فصل: من فوائد صاحب الميزان في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروي أن مالكَ بنَ الصيف من أحبار اليهودِ ورؤسائِهم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنشُدُك الله الذي أنزل التوراةَ على موسى هل تجدُ فيها الله يُبغض الحِبرَ السمين؟ فأنت الحِبرُ السمين، قد سمِنْتَ من مالك الذي تُطعمُك اليهود» فضحك القومُ فغضبَ ثم التفت إلى عمرَ رضي الله عنه فقال: ما أنزل الله على بشر من شيء فنزعوه وجعلوا مكانه كعبَ بنَ الأشرف، وقيل: هم المشركون وإلزامُهم إنزالُ التوراة لما أنه كان عندهم من المشاهير الذائعةِ، ولذلك كانوا يقولون: {لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الكتاب لَكُنَّا أهدى مِنْهُمْ} ووصفُ الكتاب بالوصول إليهم لزيادة التقريعِ وتشديدِ التبكيت، وكذا تقييدُه بقوله تعالى: {نُورًا وَهُدًى} فإن كونَه بيّنًا بنفسه ومبيِّنًا لغيره مما يؤكد الإلزامَ أيَّ تأكيدٍ، وانتصابُهما على الحالية من الكتاب، والعامل (أَنزل) أو من الضمير في (به)، والعامل (جاء) واللام في قوله تعالى: {لِلنَّاسِ} إما متعلقٌ بهدىً، أو بمحذوفٍ هو صفة له، أي هدى كائنًا للناس وليس المرادُ بهذا مجردَ إلزامِهم بالاعتراف بإنزال التوراةِ فقط بل إنزالِ القرآنِ أيضًا، فإن الاعترافَ بإنزالها مستلزِمٌ للاعتراف بإنزاله قطعًا، لما فيها من الشواهد الناطقةِ به، وقد نعى عليهم ما فعلوا بها من التحريف والتغييرِ حيث قيل: {تَجْعَلُونَهُ قراطيس} أي تضعونه في قراطيسَ مقطَّعةٍ، وورَقاتٍ مفرَّقة، بحذف الجارِّ بناءً على تشبيه القراطيس بالظرف المُبْهم، أو تجعلونه نفسَ القراطيس المقطعة، وفيه زيادةُ توبيخٍ لهم بسوء صنيعِهم كأنهم أخرجوه من جنس الكتاب ونزّلوه منزلةَ القراطيسِ الخاليةِ عن الكتابة، والجملة حالٌ كما سبق وقوله تعالى: {تُبْدُونَهَا} صفةٌ لقراطيسَ، وقوله تعالى: {وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} معطوفٌ عليه، والعائدُ إلى الموصول محذوفٌ، أي كثيرًا منها، وقيل: كلامٌ مبتدأ لا محل له من الإعراب، والمرادُ بالكثير نعوتُ النبي عليه الصلاة والسلام وسائرُ ما كتموه من أحكام التوراة، وقرئ الأفعالُ الثلاثة بالياء حملًا على قالوا وما قدروا.
وقوله تعالى: {وَعُلّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ ءابَاؤُكُمْ} قيل: هو حالٌ من فاعل تجعلونه بإضمار قد، أو بدونه على اختلاف الرأيين. قلت: فينبغي أن يجعل (ما) عبارةً عما أخذوه من الكتاب من العلوم والشرائعِ ليكون التقييدُ بالحال مفيدًا لتأكيد التوبيخِ وتشديدِ التشنيع، فإن ما فعلوه بالكتاب من التفريق والتقطيعِ لما ذُكر من الإبداءِ والإخفاءِ شناعةٌ عظيمة في نفسها، ومع ملاحظة كونه مأخذًا لعلومهم ومعارفِهم أشنعَ وأعظمَ، لا عما تلقَّوْه من جهة النبي صلى الله عليه وسلم زيادةً على ما في التوراة وبيانًا لما التَبَس عليهم وعلى آبائهم من مشكلاتها حسْبما ينطِقُ به قوله تعالى: {إِنَّ هذا القرءان يَقُصُّ على بَنِى إسراءيل أَكْثَرَ الذي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} كما قالوا لأنّ تلقَّيَهم لذلك من القرآن الكريم ليس مما يزجُرهم عما صنعوا بالتوراة أما ما ورد فيه زيادةً على ما فيها فلأنه لا تعلّقَ له بها نفيًا ولا إثباتًا، وأما ما ورد بطريق البيانِ فلأن مدارَ ما فعلوا بالتوراة من التبديل والتحريفِ ليس ما وقع فيها من التباس الأمرِ واشتباهِ الحال حتى يُقلِعوا عن ذلك بإيضاحه وبيانِه فتكونَ الجملةُ حينئذ خاليةً عن تأكيد التوبيخ، فلا تستحق أن تقعَ موقع الحال بل الوجهُ حينئذٍ أن تكون استئنافًا مقرِّرًا لما قبلها من مجيءِ الكتابِ بطريق التكملةِ والاستطراد والتمهيدِ لما يعقُبه من مجيءِ القرآن، ولا سبيلَ إلى جعل (ما) عبارةً عما كتموه من أحكام التوراةِ كما يفصح عنه قوله تعالى: {قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكتاب} فإن ظهورَه وإن كان مزْجَرةً لهم عن الكتم مخافةَ الافتضاح ومصحِّحًا لوقوعِ الجملة في موقع الحالِ لكن ذلك مما يعلمه الكاتمون حتمًا. هذا، وقد قيل: الخطابُ لمن آمن من قريش كما في قوله تعالى: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ} وقولُه تعالى: {قُلِ الله} أمرٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يُجيبَ عنهم إشعارًا بتعيّن الجواب بحيث لا محيدَ عنه وإيذانًا بأنهم أُفحموا ولم يقدِروا على التكلم أصلًا {ثُمَّ ذَرْهُمْ في خَوْضِهِمْ} في باطلهم الذي يخوضون فيه ولا عليك بعد إلزامِ الحجة وإلقامِ الحجر {يَلْعَبُونَ} حال من الضمير الأول، والظرفُ صلة للفعل المقدّم أو المؤخر أو متعلقٌ بمحذوفٍ هو حال من مفعولِ الأولِ أو من فاعل الثاني أو من الضمير الثاني لأنه فاعلٌ في الحقيقة والظرفُ متَّصل بالأول. اهـ.

.من فوائد صاحب الميزان في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء}.
قدر الشيء وقدره بالتحريك كميته من عظم أو صغر ونحوهما يقال: قدرت الشيء قدرا وقدرته بالتشديد تقديرا إذا بينت كمية الشيء وهندسته المحسوسة ثم توسع فيه فاستعمل في المعاني غير المحسوسة فقيل: قدر فلان عند الناس وفي المجتمع أي عظمته في أعين الناس ووزنه في مجتمعهم وقيمته الاجتماعية.
وإذ كان تقدير الشيء وتحديده بحدود لا ينفك غالبا عن وصفه بأوصافه المبينة لحاله المستتبعة لعرفانه أطلق القدر والتقدير على الوصف وعلى المعرفة بحال الشئ- على نحو الاستعارة.
- فيقال قدر الشيء وقدره أي وصفه، ويقال: قدر الشيء وقدره أي عرفه، فاللغة تبيح هذه الاستعمالات جميعا.
ولما كان الله سبحانه لا يحيط بذاته المتعالية حس ولا وهم ولا عقل وإنما يعرف معرفة ما بما يليق بساحة قدسه من الاوصاف وينال من عظمته ما دلت عليه آياته وأفعاله صح استعمال القدر فيه تعالى بكل من المعاني السابقة فيقال: ما قدروا الله حق قدره أي ما عظموه بما يليق بساحته من العظمة أو ما وصفوه حق وصفه أو ما عرفوه حق معرفته.
فالاية بحسب نفسها تحتمل كلا من المعاني الثلاثة أو جميعها بطريق الالتزام لكن الانسب بالنظر إلى الآيات السابقة الواصفة لهدايته تعالى أنبياءه المستعقبة لايتائهم الكتاب والحكم والنبوة، وعنايته الكاملة بحفظ كلمة الحق ونعمة الهداية بين الناس زمانا بعد زمان وجيلا بعد جيل أن تحمل على المعنى الأول فإن في إنكار إنزال الوحى حطا لقدره تعالى وإخراجا له من منزلة الربوبية المعتنية بشؤون عباده وهدايتهم إلى هدفهم من السعادة والفلاح.
ويؤيد ذلك ما ورد من نظير اللفظ في قوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} [الزمر: 67].
وقوله تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوى عزيز} [الحج: 74] أي وقوته وعزته وضعف غيره وذلته تقتضيان أن لا يحط قدره ولا يسوى هو وما يدعون من دونه بتسمية الجميع آلهة وأربابا فالانسب بالآية هو المعنى الأول وإن لم يمتنع المعنيان الاخران، وأما تفسير {ما قدروا الله حق قدره} بأن المراد: ما أعطوه من القدرة ما هو حقها كما فسره بعضهم فأبعد المعاني المحتملة من مساق الآية.
ولما قيد قوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره} بالظرف الذي في قوله: {إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} أفاد ذلك أن اجتراءهم على الله سبحانه وعدم تقديرهم حق قدره إنما هو من حيث إنهم نفوا إنزال الوحى والكتاب منه تعالى على بشر فدل ذلك على أن من لوازم الألوهية وخصائص الربوبية أن ينزل الوحى والكتاب لغرض هداية الناس إلى مستقيم الصراط والفوز بسعادة الدنيا والاخرة فهى الدعوى.
وقد أشارتعالى إلى إثبات هذه الدعوى والحجاج له بقوله: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى} الخ، وبقوله: {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} والأول من القولين احتجاج بكتاب من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء عليهم السلام الثابتة نبوتهم بالمعجزات الباهرة التي أتوا بها ففيه تمسك بوجود الهداية الإلهية المتصلة المحفوظة بين الناس بالانبياء عليهم السلام نوح ومن بعده، وهى التي وصفها الله تعالى في الآيات السابقة من قوله: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} إلى قوله: {إن هو إلا ذكرى للعالمين}.
والثانى من القولين احتجاج بوجود معارف وإحكام إلهية بين الناس ليس من شأنها أن تترشح من الإنسان الاجتماعي من حيث مجتمعه بما له من العواطف والافكار التي تهديه إلى ما يصلح حياته من الغذاء والمسكن واللباس والنكاح وجلب المنافع ودفع المضار والمكاره فهذه الأمور التي في مجرى التمتع بالماديات هي التي يتوخاها الإنسان بحسب طبعه الحيوانى، وأما المعارف الإلهية والاخلاق الفاضلة الطيبة والشرائع الحافظة بالعمل بها لهما فليست من الأمور التي ينالها الإنسان الاجتماعي بشعوره الاجتماعي وأنى للشعور الاجتماعي ذلك؟ وهو إنما يبعث الإنسان إلى استخدام جميع الوسائل التي يمكنه أن يتوسل بها إلى مآربه في الحياة الارضية، ومقاصده في المأكل والمشرب والمنكح والملبس والمسكن وما يتعلق بها ثم يدعوه إلى أن يكسر مقاومة كل ما يقاومه في طريق تمتعه إن قدر على ذلك أو يصطلحه على التعاضد والاشتراك في المنافع ورعاية العدل في توزيعها إن لم يقدر عليه، وهو سر كون الإنسان اجتماعيا مدنيا كما تبين في أبحاث النبوة في البحث عن قوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين} الآية (البقرة: 213) في الجزء الثاني من الكتاب، وسنزيده وضوحا إن شاء الله.
وبالجملة فالآية أعنى قوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره} تدل بما لها من الضمائم على أن من لوازم الألوهية أن تهدى الإنسان إلى مستقيم الصراط ومنزل السعادة بإنزال الكتاب والوحى على بعض أفراده، وتستدل على ذلك بوجود بعض الكتب المنزلة من الله في طريق الهداية أولا، وبوجود ما يدل على تعاليم إلهية بينهم لا ينالها الإنسان بما عنده من العقل الاجتماعي ثانيا.
قوله تعالى: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا} القراءة الدائرة تجعلونه بصيغة الخطاب والمخاطبون به اليهود لا محالة، وقرئ {يجعلونه} بصيغة الغيبة، والمخاطب المسؤول عنه بقوله: {من أنزل الكتاب} إلخ، حينئذ اليهود أو مشركوا العرب على ما قيل، والمراد يجعل الكتاب قراطيس وهى جمع قرطاس إما جعله في قراطيس بالكتابة فيها، وإما جعله نفس القراطيس بما فيها من الكتابة فالصحائف والقراطيس تسمى كتابا كما تسمى الألفاظ المدلول عليها بالكتابة كتابا.
وقوله: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى} إلخ.
جواب عن قولهم المحكى بقوله تعالى: {إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} والآية وإن لم تعين القائلين بهذا القول من هم؟ إلا أن الجواب بما فيه من الخصوصية لا يدع ريبا في أن المخاطبين بهذا الجواب هم اليهود فالقائلون: {ما أنزل الله على بشر من شيء} هم اليهود أيضا، وذلك أن الآية تحتج على هؤلاء القائلين بكتاب موسى عليه السلام والمشركون لا يعترفون به ولا يقولون بنزوله من عند الله، وإنما القائلون به أهل الكتاب، وأيضا الآية تذمهم بأنهم يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا، وهذا أيضا من خصائص اليهود على ما نسبه القرآن إليهم دون المشركين.
على أن قوله بعد ذلك: {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} على ظاهر معناه الساذج لا يصلح أن يخاطب به غير اليهود من المشركين أو المسلمين كما تقدم وسيجئ إن شاء الله تعالى.
وأما أن اليهود كانوا مؤمنين بنبوة الأنبياء موسى ومن قبله عليهم السلام وبنزول كتب سماوية كالتوراة وغيرها فلم يك يتأتى لهم أن يقولوا: ما أنزل الله على بشر من شيء لمخالفته أصول معتقداتهم فيدفعه: أن أكون ذلك مخالفا للأصل الذي عندهم لا يمنع أن يتفوه به بعضهم تعصبا على الإسلام أو تهييجا للمشركين على المسلمين أو يقول ذلك عن مسألة سألها المشركون عن حال كتاب كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعى نزوله عليه من جانب الله سبحانه، وقد قالوا في تأييد وثنية مشركي العرب على أهل التوحيد من المسلمين: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا، فرجحوا قذارة الشرك على طهارة التوحيد وأساس دينهم التوحيد حتى أنزل الله: {ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} [النساء: 51].
وقولهم- وهو أبين سفها من سابقه- اغتياظا على النصارى: أن إبراهيم عليه السلام كان يهوديا حتى نزل فيهم قوله تعالى: {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والانجيل إلا من بعده أفلا تعقلون} إلى أن قال: {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين} [آل عمران: 67] إلى غير ذلك من أقوالهم المناقضة لاصولهم الثابتة المحكية في القرآن الكريم.
ومن كان هذا شأنه لم يبعد أن ينفى نزول كتاب سماوي على بشر لداع من الدواعى الفاسدة الباعثة له على إنكار ما يستضر بثبوته أو تلقين الغير باطلا يعلم ببطلانه لينتفع به في بعض مقاصده الباطلة.
وأما قول من قال: إن القرآن لم يعتن بأمر أهل الكتاب في آياته النازلة بمكة وإنما كانت الدعوة بمكة قبل الهجرة إلى المشركين للابتلاء بجماعتهم والدار دارهم، ففيه أن ذلك لا يوجب السكوت عنهم من رأس والدين عام ودعوته شاملة لجميع الناس والقرآن ذكر للعالمين وهم والمشركون جيران يمس بعضهم بعضا دائما وقد جاء ذكر أهل الكتاب في بعض السور المكية من غير دليل ظاهر على كون الآية مدنية كقوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم} [العنكبوت: 46] وقوله: {وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون} [النحل: 118] وقد ذكر في سورة الأعراف كثير من مظالم بنى إسرائيل مع كون السورة مكية.
ومن المستبعد أن تدوم الدعوة الإسلامية سنين قبل الهجرة وفي داخل الجزيرة طوائف من اليهود والنصارى فلا يصل خبرها إليهم أو يصل إليهم فيسكتوا عنها ولا يقولوا شيئا لها أو عليها وقد هاجر جماعة من المسلمين إلى الحبشة وقرأوا سورة مريم المكية عليهم وفيها قصة عيسى ونبوته.
وأما قول من قال: إن السورة- يعنى سورة الأنعام- إنما نزلت في الاحتجاج على المشركين في توحيد الله سبحانه وعامة الخطابات الواردة فيها متوجهة إليهم فلا مسوغ لارجاع الضمير في قوله: {إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} إلى اليهود بل المتعين إرجاعه إلى مشركي العرب لأن الكلام في سياق الخبر عنهم، ولم يجر لليهود ذكر في هذه السورة فلا يجوز أن تصرف الآية عما يقتضيه سياقها من أولها إلى هذا الموضع بل إلى آخرها بغير حجة من خبر صحيح أو عقل فالارجح قراءة {يجعلونه} الخ، بياء الغيبة على معنى أن اليهود يجعلونه فهو حكاية عنهم ذكرت في خطاب مشركي العرب.