فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لكن جاء ذكر الأجر في غيرهما، يقول سبحانه: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين} [الشعراء: 106- 109].
وقال جل شأنه: {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين} [الشعراء: 177- 180].
وعندما تستقرئ سورة الشعراء تجد الأنبياء كلهم، وتجد مع قول كل منهم {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ}، إلا سيدنا موسى، وسيدنا إبراهيم. لماذا؟ ونقول: إن من ينزل عن الأجر، هو من يقدم لهم منفعة.
وفي موسى عليه السلام نجد أنّه قد وجهت وقدمت وسيقت له المنفعة من فرعون الذي قام بتربيته، كأنه قد أخذ الأجر مقدمًا، لذلك لم يقل موسى لفرعون لا أسألك أجرًا؛ لأن القرآن جاء بقول فرعون: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} [الشعراء: 18].
وكذلك لم تأت مسألة الأجر في قصة سيدنا إبراهيم لأنه خاطب أباه آزر، ولم يكن من المقبول أن يقول له: لا أسألك أجرا. وهكذا انطمست مسألة الأجر في قصة سيدنا إبراهيم وقصة سيدنا موسى، وبقيت فيما عداهما، مما يدل على أن القرآن موضوع بأدق تفاصيله بحكمة؛ لأن من يتكلم هو ربنا. ويمتاز سيدنا رسول الله أيضا ويقول: لا أسألكم أجرًا إلا آية واحدة استثنى فيها هذا النفي: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المودة فِي القربى} [الشورى: 23].
والمودة هي فعل الخير الناشئ عن محبة قلب، أما فعل الخير الذي لا ينبع من محبة في القلب فهو فعل معروف؛ لأن المعروف يضعه الإنسان مع من يُحب ومن لا يُحب. ولذلك قال ربنا: {وَإِن جَاهَدَاكَ على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنيا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].
المعروف- إذن- هو عمل امتداده خير سطحي. والرسول حين يطلب المودة في القربى فهل هي قُرباه صلى الله عليه وسلم أو المودة في قُرباكم؟ هي القُربى على إطلاقها، وهي القُربى أيضا للمتكلم وهو الرسول الذي يبلغ عن الله.
وإن صُنِّفت على أنها {إلا المودة في القُربى} أي القربى للمتكلم وهو سيدنا رسول الله لما استطعنا أن نُوفيه أجرًا. أما حين يتحمل كل واحد منا مجالًا من الخير والمعروف في قومه، هنا تتلاحم دوائر الخير في الناس جميعًا.
ويذيل الحق الآية بقوله: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذكرى لِلْعَالَمِينَ} وهي ما تعطينا اجتماع الدوائر ويصير كل واحد مُهْتَمًا بأقاربه ويتنازع الناس ويتنافسون في مودة القُربى، وكل منهم يحرص على أن يوسع دائرة القربى. هنا يعم الخير ويدوم الود. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ} {أولئك} مفعول مُقدَّمٌ لـ {هدى الله} ويَضْعُفُ جعله مبتدأ على حذف العائد، أي: هداهم الله كقوله: {أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ} [المائدة] برفع حُكْمُ والإشارة بـ {أولئك} إلى الأنبياء المتقدم ذكرهم.
قوله: {فَبِهُدَاهِمُ أقْتَدِه} قرا الأخوان بحذف الهاء في الوَصْلِ والباقون أثبتوها وَصْلًا وَوَقْفًا، إلا أن ابن عامر بكسرها، ونقل ابن ذكوان عنه وجهين:
أحدهما: الكَسْر من غير وَصْلٍ بمدة، والباقون بسكونها.
أما في الوقف فإن القراء اتَّفَقُوا على إثباتها سَاكِنةً واختلفوا في {مَالِيَه} و{سُلْطَانِيَه} في الحاقَّة وفي {مَاهِيَهْ} في القارعة بالنسبة إلى الحذف والإثبات، واتفقوا على إثباتها في {كِتَابِيَهْ} و{حِسَابِيِهْ} فأما قراءة الأخوين، فالهاء عندهما للسَّكْتِ، فلذلك حَذَفَاهَا وصْلًا؛ إذ محلها الوَقْفُ، وأثبتاها وفقًا إتْبَاعًا لِرَسْمِ المصحفن وأما من أثبتها ساكنة، فيحتمل عنده وجهين:
أحدهما: هي هاء سَكْتٍ، ولكنها ثبت وَصْلًا إجْرَاءً للوصْلِ مجرى الوَقْفِ، كقوله: {لَمْ يَتَسَنَّهْ وانظر} [البقرة: 259] في أحد الأقوال كما تقدم.
والثاني: أنها ضمير المصدر سُكِّنَتْ وَصْلًا إجْرَاءً للوَصْلِ مجرى الوَقْفِ، نحو: {نُؤْتِهِ} [آل عمران: 145] {فَأَلْقِهْ} [النمل: 28] و{أَرْجِهْ} [الأعراف: 111]، {نُوَلِّهِ} [النساء: 115] {وَنُصْلِهِ} [النساء: 115].
واختلف في المصدر الذي تعُودُ عليه هذه الهاء، فقيل: الهدى، أي اقتدى الهدى، والمعنى اقْتداء الهدى، ويجوز أن يكون الهدى مفعولًا لأجله؛ أي: فبهداهم اقتد لأجل الهدى.
وقيل: الاقتداء؛ أي: اقتد الاقتداء، ومن إضمار المصدر قول الشاعر: [البسيط]
هَذَا سُرَاقَةُ لِلْقُرآنِ يَدْرُسُهُ ** والمَرْءُ عِنْدَ الرُّشَا إنْ يَلْقَها ذِيبُ

أي: يَدْرُسُ الدَّرْسَ، ولا يجوز أن يتكون الهاء ضمير القرآن؛ لأن الفعل قد تعدَّى له، وإنما زيدت اللام تَقْوِيَةً له، حيث تقدَّم معموله، وكذلك جعل النُّحَاةُ نَصْب زيدًا من زيدًا ضَرَبْتُهُ بفعل مُقدَّرٍ، خلافًا للفراء.
قال ابن الأنْبَارِيّ: إنها ضمير المصدر المؤكد النائب عن الفعل، وإن الأصل: اقتد اقتد، ثم جعل المَصْدَرُ بَدَلًا من الفعل الثاني، ثم أضْمِرَ فاتَّصَلَ بالأول.
وأما قراءة ابن عامر فالظَّاهِرُ فيها أنها ضمير، وحُرِّكَتْ بالكَسْرِ من غير وَصْلٍ وهو الذي يسميه القُرَّاء الاخْتِلاَس تَارَةً، وبالصلة وهو المُسَمَّى إشْبَاعًا أخرى كمنا قرئ: {أَرْجِهْ} [الأعراف: 111] ونحوه.
وإذا تقرَّرَ هذا فقول ابن مُجَاهِدٍ عن ابن عامر يُشِمُّ الهاء من غير بُلُوغِ ياء وهذا غلط؛ لأن هذه الهاء هاء وَقْفٍ لا تعرب في حالٍ من الأحوال، أي: لا تحرك وإنما تدخل ليتبيَّنَ بها حركةُ ما قبلها ليس بِجَيِّدٍ لما تقرر من أنها ضَمِيرُ المَصْدَرِ، وقد رَدَّ الفَارِسيُّ قول ابن مجاهد بما تقدم.
والوجه الثاني: أنها هاء سَكْتٍ أجْرِيَتْ مُجْرَى الضمير، كما أجريت هاء الضمير مُجْرَاهَا في السكُونِ، وهذا ليس بِجَيِّدٍ، ويروى قول المتنبي: [البسيط]
واحَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ

بضم الهاء وكسرها على أنها هاء السَّكْتِ، شُبِّهَتْ بهاء الضمير فحركت، والأحسن أن تجعل الكسر لالتقاء الساكنين لا لشبهها بالضمير؛ لأن هاء الضمير لا تكسر بعد الألف، فكيف بما يشبهها؟
والاقتداءُ في الأصْلِ طَلَبُ المُواقَقَةِ قاله اللَّيْث.
ويقال: قدوة وقدو وأصله من القدو وهو أصل البِنَاءِ الذي يتشعب منه تصريف الاقتِدَاءُ.
قال الواحِديُّ: الاقتِدَاءُ في اللغة: الإتيان بِمِثْلِ فِعْل الأول لأجل أنه فعله و{بِهُداهِمِ} متعلق بـ {اقْتَدِهْ}.
وجعل الزمخشري تقديمه مُفيدًا للاختصاص على قاعدته.
{قُلْ لا أسْألُكُمْ عليْهِ أجْرًا} والهاء في عليه تعود على القرآن والتبليغ أضمرا وإن لم يَجْرِ لهما ذِكْرٌ لدلالة السِّياق عليهما، وأن نافية ولا عمل لها على المَشْهُور، ولو كانت عَامِلةً لبطل عملها بـ {إلاَّ} في قوله: {إنْ هُوَ إلاَّ ذِكْرَى} أن يذكره ويعظه.
{وللعالمين} متعلق بـ {ذكرى} واللام معدية أي: إن القرآن العظيم إلاَّ تذكير للعالمين، ويجوز أن تكون متعلِّقَةً بمحذوف على أنها صِفَةٌ للذِّكْرَى، وهذه الآية تَدُلُّ على أنه صلى الله عليه وسلم مَبْعُوثٌ إلى كل أهْلِ الدنيا لا إلى قَوْمِ دون قَوْمٍ. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (91):

قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما حصر الدعاء في الذكرى، وكان ذلك نفعًا لهم ورفقًا بهم، لا تزيد طاعتهم في ملك الله شيئًا ولا ينقص إعراضُهم من عظمته شيئًا، لأن كل ذلك بإرادته؛ بني حالًا منهم، فقال تأكيدًا لأمر الرسالة بالإنكار على من جحدها وإلزامًا لهم بما هم معترفون به، أما أهل الكتاب فعلمًا قطعيًا، وأما العرب فتقليدًا لهم ولأنهم سلموا لهم العلمَ وجعلوهم محط سؤالهم عن محمد صلى الله عليه وسلم: {وما} أي فقلنا ذلك لهم خاصة والحال أنهم ما {قدروا} أي عظموا {الله} أي المستجمع لصفات الكمال {حق قدره} أي تعظيمه في جحدهم لذكراهم وصدهم عن بشراهم ومقابلتهم للشكر عليه بالكفر له؛ قال الواحدي: يقال قدر الشيء- إذا سبره وحزره وأراد أن يعلم مقداره- يقدره- بالضم- قدرًا، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن غم عليكم فاقدروا له»، أي فاطلبوا أن تعرفوه- هذا أصله في اللغة، ثم قيل لمن عرف شيئًا: هو يقدر قدره، وإذا لم يعرفه بصفاته: إنه لا يقدر قدره {إذ} أي حين {قالوا} أي اليهود، والآية مدنية وقريش في قبولهم لقولهم، ويمكن أن تكون مكية، ويكون قولهم هذا حين أرسلت إليهم قريش تسألهم عنه صلى الله عليه وسلم في أمر رسالته واحتجاجه عليهم بإرسال موسى عليه السلام وإنزال التوراة عليه {ما أنزل الله} أي ناسين ما له من صفات الكمال {على بشر من شيء} لأن من نسب مَلِكًا تام الملك إلى أنه لم يُثبِت أوامره في رعيته بما يرضيه ليفعلوه وما يسخطه ليجتنبوه، فقد نسبه إلى نقص عظيم، فكيف إذا كانت تلك النسبة كذبًا! وهذا وإن كان ما قاله إلا بعض العالمين بل بعض أهل الكتاب الذين هم بعض العالمين، أسند إلى الكل، لأنهم لم يردوا على قائله ولم يعاجلوه بالأخذ تفظيعًا للشأن وتهويلًا للأمر، وبيانًا لأنه يجب على كل من سمع بآية من آيات الله أن يسعى إليها ويتعرف أمرها، فإذا تحققه فمن طعن فيها أخذ على يده بما يصل إليه قدرته، كما أنه كذلك كان يفعل لو كان ذلك ناشئًا عن أبيه أو أحد ممن يكون فخره به من أبناء الدنيا، وفي ذلك أتم إشارة إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عماد الأمور كلها، من فرّط فيه هلك وأهلك؛ روى الواحدي في أسباب النزول بغير سند عن ابن عباس رضي الله عنهما ومحمد بن كعب القرظي أن اليهود قالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء، فأنزل الله تعالى- يعني هذه الآية، فقال مشيرًا إلى أن اليهود قائلو ذلك، وملزمًا بالاعتراف بالكذب أو المساواة للأميين في التمسك بالهوى دون كتاب، موبخًا لهم ناعيًا عليهم سوء جهلهم وعظيم بهتهم وشدة وقاحتهم وعدم حيائهم: {قل} أي لهؤلاء السفهاء الذين تجرؤوا على هذه المقالة غير ناظرين في عاقبتها وما يلزم منها توبيخًا لهم وتوقيفًا على موضع جهلهم {من أنزل الكتاب} أي الجامع للأحكام والمواعظ وخيري الدنيا والآخرة {الذي جاء به موسى} أي الذي أنتم تزعمون التمسك بشرعه، حال كون ذلك الكتاب {نورًا} أي ذا نور يمكن الأخذ به من وضع الشيء في حاقّ موضعه {وهدى للناس} أي ذا هدى لهم كلهم، أما في ذلك الزمان فبالتقيد به، وأما عند إنزال الإنجيل فبالأخذ بما أرشد إليه من اتباعه، وكذا عند إنزال القرآن، فقد بان أنه هدى في كل زمان تارة بالدعاء إلى ما فيه وتارة بالدعاء إلى غيره؛ ثم بين أنهم اخفوا منه ما هو نص وصريح في الدعاء إلى غيره اتباعًا منهم للهوى ولزومًا للعمى فقال: {تجعلونه} أي أيها اليهود {قراطيس} اي أوراقًا مفرقة لتتمكنوا بها من إخفاء ما أردتم {تبدونها} أي تظهرونها للناس {وتخفون كثيرًا} أي منها ما تريدون به تبديل الدين- هذا على قراءة الجماعة بالفوقانية، وعلى قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالغيبة هو التفات مؤذن بشدة الغضب مشير إلى أن ما قالوه حقيق بأن يستحيى من ذكره فكيف بفعله! ثم التفت إليهم للزيادة في تبكيتهم إعلامًا بأنهم متساوون لبقية الإنسان في أصل الفطرة، بل العرب أزكى منهم وأصح أفهامًا، فلولا ما أتاهم به موسى عليه السلام ما فاقوهم بفهم، ولا زادوا عليهم في علم، فقال: {وعلمتم} أي أيها اليهود بالكتاب الذي أنزل على موسى {ما لم تعلموا أنتم} أي أيها اليهود من أهل هذا الزمان {ولا آباؤكم} أي الأقدمون الذين كانوا أعلم منكم.
ولما كانوا قد وصلوا في هذه المقالة إلى حد من الجهل عظيم، قال مشيرًا إلى عنادهم: {قل} أي أنت في الجواب عن هذا السؤال غير منتظر لجوابهم فإنهم أجلف الناس وأعتاهم {الله} أي الذي أنزل ذلك الكتاب {ثم} بعد أن تقول ذلك لا تسمع لهم شيئًا بل {ذرهم في خوضهم} أي قولهم وفعلهم المثبتين على الجهل المبنيين على أنهم في ظلام الضلال كالخائض في الماء يعملون ما لا يعلمون {يلعبون} أي يفعلون فعل اللاعب، وهو ما لا يجر لهم نفعًا ولا يدفع عنهم ضرًا مع تضييع الزمان. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنا ذكرنا في هذا الكتاب أن مدار أمر القرآن على إثبات التوحيد والنبوة والمعاد.
وأنه تعالى لما حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه ذكر دليل التوحيد، وإبطال الشرك، وقرر تعالى ذلك الدليل بالوجوه الواضحة شرع بعده في تقرير أمر النبوة، فقال: {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} حيث أنكروا النبوة والرسالة، فهذا بيان وجه نظم هذه الآيات وأنه في غاية الحسن. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره}.
في سبب نزولها سبعة أقوال:
أحدها: «أن مالك بن الصيف رأس اليهود، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أتجد فيها أن الله يبغض الحبر السمين؟ قال: نعم.
قال: فأنت الحبر السمين فغضب ثم قال: {ما أنزل الله على بشر من شيء} فنزلت هذه الآية»
، رواه أبو صالح عن ابن عباس؛ وكذلك قال سعيد بن جبير، وعكرمة: نزلت في مالك بن الصيف.
والثاني: أن اليهود قالوا يا محمد، أنزل الله عليك كتابًا؟ قال: «نعم».
قالوا والله ما أنزل الله من السماء كتابًا، فنزلت هذه الآية، رواه الوالبي عن ابن عباس.
والثالث: أن اليهود قالوا يا محمد، إن موسى جاء بألواح يحملها من عند الله، فائتنا بآية كما جاء موسى، فنزل {يسألك أهل الكتاب أن تنزِّل عليهم كتابًا من السماء} [النساء: 153] إلى قوله: {عظيمًا} [النساء: 156].
فلما حدَّثهم بأعمالهم الخبيثة، قالوا: والله ما أنزل الله عليك ولا على موسى وعيسى، ولا على بشر، من شيء، فنزلت هذه الآية، قاله محمد بن كعب.
والرابع: أنها نزلت في اليهود والنصارى، آتاهم الله علما فلم ينتفعوا به، قاله قتادة.
والخامس: أنها نزلت في فنحاص اليهودي، وهو الذي قال: {ما أنزل الله على بشر من شيء} قاله السدي.
والسادس: أنها نزلت في مشركي قريش، قالوا: والله ما أنزل الله على بشر من شيء، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.
والسابع: أن أولها إلى قوله: {من شيء} في مشركي قريش، وقوله: {من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى} في اليهود، رواه ابن كثير عن مجاهد. اهـ.