فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{الذين ءامَنُواْ} استئناف يحتمل أن يكون من جهته تعالى مبين للجواب الحق الذي لا محيد عنه.
وروي ذلك عن محمد بن إسحاق وابن زيد والجبائي، ويحتمل أن يكون من جهة إبراهيم عليه السلام وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه، واستشكل كونه استئنافًا بأنه لا يمكن جعله بيانيًا لأنه ما كان جواب سؤال مقدر، وهذا جواب سؤال محقق ولا نحويًا لما قال ابن هشام: إن الاستئناف النحوي ما كان في ابتداء الكلام ومنقطعًا عما قبله وهذا مرتبط بما قبله لارتباط الجواب والسؤال ضرورة وليس عندنا غيرهما.
وأجيب باختيار كونه نحويًا، ومعنى كونه منقطعًا عما قبله أن لا يعطف عليه ولا يتعلق به من جهة الإعراب وإن ارتبط بوجه آخر، وقيل: المراد بابتداء الكلام ابتداؤه تحقيقًا أو تقديرًا أي الفريق الذين آمنوا بما يجب الإيمان به.
{وَلَمْ يَلْبِسُواْ} أي لم يخلطوا {أيمانهم} ذلك {بِظُلْمٍ} أي شرك كما يفعله الفريق المشركون حيث يزعمون أنهم مؤمنون بالله تعالى وأن عبادتهم لغيره سبحانه معه من تتمات إيمانهم وأحكامه لكونها لأجل التقريب والشفاعة كما ينبئ عنه قوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} [الزمر: 3] وإلى تفسير الظلم بالشرك هنا ذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وابن المسيب وقتادة ومجاهد وأكثر المفسرين، ويؤيد ذلك أن الآية واردة مورد الجواب عن حال الفريقين.
ويدل عليه ما أخرجه الشيخان وأحمد والترمذي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن الآية لما نزلت شق ذلك على الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ليس ما تظنون إنما هو ما قال لقمان عليه السلام لابنه {يَعِظُهُ يابنى لاَ تُشْرِكْ بالله إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] ولا يقال: إنه لا يلزم من قوله: {إِنَّ الشرك} إلخ أن غير الشرك لا يكون ظلمًا لأنهم قالوا: إن التنوين في {بِظُلْمٍ} للتعظيم فكأنه قيل: لم يلبسوا إيمانهم بظلم عظيم، ولما تبين أن الشرك ظلم عظيم علم أن المراد لم يلبسوا إيمانهم بشرك أو أن المتبادر من المطلق أكمل أفراده.
وقيل: المراد به المعصية وحكي ذلك عن الجبائي والبلخي وارتضاه الزمخشري تبعًا لجمهور المعتزلة.
واستدلوا بالآية على أن صاحب الكبيرة لا أمن له ولا نجاة من العذاب حيث دلت بتقديم لهم الآتي على اختصاص الأمن بمن لم يخلط إيمانه بظلم أي بفسق وادعوا أن تفسيره بالشرك يأباه ذكر اللبس أي الخلط إذ هو لا يجامع الإيمان للضدية وإنما يجامع المعاصي، والحديث خبر واحد فلا يعمل به في مقابلة الدليل القطعي، والقول بأن الفسق أيضًا لا يجامع الإيمان عندهم أيضًا فلا يتم لهم الاستدلال لكونه اسمًا لفعل الطاعات واجتناب السيئآت حتى أن الفاسق ليس بمؤمن كما أنه ليس بكافر مدفوع كما قيل بأنه كثيرًا ما يطلق الإيمان على نفس التصديق بل لا يكاد يفهم منه بلفظ الفعل غير هذا حتى أنه يعطف عليه عمل الصالحات كما جاء في غير ما آية.
وأجيب بأنه أريد بالإيمان تصديق القلب وهو قد يجامع الشرك كأن يصدق بوجود الصانع دون وحدانيته كما أشرنا إليه آنفًا، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106].
وكذا إذا أريد به مطلق التصديق سواء كان باللسان أو غيره بل المجامعة على هذا أظهر كما في المنافق ولو أريد به التصديق بجميع ما يجب التصديق به بحيث يخرج عن الكفر يقال: إنه لا يلزم من لبس الإيمان بالشرك الجمع بينهما بحيث يصدق عليه أنه مؤمن ومشرك بل تغطيته بالكفر وجعله مغلوبًا مضمحلًا أو اتصافه بالإيمان ثم الكفر ثم الإيمان ثم الكفر مرارًا، وبعد تسليم جميع ما ذكر نقول:
إن قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأمن} إنما يدل على اختصاص الأمن بغير العصاة وهو لا يوجب كون العصاة معذبين ألبتة بل خائفين ذلك موقعين للاحتمال ورجحان جانب الوقوع.
وقيل المراد من الأمن الأمن من خلود العذاب لا الأمن من العذاب مطلقًا، والموصول مبتدأ واسم الإشارة مبتدأ ثان والإشارة إلى الموصول من حيث اتصافه بما في حيز الصلة وفي الإشارة إليه بما فيه معنى البعد بعد وصفه بما ذكر ما يلا خفى، وجملة {لَهُمُ الأمن} من الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر الأول، وجوز أن يكون {أولئك} بدلًا من الموصول أو عطف بيان له و{لَهُمْ} هو الخبر و{الأمن} فاعلًا للظرف لاعتماده على المبتدأ، وأن يكون {لَهُمْ} خبرًا مقدمًا و{الأمن} مبتدأ مؤخرًا والجملة خبر الموصول، وجوز أبو البقاء كون الموصول خبر مبتدأ محذوف وقال: التقدير هم الذين ولا يخلو عن بعد والأكثرون على الأول {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} إلى الحق ومن عداهم في ضلال مبين، وقدر بعضهم إلى طريق توجب الأمن من خلود العذاب. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}.
هذه الجملة من حكاية كلام إبراهيم على ما ذهب إليه جمهور المفسِّرين فيكون جوابًا منه عن قوله: {فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن} [الأنعام: 81].
تولّى جوابَ استفهامه بنفسه ولم ينتظر جوابهم لكون الجواب ممَّا لا يسع المسؤول إلاّ أن يجيب بمثله، وهو تبكيت لهم.
قال ابن عبَّاس: كما يسأل العالم ويُجيبُ نفسه بنفسه، أي بقوله: فإن قلتَ قلتُ.
وقد تقدّمت نظائره في هذه السورة.
وقيل: ليس ذلك من حكاية كلام إبراهيم، وقد انتهى قول إبراهيم عند قوله: {إن كنتم تعلمون} [الأنعام: 81] بل هو كلام مستأنف من الله تعالى لابتداء حكم، فتكون الجملة مستأنفة استئنافًا ابتدائيًا تصديقًا لقول إبراهيم.
وقيل: هو حكاية لكلام صدر من قوم إبراهيم جوابًا عن سؤال إبراهيم {فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن} [الأنعام: 81].
ولا يصحّ لأنّ الشأن في ذلك أن يقال: قال الذين آمنوا الخ، ولأنَّه لو كان من قول قومه لما استمرّ بهم الضلال والمكابرة إلى حدّ أن ألقَوا إبراهيم في النّار.
وحذف متعلّق فعل {آمنوا} لظهوره من الكلام السابق.
والتقدير: الذين آمنوا بالله.
وحقيقة {يلبسوا} يخلطوا، وهو هنا مجاز في العمل بشيئين متشابهين في وقت واحد.
شبّه بخلط الأجسام كما في قوله: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل} [البقرة: 42].
والظّلم: الاعتداء على حقّ صاحب حقّ، والمراد به هنا إشراك غير الله مع الله في اعتقاد الإلهية وفي العبادة، قال تعالى: {إنّ الشِّرك لظلم عظيم} [لقمان: 13] لأنَّه أكبر الاعتداء، إذ هو اعتداء على المستحقّ المطلق العظيم، لأنّ من حقّه أن يفرد بالعبادة اعتقادًا وعملًا وقولًا لأنّ ذلك حقّه على مخلوقاته.
ففي الحديث: «حقّ العباد على الله أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئًا» وقد ورد تفسير الظلم في هذه الآية بالشرك.
في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود لمّا نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} شَقّ ذلك على المسلمين وقالوا: أيّنا لم يظلم نفسه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس كما تَظُنّون إنَّما هو كما قال لقمان لابنه: {إنّ الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13]». اهـ.
وقال ابن عاشور:
وذلك أنّ الشرك جمع بين الاعتراف لله بالإلهية والاعتراف لغيره بالربوبيّة أيضًا.
ولمَّا كان الاعتراف لغيره ظلمًا كان إيمانهم بالله مخلوطًا بظلم وهو إيمانهم بغيره، وحَمله على هذا المعنى هو الملائم لاستعارة اسم الخَلط لهذا المعنى لأنّ الإيمان بالله وإشراكَ غيره في ذلك كلاهما من جنس واحد وهو اعتقاد الربوبيّة فهما متماثلان، وذلك أظهر في وجه الشبه، لأنّ شأن الأجسام المتماثلة أن يكون اختلاطها أشدّ فإنّ التَّشابُه أقوى أحوال التّشبيه عند أهل البيان.
والمعنى الذين آمنوا بالله ولم يشركوا به غيره في العبادة.
وحَمَل الزمخشري الظلم على ما يشمل المعاصي، لأنّ المعصية ظلم للنَّفس كما في قوله تعالى: {فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم} [التوبة: 36] تأويلًا للآية على أصول الاعتزال لأنّ العاصي غير آمن من الخلود في النّار فهو مساو للكافر في ذلك عندهم، مع أنَّه جَعَل قوله: {الذين آمنوا ولم يلبسوا} إلى آخره من كلام إبراهيم، وهو إن كان محكيًّا من كلام إبراهيم لا يصحّ تفسير الظلم منه بالمعصية إذ لم يكن إبراهيم حينئذٍ داعيًا إلاّ للتَّوحيد ولم تكن له بعدُ شريعة، وإن كان غير محكي من كلامه فلا يناسب تفسيره فيه بالمعصية، لأنّ تعقيب كلام إبراهيم به مقصود منه تأييد قوله وتبيينُه، فالحقّ أنّ الآية غير محتاجة للتّأويل على أصولهم نظرًا لهذا الذي ذكرناه.
والإشارة بقوله: {أولئك لهم الأمن} للتنبيه على أنّ المسند إليه جدير بالمسند من أجل ما تقدّم من أوصاف المسند إليه وهذا كقوله: {أولئك على هدى من ربّهم} [البقرة: 5].
وقوله: {لهم الأمْن} أشارت اللاّم إلى أنّ الأمن مختصّ بهم وثابت، وهو أبلغ من أن يُقال: آمنون.
والمراد الأمن من عذاب الدنيا بالاستئصال ونحوه وما عُذّبت به الأمم الجاحدة، ومِن عذاب الآخرة إذ لم يكن مطلوبًا منهم حينئذٍ إلاّ التوّحيد.
والتّعريف في {الأمن} تعريف الجنس، وهو الأمن المتقدّم ذكره، لأنَّه جنس واحد، وليس التّعريف تعريف العهد حتَّى يجيء فيه قولهم: إنّ المعرفة إذا أعيدت معرفة فالثّانية عين الأولى إذ لا يحتمل هنا غير ذلك.
وقوله: {وهم مهتدون} معطوف على قوله: {لهم الأمن} عطفَ جزء جملة على الجملة التي هي في حكم المفرد، فيكون {مهتدون} خبرًا ثانيًا عن اسم الإشارة عُطف عليه بالواو على إحدى الطريقتين في الأخبار المتكرّرة.
والضمير للفصل ليفيد قصر المسند على المسند إليه، أي الاهتداء مقصور على الذين آمنوا ولم يلبِسوا إيمانهم بظلم دون غيرهم، أي أنّ غيرهم ليسوا بمهتدين، على طريقة قوله تعالى: {وأولئك هم المفلحون} [البقرة: 55] وقوله: {ألم يعلموا أنّ الله هو يقبل التّوبة عن عباده} [التوبة: 104].
وفيه إشارة إلى أنّ المخبَر عنهم لمَّا نَبذوا الشِّرك فقد اهتدوا.
ويجوز أن يكون قوله: {وهم مهتدون} جملة، بأنْ يكونَ ضمير الجمع مبتدأ و{مهتدون} خبره، والجملة معطوفة على جملة {أولئك لهم الأمن}، فيكون خبرًا ثانيًا عن اسم الموصول، ويكون ذكر ضمير الجمع لأجل حُسن العطف لأنَّه لمّا كان المعطوف عليه جملة اسميّة لم يحسن أن يعطف عليه مفرد في معنى الفعل، إذ لا يحسن أن يقال: أولئك لهم الأمن ومهتدون؛ فصيغ المعطوف في صورة الجملة.
وحينئذٍ فالضمير لا يفيد اختصاصًا إذ لم يؤت به للفصل، وهذا النظم نظير قوله تعالى: {له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير} [التغابن: 1] وقوله: تعالى: {له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير} [الحديد: 2] على اعتبار {وهو على كلّ شيء قدير} عطفًا على {له مُلك السماوات والأرض} وما بينهما حال، وهذا من محسِّنات الوصل كما عُرف في البلاغة، وهو من بدائع نظم الكلام العربي. اهـ.

.قال الشعراوي:

{الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)}.
حينما سمع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية اشفقوا على أنفسهم؛ لأنهم استعرضوا حركة أعمالهم فوجدوها لا تخلو من ظلم، وخافوا أن يكونوا من غير الداخلين في {أولئك لَهُمُ الأمن}. وشق عليهم ذلك، فرفعوا أمرهم إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوضح لهم صلى الله عليه وسلم مُطَمْئِنًا: إن ذلك الظلم هو الذي قال الله فيه: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
والآية تدل بمعطياتها على أن ذلك الظلم هو المتعلق بالإيمان لا بالعمل؛ لأننا نعلم أن التقاء الإنسان بربه مشروط أولًا بعقيدة القمة، وهي أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن تشهد أن محمدًا رسول الله؛ ومعناها؛ لا معبود بحق إلا الله، أولا أمر لأحد في خلق الله إلا لله، ولا فعل لأحد من خلق الله إلا من الله، ولا استمداد لأحد قدرة وعلمًا وحكمة وقبضًا وبسطًا إلا من الله، تلك هي دائرة الإيمان العقدية.
ويقول الحق: {وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} فكأن هذه المسألة هي منطقة الظلم، أما العمل فسبحانه فصَّل لنا بين إيمان ينفجر عنه العمل وعمل تنفجر عنه الطاقات فقال سبحانه: {والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات...} [العصر: 1- 3]
والعطف في قوله: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} يقتضي المغايرة، فالإيمان شيء وعمل الصالحات شيء آخر، إذن فالإيمان عمل ينبوعي في القلب، ولكن العمل ناشئ عن الالتزام الذي شرعه الإيمان فيه، وعلى المؤمن أن يتنبه إلى أن الله واحد في ذاته، وواحد في صفاته، وواحد في أفعاله، لا ندّ له ولا شريك معه، فإن وجدت صفة في الله ووجدت صفة مثلها فيك فاعلم أن الصفة في الله في دائرة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. في قدرة كقدرته، ولا ذات كذاته، ولا فعل كفعله. فإن اختل شيء من ذلك في اليقين فهذا ظلم واقع في الإيمان.
فمثلًا: أنت تقبل على الأشياء بالطاقات المخلوقة لك من الحق سبحانه وتعالى، وقبل أن تفعل أي فعل لابد أن يمر على بالك نسبة ذهنية، قبل أن تكون نسبة قولية أو فعلية. هذا هو العمل المنوط بك والمطلوب منك، أما العمل الذي لا يمر ببالك فلست مسئولا عنه، مثال ذلك: هب أنك سائر في الطريق، ثم وجدت حفرة تكاد تسقط فيها، فهناك أمر غريزي لحفظ الإنسان فيبعد رجله، وهو لا يستطيع في هذه المسألة أن يمررها بباله. وتلك أعمال نسميها الأعمال الاضطرارية أو الغريزية أو القسرية. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع» حديث شريف.
وقال صلى الله عليه وسلم: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع». حديث شريف.
و«ذي بال» أي كل أمر تفعله بعد أن يمر ببالك أن تفعله يجب أن تذكر فيه اسم الله. ويغفل أناس كثيرون عن هذه المسألة فنقول لهم: منطقيًا لابد أن تضعوا هذا الأمر في بالكم لأن الفعل الذي لا يمر ببالك هو فعل أعطى الله غريزتك- بدون أمر- أن تفعله. ومثال ذلك إذا أكل الإنسان ثم نزل شيء في قصبته الهوائية غير الهواء؛ نجده يسعل بلا شعور حتى يخرج هذا الشيء، لأنها عملية قسرية. أما الأمر ذو البال فهو الذي تمر ببالك نسبته الذهنية ثم يمر بالفعل، إن كان قولًا تقوله، وإن كان فعلًا تفعله؛ فمطلوب منك فيه ابتداء أن تسمّى الله؛ لأن الحق سبحانه وتعالى يطلب منا ألا تشغلنا الأسباب عن المسبب لها.