فصل: موعظة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.موعظة:

.قال ابن الجوزي:

.المجلس الرابع في ذكر نوح عليه الصلاة والسلام:

الحمد لله تسبحه البحار الطوافح والسحب السوافح والأبصار اللوامح والأفكار والقرائح العزيز في سلطانة الكريم في امتنانه ساتر المذنب في عصيانه رازق الصالح والطالح تقدس عن مثل وشبيه وتنزه عن نقص يعتريه يعلم خافية الصدر وما فيه من سر أضمرته الجوانح لا يشغله شاغل ولا يبرمه سائل ولا ينقصه نائل تعالى عن الند المماثل والضد المكادح يسمع تغريد الورقاء على الغصن وما شاء كان وما لم يشا لم يكن ويتكلم فكلامه مكتوب في اللوح مسموع بالأذن بغير آلات ولا أدوات ولا جوارح أنزل القطر بقدرته وصبغ لون النبات بحكمته وخالف بين الطعوم بمشيئته وأرسل الرياح لواقح موصوف بالسمع والبصر يرى في الجنة كما يرى القمر من شبهه أو كيفه فقد كفر هذا مذهب أهل السنة والأثر ودليلهم جلي واضح ينجي من شاء كما شاء ويهلك فهو المسلم للمسلم والمسلم للمهلك لم ينتفع كنعان بالنسب يوم الغرق لأنه مشرك قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح أحمده على تسهيل المصالح وأشكره على ستر القبائح وأصلى على رسوله محمد أفضل غاد وخير رائح وعلى صاحبه أبي بكر ذي الفضل الراجح وعلى عمر العادل فلم يراقب ولم يسامح وعلى عثمان الذي بايع عنه الرسول فيالها صفقة رابح وعلى على البحر الخضم الطافح وعلى عمه العباس الذي أخذ البيعة له ليلة العقبة وكل الأهل نازح اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وهب طالحنا لصالحنا وسامحنا فأنت الحليم المسامح واغفر لنا ذنوبنا قبل أن تشهد علينا الجوارح ونبهنا من رقدات الغفلات قبل أن يصيح الصائح وانفعني بما أقول والحاضرين بمنك فمنك الفضل والمنائح قال الله تعالى وقال اركبوا فيها ولد نوح عليه السلام بعد وفاة آدم بمائة وست وعشرين سنة وهو نوح بن لمك ابن متوشلخ بن إدريس ولما تم له خمسون سنة بعثه الله عز وجل وقيل إنه بعث بعد أربعمائة سنة من عمره وكان الكفر قد عم فكان يدعو قومه فيضربونه حتى يغشى عليه فأمره الله تعالى أن يصنع سفينة فغرس الساج فتكامل في أربعين سنة ثم قطعه فصنعها وأعانه أولاده وفجر الله له عين القار تغلي غليانا حتى طلاها وجعل لها ثلاث بطون فحمل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام وفي الأوسط الدواب والأنعام وركب هو ومن معه في البطن الأعلى قال ابن عباس رضي الله عنهما كل طولها ستمائة ذراع وعرضها ثلاثمائة وثلاثين ذراعا وفي رواية عنه قال كان طولها ألفا ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراعا ثم ابتدأ الماء بحنبات الأرض فدار حولها كالإكليل فجعلت الوحوش تطلب وسط الأرض هربا من الماء حتى اجتمعت عند السفينة فحمل فيها من كل زوجين اثنين وقيل له إذا فار التنور فاركب وفي المراد بالتنور أربعة أقوال أحدها أنه اسم لوجه الأرض قال ابن عباس قيل له إذا رأيت الماء قد علا على وجه الأرض فاركب والثاني تنور الصبح قاله علي عليه السلام.
والثالث طلوع الشمس روى عن علي أيضًا والرابع تنور أهله انبجس منه الماء قاله مجاهد وفي المكان الذي فار منه التنور ثلاثة أقوال أحدها مسجد الكوفة روى عن علي وقال زر بن حبيش فار التنور من زاوية مسجد الكوفة الأيمن والثاني بالهند قاله ابن عباس والثالث بالشام من عين وردة وهي منزل نوح قاله مقاتل وفي الذين حملهم في السفينة ثمانية أقوال أحدها كانوا ثمانين رجلًا معهم أهلوهم والثاني كانوا ثمانين وبنيه الثلاثة وثلاثة نسوة لبنيه وامرأة نوح والثالث كلهم كاوا ثمانين قال مقاتل كانوا أربعين رجلًا وأربعين امرأة والرابع ثلاثين رجلًا والأقوال الأربعة عن ابن عباس والخامس كانوا ثمانية نوح وامرأته وثلاثة بنين له ونسوانهم وهذا قول الحكم بن عتيبة والقرظي وابن جريح والسادس كانوا سبعة نوح وبنيه وثلاث كنائن له قاله الأعمش والسابع كانوا ثلاثة عشر نوح وبنوه ونساؤهم وستة ممن آمن به قاله ابن إسحاق والثامن كانوا عشرة سوى نسائهم روى عن إسحاق أيضًا فركبوا لعشر مضين من رجب وخرجوا يوم عاشوراء قوله تعالى: {بسم الله مجريها ومرساها} قال الزجاج اأمرهم أن يسموا في وقت جريها ووقت استقرارها.
قوله تعالى: {في موج كالجبال} قيل إن الماء ارتفع على أطول جبل في الأرض أربعين ذراعًا ونادى نوح ابنه واسمه كنعان ويقال يام وكان في معزل أي في مكان منقطع وقيل في معزل من دين أبيه وكان ينافقه بإظهار الإيمان فدعاه إلى الركوب ظنًا أنه مؤمن فقال: {سآوى إلى جبل يعصمني} أي يمنعني من الماء {قال لا عاصم} أي لا معصوم كقوله: {من ماء دافق} أي مدفوق إلا من رحم الله فإنه معصوم {وحال بينهما الموج} فيه قولان أحدهما بين كنعان والجبل الذي زعم أنه يعصمه قاله ابن عباس والثاني بين نوح وابنه قاله مقاتل قوله تعالى: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك} قال ابن عباس ابتلعت ما ظهر منها وبقي ماء السماء بحارًا وأنهارًا ن {ويا سماء أقلعي} أي أمسكي عن إنزال الماء {وغيض الماء} نقص {وقضى الأمر} بغرق القوم {واستوت} يعني السفينة {على الجودي} وهو جبل بالموصل وإنما قال نوح {رب إن ابني من أهلي} لأن الله تعالى وعده نجاة أهله فقيل له {إنه ليس من أهلك} أي من أهل دينك وإنما قال تعالى في وعده: {وأهلك إلا من سبق عليه القول} قوله تعالى: {إنه عمل غير صالح} يعني السؤال فيه وقرأ الكسائي {عمل} بكسر الميم يشير إلى أنه مشرك أخبرنا المحمدان بابن ناصر وابن عبد الباقي قالا أنبأنا أحمد بن أحمد حدثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله حدثنا أبو بكر بن مالك حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق حدثنا وهيب بن الورد قال لما عاتب الله تعالى نوحًا في ابنه وأنزل عليه {إني أعظك أن تكون من الجاهلين} بكى ثمانمائة عام حتى صار تحت عينيه مثل الجدول من البكاء قال علماء السير لما خرجوا من السفينة بنوا قرية سموها ثمانين بعددهم ثم ماتوا ولم يبق لهم نسل وإنما الناس كلهم من أولاد نوح وكانوا ثلاثة سام وحام ويافث فمن أولاد سام فارس وطسم وعمليق وهو أبو العماليق كلهم وإرم وأرفخشذ ومن أولاد أرفحشذ الأنبياء والرسل والعرب كلها والفراعنة بمصر ومن أولاد إرم عابر وعوص ومن ولد عابر ثمود وجديس وكانوا عربًا وولد عوص عادًا وكانت طسم وعمليق وجاسم يتكلمون بالعربية وكانت العرب تقول لهم العرب العاربة لأنه كان لسانهم الذي جبلوا عليه وتقول لبني إسماعيل العرب المتعربة لأنهم تكلموا بلسان الأمم الذين سكنوا بين أظهرهم وولد لعابر فالغ ومعناه بالعربية قاسم لأنه قسم الأرض بين بني نوح وولد لفالغ أرغو ولأرغو ساروغ ولساروغ ناحور ولناحور تارخ أبو إبراهيم الخليل عليه السلام وولد لعابر أيضًا قحطان وقحطان أول من ملك اليمن وأول من سلم عليه بأبيت اللعن ومن أولاد حام كوش وولد لكوش نمرود الجبار ومن أولاد نمرود هذا نمرود الذي ابتلي به الخليل ومن أولاد حام السودان والبربر والقبط ومن أولاد يافث الترك ويأجوج ومأجوج والصقالبة ولما كثر أولاد نوح اقتسموا الأرض فنزل بنو سام سرة الأرض فجعل فيهم النبوة والكتاب والجمال- ونزل بنو حام مجرى الجنوب والدبور ونزل بنو يافث مجرى الشمال والصبا فاشتد بردهم ولما قصت قصة نوح على نبينا صلى الله عليه وسلم قيل له {فاصبر إن العاقبة للمتقين} والمعنى اصبر كما صبر نوح فإن الظفر والتمكين لمن اتقى والمراد ليحصل لك كما حصل لنوح عليه السلام والمؤمنين.

.الكلام على البسملة:

عجبا لعيني كيف يطرقها الكرى ** ولحيلتي وقد انجلى عني المرا

ألهو وأعلم أنه قد فوقت ** نحوى سهام الحتف أم حيني كرى

وإذا هممت بتوبة وإنابة ** عرضت لي الدنيا فعدت القهقرى

كم قد سمعت وقد رأيت مواعظا ** لو كنت أعقل حين أسمع أو أرى

أين الذين طغوا وجاروا واعتدوا ** وعتوا وطالوا واستخفوا بالورى

أو ليس أعطتهم مقاليد العلا ** حتى لقد خضعت لهم أسد الشرى

وتمسكوا بحبالها لكنها ** فصمت لهم منها وثيقات العرى

ما أخلدتهم بعد سالف رفعة ** بل أنزلتهم من شماريخ الذرى

وإلى البلى قد نقلوا وتشوهت ** تلك المحاسن تحت أطباق الثرى

لو أخبروك بحالهم ومآلهم ** أبكاك دهرك ما عليهم قد جرى

أفناهم من ليس يفنى ملكه ** ذو البطشة الكبرى إذا أخذ القرى

فاصرف عن الدنيا طماعك إنما ** ميعادها أبدًا حديث يفترى

وصل السرى عنها فما ينجيك من ** آفاتها إلا مواصلة السرى

يا حاملا من الدنيا أثقالا ثقالا يا مطمئنًا لابد أن تنتقل انتقالا يا مرسلا عنان لهوه في ميدان زهوه إرسالا كألك بحفنيك حين عرض الكتاب عليك قد سآلا أين المعترف بما جناه أين المعتذر إلى مولاه أين التائب من خطاياه أين الآيب من سفر هواه نيران الإعتراف تأكل خطايا الاقتراف مجانيق الزفرات تهدم حصون السيئات مياه الحسرات تغسل أنجاس الخطيئات يا طالب النجاة دم على قرع الباب وزاحم أهل التقى أولي الألباب ولا تبرح وإن لم يفتح فرب نجاح بعد الياس ورب غنى بعد الإفلاس.
صبرا فما يظفر إلا من صبر ** إن الليالي واعدات بالظفر

وربما ينهض جد من عثر ** ورب عظم هيض حينا وانجبر

إذا تبت من ذنوبك فاندم على عيوبك وامح بدموعك قبيح مكتوبك والبس جلباب الفرق وتضرع على باب القلق وقل بلسان المحترق.
قد فعلت القبيح وهو شبيهي ** خطأ فافعل الجميل بعفوك

وفدت رغبتي إليك وما زلت ** تحيي بالنجح أوجه وفدك

قف وقوف المنكسرين وتبتل تبتل المعتذرين واستشعر الخضوع واستجلب الدموع واحتل واحذر سهم الغضب أن يصيب المقتل.
يا سيدي ما هفوتي بغريبة ** مني ولا غفرانها بطريف

فإن تقبل العبد الضعيف تطولا ** فإن رجائي فيك غير ضعيف

كم أتيت ذنبا فسترت وكم جنيت جناية فنظرت فبالحلم والكرم إلا غفرت.
فقد طالما أنقذتني يداك ** وقد قلقلتني حبال الردى

فوالله لا شمت غيثا سواك ** فإما نداك وإما الصدى

إخواني إنما مرض القلوب من الذنوب وأصل العافية أن تتوب دوام التخليط بوقع في صعاب العلل أسمعت يا مربض الشره كم رأيت صريعا للهوى اقرع باب الطبيب يصف لمرضك نسخة قبل أن تسري سكتة التفريط إلى موت الهلاك تلاوة القرآن تعمل في أمراض الفؤاد ما يعمله العسل في علل الأجساد مواعظ القرآن لأمراض القلوب شافية وأدلة القرآن لطلب الهدى كافية أين السالكون طريق السلامة والعافية مالي أرى السبل من القوم عافية.
إن السعيد لمدرك دركًا ** وأخو الشقاوة فهو في الدرك

وإلى الخمول مآل ذي لعب ** وإلى السكون مصير ذي حرك

طار الحمام وغاص مقتدرا ** فأمات حتى الطير والسمك

إن الزمان إذا غدا وعدا ** قتل الملوك بكل معترك

والعين تبصر أين حبتها ** لكنها تعمى عن الشرك

أنكرت هذا الموت ما ارتبكت ** نفسي هناك أشد مرتبك

ما ضر ذاكره وناظره ** أن لا ينام على سوى الحسك

.سجع على قوله تعالى: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا}:

يا من بين يديه يوم لا شك فيه ولا مرا يقع فيه الفراق وتنفصم العرى تدبر أمرك قبل أن تحضر فترى وانظر لنفسك نظر من قد فهم ما جرى قبل أن يغضب الحاكم والحاكم رب الورى {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا} يوم تشيب فيه الأطفال يوم تسير فيه الجبال يوم تظهر فيه الوبال يوم تنطق فيه الأعضاء بالخصال يوم لا تقال فيه الأعثار وكم من أعذار تقال فترى من قد افترى يقدم قدما ويؤخر أخرى {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا}.
فينصب الصراط فناج وواقع ويوضع الميزان فتكثر الفظائع وتنشر الكتب وتسيل المدامع وتظهر القبائح بين تلك المجامع ويؤلم العقاب وتملى المسامع ويخسر العاصي ويربح الطائع فكم غني قد عاد من الخير مفتقرا {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا} أخبرنا هبة الله بن محمد أنبأنا الحسن بن علي حدثنا أحمد بن جعفر حدثنا عبيد الله ابن أحمد حدثني أبي حدثنا سليمان بن حيان حدثنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم يقوم الناس لرب العالمين يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه قال أحمد وحدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن خيثمة عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه عز وجل ليس بينه وبينه ترجمان فينظر عن أيمن منه فلا يرى شيئًا قدامه وينظر عن أشأم منه فلا يرى شيئا قدامه وينظر أمامه فتستقبله النار فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق ثمرة فليفعل هذان الحديثان في الصحيحين روى عتبة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لو أن رجلًا يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرما في مرضاة الله لحقره يوم القيامة يا له من يوم يقتص للمظلوم من الظالم وتحيط بالظالم المظالم وتصعد القلوب إلى الغلاصم وليس لمن لا يرحمه الإله عاصم قال عليه السلام لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء.
وقال صلى الله عليه وسلم يحبس المؤمنون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة.
كم من وعيد يخرق الآذانا ** كأنما يعنى به سوانا

أصمنا الإهمال بل أعمانا

يا كثير السيئات غدا ترى عملك يا هاتك الحرمات إلى متى تديم زللك.
تيقظ فإنك في غفلة ** يميد بك السكر فيمن يميد

وأي منيع يفوت البلى ** إذا كان يبلى الصفا والحديد

إذا الموت دبت له حيلة ** فتلك التي كنت منها تحيد

أراك تؤمل والشيب قد ** أتاك بنعيك منه بريد

وتنقص في كل تنفيسة ** وعندك أنك فيها تزيد

أما تعلم أن الموت يسعى في تبديد شملك أما تخاف أن تؤخذ على قبيح فعلك واعجبًا لك من راحل تركت الزاد في غير رحلك أين فطنتك ويقظتك وتدبير عقلك أما بارزت بالقبيح فأين الحزن أما علمت أن الحق يعلم السر والعلن ستعرف خبرك يوم ترحل عن الوطن وستنتبه من رقادك ويزول هذا الوسن إلى الله تب قبل انقضاء من العمر ** أخي ولا تأمن مساورة الدهر

فقد حدثتك الحادثات نزولها ** ونادتك إلا أن سمعك ذو وقر

تنوح وتبكي للأحبة إن مضوا ** ونفسك لا تبكي وأنت على الإثر