فصل: {إذ دخلوا على داود}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.{إذ دخلوا على داود}:

وهو داود بن إيشا بن عويد من نسل يهوذا بن يعقوب وكان مبدأ أمره أن الله تعالى لما بعث طالوت ملكا خرج من بني إسرائل معه ثمانون ألفًا لقتال جالوت فقالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده فلم يثبت معه غير ثلاثمائة وثلاثة عشر وكان فيهم أبو داود وثلاثة عشر ابنا له وداود أصغرهم وإنه مر بثلاثة أحجار فكلمنه وقلن يا داود خذنا معك تقتل بنا جالوت فأخذهن ومشى إلى جالوت فوضعهن في قذافته فصارت حجرًا واحدًا ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت فقتله ثم هلك طالوت فملك داود وجعله الله نبيًا وأنزل عليه الزبور وعلمه صنعة الحديد وألانه له وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه وكان إذا قرأ الزبور خضع له الوحش حتى تؤخذ بأعناقها وكان كثير التعبد فتذاكر بنو إسرائيل يومًا عنده هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبًا فأضمر أنه يطيق ذلك فابتلي يوم عبادته بالنظر وذلك أنه رأى طائرًا في محرابه فمد يده إليه فتنحى فأتبعه بصره فإذا بامرأة فخطبها مع علمه أن أوريا قد خطبها فتزوجها فاغتم أوريا فعوتب إذ لم يتركها لخاطبها الأول هذا أجود ما قيل في فتنته ويدل عليه قوله تعالى: {وعزني في الخطاب} فأما ما ينقل أن زوجها بعث في الغزوات حتى قتل فلا يجوز أن يكون صحيحًا فجاءه الملكان فتسورا عليه من سور داره ففزع منهم لأنهما أتياه على غير صفة مجيء الخصوم وفي غير وقت الحكومة وتسوروا من غير إذن و{خصمان} مرفوع بإضمار نحن.
وهذا مثل ضرباه له والتقدير ما تقول إن جاءك خصمان وقال ابن الأنباري نحن كخصمين ومثل خصمين فسقطت الكاف وقام الخصمان مقامهما تقول العرب عبد الله القمر حسنًا أي مثل القمر قالت هند بنت عتبة:
من حس لي الأخوين كالغصنين ** أو من راهما

أسدين في غيل يحيد ** القوم عن عرواهما

صقرين لا يتذللان ** ولا يباح حماهما

رمحين خطيين في ** كبد السماء تراهما

أرادت مثل أسدين ومثل صقرين ثم صرف الله النون والألف في {بعضنا} إلى نحن المضمر كما تقول العرب نحن قوم شرف أبونا ونحن قوم شرف أبوهم والمعنى واحد قوله تعالى: {ولا تشطط} أي لا تجر يقال شط وأشط ذا جار {واهدنا إلى سواء الصراط} أي إلى قصد الطريق والمعنى احملنا إلى الحق فقال داود تكلما فقال أحدهما {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة} قال الزجاج كنى عن المرأة بالنعجة قال المفسرون إنما ذكر هذا العدد لأنه عدد نساء داود {فقال أكفلنيها} أي انزل أنت عنها واجعلني أنا أكفلها {وعزني في الخطاب} أي غلبني في القول وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن أبي عبلة {وعازني} أي غالبني قال ابن عباس إن دعا ودعوت كان أكثر مني وإن بطش وبطشت كان أشد مني {قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} فإن قيل كيف حكم ولم يسمع كلام الآخر فالجواب أن الآخر اعترف فحكم عليه باعترافه وحذف ذكر ذلك اكتفاء بفهم السامع والعرب تقول أمرتك بالتجارة فكسبت الأموال أي فتجرت فكسبت.
والخلطاء الشركاء وظن أي أيقن وعلم {أنما فتناه} أي ابتليناه بما جرى له في حق المرأة وفي سبب تنبهه لذلك ثلاثة أقوال أحدها أن الملكين أفصحا له بذلك قال السدى قال داود للخصم الآخر ما تقول قال نعم أريد أن آخذها منه وأكمل بها نعاجي وهو كاره قال إذًا لا ندعك وإن رمت هذا ضر بنا منك هذا وهذا يشير إلى أنفه وجبهته فقال له أنت يا داود أحق أن يضرب هذا منك حيث لك تسع وتسعون امرأة ولم يكن لأوريا إلا واحدة فنظر داود فلم ير أحدًا فعرف ما وقع والثاني أنهما عرجا وهما يقولان قضى الرجل على نفسه فعلم أنه عني بذلك قاله وهب والثالث أنه لما حكم بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه وهو يضحك ثم صعد إلى السماء وهو ينظر فعلم أن الله ابتلاه بذلك قاله مقاتل قوله تعالى: {وخر راكعًا} قال ابن عباس أي ساجدًا فعبر بالركوع عن السجود لأنه بمعنى الانحناء قال المفسرون بقي في سجوده أربعين ليلة لا يرفع رأسه إلا لوقت صلاة مكتوبة أو حاجة لابد منها ولا يأكل ولا يشرب فأكلت الأرض من جبهته ونبت العشب من دموعه وهو يقول في سجوده رب زل داود زلة أبعد ما بين المشرق والمغرب أخبرنا علي بن عبيد الله أنبأنا ابن النقور أنبأنا عمر بن إبراهيم الكناني حدثنا البغوي حدثنا داود بن رشيد حدثنا أبو حفص الأبار عن ليث عن مجاهد قال كانت خطيئته في كفة مكتوبة قال فسجد حتى نبت من البقل ما وارى أذنيه أو قال رأسه ثم نادى أي رب قرح الجبين وجمدت العين وداود لم يرجع إليه من ذنبه شيء قال فنودي أجائع فتطعم أم عار فتكسي أم مظلوم فينتصر لك فلما رأى أنه لم يرجع إليه في ذنبه شيء نحب نحبة فهاج ما ثم أخبرنا عبد الوهاب أنبأنا ابن المبارك أنبأنا أبو الحسين بن عبد الجبار أنبأنا أبو بكر الخياط أنبأنا أبو عبد الله أحمد بن يوسف العلاف حدثنا أبو علي بن صفوان حدثنا أبو بكر القرشي حدثني محمد بن الحسين حدثنا عمرو بن جرير حدثنا عامر بن يساف عن يحيى بن أبي كثير قال بلغنا أنه كان داود مكث قبيل ذلك سبعا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يقرب النساء فإذا كان قبل ذلك بيوم أخرج له منبرا إلى البرية وأمر سليمان مناديا يستقرئ البلاد وما حولها من الغياض والآكام والجبال والبراري والديارات والصوامع والبيع فينادي فيها ألا من أحب أن يسمع نوح داود فليأت فتأتي الوحوش من البراري والآكام وتأتي السباع من الغياض وتأتي الهوام من الجبال وتأتي الطير من الأوكار وتأتي الرهبان من الصوامع والديارات وتأتي العذارى من خدورها ويجتمع الناس لذلك اليوم ويأتي داود عليه السلام حتى يرقى على المنبر ويحيط به بنو إسرائيل كل صف على حدته قال وسليمان قائم على رأسه قال فيأخذ في الثناء على ربه فيضجون بالبكاء والصراخ ثم يأخذ في ذكر الجنة والنار فيموت طائفة من الناس وطائفة من السباع والهوام والوحوش وطائفة من الرهبان والعذارى المتعبدات ثم يأخذ في ذكر الموت وأهوال القيامة ثم يأخذ في النياحة فيموت من كل صنف طائفة فإذا رأى سليمان ما قد كثر من الموت ناداه يا أبتاه قد مزقت المستمعين كل ممزق وماتت طوائف من بني إسرائيل ومن الرهبان ومن الوحوش فيقطع النياحة ويأخذ في الدعاء ويغشى عليه فيحمل على سرير فإذا أفاق قال سليمان ما فعل فلان وفلان فيقول ماتوا فيقوم فيدخل بيت عبادته ويغلق عليه بابه وينادي أغضبان أنت على داود إله داود أم كيف قصرت به أن يموت خوفا منك قال علماء السير كان داود عليه السلام قد اتخذ سبع حشايا من شعر وحشاهن بالرماد ثم بكى حتى أنفذها دموعا ولم يشرب شرابا إلا ممزوجا بدموع عينيه وكان له جاريتان قد أعدهما فكان إذا أتاه الخوف سقط واضطرب فقعدتا على صدره ورجليه مخافة أن تتفرق أعضاؤه وكان قد نقش خطيئته في كفه لئلا ينساها وكان إذا رآها اضطربت يداه ويقال لو وزنت دموعه عدلت دموع الخلائق ولم يرفع رأسه إلى السماء حتى مات حياء إخواني تأملوا عواقب الذنوب تفنى اللذة وتبقى العيوب احذروا المعاصي فبئس المطلوب ما أقبح آثارها في الوجوه والقلوب.

.الكلام على البسملة:

ابك من جرمك خوفا ** فحقيق بك تبكي

كم ركبت الذنب مغرورا ** وكم أسرعت في الفتك

وتبرجت بعصيانك ** قد غرك إمهالي وتركي

من إذا ألبستك الذل ** يراعيك ويشكي

من ترى يسترك اليوم ** إذا عمك هتكي

كم تجردت لعصياني ** وكم خالفت نسكي

أترى تجهل عزي ** أم ترى تصغر ملكي

يا ابن آدم فرح الخطيئة اليوم قليل وحزنها في غد طويل ما دام المؤمن في نور التقوى فهو يبصر طريق الهدى فإذا طبق ظلام الهوى عدم النور كان داود يسجد ويقول في سجوده سبحان خالق النور إلهي خليت بيني وبين عدوي إبليس فلم أقم لفتنته إذ نزلت بي سبحان خالق النور إلهي يغسل الثوب فيذهب درنه ووسخه والخطيئة لازمة لي لا تذهب عني سبحان خالق النور إلهي تبكي الثكلى على ولدها إذا فقدته وداود يبكي على خطيئته سبحان خالق النور إلهي الويل لداود إذا كشف عنه الغطاء قيل هذا داود الخاطئ سبحان خالق النور إلهي بأي عين أنظر إليك يوم القيامة وإنما ينظر الظالمون من طرف خفي سبحان خالق النور إلهي بأي قدم أقوم ببابك يوم تزل أقدام الخاطئين سبحان خالق النور إلهي من أين يطلب العبد المغفرة إلا من عند سيده سبحان خالق النور إلهي أنا الذي لا أطيق صوت الرعد فكيف أطيق صوت جهنم سبحان خالق النور إلهي كيف يستقر الخاطئون بخطاياهم دونك وأنت شاهدهم حيث كانوا سبحان خالق النور إلهي قرح الجبين وجمدت العينان من مخافة الحريق على جسدي سبحان خالق النور إلهي أنت المغيث وأنا المستغيث فمن يدعو المستغيث إلا المغيث سبحان خالق النور إلهي فررت إليك بذنوبي فاعترفت بخطيئتي فلا تجعلني من القانطين ولا تخزني يوم الدين سبحان خالق النور إلهي إذا ذكرت ذنوبي أيست من كل خير وإذا ذكرت رحمتك رجوتها سبحان خالق النور إلهي أمدد عيني بالدموع وقلبي بالخشية وضعفي بالقوة حتى أبلغ رضاك عني سبحان خالق النور يا سكران الهوى متى تصحو يا كثير الذنوب متى تمحو إلى كم تهفو وتغفو وتتكدر ونعمنا تصفو ابك لما بك واندب في شيبتك على شبابك وتأهب لسيف المنون فقد علق الشبا بك انتبه الحسن ليلة فبكى فضج أهل الدار بالبكاء فسألوه عن حاله فقال ذكرت ذنبًا لي فبكيت يا مريض الذنوب مالك دواء كالبكاء روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عينان لا تمسهما النار عين بكت في جوف الليل من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله وروى عنه أبو أمامة أنه قال ليس شيء أحب إلى الله عز وجل من قطرة دمع من خشية الله تعالى وقطرة دم تهراق في سبيل الله.
لا تحبسن ماء الجفون فإنه ** لك يا لديغ هواهم درياق

شنوا الإغارة في القلوب بأسهم ** لا يرتجى لأسيرها إطلاق

واستعذبوا ماء الجفون فعذبوا الأسراء ** حتى درت الآماق

قال محمد بن علي الحسين ما اغرورقت عين بمائها إلا حرم الله وجه صاحبها على النار فإن سالت على الخدين لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة يوم القيامة يا من أفعاله حتى الخطى خطا يا حاملا على الأزر الوزر أتعبت المطا يا من إذا قدر ظلم وإذا خاصم شطا يا مسرعا في الشر فإذا لاح الخير جا البطا.
جزت الثلاثين خطا ** فاعذر مشيبا وخطا

وابك زمانا لم تزل ** لله فيه مسخطا

واندب على آثاره ** مستدركا ذا الغلطا

واعدد صواب العيش ما ** فارقه التقوى خطا

يا كثير الذنوب متى تفضي يا مقيما وهو في المعنى يمضي أفنيت الزمان في الهوى ضياعًا وساكنت غرورا من الأمل وأطماعا وصرت في طلب الدنيا خبيرا صناعا تصبح جامعا وتمسي مناعا فتش على قلبك ولبك فقد ضاعا تفكر في عمرك فقد ذهب نهبا مشاعا اترك الهوى محمودا قبل أن يتركك مذموما إن فاتتك قصبات السبق في الزهد فلا تفوتنك ساعات الندم في التوبة.

.الكلام على قوله تعالى: {أيحسب الإنسان أن يترك سدى}:

عباد الله من استحضر قلبه أخبره أنه مسئول عن فعله وأمره بالتزود ليوم رحيله ومن وافق الهوى هوى إلى محل الإضاعة وأصبح من الخاسرين قال بعض المعتبرين لما خلوت بالعقل في بيت الفكر علمت أني مخلوق للتكليف معاقب على التحريف لست بمهمل فأسهو ولا بمتروك فألهو يحصى علي قليل العمل وكثيره ويكر علي الزمان فيبين لي تأثيره ورأيت الليل والنهار يقوداني إلى قبري ويفنيان في سيرهما عمري ويرياني من العبر ما يصلح به طريق الهدى فيبين سلب الكبير والصغير والرفيق والقرين فعلمت أن الهلاك آخر السلامة وأن عاقبة التفريط الندامة وأن وهن البدن أبين دليل على الموت وأقوى علامة وعرفت بدليل السمع الجزاء يوم القيامة فلما تيقنت أني مكلف محاسب ومحفوظ علي عملي مراقب مثاب على الفعل ومعاقب مأخوذ بالتفريط ومطالب هممت أن أنهض نهضة عازم صدوق إلى أداء التكليف وقضاء الحقوق فقيدتني نفسي بقيود الهوى وأفسدت من حالي ما استقام واستوى فبقيت أتفكر فيما جرى وأمسح عيني من سنة الكرى وأقول ماذا منعني من مقصودي وأي شغل شغلني عن معبودي ومالي أقصر في سيري وكيف سبقني إلى الفضائل غيري فتعجبت مما نابني وحزنت لما أصابني ولم أزل أنظر في الموانع حتى فهمتها وأتدبر طريق الهدى حتى علمتها وذلك أن الله تعالى جبل النفس على حب الشهوة وجعلها في حبس الغفلة وخلق لها من رائق مقصودها ما يشغلها وجوده عن وجودها فهي تميل إلى مشتهاها وإن أدى إلى المهالك لما وضع في طبعها من حب ذلك وتنهمك على تحصيل غرضها وإن أعقبها طول مرضها فينسيها عاجل ما يسر آجل ما يضر فلما وضعها الحق على هذا وألفها خاطبها بمخالفة هواها وكلفها وبين لها طريق الهدى وعرفها ولطف بها في أحوالها وتألفها وذكرها من النعم ما سلفها وأقامها على محجة التعليم ووقفها وحذرها من الزلل وخوفها وضمن لها أنها إن جاهدت أسعفها وإن تركت أغراضها أخلفها وما وعدها وعدًا قط فأخلفها وأوضح لها عيوب العاجلة وكشفها ورغبها في لذة جنة وصفها فذكر لها منزلها وغرفها وأنهارها وطرفها وحذرها جهنم وأسفها وغيظها على العصاة ولهفها وأعلمها أن لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ولقد أنصفها فعذلتها وقرعتها وأوعدتها وأسمعتها فلم ترتدع عن هواها ولم تنزع عما آذاها ورأت مصارع القرناء وما كفاها ولم تأنف من ذنوبها وذل المعاصي قد علاها وكأن الخطاب الذي أتي ممن سواها إلى سواها فعلمت حينئذ أنها تحتاج إلى من يحاسبها وتفتقر إلى من يطالبها ولا تستغني عن موبخ يعاتبها ولابد من رائض إن ونت يعاقبها فالعجب ممن عرف نفسه كيف أهملها والله لقد ضرها وقتلها أخبرنا محمد بن الملك أنبأنا أحمد بن الحسين ابن خيرون أنبأنا أحمد بن عبد الله المحاملي أنبأنا أبو بكر ابن عبدوية حدثنا الحسين بن داود البلخي حدثنا شقيق ابن إبراهيم حدثني أبو هاشم الأيلي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن آدم لا تزول قدماك يوم القيامة من بين يدي الله عز وجل حتى تسأل عن أربع عمرك فيما أفنيته وجسدك فيما أبليته ومالك من أين اكتسبته وأين أنفقته أخبرنا ابن أبي منصور أنبأنا علي بن محمد العلاف أنبأنا أبو الحسين الحمامي أنبأنا جعفر بن محمد الخواص حدثني إبراهيم بن نصر قال حدثني إبراهيم بن يسار قال حدثني يوسف بن أسباط قال كتب إلي محمد بن سمرة السائح يا أخي إياك وتأمير التسويف على نفسك وإمكانه من قلبك فإنه محل الكلال وموئل التلف وبه تقطع الآمال وفيه تنقطع الآجال فإنك إن فعلت ذلك أدلته من عزمك فاجتمع وهواك عليك فغلبا واسترجعا من بدنك من السلامة ما قد ولى عليك فعند مراجعته إياك لا تنتفع نفسك من بدنك بنافعة وبادر يا أخي فإنه مبادر بك وأسرع فإنه مسرع بك وجد فإن الأمر جد وتيقظ من رقدتك وانتبه من غفلتك وتذكر ما أسلفت وقصرت وفرطت وجنيت فإنه مثبت محصى وكأنك بالأمر قد بغتك فاغتبطت بما قدمت وندمت على ما فرطت فعليك بالحياء والمراقبة والعزلة فإن السلامة في ذلك موجودة وفقنا الله وإياك لأرشد الأمور ولا قوة بنا وبك إلا بالله.
إن عمر الفتا مرارة دهر ** راشفاها الغدو والآصال

فتذكر كم قد صحبت عزيزا ** ثم أمسى وأرضه صلصال

غفل الناس والقريب بعيد ** من ردى الموت واليقين محال

كم لبيب يهدي سواه لرشد ** وهو في عيش نفسه ليس يالو

يطلب المرء أن ينال رضاه ** ورضاه في غاية لا تنال

كلما زاده الزمان ثراء ** أحرمته لذة الآمال

إخواني الأيام سفر ومراحل وما يحس بسيرها الراحل حتى يبلغ البلد أو الساحل فليبادر المستدرك وما أظنه يدرك ما هذه الغفلة والفتور أما المآل إلى اللحود والقبور أما علمتم منتهى السرور أما الأجداث المنازل إلى النشور أيها الشاب ضيعت الشباب في جهلك أيها الكهل بعض فعلك يهلك أيها الشيخ آن الرحيل عن أهلك أيها المغتر بالأمل قد نقضت كف الأجل مجدول حبلك أيها الغافل أما أنذرك من كان من قبلك.
مات الأب الأعلى وتابعه ** أبناؤه ففنوا ونحن نسق

في الترب من أبنائنا رمم ** كانوا لنا سلفا ونحن لحق

لقد نطقت العبر فأين سامعها واستنارت طريق الهدى فأين تابعها وتجلت الحقائق فأين مطالعها أما المنية قد دنت واقتربت فما بال النفوس قد غفلت ولعبت أمن المفرط أن يؤخذ بكظمه ويجازى من تفريطه على أعظمه ويأتيه الموت فيذهله بعظمه ويفاجئه بغتة بشتات منتظمه يا من على ما يضره قد استمر يا من أعلن المعاصي وأسر يا مؤثرا ما شان وما ضر يا محبا ما قبل قتل غيره وغر يا من إذا دعي إلى نفعه تولى وفر أما تعتبر بمن رحل من القرناء ومر أما تعلم أن من حالف الذنوب استضر أما تعلم أن الموت إذا أتى حمل وكر كأني بك إذا برق البصر تطلب المفر إلى متى تؤثر الفساد على السداد وتسرع في جواد الهوى أسرع من الجواد متى يتيقظ القلب ويصحو الفؤاد كيف بك إذا حشرت فخسرت يوم المعاد.
يسرك أن تكون رفيق قوم ** لهم زاد وأنت بغير زاد

أسمع قولا بلا عمل وأرى خلالا خلالها الخلل إذا دعيت إلى الخير جاء الكسل وقلت لو شاء أن يوفقني فعل وإذا لاحت المعاصي كر البطل ويقول خلق الإنسان من عجل ويحك هذا الشيب قد نزل يخبرك بقرب الأجل خلت الديار وناح الطلل أيحتاج المهم إلى اعتدل يا قبيح الخصال إلى كم زلل ما لكبير في العذل لا ناقة ولا جمل.
عليك بما يفيدك في المعاد ** وما تنجو به يوم التناد

فمالك ليس ينفع فيك وعظ ** ولا زجر كأنك من جماد

ستندم إن رحلت بغير زاد ** وتشقى إذ يناديك المنادي

فلا تفرح بمال تقتنيه ** فإنك فيه معكوس المراد

وتب مما جنيت وأنت حي ** وكن متنبها من ذا الرقاد