فصل: تفسير الآية رقم (77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (77):

قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بصرهم قصور صغير الكواكب، رقي النظر إلى أكبر منه، فسبب عن الإعراض عن الكواكب لقصوره قولَه: {فلما رأى القمر بازغًا} أي طالعًا أول طلوعه؛ قال الأزهري: كأنه مأخوذ من البزغ الذي هو الشق، كأنه بنوره يشق الظلمة شقًا {قال هذا ربي} دأبَه في الأولى.
ولما كان تأمل أن الكوكب محل الحوادث بالأفول قد طرق أسماعهم فخالج صدورهم، قال: {فلما أفل قال} مؤكدًا غاية التأكيد {لئن لم يهدني ربي} أي الذي قدر على الإحسان إليّ بالإيجاد والتربية لكونه لا يتغير ولا شريك له بخلق الهداية في قلبي، فدل ذلك على أن الهداية ليست إلى غيره، ولا تحمل على نصب الأدلة، لأنها منصوبة قبل ذلك، ولا على معرفة الاستدلال فإنه عارف به {لأكونن} أي بعبادة غيره {من القوم الضالين} فكانت هذه أشد من الأولى وأقرب إلى التصريح بنفي الربوبية عن الكواكب وإثبات أن الرب غيرها، مع الملاطفة وإبعاد الخصم عما يوجب عناده. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

يقال: بزغ القمر إذا ابتدأ في الطلوع، وبزغت الشمس إذا بدأ منها طلوع.
ونجوم بوازغ.
قال الأزهري: كأنه مأخوذ في البزغ وهو الشق كأنه بنوره يشق الظلمة شقًا، ومعنى الآية أنه اعتبر في القمر مثل ما اعتبر في الكوكب. اهـ.
قال الفخر:
دل قوله: {لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبّى لأَكُونَنَّ مِنَ القوم الضالين} على أن الهداية ليست إلا من الله تعالى.
ولا يمكن حمل لفظ الهداية على التمكن وإزاحة الأعذار ونصب الدلائل.
لأن كل ذلك كان حاصلًا، فالهداية التي كان يطلبها بعد حصول تلك الأشياء لابد وأن تكون زائدة عليها.
واعلم أن كون إبراهيم عليه السلام على مذهبنا أظهر من أن يشتبه على العاقل لأنه في هذه الآية أضاف الهداية إلى الله تعالى، وكذا في قوله: {الذى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ} وكذا في قوله: {واجنبنى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فلما رأى القمر} قال ابن قتيبة: سمي القمر قمرًا لبياضه؛ والأقمر: الأبيض؛ وليلة قمراء، أي: مضيئة.
فأما البازغ، فهو الطالع.
ومعنى {لئن لم يهدني} لئن لم يثبِّتني على الهدى. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فلما رأى القمر بازغًا قال هذا ربي}.
لم يأت في الكواكب رأى كوكبًا بازغًا لأنه أولًا ما ارتقب حتى بزغ الكوكب لأنه بإظلام الليل تظهر الكواكب بخلاف حاله مع القمر والشمس فإنه لما أوضح لهم أن هذا النير وهو الكوكب الذي رآه لا يصلح أن يكون ربًا ارتقب ما هو أنور منه وأضوأ على سبيل إلحاقه بالكوكب، والاستدلال على أنه لا يصلح للعبادة فرآه أول طلوعه وهو البزوغ، ثم عمل كذلك في الشمس ارتقبها إذ كانت أنور من القمر وأضوأ وأكبر جرمًا وأهم نفعًا ومنها يستمد القمر على ما قيل فقال ذلك على سبيل الاحتجاج عليهم وبين أنها مساوية للقمر والكواكب في صفة الحدوث.
{فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين} القوم الضالون هنا عبدة المخلوقات كالأصنام وغيرها واستدل بهذا من زعم أن قوله: {هذا ربي} على ظاهره وأن النازلة كانت في حال الصغر، وقال الزمخشري {لئن لم يهدني ربي} تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلهًا وهو نظير الكوكب في الأفول فهو ضال فإن الهداية إلى الحق بتوفيق الله ولطفه. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَلَمَّا رَأَى القمر بَازِغًا} أي مبتدأ في الطلوع منتشر الضوء، ولعله كما قال الأزهري مأخوذ من البزغ وهو الشق كأنه بنوره يشق الظلمة شقا ويقال.
بزغ الناب إذا ظهر وبزغ البيطار الدابة إذا أسال دمها.
ويقال: بزغ الدم أي سال، وعلى هذا فيمكن أن يكون بزوغ القمر مشبهًا بما ذكر وكلام الراغب صريح فيه، وظاهر الآية أن هذه الرؤية بعد غروب الكوكب.
وقوله سبحانه: {قَالَ هذا رَبّى} جواب لما وهو على طرز الكلام السابق {فَلَمَّا أَفَلَ} كما أفل الكوكب {قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبّى} إلى جنابه الحق الذي لا محيد عنه {لاَكُونَنَّ مِنَ القوم الضالين} فإن شيئًا مما رأيته لا يصلح للربوبية، وهذا مبالغة منه عليه السلام في النصفة، وفيه كما قال الزمخشري تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلهًا وهو نظير الكواكب في الأفول فهو ضال، والتعريض بضلالهم هنا كما قال ابن المنير أصرح وأقوى من قوله أولا {لا أُحِبُّ الآفلين} [الأنعام: 76] وإنما ترقى عليه السلام إلى ذلك لأن الخصوم قد أقامت عليهم بالاستدلال الأول حجة فأنسوا بالقدح في معتقدهم ولو قيل هذا في الأول فلعلهم كانوا ينفرون ولا يصغون إلى الاستدلال، فما عرض لهم عليه السلام بأنهم على ضلالة إلا بعد أن وثق بإصغائهم إلى تمام المقصود واستماعهم له إلى آخره.
والدليل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم ترقى في النوبة الثالثة إلى التصريح بالبراءة منهم (والتصريح) بأنهم على شرك حين تم قيام الحجة عليهم وتبلج الحق وبلغ من الظهور غايته.
وفي هذه الجملة دليل من غير وجه على أن استدلاله عليه السلام ليس لنفسه بل كان محاجة لقومه.
وكذا ما سيأتي.
وحمل هذا على أنه عليه الصلاة والسلام استعجز نفسه فاستعان بربه عز وجل في درك الحق وما سيأتي على أنه إشارة إلى حصول اليقين من الدليل خلاف الظاهر جدًا، على أنه قيل: إن حصول اليقين من الدليل لا ينافي المحاجة مع القوم، ثم الظاهر على ما قال شيخ الإسلام أنه عليه السلام كان إذ ذاك في موضع كان في جانبه الغربي جبل شامخ يستتر به الكوكب والقمر وقت الظهر من النهار أو بعده بقليل وكان الكوكب قريبًا منه وأفقه الشرقي مكشوف أولًا وإلا فطلوع القمر بعد أفول الكوكب ثم أفوله قبل طلوع الشمس كما ينبئ عنه قوله تعالى: {فَلَماَّ رَأَى الشمس بَازِغَةً}. اهـ.

.قال القاسمي:

{فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغًا} أي: طالعًا منتشر الضوء: {قَالَ هَذَا رَبِّي} على الأسلوب المتقدم: {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} فإن ما رأيته لا يليق بالإلهية لدناءته بمحوه.
قال الزمخشري: وفيه تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلهًا، وهو نظير الكواكب في الأفول، فهو ضال. وأن الهداية إلى الحق بتوفيق الله تعالى ولطفه.
وفي الانتصاف: التعريض بضلالهم ثانيًا أصرح وأقوى من قوله أولًا: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} وإنما ترقى إلى ذلك، لأن الخصوم قد أقامت عليه، بالاستدلال الأول، حجة فأنسوا بالقدح في معتقدهم، ولو قيل هذا في الأول فلعلهم كانوا ينفرون، ولا يصغون إلى الاستدلال. فما عرّض صلوات الله عليه بأنهم في ضلالة، إلا بعد أن وثق بإصغائهم إلى تمام المقصود، واستماعهم إلى آخره. والدليل على ذلك أنه ترقى في النوبة الثالثة إلى التصريح بالبراءة منهم، والتقريع بأنهم على شرك حين تم قيام الحجة، وتبلج الحق، وبلغ من الظهور غاية المقصود. كما قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {فلمّا رأى القمر بازغًا} إلخ عطف على جملة محذوفة دلّ عليها الكلام.
والتقدير: فطلع القمر فلَّما رآه بازغًا، فحذفت الجملة للإيجاز وهو يقتضي أنّ القمر طلع بعد أفول الكوكب، ولعلّه اختار لمحاجّة قومه الوقت الذي يغرب فيه الكوكب ويطلع القمر بقرب ذلك، وأنَّه كان آخر اللَّيل ليعقبهما طلوع الشمس.
وأظْهِر اسمُ {القمر} لأنَّه حذف معاد الضمير.
والبازغ: الشارق في ابتداء شروقه، والبُزُوغ ابتداء الشروق.
وقوله: {هذا ربِّي} أفاد بتعريف الجزأين أنَّه أكثر ضوءًا من الكوكب فإذا كان استحقاق الإلهية بسبب النّور فالذي هو أشدّ نورًا أولى بها من الأضعف.
واسم الإشارة مستعمل في معناه الكنائي خاصّة وهو كون المشار إليه مطلوبًا مبحوثًا عنه كما تقدّم آنفًا.
وقوله: {فلَّما أفل قال لَئن لم يهدني ربِّي لأكونَنّ من القوم الضالِّين} قصد به تنبيه قومه للنظر في معرفة الربّ الحقّ وأنَّه واحد، وأنّ الكوكب والقمر كليهما لا يستحقَّان ذلك مع أنَّه عَرّض في كلامه بأنّ له ربّا يهديه وهم لا ينكرون عليه ذلك لأنَّهم قائلون بعدّة أرباب.
وفي هذا تهيئة لنفوس قومه لما عزم عليه من التصريح بأنّ له ربًّا غير الكواكب.
ثم عَرّض بقومه أنَّهم ضالّون وهيّأهم قبل المصارحة للعلم بأنَّهم ضالّون، لأنّ قوله: {لأكونَنّ من القوم الضالّين} يُدخِل على نفوسهم الشكّ في معتقدهم أن يكون ضلالًا، ولأجل هذا التعريض لم يقل: لأكوننّ ضالاّ، وقال: {لأكوننّ من القوم الضالّين} ليشير إلى أنّ في النَّاس قومًا ضالّين، يعني قومه.
وإنَّما تريَّث إلى أفول القمر فاستدلّ به على انتفاء إلهيته ولم ينفها عنه بمجرّد رؤيته بازغًا مع أنّ أفوله محقّق بحسب المعتاد لأنَّه أراد أن يقيم الاستدلال على أساس المشاهدة على ما هو المعروف في العقول لأنّ المشاهدة أقوى. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من فوائد الشعراوي في الآية:
قال رحمه الله:
{فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)}.
وهنا قال إبراهيم عليه السلام: هذا ربي، ووقف العلماء هنا وتساءلوا: كيف يقول إبراهيم هذا ربي، وهي جملة خبرية من إبراهيم، وكيف يجري إبراهيم على نفسه لفظ الشرك، وأراد العلماء أن يخلصوا إبراهيم من هذه المسألة. ونقول لهؤلاء العلماء: جزاكم الله كل خير، وكان يجب أن تؤخذ هذه المسألة من باب قصير جدًا؛ لأن الذي قال: إن إبراهيم قال: هذا ربي، هو الذي قال في إبراهيم: {وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124]
إذن فقوله: {هذا رَبِّي} لا تخدش في وفائه الإيماني، ولابد أن لها وجهًا. ونعلم أن القوم كانوا يعبدون الكواكب، ويريد إبراهيم أن يلفتهم إلى فساد هذه العقيدة، فلو أن إبراهيم من أول الأمر قال لهم: يا كذابون، يا أهل الضلال، وظل يوجه لهم السباب لما اهتموا به ولا سمعوا له. لكن إبراهيم استخدم ما يسمي في الجدل ب مجاراة الخصم؛ ليستميل آذانهم ويأخذ قلوبهم معه، وليعلموا أنه غير متحامل عليهم من أول الأمر، فيأخذ بأيديهم معه.
مثال ذلك في حياتنا، تجد رجلًا له ابنة وجاء لها خطيب، وهذا الخطيب قصير جدًا، بينما البنت- ما شاء الله- طويلة، وحين جاء الخطيب ليراها وتراه تقول لأمها: هذا خطيبي؟! وهذا القول يعني أنها تنكر أن يكون هذا القصير عنها هو خطيبها، وحين قال إبراهيم: {هذا رَبِّي} معناه إنكار أن يكون مثل هذا الكوكب أو ذلك القمر أو تلك الشمس هي الرب.
ونلحظ أنه يحدد لهم مصير من يعبد تلك الكواكب، فقال: {لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ القوم الضالين}، وفي هذا معرفة بمن على هدى أو على ضلال، ويكون قوله: {هذا رَبِّي} لونا من التهكم؛ لأنهم قالوا بما جاء به القرآن على لسانهم: {أهذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ}.
فكأنه قال: سلمنا جدلًا أنه ربكم، لكنه يأفل ويغيب عنكم، وقوله: {لا أُحِبُّ الآفلين} يعني أنه غير متعصب ضدهم.
وكذلك حين يقول الحق: {فَلَماَّ رَأَى الشمس بَازِغَةً...}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{بَازِغًا} حالٌ من {القمر} والبزوغ: الطُّلُوع، يقال: بَزَغَ بفتح الزاي: يَبْزُغ بضمها بزوغًا، والبُزُوغُ: الابتداء في الطلوع.
قال الأزهري: كأنه مأخوذ من البَزْغ وهو الشَّقُّ كأنه بنُورِهِ يِشُقُّ الظُّلْمَةَ شَقًا، ويستعمل قاصرًا ومتعديًا، يقال: بَزَغَ البَيْطَارُ الدَّابَّةَ، أي: أسال دَمَها، فبزغ هو، أي: سال، هذا هو الأصل.
ثم قيل لكل طلوع: بزوغ، ومنه بَزَغَ نَابُ الصبي والبغير تَشْبيهًا بذلك.
والقمر معروف سُمِّيَ بذلك لِبَيَاضِهِ، وانشار ضَوْئِهِ، والأقْمَرُ: الحمار الذي على لون الليلة القمراء، والقَمرَاءُ ضوء القمر.
وقيل سُمِّيَ القمر قمرًا؛ لأنه يقمر ضوء الكواكب ويفوز به، واللَّيَالي القُمْرُ: ليالي تَدَوُّرِ القمر، وهي الليالي البِيضُ؛ لأن ضوء القمر يستمر فيها إلى الصباح.
قيل: ولا يقال له قمرًا إلا بعد امتلائه في ثالث ليلة وقبلها هِلالٌ على خلاف بين أهل اللغة تقدم في البقرة عند قوله: {عَنِ الأهلة} [البقرة: 189] فإذا بلغ بعد العشر ثالث ليلة، قيل له: بدر إلى خامس عشر.
ويقال: قمرت فلانًا، أي: خدعته عنه، وكأنه مأخوذ من قَمِرَت القِرْبَةُ: فَسَدَت بالقَمْراء. اهـ.