينا صحة هذه المقامات بالدلائل اليقينة في علم الأصول.
فالحاصل أنه ثبت بالدليل أن كون الكواكب آفلة يدل على كونها محدثة، وإن كان لا يثبت هذا المعنى إلا بواسطة مقدمات كثيرة، وأيضًا فكونها في نفسها محدثة يوجب القول بامتناع كونها قادرة على الإيجاد والإبداع، وإن كان لا يثبت هذا المعنى إلا بواسطة مقدمات كثيرة.
ودلائل القرآن إنما يذكر فيها أصول المقدمات، فأما التفريع والتفصيل، فذاك إنما يليق بعلم الجدل.
فلما ذكر الله تعالى هاتين المقدمتين على سبيل الرمز لا جرم اكتفى بذكرهما في بيان أن الكواكب لا قدرة لها على الإيجاد والإبداع، فلهذا السبب استدل إبراهيم عليه السلام بأفولها على امتناع كونها أربابًا وآلهة لحوادث هذا العالم.
الوجه الثاني: أن أفول الكواكب يدل على حدوثها وحدوثها يدل على افتقارها في وجودها إلى القادر المختار، فيكون ذلك الفاعل هو الخالق للأفلاك والكواكب، ومن كان قادرًا على خلق الكواكب والأفلاك من دون واسطة أي شيء كان فبأن يكون قادرًا على خلق الإنسان أولى لأن القادر على خلق الشيء الأعظم لابد وأن يكون قادرًا على خلق الشيء الأضعف، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {لَخَلْقُ السموات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} [غافر: 57] وبقوله: {أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السموات والأرض بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بلى وَهُوَ الخلاق العليم} [يس: 81] فثبت بهذا الطريق أن الإله الأكبر يجب أن يكون قادرًا على خلق البشر، وعلى تدبير العالم الأسفل بدون واسطة الأجرام الفلكية وإذا كان الأمر كذلك كان الاشتغال بعبادة الإله الأكبر أولى من الاشتغال بعبادة الشمس والنجوم والقمر.
الوجه الثالث: أنه لو صح كون بعض الكواكب موجدة وخالقة، لبقي هذا الاحتمال في الكل وحينئذ لا يعرف الإنسان أن خالقه هذا الكوكب.
أو ذلك الآخر أو مجموع الكواكب فيبقى شاكًا في معرفة خالقه.
أما لو عرفنا الكل وأسندنا الخلق والإيجاد والتدبير إلى خالق الكل فحينئذ يمكننا معرفة الخالق والموجد ويمكننا الاشتغال بعبادته وشكره، فثبت بهذه الوجوه أن أفول الكواكب كما يدل على امتناع كونها قديمة فكذلك يدل على امتناع كونها آلهة لهذا العالم وأربابًا للحيوان والإنسان. والله أعلم.
فهذا تمام الكلام في تقرير هذا الدليل.
فإن قيل: لا شك أن تلك الليلة كانت مسبوقة بنهار وليل، وكان أفول الكواكب والقمر والشمس حاصلًا في الليل السابق والنهار السابق وبهذا التقرير لا يبقى للأفول الحاصل في تلك الليلة مزيد فائدة.
والجواب أنا بينا أنه صلوات الله عليه إنما أورد هذا الدليل على الأقوام الذين كان يدعوهم من عبادة النجوم إلى التوحيد.
فلا يبعد أن يقال أنه عليه السلام كان جالسًا مع أولئك الأقوام ليلة من الليالي وزجرهم عن عبادة الكواكب فبينما هو في تقرير ذلك الكلام إذ وقع بصره على كوكب مضيء.
فلما أفل قال إبراهيم عليه السلام لو كان هذا الكوكب إلهًا لما انتقل من الصعود إلى الأفول ومن القوة إلى الضعف.
ثم في أثناء ذلك الكلام طلع القمر وأفل.
فأعاد عليهم ذلك الكلام، وكذا القول في الشمس، فهذا جملة ما يحضرنا في تقرير دليل إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه. اهـ.
قال الفخر:
تفلسف الغزالي في بعض كتبه وحمل الكوكب على النفس الناطقة الحيوانية التي لكل كوكب، والقمر على النفس الناطقة التي لكل فلك، والشمس على العقل المجرد الذي لكل ذلك، وكان أبو علي بن سيناء يفسر الأفول بالإمكان، فزعم الغزالي أن المراد بأفولها إمكانها في نفسها، وزعم أن المراد من قوله: {لا أُحِبُّ الآفلين} أن هذه الأشياء بأسرها ممكنة الوجود لذواتها، وكل ممكن فلابد له من مؤثر، ولابد له من الانتهاء إلى واجب الوجود.
واعلم أن هذا الكلام لا بأس به.
إلا أنه يبعد حمل لفظ الآية عليه، ومن الناس من حمل الكوكب على الحس والقمر على الخيال والوهم، والشمس على العقل، والمراد أن هذه القوى المدركة الثلاثة قاصرة متناهية، ومدبر العالم مستول عليها قاهر لها، والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
دل قوله: {لا أُحِبُّ الآفلين} على أحكام:
الحكم الأول:
هذه الآية تدل على أنه تعالى ليس بجسم إذ لو كان جسمًا لكان غائبًا عنا أبدًا فكان آفلًا أبدًا، وأيضًا يمتنع أن يكون تعالى ينزل من العرش إلى السماء تارة ويصعد من السماء إلى العرش أخرى، وإلا لحصل معنى الأفول.
الحكم الثاني:
هذه الآية تدل على أنه تعالى ليس محلًا للصفات المحدثة كما تقوله الكرامية، وإلا لكان متغيرًا، وحينئذ يحصل معنى الأفول، وذلك محال.
الحكم الثالث:
تدل هذه الآية على أن الدين يجب أن يكون مبنيًا على الدليل لا على التقليد، وإلا لم يكن لهذا الاستدلال فائدة ألبتة.
الحكم الرابع:
تدل هذه الآية على أن معارف الأنبياء بربهم استدلالية لا ضرورية، وإلا لما احتاج إبراهيم إلى الاستدلال.
الحكم الخامس:
تدل على هذه الآية على أنه لا طريق إلى تحصيل معرفة الله تعالى إلا بالنظر والاستدلال في أحوال مخلوقاته، إذ لو أمكن تحصيلها بطريق آخر لما عدل إبراهيم عليه السلام إلى هذه الطريقة والله أعلم. اهـ.