فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}.
يقول لهم سيدنا إبراهيم: أنا لا أخاف إلا الله، ولا أخاف ما أشركتم أنتم به مما لا يضر ولا ينفع. وكيف هنا تأتي للتعجيب؛ لأن المنطق أن نخاف من الله وحده الذي يضر وينفع. وحين تدور مجادلة تستيقظ في كل طرف ذاتية المجادل، وهناك من يستنكفون من الحق، ليس لأنه حق لكن لخوفهم أن ينهزموا أمام واحد مثيل لهم، ومن يريد أن يصل إلى الحقيقة بدون استعلاء لا يعطي الحكم بما يحرك الذاتية في الخصم المجادل؛ لذلك لم يقل سيدنا إبراهيم: أنا أم أنتم أحق بالأمن؟ بل قال: {فَأَيُّ الفريقين أَحَقُّ بالأمن} مثلما علم ربنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 24].
وهذا منتهى الحيدة في الجدل، فلم يصرح بأن منهجهم هو الضلال وأن منهجه هو الصواب المستقيم ثقة منه أنهم حين يستعرضون منهجه ويستعرضون منهجهم سيحكمون بأنه صلى الله عليه وسلم على هدى وأنهم على ضلال. وهذا هو الجدل الارتقائي، مثلما يعلم الحق رسوله ليقول لخصومه: {قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سبأ: 25].
هل يفعل الرسول جرائم؟ حاشا لله أن يفعل ذلك فهو المعصوم.
وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لهم: اسألوا عني إن كنت أجرّمت؛ ولم يقل لهم وصفا لأعمالهم: {ولا نسأل عما تجرمون} بل قال: {وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}. فلم يأت بمسألة الإجرام بالنسبة لهم؛ وجاء بها بالنسبة له، لأنه واثق أنهم إن أعادوا دراسة القضية فكريًا وعقديًا وعاطفيًا فسينتهون إلى الإيمان بمنهجه. وهذامنتهى اللطف في الجدل.
ويتجلى اللطف في الجدل في قوله الحق: {فَأَيُّ الفريقين أَحَقُّ بالأمن إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 81].
والعِلْمُ هو أن تأخذ قضية تعتقدها ولها واقع وتستطيع أن تدلل عليها، وإن اختل شرط فيها فهذا خروج عن العلم، ومثال ذلك ألفاظ اللغة؛ كل لفظ وضع لمعنى، وساعة تسمع اللفظ وأنت تعرف اللغة تفهم المعنى؛ فحين أقول: الشمس. تتصور أنت الشمس في ذهنك، وكذلك الأرض والماء والجبل. فأنت عرفت مدلول هذه الألفاظ بدون أن تكون هناك نسبة. ونعلم أن هناك فرقًا بين معنى اللفظ مفردًا، وما يعطيه ويفيده اللفظ إذا جاء في نسبة.
فإذا جاء اللفظ في نسبة فلابد أن توجد قضية، فإذا قلنا الشمس محجوبة بالغيم فهذه قضية، أو قلنا: الشمس تغيب فهذه قضية أخرى وهنا نسبنا شيئًا لشيء، ولكننا قبل أن نأتي بالقضايا النسبية لابد أن يكون للفظ معنى في ذاته، وهذه اسمها معاني اللغة، وتضم من خلالها لفظا إلى لفظ فتنشأ نسبة أو قضية شريطة أن نعرف معنى مفرداتها، وبعد ذلك نعرف النسب، وهي ما نقول عنه: مبتدأ وخبر، موضوع ومحمول، مسند ومسند إليه، فعل وفاعل أي أمر منسوب إلى أمر.
والعلم- كما قلنا- هو قضية واقعية، تعتقدها وتستطيع أن تدلل عليها. وإن اختل أمر من هذا لا يكون علمًا، فإن كنت تعتقد في قضية إلا أنها غير واقعية، فهذا كذب. وعندما أقول: إن هناك من يعتقدون أن الأرض كروية فهل الواقع كذلك أولا؟. وإن كنت تعتقد شيئًا وهو واقع، ولم تستطع أن تدلل عليه فهذا تقليد، وإن لم يكن الشيء متيقنا وقد تساوى فيه الطرفان فهذا هو الشك. وإن كان هناك طرف راجح عن طرف آخر فهو الظن. والطرف المرجوح هو ما يسمّى بالوهم. وكل قضايا نسبية لا تخرج عن هذه.
وقول إبراهيم: {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي تتيقنون من قضية نسبية واقعة معتقدة تستطيعون أن تدللوا عليها. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله: {وحاجه قومه} يقول: خاصموه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أتحاجوني} قال: أتخاصمونني.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {أتحاجوني} مشددة النون.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {وحاجه قومه} قال: دعوا مع الله إلهًا {أتحاجوني في الله وقد هدان} وقد عرفت ربي، خوّفوه بآلهتهم أن يصيبه منها خبل فقال: {ولا أخاف ما تشركون به} ثم قال: {وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون} أيها المشركون {أنكم أشركتم}.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فأي الفريقين أحق بالأمن} قال: قول إبراهيم حين سألهم أي الفريقين أحق بالأمن، ومن حجة إبراهيم!.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: {فأي الفريقين أحق بالأمن} أمن خاف غير الله ولم يخفه، أم من خاف الله ولم يخف غيره؟ فقال الله: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام: 82]. اهـ.

.فصل في رد شبه في قصة الخليل عليه السلام:

قال الفخر:
قصة إبراهيم عليه السلام تمسكوا بها من وجوه تسعة:
الأولى قوله تعالى حاكيا عن إبراهيم عليه السلام {قال هذا ربي} فلا يخلو إما أن يقال: إنه قال هذا الكلام في النظر والاستدلال، أو بعده. فإن كان الأول كان قطعه بذلك مع تجويزه أن يكون الأمر بخلافه إخبارا عما يجوز المخبر كونه كاذبا فيه. وذلك غير جائز. وإن كان الثاني كان ذلك كذبا قطعا، بل كفرا قطعا.
والجواب قيل: إنه من كلام ابراهيم قبل البلوغ. فانه لما خطر بباله قبيل بلوغه حد التكليف إثبات الصانع فتفكر فرأى النجوم، فقال: {هذا ربى} فلما شاهد حركتها قال: لابد أن تكون ربا. وكذا الشمس والقمر فبلغه الله تعالى في أثناء ذلك حد التكليف، فقال: {إنى برئ مما تشركون} وإنما بلغ ذلك في النجوم والشمس والقمر لما فيه من العلو والنور.
ومنهم من سلم أنه كان كلام ابراهيم بعد البلوغ ثم اختلفوا فمنهم من قال: يجوز أن يكون ذلك كلامه حال اشتغاله بالنظر والاستدلال ثم إنه لم يقل {هذا ربى} على سبيل الإخبار بل على سبيل الفرض كما أن الواحد منا إذا نظر في حدوث الأجسام فيقول: الجسم قديم؟ لالان مراده الاخبار عن قدم الاجسام، بل لأنه يفرضها قديمة ليظهر ما يؤدى ذلك الفرض إليه من الفساد. فكذا هاهنا فرض ثم عقبه بما يدل على فساده وهو قوله: {لا أحب الآفلين}.
ومنهم من قال: تكلم بذلك بعد فراغه من النظر وصيرورته موقنا بالله، ثم اختلفوا فيه على وجوه خمسة فقيل: تكلم بذلك على معنى أن الأمر كذلك عندهم كما يقول أحدنا للمشبه على سبيل الانكار إن إلهه جسم متغير. وقال تعالى: {فانظر إلى إلهك} أي في زعمك وقيل: المراد منه الاستفهام، إلا أنه أسقط حرف الاستفهام استغناء عنه، وقيل: في الآية اختصار، وتقديره يقولون هذا ربى ونظيره {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا} أي ويقولان وقيل: أراد إبراهيم أن يبطل قولهم بتعظيم الكواكب. فأوهم من نفسه أنه يعظمها، ثم عقبه بذكر الاستدلال على بطلانه، وقيل: انهم دعوه إلى عبادة النجوم فقال مبينا لهم خطأهم {هذا ربى} الذي تدعونني إلى عبادته.
والأصح من هذه الأقوال أن ذلك على وجه الاعتبار والاستدلال لا على وجه الاخبار ولذلك فان الله تعالى لم يذم إبراهيم عليه السلام على ذلك بل ذكره بالمدح والتعظيم وأنه أراه ذلك كى يكون من الموقنين، هذا هو البحث المشهور في الآية.
وفيها ابحاث أخر من حيث أن بعض الملاحدة قال: إن إبراهيم استدل على الشيء بما لا يدل عليه. وذكر أشياء لا تصح، فكان الطعن متوجها، ونحن نذكر كل واحد من تلك الاسئلة الاربعة عشرة مع جوابه.
السؤال الأول: قوله تعالى: {فلما جن عليه الليل رأى كوكبا} دلت الآية على أنه نظر في حال الكواكب أولا، ثم القمر ثانيا، وفى حال الشمس ثالثا، ولا شك أن تلك الليلة مسبوقة بنهار، وأنه كانت الشمس طالعة، فلم لم ينظر في النهار السابق على تلك الليلة في حال الشمس، بل كان ذلك أولى لان الشمس أعظم من القمر والكواكب ومتى ثبت أن الاعظم لا يصلح للآلهية فالاضعف أولى؟ جوابه أن أم إبراهيم لخوفها عليه وضعته في كهف مظلم فلما تثبت وعقل دنا من الباب فرأى الكوكب، فقد خطر بباله إثبات الصانع فقال ما قال وقيل: إنه كان لا يشار له إلى معبود ثم أشير إلى الكواكب فعند ذلك قال ما قال اعتبارا.
السؤال الثاني: حدوث الكوكب معلوم بحركته، فانه لما تحرك ثبت أنه لا ينفك عن الحوادث، فيكون محدثا فكان ينبغى أن يحتج عند طلوعه على حدوثه، وأن لا يتوقف على أفوله.
جوابه: المراد بالافول الهوى في حظيرة الامكان، فان حركته تدل على كونه ممكنا لذاته، والممكن لذاته معدوم لذاته موجود لغيره، وذلك هو الافول الحقيقي، وأيضا فلانه وإن كان لا يختلف الحال بين الطلوع والغروب في الحقيقة إلا أن الغروب أدل على عدم الالهية عند العوام فلعله عدل إلى الافول لهذا الغرض.
السؤال الثالث: أنه لما علم أن حركة الكوكب منتهية إلى الافول وعلم أن الافول يدل على الحدوث ثم رأى الشمس والقمر متحركين، فكان ينبغى أن يقطع عليهما بالحدوث قبل أفولهما، فلم وقت الأمر فيهما أيضا على الافول؟
جوابه: أما إن حملنا الافول على الهوى في مغرب الإمكان أكذب الله هذا الظن الكاذب بقوله الصادق {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين}- إلى أن قال- والصحيح من ذلك أنه إنما قال ذلك موبخا لقومه كما قال لهم نحو ذلك في الكبير من الاصنام ولا فرق- إلى أن قال: وبرهان قولنا هذا أن الله تعالى لم يعاتبه على شيء مما ذكرو لا عنفه على ذلك بل صد تعالى قه بقوله: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء} فصح أن هذا بخلاف ما وقع لآدم وغيره بل وافق مراد الله.
فقد اندفع الإشكال، وإن حملناه على رعاية ما هو أظهر للعوام فكذلك.
السؤال الرابع: كيف قطع بغيبة الكوكب على حركته، مع أن المحتمل أن يقال السماء واقفة والأرض متحركة؟
جوابه: غيبة الكوكب تقتضي حركة جسم ما فيلزم حدوث ذلك الجسم فيلزم حدوث كل جسم لان الأجسام كلها متماثلة *
السؤال الخامس: هب أنه استدل بحركة الكوكب على حدوثه فكان ينبغى أن يقول عقيب فراغه من النظر: إنى قضيت بحدوثه لكنه لم يفعل ذلك، بل جعله نتيجة دليل إثبات الصانع، فأين إحدى المسألتين من الاخرى؟