فصل: فصل في اشتقاق المتقي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في اشتقاق المتقي:

والمتقي في اللغة: اسم فاعل من قولهم: وقاه فاتَّقى، والوقاية: فرط الصيانة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: التقيّ: من يتقي الشّرْك والكبائر والفواحش، وهو مأخوذ من الاتقاء، وأصله: الحجز بين شيئين.
وفي الحديث: «كان إذا احمَرَّ البأسُ اتَّقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم».
أي: إذا اشتد الحَرْبُ جعلنا بيننا وبين العدو، فكأن المتقي جعل الامتثال لأمر الله، والاجتناب عما نَهَاهُ حاجزًا بينه وبين العذاب، وقال عمر بن الخَطَّاب لكعب الأحبار: حدثني عن التقوى، فقال: هل أخذت طريقًا ذا شَوْكٍ؟ قال: نعم، قال: فما عملت فيه؟ قال: حذرت وشَمّرت، قال كعب: ذلك التَّقوى.
وقال عمر بن عبد العزيز: التقوى تَرْكُ ما حَرَّمَ الله، وأداء ما افترض الله، فما رزق الله بعد ذلك فهو خير إلى خير.
وقال ابن عمر: التَّقوَى ألا ترى نفسك خيرًا من أحد.
إذا عرفت هذا فنقول: إن الله- تعالى- ذكرَ المتقي هاهنا في معرض المدح، ولن يكون ذلك بأن يكون متقيًا فيما يتصل بالدّين، وذلك بأن يكون آتيًا بالعبادات، محترزًا عن المحظورات. اهـ. بتصرف.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في هدى:

الهُدَى بضَمّ الهاءِ وفَتْحِ الدّال: الرَّشادُ، والدَّلالةُ، يذكَّر ويُؤنَّث.
هَداهُ هُدىً، وهَدْيا وهِدايَة وهِدْيَة بكسرهما: أَرشده، فاهْتَدَى وتَهَدَّى، وهَداهُ الله الطَّريقَ وللطَّرِيقِ، وإِلى الطَّريقِ.
ورجلٌ هَدُوٌّ كعدوّ: هادٍ.
وهو لا يَهْدِى الطريقَ ولا يَهْتَدِى، ولا يَهَدِّى ولا يِهِدِّى.
قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} والمعَنى أَرْشِدْنا، وقيل: أَى قَدِّمنا إِليه، وقيل: ثَبِّتْنا عليه؛ وقيل: وَفّقنا؛ وقيل: ارزُقْنا، وكلُّها أَقوالٌ متقاربة.
قال ابن عَطِيَّة: الهِدايةُ في اللُّغة: الإِرشاد لكنَّها تتصرّف على وُجوه يُعبّر عنها المفسّرون بغير لَفْظ الإِرشاد، وكلُّها إِذا تُؤُمِّلت رجعت إِليه.
انتهى كلامُه، وهو صحيح، ولم يذكر أَهل اللغة فيها إِلاَّ أَنَّها بمعنى الإِرشاد، والأَصل عدمُ الاشتراك.
وأَصلُ هَدَى أَن يَصل ثانى مَفْعُولَيْه بإِلى أَو اللاَّم، قال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} {اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} {الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهذا}.
وقد يُتَّسع فيه فيُحْذَف الحرفُ ويُعَدَّى بنفسه، ومنه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ}.
وقال أَبو النَّصر: هَدَيْته الطَّريقَ لغةُ أَهلِ الحجاز، وهَدَيْتُه إِلى الطريق لغةُ غيرهم، حكاه الأَخفش.
قال الزمخشري: هَداهُ لِكذا أَو إِلى كَذا يحتمل كونُه فيه وكونه ليس كذلك، فلا يجوز: {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} كون أَصله باللام أَو إِلى، هكذا قال، والمشهور ما قدّمناه.
وقال الراغب: الهِدَايَةُ: دَلالةٌ بُلْطف، ومنه الهَدِيَّة.
وهَوادِى الوَحْش أَي: المتقدِّمات الهادِيَةُ لغيرِها.
وخُصَّ ما كان دلالةً بَهَدَيْتُ وما كان إِعطاءً بأَهْدَيْتُ، نحو أَهْدَيْتُ الهديَّةَ، وهَدَيْتُ إِلى البَيْت.
إِن قيل كيف جعلت الهداية دَلالةً بلُطْفِ والله تعالَى يقول: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}؟ قيل: ذلك على سبيل التَهَكُّم مبالغةً في المَعْنَى نحو قوله: {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ومنه قوله:
تَحيّةُ بَيْنِهم ضَرْبٌ وَجيعُ

وهِدايةُ الله تعالى للإِنسان على أَربعةِ أَضرب:
الأَوّل: الهِداية التي عَمَّ بها كُلَّ مكلَّفٍ من العَقْل والفِطْنَة والمَعارف الضروريّة، بل عمّ بها كلَّ شيء حَسَبَ احتمالِه، كما قال تعالى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}.
الثانى: الهِداية التي جُعلت للنَّاسِ بدُعائه إِيّاهم على أَلْسِنَةِ الأَنبياءِ وإِنْزالِ القرآن ونحوِ ذلك، وهو المقصودُ بقوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}.
الثالث: التَّوفيقُ الذي يختصّبه من اهْتَدى، وهو المعنِىُّ بقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى} وقوله: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}.
الرّابع: الهدايَةُ في الآخرة إِلى الجنَّة، وهو المعنىُّ بقوله: {الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهذا}.
وهذه الهداياتُ الأَربعُ مُتَرتِّبة فإِنَّ من لم تَحْصُلْ له الأُولَى لا تَحْصُلُ له الثانية، بل لا يَصِحُّ تكليفُه.
ومن لم تَحْصُلْ له الثانيةُ لا تحصل له الثالثة والرابعةُ.
والإِنسان لا يَقْدِرُ أَن يَهْدِىَ أَحدًا إِلا بالدُّعاءِ وتعريف الطُّرُق دون سائِر الهِدايات، وإِلى الأَوَّل أَشار بقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وبقوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} أَى داع، وإِلى سائر الهِدايات أَشار بقوله: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}.
وكُلّ هدايةٍ ذَكَرَ الله تعالى أَنَّه منَع الكافِرين والظَّالِمين فهى الهِدايَةُ الثالثة، التي هي التَّوْفيق الذي يختصّ به المهتدون، والرّابعة التي هي الثوابُ في الآخرة، وإِدخالُ الجنَّة المشار إِليها بقوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} إِلى قوله: {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
وكلّ هِداية نَفاها عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعن البشر وذكر أَنَّهم غيرُ قادِرين عليها فهى ماعَدا المُخْتصّ به من الدّعاء وتعريفِ الطريق، وذلك كإِعطاءِ العَقْل والتوفيق، وإِدخال الجنَّة، وإِلى هذا المعنَى أَشار بقوله: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}.
وقوله: {وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} أَى طالبُ الهُدَى ومُتَحرِّيه هو الذي يُوَفِّقه ويَهْديه إِلى طريق الجَنَّة لامَنْ ضادَّهُ فتحرَّى طريقَ الضَلالَة والكُفْر كقوله: {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} الكاذِبُ الكَفَّار هو الذي لا يَقْبلُ هِدايَتَه؛ فإِنَّ ذلك راجعٌ إِلى هذا وإِنْ لم يكن لفظُه موضوعًا لذلك، ومن لم يَقْبل هِدايَتَه لم يَهْدِه كقولك: من لم يَقْبل هَدِيَّتِى لم أُهْدِ لَهُ، ومن لم يقبل عَطِيَّتِى لم أُعْطِه، ومن رَغِب عنِّى لم أَرْغَبْ فيه.
وقوله: {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى} فقوله: لا يَهِدِّىِ أَى لا يَهْدِى غَيْره ولكن يُهْدَى، أَى لا يعلم شيئًا ولا يَغْرِفُ.
وقرئ إِلاَّ أَن يُهَدَّى أَى لا هِدايةَ له ولو هُدىَ أَيضًا لم يَهْتَد لأَنَّها مَواتٌ من حِجَارة ونحوِها.
وظاهرُ اللَّفظ أَنَّه إِذا هُدِىَ اهْتَدَى لإِخْراج الكلام على أَنها أَمْثالُكم كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} وإِنَّما هي مَواتٌ، وقد قال في موضِع آخَرَ: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ}.
وقوله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} وقوله: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ} وقوله: {وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إِشارةٌ إِلى ما عَرَّفَ من طريق الخَيْر والشرّ، وطريقِ الثَّواب والعِقاب، والعَقْل والشَّرْع.
وقولُه: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} إِشارةٌ إِلى التَّوْفيق المُلْقَى في الرُّوْع فيما يَتَحرّاه الإِنسانُ، وإِياه عَنَى بقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى}.
ولما كانت الهِدايةُ والتَّعليم يَقْتَضِى شيئين: تعريفًا من المُعَرِّف وتَعَرُّفًا من المُعَرَّف، وبهما يتمّ الهدايةُ والتَّعلُّم، فإِنَّه متى حَصَل البَذْلُ من الهادى والمعلِّم ولم يَحْصُل القبولُ صَحَّ أَنْ يُقال لم يَهْدِ ولم يُعَلِّم اعتبارًا بعدَم القَبُول، وصَحَّ أَنْ يقال: هَدَى وعَلَّم اعتبارًا بَبذْلِه، فإِذا كان كذلك صحّ أَن يُقالَ إِنَّ الله لمِ يَهْدِ الكافرين والفاسقين من حيثُ إِنَّه لم يَحْصُل القَبولُ الذي هو تَمامُ الهِداية والتَّعلِيم.
وصحّ أَنْ يُقال قد هَداهم وعَلَّمَهُم من حيث إِنَّه حَصَل البَذْلُ الذي هو مَبْدأُ الهِداية، فعلى الاعتبار الأَوّل يصحّ أَن يُحْمَلَ قوله: {والله لا يهدى القومَ الكافِرين} و{الظالمين} وعلى الثانى قولُه: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} والأَوْلَى حيثُ لم يحصُلِ القَبُول أَن يُقَيَّد فيقالُ هَدَاهُ اللهُ فلم يَهْتَدِ وقوله: {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} وهم الذين قَبِلُوا هُدَاهُ فاهْتَدَوْا به.
وقولُه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فقد قيلَ عنى به الهِدايَة العامَّة، التي هي العقلُ وسنّة الأَنبياءِ، وأُمِرْنا بأَن نُقول ولكن بأَلْسِنَتِنا، وإِن كان قد فَعَلَ، ليُعْطِيَنا ثَوابًا، كما أُمِرْنا بأَن نَقُولَ: الَّلهُمَّ صَلِّ على محمّد وإِنْ كان قد صَلَّى الله عليه بَقولُه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}.
وقيل إِنَّ ذلك دُعاءٌ بحفْظِنا عن اسْتِغْواء الغُواةِ واسْتِهْواء الشَّهَوات.
وقيل: هو سُؤالٌ للتَّوْفيق المَوْعُود في قوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى}.
والهِدايةُ والهُدَى في مَوْضُوع الُّلغة واحدٌ كما تقدَّم، لكن قد خَصَّ الله لَفْظَ الهُدَى.
بما تَوَلاَّه وأَعْطاه، واخْتَصَّ هو به دون ما هو إِلى الإِنسان، نحو: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} وغيرها.
والاهْتِداءُ يختصُّ بما يَتَحرّاه الإِنسانُ على طريقِ الاختيارِ إِمّا في الًامور الدنيويّة أَو الأُخرويّة، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا} ويُقال ذلك لِطَلَب الهِدايَة نحو قوله: {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} ولِتَحَرِّى الهِداية نحو قوله: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
ويُقالُ الْمُهْتَدِى لِمَنْ يَقْتدى بِعَالِم نَحْو: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} تنبيهًا أَنَّهم لا يعلمون بأَنْفُسِهم ولا يَقتَدون بعالِم.
وقولُه: {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} فالاهْتِداءُ هاهنا يَتَناول وجُوه الاهتداءِ من طَلَبِ الهِداية ومن الاقْتِداءِ ومن تَحَرِّيها.
وقوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} معناه ثمّ أَدام طَلَبَ الهِداية ولم يَفْتُرْ عن تَحَرِّيه ولم يرجع إِلى المعصية.
وقوله: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَائِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} أَى الذين تَحَرُّوا الهداية وقَبِلُوها وعملوا بها، وكذلك قوله: {وَقَالُواْ يَاأَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} إِلى قوله: {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ}.
والهدْىُ مختصٌّ بما يُهْدَى إِلى البَيْت، قال الأَخفش: واحِدُه هَدِيَّةٌ، قال: ويُقال للأُنْثَىَ هَدْىٌ كأَنَّه مصدرٌ وُصف به، قال الله تعالى: {لاَ تُحِلُّواْ شَعَائرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ}.
والهَدِيَّة مختصَّه بالُّلطَفِ الذي يُهْدَى بعضُنا إِلى بَعْض، قال تعالى: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ}.
والمِهْدَى: الطبقُ الذي يُهْدَى عليه.
والمِهْداءُ من يُكْثِر إِهداءَ الهَدِيَّة، قال:
وإِنَّكَ مِهْداءُ الخَنا نَظِفُ الحَشَا

والهَدِىُّ يُقال في الهَدْىِ وفى العَرُوس.
يقال: هَدَيْتُ العَرُوسَ إِلى زَوْجِها هِداءً.
وما أَحْسَنَ هِدْيَةَ فُلانٍ وهَدْيَهُ، أَى طريقتَه.
وفلانٌ يُهادِى بين اثنَيْن: إِذا مَشَى بينهما مُعْتَمدًا عليهما.
وتَهادَت المرأَةُ: إِذا مَشَتْ مَشْىَ الهَدْى. اهـ.
قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في الاتقاء:

افتعال من التقوى، وهو جعل الشيء في وقاية ممّا يُخاف منه.
هذا حقيقته.
ثمّ يسمّى الخوف تارة تَقْوَى، والتقوى تارة خوفًا، حسب تسمية المقتضَى بمقتضيه، والمقتضِى بمقتضاه.
وصار التَّقوى- في عرف الشَّرع- حفظ النَّفس عمّا يُؤثم.
وذلك يتجنَّب المحظور.
ويتم ذلك بترك كثير من المباحات، كما في الحديث: «الحَلال بيّن والحرام بيّن، ومَنْ رتَع حول الحِمَى يوشك أَن يقع فيه»، «لا يبلُغُ الرّجل أَن يكون المتَّقين حتى يَدَع ما لا بأْس به حذرا مّما به البأْس» قال الماع: منازل التقوى ثلاثة: تقوَى عن الشرك، وتقوَى عن المعاصى، وتقوى عن البِدْعة.
وقد ذكرها الله سبحانه في آية واحدة، وهى قوله- عزَّ وجلّ- {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} التَّقوى الأُولى تقوى عن الشرك، والإِيمان في مقابلة التَّوحيد، والتَّقوى الثانية عن البدعة، والإِيمان المذكور معها إِقرار السنَّة والجماعة.
والتقوى الثالثة عن المعاصى الفرعيّة، والإِقرار في هذه المنزلة قابلها بالإِحسان، وهو الطَّاعة وهو الاستقامة عليها.
وورد في التنزيل على خمسة أَوجهٍ:
الأَوّل: بمعنى الخوف والخشية: {اتَّقُواْ رَبَّكُمُ}.
الثَّانى: بمعنى التحذير والتخويف: {لاَ اله إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ}.
الثَّالث: بمعنى الاحْتراز عن المعصية: {وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ}.
الرّابع: بمعنى التَّوحيد والشَّهادة: {اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا} أَى وحّدوا الله.
الخامس: بمعنى الإِخلاص واليقين: {فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} {أُوْلَائِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}.
وقوله- تعالى-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} يُشْعِر بأَنَّ الأَمرِ كلَّه راجع إِلى التَّقوى.
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ} يُفهِم أَنَّه لو كانت في العالم خَصْلة هي أَصلح للعبد، وأَجمع الخير، وأَعظم للأَجر، وأَجَلّ في العُبوديّة، وأَعظم في القدر.
وأَوْلى في الحال وأَنجح وفي المآل من هذه الخَصْلة، لكان الله- سبحانه- أَمر بها عباده، وأَوصى خواصّه بذلك؛ لكمال حكمته ورحمته.
فلمّا أَوصى بهذه الخَصْلة الواحدة جميعَ الأَوّلين والآخرين من عباده، واقتصر عليها، علمنا أَنَّها الغاية التي لا متجاوَز عنها، ولا مقتصر دونها، وأَنه- عز وجلّ- قد جمع كلّ محض نُصْح، ودلالة، وإِرشاد، وسُنَّة، وتأْديب، وتعليم، وتهذيب في هذه الوصيّة الواحدة. والله ولىّ الهداية. اهـ.