فصل: سجع على قوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.سجع على قوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}:

يا عجبًا للمشغولين بأوطارهم عن ذكر أخطارهم لو تفكروا في حال صفائهم في أكدارهم لما سلكوا طريق اغترارهم ما يكفي في وعظهم وازدجارهم {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} الدنيا دار الآفات والفتن كم غرت غرا وما فطن أرته ظاهرها والظاهر حسن.
فلما فتح عين الفكر من الوسن قال رب ارجعون ولن ويح المقتولين بسيف اغترارهم والشرع ينهاهم عن أوزارهم {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} أين أرباب الهوى والشهوات ذهبت والله اللذات دون التبعات وندموا إذ قدموا على ما فات وتمنوا بعد يبس العود العود وهيهات فتلمح في الآثار سوء أذكارهم {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} نازلهم الموت على الذنوب فأسروا في قيود الجهل والعيوب فرحلت لذات خلت عن الأفواه والقلوب وحزنوا على الفائت ولا حزن يعقوب حين خرجوا من ديارهم في ثياب إدبارهم وعصى التوبيخ في أدبارهم {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} قل للناظرين إلى المشتهى في ديارهم هذا أنموذج من دار قرارهم فإن استعجل أطفال الهوى فدارهم وعدهم قرب الرحيل إلى دارهم {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} احذروا نظرة تفسد القلوب وتجني عليكم الذم والعيوب تسخط مولاكم عالم الغيوب لقد وصف الطبيب حمية للمطبوب فلو استعملوا الحمية لم تتعرض الحمى بأبشارهم {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} وفقنا الله وإياكم للهدى وعصمنا من أسباب الجهل والردى وسلمنا من شر النفوس فإنها شر العدى وجعلنا من المنتفعين بوعظ أخيارهم {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.

.المجلس الثاني عشر في قصة يوسف عليه السلام:

الحمد لله أحسن الخالقين وأكرم الرازقين مكرم الموفقين ومعظم الصادقين ومجل المتقين ومذل المنافقين حفظ يوسف لعلمه بعلم اليقين فألبسه عند الهم دروعا يقين وملكه إذ ملك عنان الهوى ميدان السابقين فذل له إخوته يوم وما كنا سارقين {قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين} أحمده حمد الشاكرين وأصلي على رسوله محمد أشرف الذاكرين وعلى أبي بكر سابق المبكرين وعلى عمر سيد الآمرين بالمعروف والمنكرين وعلى عثمان الشهيد بأيدي الماكرين وعلى علي إمام العباد المتفكرين وعلى عمه العباس أبي الخلفاء الراشدين قال الله عز وجل: {تالله لقد آثرك الله علينا} كان يعقوب قد ولد في زمن إبراهيم ونبيء في زمانه أيضا وكان هو والعيص توأمين فاختصما فخرج هاربا إلى خاله لأبان فزوجه ابنته ليا فولدت له روبيل ثم شمعون ولاوى ويشجب ويهوذا وزبالون ثم توفيت فتزوج أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين ومعناه ابن الوجع لأنها ماتت في نفاسه وولد له من غيرها أربعة فكان أولاده اثني عشر وهم الأسباط وكان أحب الخلق إليه يوسف فحسده إخوته فاحتالوا عليه فقالوا يا يوسف أما تشتاق أن تخرج معنا فتلعب وتتصيد فقال بلى قالوا فسل أباك أن يرسلك معنا فاستأذنه فأذن له فلما أصحروا أظهروا له ما في أنفسهم من العداوة فجعل كلما التجأ إلى شخص منهم آذاه وضربه فلما فطن لما عزموا عليه قال يا أبتاه يا يعقوب لو رأيت يوسف وما نزل به من إخوته لأحزنك ذلك وأبكاك يا أبتاه ما أسرع ما نسوا عهدك وضيعوا وصيتك فأخذه روبيل فضرب به الأرض وجثم على صدره ليقتله وقال: يا بن راحيل قل لرؤياك تخلصك وكان قد رأى وهو ابن سبع سنين الشمس والقمر والنجوم ساجدين له فصاح يا يهوذا حل بيني وبين من يريد قتلي فقال يهوذا ألقوه في غيابة الجب فنزعوا قميصه لإلقائه فقال ردوه علي أستر به عورتي ويكون كفنا لي في مماتي فلما ألقوه أخرج الله له حجرا مرتفعا من الماء فاستقرت عليه قدماه وكان يعقوب عليه السلام قد أدرج قميص إبراهيم عليه السلام الذي كسيه يوم ألقي في النار في قصبة وجعلها في عنق يوسف فبعث الله عز وجل ملكا فاستخرج القميص فألبسه إياه وأضاء له الجب وعذب ماؤه وجاءه جبريل يؤنسه فلما أمسى نهض جبريل ليذهب فقال له يوسف إنك إذا خرجتَ عني استوحشتُ فقال إذا رهبت شيئًا فقل يا صريخ المستصرخين ويا غياث المستغيثين ويا مفرج كرب المكروبين قد ترى مكاني وتعلم حالي ولا يخفى عليك شيء من أمري فلما قالها حفت به الملائكة فاستأنس بهم وذبح إخوته جديًا فلطخوا به القميص وقالوا أكله الذئب ومكث في الجب ثلاثة أيام وإخوته يرعون حوله ويهوذا يأتيه بالقوت فلما جاءت السيارة تسقي من الجب تعلق بالحبل فأخرجوه فجاء إخوة يوسف فقالوا هذا عبد أبق منا فباعوه منهم بعشرين درهما وحلة ونعلين فحملوه إلى مصر فوقفوه للبيع فتزايد الناس في ثمنه حتى بلغ وزنه مسكا ووزنه ورقا ووزنه حريرا واشتراه بذلك قطفير وكان أمين ملكهم وخازنه وقال لامرأته زليخا أكرمي مثواه فراودته فعصم منها فسجنته إذ لم يوافقها فبقي مسجونًا إلى حين منام الملك فلما أخرجه من السجن فوض إليه أمر مصر فجمع الأقوات في زمن الرخاء وباع في زمن القحط فروى أنه باع مكوك بر بمكوك در وباع أهل مصر بأموالهم وحليهم ومواشيهم وعقارهم وعبيدهم ثم بأولادهم ثم برقابهم ثم قال إني قد أعتقهم ورددت عليهم أموالهم.
وكان يوسف عليه السلام لا يشبع في تلك الأيام ويقول أخاف أن أنسى الجائع وبلغ القحط إلى كنعان فأرسل يعقوب ولده للميرة وقال يا بني قد بلغني أن بمصر ملكًا صالحًا فانطلقوا إليه فأقرئوه مني السلام فمضوا فدخلوا عليه فعرفهم وأنكروه فقال من أين أتيتم فقالوا من أرض كنعان ولنا شيخ يقال له يعقوب وهو يقرئك السلام فبكى وعصر عينيه وقال لعلكم جواسيس فقالوا لا والله قال فكم أنتم قالوا أحد عشر وكنا اثني عشر فأكل أحدنا الذئب فقال ائتوني بأخيكم الذي من أبيكم ثم درج بضاعتهم في رحالهم فعادوا إلى أبيهم فقالوا إنا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل فقال يعقوب هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل ثم حمله احتياجه إلى الطعام إلى أن أرسله معهم فلما دخلوا على يوسف أجلس كل اثنين على مائدة فبقي بنيامين وحيدًا يبكي وقال لو كان أخي حيًا لأجلسني معه فضمه يوسف إليه وقال أتحب أن أكون أخاك فقال أيها الملك ومن يجد أخًا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف وقام إليه فاعتنقه وقال أنا أخوك ثم احتال عليه فوضع الصاع في رحله فلما لم يقدروا على خلاصه أقام يهوذا ورجعوا إلى يعقوب يقولون إن ابنك سرق فتلقاهم بصبر جميل وانفرد بحزنه قال الحسن ما فارقه الحزن ثمانين سنة وما جفّت عيناه وما أحد أكرم على الله منه ثم إن ملك الموت لقي يعقوب فسأله هل قبضت روح يوسف قال لا فأصبح يقول لبنيه {اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه} فلما عادوا إليه ببضاعة مزجاة وهي القليلة وقفوا موقف الذل وقالوا تصدق علينا فقال: {هل علمتم ما فعلتم بيوسف} وكشف الحجاب عن نفسه فعرفوه فقالوا: {أئنك لأنت يوسف} فحينئذ قالوا: {تالله لقد آثرك الله علينا} قال الزجاج تالله بمعنى والله إلا أن التاء لا يقسم بها إلا في الله عز وجل ولا يجوز تالرحمن ولا تربي والتاء تبدل من الواو كما قالوا في وراث تراث وقالوا يتزن وأصله يوتزن من الوزن ومعنى آثرك الله اختارك وفضلك وكان قد فُضِّل عليهم بالحسن والعقل والحلم والصبر وغير ذلك {وإن كنا لخاطئين} أي لمذنبين آثمين في أمرك {قال لا تثريب عليكم اليوم} أي لا أعيركم بما صنعتم ثم سألهم عن أبيه فقالوا ذهبت عيناه فأعطاهم قميصه وقال: {اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا} وهو قميص الخليل الذي كان في عنق يوسف وكان من الجنة فلما خرجوا من مصر حمل القميص يهوذا وقال أنا حملت قميص الدم وها أنا أحمل قميص البشارة فخرج حافيًا حاسرًا يعدو ومعه سبعة أرغفة لم يستوف أكلها فقال يعقوب لمن حضر من أهله وولد ولده {إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون} أي تنكرون علي لأخبرتكم أنه حي {فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا} ثم خرج في نحو من سبعين من أهله وخرج يوسف لتلقيه فلما التقيا قال يعقوب السلام عليك يا مذهب الأحزان فقال يوسف بكيت يا أبتي حتى ذهب بصرك أما علمت أن القيامة تجمعني وإياك فقال يا بني خشيت أن يستلب دينك فلا نجتمع وكان يوسف عليه السلام يركب في كل شهر ركبة في ثمانمائة ألف ومعه ألف لواء وألفا سيف فيدور في عمله فينصف المظلوم من الظالم وكانت زليخا تلبس جبة صوف وتشد وسطها بحبل من ليف وتقف على قارعة الطريق فتناديه فلا يسمع فنادته يومًا أيها العزيز سبحان من جعل العبيد بالطاعة ملوكًا وجعل الملوك بالمعصية عبيدًا فسمعها فبكى وقال لفتاه انطلق بهذه العجوز إلى الدار واقض لها كل حاجة فقال لها الغلام ما حاجاتك يا عجوز فقالت حاجتي محرمة أن يقضيها غير يوسف فلما جاء يوسف قال من أنت يا عجوز فقالت أنا زليخا قال ما فعل حسنك وجمالك قالت ذهب به الذي أذهب ذلك ومسكنتك فقال يا زليخا عندي قضاء ثلاث حوائج فسلي فوحق شيبة إبراهيم لأقضينها فقالت حاجتي الأولى أن تدعوا الله لي أن يرد علي بصري وشبابي فدعا لها فرد الله عليها بصرها وشبابها ثم قالت ادع الله أن يرد علي حسني كما كان فدعا لها فرد عليها حسنها وزيد فيه فصارت كأنها بنت ثمانية عشرة سنة وكان لها من العمر مائة وعشرون سنة فقالت وحاجتي الثانية أن تسأل الله تعالى أن يغفر لي ما كان مني وحاجتي الثالثة أن تتزوج بي فتزوج بها فأصابها بكرًا وأولدها اثني عشر ولدًا ذكر هذا أبو الحسين بن المنادى وغيره عن وهب وأقام يعقوب عند يوسف أربعًا وعشرين سنة في أهنأ عيش فلما حضرته الوفاة أوصى إلى يوسف أن يحمله إلى الشام حتى يدفنه عند أبيه إسحاق ففعل ثم إن يوسف عليه السلام رأى أن أمره قد تم فقال: {توفني مسلما} وأوصى إلى يهوذا فتلمحوا علو قدر يعقوب ببلائه وعز يوسف في صبره وليكن حظكم من هذه القصة {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} وليتفكر العاصي في لذات فنيت وتبعات بقيت وليتدبر الصابر لذة مديحه ثبتت ومرارة مصابرة خلت والأمر بآخره وللعواقب يعمل المتيقظ رزقنا الله وإياكم صبرا يزيننا وعصمة من هوى يشيننا إنه إن فعل سلمت دنيانا وديننا إنه قريب مجيب.

.الكلام على البسملة:

إلى أي حين أنت في صبوة لاهي ** أمالك من شيء وعظت به ناهي

ويا مذنبًا يرجو من الله عفوه ** أترضى بسبق المتقين إلى الله

يا مبارزًا بالعظائم كيف أمنت فنمت يا مصرا على الجرائم عجبًا إن سلمت يا مبذرًا منذرًا كأنه ما يسمع إن فاجأك العذاب فماذا تصنع تدبر عقبى أبي الآباء إلى ما آب وتفكر في حال المذنبين فبئس المآب بيناهم في أمن قد فرق بينهم ونعق بينهم للبين غراب فتراكم ركام الهوام عليهم في الهواء واللعاب ومر مرير الريق فمشى في المشارع العذاب وامتد ساعد البلاء إلى إغلاق باب العتاب وسئلوا عن جورهم فقوى قلق الجوى في الجواب وذاقوا بعد حلاوة الخلاف من أخلاف الأوصاب الصاب وانتقى الانتقام نقي لذاتهم فخلت مما لذ أو طاب ونشبت في شيبهم وشبابهم شبا سيوف الذم وعتا العتاب ودخلوا إلى نار تهاب أوصافها قبل أن ينتهى إلى الالتهاب فلما سالت العيون دمًا قرعوا بالأنامل ندمًا لما ناب الناب وحط من ربا منهم على الربا فاستبدل صوت الأسى عن الرباب فاحذروا أن يصيبكم من نصيبكم مثل حصصهم فلقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب.
ولقد رأيت معاشرًا جمحت بهم ** تلك الطبيعة نحو كل تيار

تهوى نفوسهم هوى أجسامهم ** شغلًا بكل دناءة وصغار

تبعوا الهوى فهوى بهم وكذا الهوى ** منه الهوان بأهله فحذار

فانظر بعين الحق لا عين الهوى ** فالحق للعين الجلية عار

قاد الهوى الفجار فانقادوا له ** وأبت عليه مقادة الأبرار

إخواني من فعل ما يحب لقي ما يكره ومن صبر على ما يكره نال ما يحب لا تقطع مشاورة العقل قبل مشاورة الهوى فإن المستبد برأيه واقف على مداحض الزلل لم تزل أكف العقل ضابطة أعنة النفوس غير أن العزم ينقلب ركوب الأخطار يسوق الأقدار من قرأ والناس نيام تكلم والناس سكوت وهب بعض الملوك جارية يحبها فقال الموهوب له لا أفرق بينك وبين من تهواه فقال خذها وإن كنت أحبها ليعلم هواي أني غير طائع له وقيل للمرتعش إن فلانًا يمشي على الماء فقال إن من مكنه الله عز وجل من مخالفة هواه أعظم من المشي على الماء.
فإن المر حين يسر حلو ** وإن الحلو حين يضر مر

فخذ مرا تصادف منه نفعا ** ولا تعدل إلى حلو يضر

صابر ليل البلا فقد دنا الفجر واثبت لعمل نهار العمر تستوف الأجر واحبس نفسك عن هواها فسينفعك الحجر وارجز لها فإن لم تسر بالرجز فبالزجر ما نال من نال ما نال إلا بالصبر وبه علا ذكر كل عابد وحبر وهو وإن مرت مذاقته بانت حلاوته في القبر أيها النائم وهو منتبه المتحير في أمر لا يشتبه يا من قد صاح به الموت في سلب صاحبه وهو مغرور بجهله مفتون بلعبه يا واقفًا مع الهوى والطبع أأمنت شين القلب بالختم والطبع يا عظيم الشقاق يا قليل الوفاق يا مرير المذاق يا قبيح الأخلاق يا كثير التواني قد سار الرفاق يا شديد التمادي قد صعب اللحاق إخلاصك معدوم وما للنفاق نفاق ومعاصيك في ازدياد والعمر في انمحاق وساعي أجلك مجد كأنه في سباق لا الوعظ ينذرك ولا الموت يزجرك ما تطاق.
اترك الشر ولا تأنس بشر ** وتواضع إنما أنت بشر

هذه الأجسام ترب هامد ** فمن الجهل افتخار وأشر

جسد من أربع تلحظها ** سبعة من فوقها في اثني عشر

فعجيب فرح النفس إذا ** شاع في الأرض ثناها وانتشر

مستشار خائن في نصحه ** وأمين ناصح لم يستشر

فافعل الخير وأمل غبه ** فهو الدخر إذا الله حشر

أضمر الخيفة وأظهر ندما ** قل ما أحرز الطرف المدى حين ضمر

وهي الدنيا إذاها أبدا ** زمرًا واردة بعد زمر

في حياة كخيال طارق ** شغل الفكر وخلاك ومر