فصل: قال الدمياطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال أبو الفتح: ذكر بعض أصحابنا: أن أيوب سُئل عن هذه الهمزة، فقال: هي بدل من المدة لالتقاء الساكنين، واعلم أن أصل هذه ونحوه: الضاللين، وهو: {الفاعلون} من ضلَّ يضل، فكره اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد على غير الصور المحتملة في ذلك، فأسكنت اللام الأولى وأُدغمت في الآخرة، فالتقى ساكنان: الألف واللام الأولى المدغمة فزيد في مدة الألف، واعتُمدت وطأة المد، فكان ذلك نحوًا من تحريك الألف؛ وذلك أن الحرف يزيد صوتًا بحركاته كما يزيد الألف بإشباع مدته.
وحكى أبو العباس محمد بن يزيد عن أبي عثمان عن أبي زيد5 قال: سمعت عمرو ابن عبيد يقرأ: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْس وَلا جَأَن} قال أبو زيد: فظننته قد لحن إلى أن سمعت العرب تقول: شَأَبَّه ومَأَدَّه ودَأَبَّة، وعليه قول كثير:
إذا ما العوالي بالعبيط احمَأَرَّت

وقال:
وللأرض أما سودها فتجللت ** بياضًا وأما بِيضُها فادْهَأَمَّت

وقد ذكرنا من هذا الضرب في كتابنا الموسوم بالخصائص ما فيه كفاية عن غيره.
ومن طريف حديث إبدال الألف همزة ما حكاه اللحياني من قول بعضهم في الباز: البأز بالهمزة، ووجه ذلك: أن الألف ساكنة، وهي مجاورة لفتحة الباء قبلها، وقد أَرينا في كتاب الخصائص وغيره من كتبنا: أن الحرف الساكن إذا جاور الحركة فقد تُنْزِله العرب منزلة المتحرك بها، من ذلك قولهم في الوقف على بكر: هذا بَكُر، ومررت ببكِر، ألا ترى حركتي الإعراب لما جاورتا الراء صارتا كأنهما فيها. ومنه قوله جرير:
لَحَبَّ المؤقدان إليَّ مؤسى

فهمَز الواو في الموضعين جميعًا؛ لأنهما جاورتا ضمة الميم قبلهما، فصارت الضمة كأنها فيهما، والواو إذا انضمت ضمًّا لازمًا فهمزها جائز، نحو: {أُقِّتَت} في: {وُقِّتت} وأجوه في وجوه، ونظائر ذلك كثيرة.
وكذلك الفتحة قبل الألف في باز لما جاورتها صارت على ما ذكرنا كأنها فيها، والألف إذا حركت هُمزت على ما ذكرنا في {الضَّألِّين} و{جَأن} فهذا وحهه.
فإن قلت: فقد حكي أيضًا جمعه بئزان بالهمز، فصارت لذلك كَرَأْل ورِئْلان، فما أنكرت أن يكون ذلك لغة في الباز لا على البدل الذي رمته؟
قيل: هذا وجه يُذهب إلى مثله، لكنا لم نسمع الهمز في هذا الحرف أصلًا إلا في هذه الحكاية، والواو فيه هي الشائعة المستفيضة.
حدثنا أبو علي قال: قال أبو سعيد الحسن بن الحسين يقال: بأز، وثلاثة أبواز، فإذا كثرت فهي البيزان.
وقالوا: بازٍ وبَوَازٍ وبُزاة، فباز وبزاة كغازٍ وغزاة، وهو مقلوب الأصل الأول، وأنشدنا لذى الرمة:
كأن على أنيابه كل سُدْقَة صياح ** البوازي من صريف اللوائك

وقالوا في تصريفه: بزا فلان يبزو إذا غلب، فكأن البازي اسم الفاعل في الأصل، ثم خص به هذا الجارح على وجه التسمية به له، كما أن الصاحب في أصله اسم الفاعل من صحب، ثم خص بالتسمية به، ونُسي أصل وصفيته.
وكما أن الوالد كذلك، فقد ترى إلى سَعَة تصرف هذا الأصل على الواو، ولم نسمع في تصرفه شيئًا من الهمز غير هذه الحكاية من هذه الجهة، على ما يقول في صاحبها..
وحدثني أبو علي قال: قال أبو بكر في نوادر اللحياني: إنه لا يَتَرَقَّى بهما السماع إليه، وعلى أنه قد يمكن في الباز ما ذكرناه فلما سُمع فيه بَأْز بالهمزة أشبه في اللفظ، وإلا فقيل في تكسيره: بئزان، كما قيل: رئلان.
وإذا جاز استمرار البدل في نحو عيد وأعياد، وإجراؤه مجرى قَيْل وأَقْيَال مع أن البدل في حرف المد الذي لا يكاد يعتد البدل فيه للضعف، فأن يجوز استمرار هذا في الهمزة لأنها أقوى، فالأمر لذلك فيها أثبت وأحرى وأجدر، ألا ترى أنهم قالوا في تحقير قائم: قُوَيْئِم، فأثبتوا همزه كما أثبتوا همزة سائل من سأل؟ وقالوا في تحقير أدؤر: أُديئر، فأجروها مجرى همزة أرؤس. ولو كان مكان هذه الهمزة واو مبدلة من ياء لما ثبتت، وذلك قولك في تحقير عُوطَط: عُيَيْطط، ولا تقر الواو وإن كانت عينًا.
وكذلك لو كسرت الطوبي والكوسي على فُعَل، لقلت: الطُّيَب والكُيَس.
ولو كسرتهما على مثيل حُبلى وحبالى لقلت: طَيابى وكياسى.
وعلى هذا قالوا في تكسير ريح: أرواح، فلم يحفلوا بانقلاب العين من ريح؛ لأن العمل إنما هو في الواو ليست لها عصمة الهمزة.
فأما ما حُكي عن عُمارة من قوله في تكسير ريح: أرياح، وعلى أن اللحياني أيضًا قد حكى هذا، فمردود عندنا، ومنعيّ عليه في آرائنا.
قال أبو حاتم وقد أغلظ في ذلك: أنكرتها على عمارة، قال: فقال لي: قد قال الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} قال: ولم يعلم عمارة أن الياء في الرياح بعد كسرة، فهذا أمر قاد إليه همز أيوب: {الضَّالِّين} وفيه أكثر من هذا، ولولا تنكُّب الإطالة كراهية الإملال والسآمة لأتينا به، وعلى أنه مثبت في أماكن من تأليفنا وإملائنا. اهـ.

.قال الدمياطي:

سورة الفاتحة مكية.
وقيل مدنية وآيها سبع متفق الإجمال وخلافها اثنان.
{بسم الله الرحمن الرحيم} عدها مكي وكوفي ولم يعد: {أنعمت عليهم} [الآية: 7] وعكسه مدني وبصري وشامي وفيها شبه الفاصلة إياك نعبد وسبب الاختلاف في الآي أن النبي كان يقف على رؤوس الآي للتوقيف فإذا علم محلها وصل للإضافة والتمام فيحسب السامع أنها ليست فاصلة وأيضا البسملة نزلت مع السور في بعض الأحرف السبعة فمن قرأ بحرف نزلت فيه عدها ومن قرأ بغير ذلك لم يعدها القراءات البسملة هي مصدر بسمل إذا قال بسم الله كحوقل إذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله والكلام عليها في مباحث:
الأول لا خلاف أنها بعض آية من النمل واختلف فيها أول الفاتحة فذهب إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه إلى أنها آية مستقلة من أول الفاتحة بلا خلاف عنده ولا عند أصحابه لحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها المروي في البيهقي وصحيح ابن خزيمة أن رسول الله قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية وأيضا فهي آية مستقلة منها في أحد الحروف السبعة المتفق على تواترها وعليه ثلاثة من القراء السبع ابن كثير وعاصم والكسائي فيعتقدونها آية منها بل ومن القرآن أول كل سورة وأما غير الفاتحة ففيها ثلاثة أقوال أولها أنها ليست بآية تامة من كل سورة بل بعض آية ثانيها أنها ليست بقرآن في أوائل السور خلا الفاتحة ثالثها أنها آية تامة من أول كل سورة سوى براء.
وليعلم أنه لا خلاف بينهم في إثباتها أول الفاتحة سواء وصلت بالناس أو ابتدئ بها لأنها وإن وصلت لفظا فإنها مبتدأ بها حكما.
الثاني في حكمها بين السورتين فقالون وورش من طريقي الأصبهاني وابن كثير وعاصم والكسائي وكذا أبو جعفر بالفصل بينهما بالبسملة لأنها عندهم آية لحديث سعيد بن جبير وافقهم ابن محيصن والمطوعي.
واختلف عن ورش من طريق الأزرق وأبي عمرو وابن عامر وكذا يعقوب في الوصل والسكت وبالبسملة بينهما جمعا بين الدليلين فالبسملة لورش في التبصرة وهو أحد الثلاثة في الشاطبية والوصل بلا بسملة له من العنوان والمفيد وهو الثاني في الشاطبية والسكت له في التيسير وبه قرأ الداني على جميع شيوخه وهو الثالث في الشاطبية وهو لأبي عمرو في سائر كتب العراقين لغير ابن حبش عن السوسي هو أحد الوجهين في الشاطبية والهداية واختاره الداني ولا يؤخذ من التيسير سواه عند التحقيق وقطع له بالوصل بلا بسملة صاحب العنوان والوجيز هو الثاني في الشاطبية كجامه البيان وقطع له بالبسملة في الهادي والهداية في الوجه الثالث ورواه ابن حبش عن السوسي وهي لابن عامر في العنوان وفاقا لسائر العراقيين والوصل له من الهداية وهو أحد الوجهين في الشاطبية والسكت له من التبصرة واختاره الداني وهو الثاني في الشاطبية وقطع به ليعقوب صاحب المستنير كسائر العراقيين وبالوصل صاحب الغاية وبالبسملة الداني وافقهم اليزيدي فالوصل لبيان ما في آخر السورة من إعراب وبناء وهمزات وصل ونحو ذلك والسكت لأنهما آيتان وسورتان.
واشترط في السكت أن يكون من دون تنفس واختلفت ألفاظهم في التأدية عن زمن السكت فقيل وقفه تؤذن بأسرار البسملة وقيل سكتة يسيرة وقيل غير ذلك قال في النشر والصواب حمل دون من قولهم دون تنفس على معنى غير وبه يعلم أن السكت لا يكون إلا مع عدم التنفس قل زمنه أم كثر.
ثم ما ذكر من الخلاف بين السورتين هو عام بين كل سورتين سواء كانتا مرتبتين أم لا فلو وصل آخر الفاتحة بالأنعام مثلا جازت البسملة وعدمها على ما تقدم أما لو وصلت السورة بأولها كان كررت كما تكرر سورة الإخلاص فقال محرر الفن الشمس بن الجزري لم أجد فيه نصا والذي يظهر البسملة قطعا فإن السورة والحالة هذه مبتدأة كما لو صلت الناس بالفاتحة انتهى.
وإذا فصل بين السورتين بالبسملة جاز لكل من رويت عنه ثلاثة أوجه وصلها بالماضية مع وفصلها عنهما لأن كلا من الطرفين وقف تام وفصلها عن الماضية ووصلها بالآتية قال الجعبري وهو أحسنها لإشعاره بالمراد وهو أنها للتبرك أو من السورة ويمتنع وصلها بالماضية وفصلها عن الآتية إذ هي لأوائل السور لا لأواخرها والمراد بالفصل والقطع الوقف.
وقرأ حمزة وكذا خلف بوصل آخر السورة بأول التي تليها من غير بسملة لأن القرآن عندهما كالسورة الواحدة وافقهما الشنبوذي والحسن.
وقد اختار كثير من أهل الأداء عمن وصل لمن ذكر من ورش وأبي عمرو وابن عامر وحمزة وكذا يعقوب السكت بين المدثر والقيامة وبين الإنفطار والمطففين وبين الفجر والبلد وبين العصر والهمزة كاختيار الآخذين بالسكت لورش أو أبي عمرو أو ابن عامر أو يعقوب الفصل بالبسملة بين السور المذكورة لبشاعة اللفظ بلا وويل والأكثرون على عدم التفرقة وهو مذهب المحققين.
الثالث لا خلاف في حذف البسملة إذا ابتدأت براءة أو وصلتها بالأنفال على الصحيح وقد حاول بعضهم جوازها في أولها وقال السخاوي إنه القياس ووجهوا المنع بنزولها بالسيف قال ابن عباس رضي الله عنه بسم الله أمان وليس فيها أمان ومعناه أن العرب كانت تكتبها أول مراسلاتهم في الصلح فإذا نبذوا العهد لم يكتبوها قال السخاوي فيكون مخصوصا بمن نزلت فيه ونحن إنما نسمي للتبرك انتهى واحتج للمنع بغير ذلك.
وأما غير براءة فقد اتفق الكل على الإتيان بالبسملة في أول كل سورة ابتدؤا بها ولو حكما كأول الفاتحة حيث وصلت بالناس كما تقدم إلا الحسن فإنه يسمى أول الحمد فقط.
الرابع يجوز البسملة وعدمها في الابتداء بما بعد أوائل السور ولو بكلمة لكل من القراء تخييرا كذا أطلق الشاطبي كالداني في التيسير وعلى اختيار البسملة جمهور العراقيين وعلى اختيار عدمها جمهور المغاربة ومنهم من خص البسملة بمن فصل بها بين السورتين كابن كثير ومن معه وبتركها من لم يفصل بها كحمزة ومن معه.
وأما الابتداء بما بعد أول براءة منها فلا نص للمتقدمين فيه وظاهر اطلاق كثير كالشاطبي التخيير فيها واختار السخاوي الجواز وإلى المنع ذهب الجعبري والصواب كما في النشر أن يقال إن من ذهب إلى ترك البسملة في أوساط غير براءة لا إشكال في تركها عنده في أوساط براءة وكذا لا إشكال في تركها عند من ذهب إلى التفصيل إذ البسملة عندهم وسط السورة تبع لأولها ولا تجوز البسملة أولها فكذا وسطها وأما من ذهب إلى البسملة في الأجزاء مطلقا فإن اعتبر بقاء أثر العلة من أجلها حذفت أولها وهي نزولها بالسيف كالشاطبي لم يبسمل وإن لم يعتبر بقاء أثرها أو لم يرها علة بسمل بلا نظر والله أعلم.
خاتمة يعلم مما تقدم من التخيير في الابتداء بالإجراء مع ثبوت البسملة بين السور أنه لا يجوز وصل البسملة بجزء من أجزاء السورة لا مع الوقف ولا مع وصله بما بعده إذ القراءة سنة متبعة وليس أجزاء السورة محلا للبسملة عند أحد والمنع من ذلك أولى من منع وصلها بآخر السورة والوقف عليها إذ ذاك محل لها في الجملة وقد منعت لكون البسملة للأوائل لا للأواخر قال شيخنا رحمه الله تعالى هذا ما تيسر من الكلام على البسملة.
وعن الحسن {الحمد لله} حيث وقع بكسر الدال اتباعا لكسرة لام الجر بعدها والجمهور بالرفع على الابتداء والخبر ما بعده أي متعلقة.
وقرأ: {الرحيم ملك} [الآية: 3- 4] بإدغام الميم الأولى في الثانية أبو عمرو بخلف عنه من روايتيه وكذا يعقوب من المصباح مع مد مالك وافقهما ابن محيصن من المفردة واليزيدي بخلف والحسن والمطوعي وخص الشاطبي في إقرائه الأدغام بالسوسي والإظهار بالدوري ويجوز المد والقصر والتوسط في حرف المد السابق قبل المدغم ونظائره.