فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفيه تهديد عظيم كقوله: {لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر: 65] والغرض من ذلك زجر الأمة. {أولئك} يعني الأنبياء الثمانية عشر. {الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة} ولابد بحكم العطف من تغاير الأمور الثلاثة. ووجه بأن الحكام على الخلق ثلاث طوائف: الحكام على بواطن الناس وهم العلماء، والحكام على ظواهر الخلق وهم السلاطين، والجامعون بين الأمرين وهم الأنبياء. فالأمور الثلاثة إشارة إلى هذه الأصناف الثلاثة. ومعنى إيتاء الكتاب الفهم التام بما في هذا الجنس والعلم المحيط بحقائقه وأسراره. ولو قيل: المراد بالإيتاء الابتداء بالوحي والتنزيل كصحف إبراهيم وتوراة موسى وإنجيل عيسى لم يشمل كل المذكورين لأنه تعالى ما أنزل على كل واحد منهم كتابًا على التعيين. {فإن يكفر بها} أي بالأمور الثلاثة أو بالنبوة {هؤلاء} يعني أهل مكة {فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين} أي ليسوا كافرين بها ومن توكيلهم بها أنهم وفقوا للإيمان بها والقيام بحقوقها كما يوكل الرجل بالشيء ليقوم به ويتعهده ويحافظ عليه. ومن القوم؟ قيل: كل مؤمن وقيل: أهل المدينة وهم الأنصار. وقيل: هم المهاجرون. وقال الحسن: هم الأنبياء الذين تقدم ذكرهم واختاره الزجاج لقوله عقيب ذلك {أولئك الذين هدى الله} وقال أبو رجاء: يعني الملائكة وضعف بأن اسم القوم قلما يقع على غير بني آدم. وفي الآية دلالة على أنه تعالى سينصر نبيه ويظاهر دين الإسلام على كل الأديان وقد وقع ما وعد وكان إخبارًا بالغيب فصح إعجاز القرآن. وفيها استدلال للأشاعرة على أنه تعالى خلق قومًا للإيمان ولو كان خلق الكل للإيمان والبيان والتمكين وفعل الألطاف مشتركًا بين الكل لم يصح هذا التخصيص. أجاب الكعبي بأنه زاد المؤمنين من الألطاف ما لا يحصيه إلا الله، وبتقدير أن يستوي فإذا لم ينتفع به الكافر صح بحسب الظاهر أن يقال إنه لم يحصل له تلك الألطاف. ورد بأن الألطاف الداعية إلى الإيمان مشترك فيها بين الكافر والمؤمن، وبأن الوالد لما سوّى بين الولدين في العطية ثم إن أحدهما ضيع نصيبه فأي عاقل يجوّز أن يقول أحد إن الأب ما أنعم عليه وما أعطاه شيئًا {فبهداهم اقتده} من حذف الهاء في الوصل فعلى الأصل، ومن أثبتها في الوصل كما في الوقف أراد موافقة المصحف فإن الهاء ثابتة في الخط فكره مخالفة الخط في الحالين. وأما قراءة ابن عامر بكسر الهاء بغير إشباع فقال أبو بكر بن مجاهد: إنها غلط. وقال أبو علي الفارسي: ليست بغلط ووجهها أن يجعل الهاء كناية عن المصدر الدال عليه الفعل. والتقدير: فبهداهم اقتد الاقتداء. وتقديم المفعول للاختصاص أي لا تقتد إلا بهم. ولا خلاف في أنه أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بالأنبياء المذكورين. إنما الكلام في تفسير الهدى.
فمن الناس من قال: المراد الذي أجمعوا عليه وهو القول بالتوحيد والتنزيه عن كل ما لا يليق به في الذات والصفات والأفعال. وقال آخرون: المراد به الاقتداء بهم في شرائعهم إلا ما خصه الدليل، وعلى هذا فيلزمنا شرع من قبلنا، وقيل: اللفظ مطلق فيحمل على الكل إلا ما خصه الدليل المفصل. وقال القاضي: هذا بعيد لأن شرائعهم مختلفة متناقضة ولا يمكن الإتيان بالأمور المتناقضة معًا، ولأن الهدى عبارة عن الدليل دون نفس العمل، ودليل إثبات شرعهم كان مخصوصًا بتلك الأوقات، ولأن منصبهم يلزم أن يكون أجل من منصبه وأنه باطل بالإجماع، وأجيب بأن العام يجب تخصيصه في الصورة المتناقضة فيبقى فيما عداها حجة، وبأن المستدل بالدليل فصل في ذلك الحكم فلا معنى للاقتداء بالدليل إلا إذا كان فعل الأول سببًا لوجوب الفعل على الثاني، وبأنه يلزم أن يكون منصبه أجل من منصبهم لأنه أمر باستجماع خصال الكمال وصفات الشرف التي كانت متفرقة فيها كالشكر في داود وسليمان، والصبر في أيوب، والزهد في زكريا ويحيى وعيسى، والصدق في إسماعيل، والتضرع في يونس، والمعجزات الباهرة في موسى وهارون، ولهذا قال: «لو كان موسى حيًا لما وسعه إلا اتباعي».
ولما أمره بالاقتداء بالأنبياء وكان من جملة هداهم أن لا يطلبوا الأجر أي المال والجعل في ايصال الدين وإبلاغ الشريعة قيل له: {قل لا أسألكم} أيها الأمة {عليه} على البلاغ {أجرًا إن هو} يعني القرآن {إلا ذكرى للعالمين} يريد كونه مشتملًا على كل ما يحتاجون إليه في المعاش والمعاد. وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثًا إلى الناس كافة لا إلى قوم دون قوم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {إن هو إلا ذكرى للعالمين} وفى سورة التكوير: {إن هو إلا ذكر للعالمين} للسائل أن يسأل عن وجه ورود الخبر بلفظ التأنيث في الأولى والتذكير في الثانية مع تذكير المبتدأ فيهما؟
والجواب عنه والله أعلم أن آية التكوير لما تقدمها القسم على القرآن بقوله تعالى: {فلا أقسم بالخنس} إلى ما وقع القسم به ثم ورد ضمير المقسم عليه في قوله: {إنه لقول رسول كريم} أي أن القرآن لقول رسول كريم، والمراد به جبريل عليه السلام ثم اتبع بوصفه إلى قوله: {ثم أمين} ثم قيل {وما صاحبكم بمجنون} والاشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فنزهه تعالى عن قول أعدائه ونسبتهم إياه إلى الجنون ثم وصفه تعالى بأنه على الغيب الموحى به والمأمون على تبليغه غير متهم ولا بخيل على القراءتين فقال: {وما هو على الغيب بضنين} ثم أعقب بقوله تعالى: {وما هو} أي وما القرآن {بقول شيطان رجيم} فجرت هذه الضمائر على التذكير على ما يجب ثم اتبع بقطع تعلقهم فقيل: {فأين تذهبون} أي إن كل ما رمتم من رميه عليه الصلاة والسلام به من السحر والجنون والتقول لا يقوم شيء من ذلك على ساق ولا يتوهم ذلك ذو عقل سليم ثم قال: {إن هو إلا ذكر للعالمين} والضمير للقرآن ولا يمكن وروده خلاف هذا لمنافرة التناسب ومباعدة التلاؤم.
وأما آية الأنعام فتقدمها قوله تعالى: {أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} فنوسب بين قوله: {إن هو إلا ذكرى} وبين ما تقدم فكأن التقدير إن هو أي الأمر أو المراد المقصود أو ما ذكر من الكتاب والحكم والنبوة إلا ذكر فناسبه ذكرى هنا لما تقدم بيانه ولم يتقدم هنا ما يستدعى لفظ التذكير ويناسبه فجاء كل على ما يجب والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)}.
أولئك الذين طهَّر اللهُ عن الجحد أسرارَهم، ورَفَعَ على الكافة أقدارَهم، فاقْتَفِ- يا محمد- هداهم، فإنّ مَنْ سلك الجادَّة أَمِن من العناء. اهـ.

.قال في البحر المديد:

الإشارة: فُضَّل هؤلاء السادات على أهل زمانهم بما هداهم إليه من أنوار التوحيد وأسرار التفريد، وبما خصهم به من كمال العبودية والآداب مع عظمة الربوبية. وفي قوله لحبيبه: {فبهداهم اقتده} فتح لباب اكتساب التفضيل، فكلَّ مَن اقتدَى بهم فيما ذُكر شُرِّف على أهل زمانه، وقد جمع في حبيبه صلى الله عليه وسلم ما افترق فيهم، وزاد عليهم بالمحبة ورفع الدرجات، فكان هو سيد الأولين والآخرين، فكل من اقتدى به في أفعاله وأقواله وأخلاقه نال من السيادة بقدر اقتدائه، وأمرُه سبحانه له بالاقتداء بهم، إنما هو في الآداب، وكان ذلك قبل أن يتَرقَّى عنهم إلى مقامه الذي خصَّه الله به. للأنبياء سيرًا وتَرَقِّيَا يليق بهم. كما للأولياء سيرٌ وتَرَقٍّ يليق بهم. اهـ.

.من فوائد السمرقندي في الآية:

قال رحمه الله:
{أُوْلَئِكَ الذين هَدَى الله} يعني الأنبياء {فَبِهُدَاهُمُ} يعني: بسنتهم وتوحيدهم {اقتده} على دينهم استقم واعمل به.
وفي هذه الآية دليل أن شرائع المتقدمين واجبة علينا ما لم يظهر نسخها إذا ثبت ذلك في الكتاب، أو على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى أمرنا بأن نقتدي بهداهم، واسم الهدى يقع على التوحيد والشرائع.
مثل قوله: {الم ذلك الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 1، 2] والكتاب يشتمل على الشرائع وغيرها.
قرأ حمزة والكسائي: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} بالهاء في الوقف والوصل جميعًا وقرأ الباقون: بالهاء في الوصل والوقف جميعًا لأنها هاء الوقف.
مثل قوله: {كتابيه} و{حِسَابِيَهْ} ثم قال: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} يعني: قل للمشركين لا أسألكم على الإيمان والقرآن جَعْلًا {إِنْ هُوَ} يعني: ما هو وهو القرآن {إِلاَّ ذكرى للعالمين} يعني: موعظة للعالمين الإنس والجن. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {أولئك الذين هدى الله} الآية، الظاهر في الإشارة ب {أولئك} أنها إلى المذكورين قبل من الأنبياء ومن معهم من المؤمنين المهديين ومعنى الاقتداء اتباع الأثر في القول والفعل والسيرة، وإنما يصح اقتداؤه بجميعهم في العقود والإيمان والتوحيد الذي ليس بينهم فيه اختلاف وأما أعمال الشرائع فمختلفة، وقد قال عز وجل: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا} [المائدة: 48] ويحتمل أن تكون الإشارة ب {أولئك} إلى قوله: {قومًا}.
قال القاضي أبو محمد: وذلك يترتب على بعض التأويلات في المراد بالقوم ويقلق بعضها، قال القاضي ابن الباقلاني: واختلف الناس هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه متعبدًا بشرع من كان قبله، فقالت طائفة كان متعبدًا، واختلف بشرع من؟ فقالت فرقة بشرع إبراهيم، وفرقة بشرع موسى، وفرقة بشرع عيسى، وقالت طائفة بالوقف في ذلك، وقالت طائفة لم يكن متعبدًا بشرع من كان قبله وهو الذي يترجح.
قال القاضي أبو محمد: ولا يحمل كلام القاضي على أنه لم يكن متعبدًا بشرع من كان قبله في توحيد ولا معتقد لأنَّا نجد شرعنا ينبئ أن الكفار الذين كانوا قبل النبي عليه السلام كأبويه وغيرهما في النار ولا يدخل الله تعالى أحدًا النار إلا بترك ما كلف، وذلك في قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا} [الإسراء: 15] وغير ذلك وقاعدة المتكلمين أن العقل لا يوجب ولا يكلف وإنما يوجب الشرع، فالوجه في هذا أن يقال إن آدم عليه السلام فمن بعده دعا إلى توحيد الله دعاء عامًا واستمر ذلك على العالم، فواجب على الآدمي البالغ أن يبحث على الشرع الآمر بتوحيد الله تعالى وينظر في الأدلة المنصوبة على ذلك بحسب إيجاب الشرع النظر فيها، ويؤمن ولا يعبد غير الله، فمن فرضناه لم يجد سبيلًا إلى العلم بشرع آمر بتوحيد الله وهو مع ذلك لم يكفر ولا عبد صنمًا بل تخلى فأولئك أهل الفترات الذين أطلق عليهم أهل العلم أنهم في الجنة وهم بمنزلة الأطفال والمجانين، ومن قصر في النظر والبحث فعبد صنمًا وكفر فهذا تارك للواجب عليه مستوجب العقاب بالنار، فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث ومن كان معه من الناس وقبله مخاطبون على ألسنة الأنبياء قبل بتوحيد الله عز وجل، وغير مخاطبين بفروع شرائعهم إذ هي مختلفة وإذ لم يدعهم إليها نبي، وأما بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فهل هو وأمته مخاطبون بشرع من تقدم فقالت فرقة لسنا مخاطبين بشيء من ذلك وقالت فرقة نحن مخاطبون بشرع من قبلنا.
قال القاضي أبو محمد: ومن قال من هذه الطائفة إن محمدًا عليه السلام وأمته مخاطبون بكل شرائع من تقدم على الإطلاق فقد أحال لأن أحكام الشرائع تأتي مختلفة وإنما يتحدق قول من قال منها إنَّا متعبدون بما صح نقله من شرائع من قبلنا ولم تختلف فيه الشرائع وبالآخر مما اختلفت فيه لأنه الناسخ المتقدم ويرتبط في صحة نقل ذلك إلى ما وقع في القرآن في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من حكاية أحكام سالفة كقوله تعالى: {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به} [ص: 44] وكقوله: {أقم الصلاة لذكري} [طه: 14] وكحكاية تزويج شعيب ابنته بموسى عليهما السلام، وكحديث النبي عليه السلام في قضية سليمان بين المرأتين في الولد ونحو ذلك، ولا يقتضي قولهم أكثر من جواز أن يتعبد بذلك وأما وجوب أن تعبد فغير لازم، ولا يتعلق عندي أشبه في ذلك من أن يقال إن النبي عليه السلام شرع لأمته أن يصلي الناس صلاته إذا ذكرها، ثم مثل في ذلك لا على طريق التعليل بقوله عز وجل لموسى {وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14] فننقل نحن هذا إلى غير ذلك من النوازل ونقول إنه كما شرع عندنا المثال في نسيان الصلاة كذلك نشرع هذه الأمثلة كلها.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قياس ضعيف، ولو ذكر النبي عليه السلام قوله تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14] على جهة التعليل لكانت الحجة به قوية، ولا يصح أن يقال يصح عندنا نقل ما في الشرائع من جهة من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وغيره صحة ننقلها، وكذلك ما شرعه الحواريون لا سبيل إلى صحة شرع عيسى عليه السلام له، وقرأ ابن كثير وأهل مكة ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة وعاصم {اقتده} بهاء السكت ثابتة في الوقف والوصل، وقرأ حمزة والكسائي {اقتد} قال بحذف الهاء في الوصل وإثباتها في الوقف، وهذا هو القياس، وهي تشبه ألف الوصل في أنها تقطع في الابتداء وتوصل غير مبتدأ بها، فكذلك هذه تثبت في الوقف وتحذف في الوصل، وقرأ ابن عامر {اقتدهِ} بكسر الهاء دون بلوغ الياء، قال ابن مجاهد وهذا غلط لأنها هاء وقف لا تعرب على حال، قال أبو علي ووجه ذلك أن تكون ضمير المصدر كأنه قال اقتد الاقتداء، وقرأ ابن ذكوان على هذه {اقتدهِ} بإشباع الياء بعد الهاء، وقالت فرقة إن كسر الهاء إنما هو في هاء السكت كما قد تسكن هاء الضمير أحيانًا.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، ولا تجوز عليه القراءة بإشباع الياء، وقوله تعالى: {قل لا أسألكم} الآية، المعنى قل يا محمد لهؤلاء الكفرة المعاندين لا أسألكم على دعائي إياكم بالقرآن إلى عبادة الله وتوحيده أستكثر بها وأختص بدنياها، إن القرآن إلا موعظة، وذكرى ودعاء لجميع العالمين. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده}.
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} الاقتداء طلب موافقة الغير في فعله.
فقيل: المعنى اصبر كما صبروا.
وقيل: معنى {فَبِهُدَاهُم اقتده} التوحيد والشرائع مختلفة.
وقد احتجّ بعض العلماء بهذه الآية على وجوب اتباع شرائع الأنبياء فيما عدم فيه النص؛ كما في صحيح مُسْلم وغيره: أن أخت الرُّبَيِّع أمّ حارثة جرحت إنسانًا فاختصموا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القصاصَ القصاصَ» فقالت أمّ الرَّبيع: يا رسول الله أيقتصّ من فلانة؟ والله لا يقتصّ منها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله يا أمّ الرَّبيع القصاصُ كتاب الله».
قالت: والله لا يقتص منها أبدًا.
قال: فما زالت حتى قَبلوا الدِّية.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مِن عباد الله مَن لو أقسم على الله لأَبَرّه» فأحال رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفس بالنفس} [المائدة: 45] الآية.
وليس في كتاب الله تعالى نصّ على القصاص في السِّنّ إلا في هذه الآية؛ وهي خبر عن شرع التوراة ومع ذلك فحكم بها وأحال عليها.
وإلى هذا ذهب مُعْظَم أصحاب مالك وأصحاب الشافعيّ، وأنه يجب العمل بما وجد منها.
قال ابن بكير: وهو الذي تقتضيه أصول مالك وخالف في ذلك كثير من أصحاب مالك وأصحاب الشافعيّ والمعتزلة؛ لقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48].
وهذا لا حجّة فيه؛ لأنه يحتمل التقييد: إلا فيما قصّ عليكم من الأخبار عنهم مما لم يأت في كتابكم.
وفي صحيح البخاريّ عن العوّام قال: سألت مجاهدًا عن سجدة {ص} فقال: سألت ابن عباس عن سجدة {ص} فقال: أوَ تقرأ {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتده}؟ وكان داود عليه السلام ممن أُمر نبيّكم صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به.
الثانية: قرأ حمزة والكسائِيّ {اقتد قل} بغير هاء في الوصل.
وقرأ ابن عامر {اقْتَدِ هِي قُلْ}.
قال النحاس: وهذا لَحْنٌ؛ لأن الهاء لبيان الحركة في الوقف وليست بهاء إضمار ولا بعدها واو ولا ياء، وكذلك أيضًا لا يجوز {فبهداهم اقتد قل}.
ومن اجتنب اللّحن واتبع السَّواد قرأ {فبهداهم اقتده} فوقف ولم يصل؛ لأنه إن وصل بالهاء لحن وإن حذفها خالف السّواد.
وقرأ الجمهور بالهاء في الوصل على نية الوقف وعلى نية الإدراج اتباعا لثباتها في الخطّ.
وقرأ ابن عيّاش وهشام {اقْتَدِهِ قُلْ} بكسر الهاء، وهو غلط لا يجوز في العربية.
قوله تعالى: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} أي جُعْلًا على القرآن.
{إِنْ هُوَ} أي القرآن.
{إِلاَّ ذكرى لِلْعَالَمِينَ} أي هو موعظة للخلق.
وأضاف الهداية إليهم فقال: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} لوقوع الهداية بهم.
وقال: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ} لأنه الخالق للهداية. اهـ.