فصل: من فوائد الشوكاني في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما مشكلة أن المشركين ما كانوا يذعنون بكون التوراة كتابا سماويا فكيف يحاجون بها فقد أجاب عنه بعضهم: أن المشركين كانوا يعلمون أن اليهود أصحاب التوراة المنزلة على موسى عليه السلام فمن الممكن أن يحاجوا من هذه الجهة.
ففيه: أن سياق السورة فيما تقدم من الآيات وإن كان لمحاجة المشركين لكن لا لانهم هم بأعيانهم فالبيان القرآني لا يعتنى بشخص أو أشخاص لانفسهم بل لانهم يستكبرون عن الخضوع للحق وينكرون أصول الدعوة التي هي التوحيد والنبوة والمعاد فالمنكرون لهذه الحقائق أو لبعضها هم المعنيون بالاحتجاجات الموردة فيها فما المانع من أن يذكر فيها بعض هفوات اليهود لو استلزم إنكار النبوة ونزول الكتاب لدخوله في غرض السورة، ووقوعه في صف هفوات المشركين في إنكار أصول الدين الإلهى وإن كان كان القائل به من غير المشركين وعبدة الأصنام، ولعله مما لقنوه بعض المشركين ابتغاء للفتنة فقد ورد في بعض الاثار أن المشركين ربما سألوهم عن حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وربما بعثوا إليهم الوفود لذلك.
على أن قوله: {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} كما سيأتي لا يصح أن يخاطب به غير اليهود كما لا يصح أن يخاطب غير اليهود بقوله تعالى: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس} والقول بأن مشركي العرب كانوا يعلمون أن اليهود هم أصحاب توراة موسى غير مقنع قطعا فإن العلم بأن اليهود أصحاب التوراة لا يصحح الاحتجاج بنزول التوراة من عند الله سبحانه وخاصة مع وصفها بأنها نور وهدى للناس فالاعتقاد بالنزول من عند الله غير العلم بأن اليهود تدعى ذلك والمصحح للخطاب هو الأول دون الثاني.
وأما قراءة {يجعلونه} الخ، فالوجه أن تحمل على الالتفات مع إبقاء الخطاب في قوله: {من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى}، وقوله: {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} لليهود.
وقد حاول بعضهم دفع الاشكالات الواردة على جعل الخطاب في الآية للمشركين مع تصحيح القراءتين جميعا فقال ما ملخصه: أن الآية نزلت في ضمن السورة بمكة كما قرأها ابن كثير وأبو عمرو- يجعلونه قراطيس بصيغة الغيبة- محتجة على مشركي مكة الذين أنكروا الوحى استبعادا لأن يخاطب الله البشر بشئ، وقد اعترفوا بكتاب موسى وأرسلوا الوفد إلى أحبار اليهود مذعنين بانهم أهل الكتاب الأول العالمون بأخبار الأنبياء.
فهو تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: قل لهؤلاء الذين ما قدروا الله حق إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء كقولهم: أبعث الله بشرا رسولا: {من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا} انقشعت به ظلمات الكفر والشرك الذي ورثته بنو إسرائيل عن المصريين {وهدى الناس} أي الذين أنزل عليهم بما علمهم من الأحكام والشرائع الإلهية فكانوا على النور والهدى إلى أن اختلفوا فيه ونسوا حظا مما ذكروا به فصاروا باتباع الاهواء {يجعلونه قراطيس يبدونها} فيما وافق {ويخفون كثيرا} مما لا يوافق أهواءهم.
قال: والظاهر أن الآية كانت تقرا هكذا بمكة وكذا بالمدينة إلى أن أخفى أحبار اليهود حكم الرجم وكتموا بشارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى أن قال بعضهم: ما أنزل الله على بشر من شيء كما قال المشركون من قبلهم- إن صحت الروايات بذلك- فعند ذلك كان غير مستبعد ولا مخل بالسياق أن يلقن الله تعالى رسوله أن يقرأ هذه الجمل بالمدينة على مسمع اليهود وغيرهم بالخطاب لليهود فيقول: {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا} مع عدم نسخ القراءة الأولى.
قال: وبهذا الاحتمال المؤيد بما ذكر من الوقائع يتجه تفسير القراءتين بغير تكلف ما، ويزول كل إشكال عرض للمفسرين في تفسيرهما، انتهى كلامه ملخصا.
وأنت خبير بأن إشكال خطاب المشركين بما لا يعترفون به باق على حاله وكذا إشكال خطاب غير اليهود بقوله: {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} على ما أشرنا إليه، وكذا تخصيصه قوله تعالى: {نورا وهدى للناس} باليهود فقط وكذا قوله إن اليهود قالوا في المدينة: {ما أنزل الله على بشر من شيء} كر على ما فر منه.
على أن قوله: إن الله لقن رسوله أن يقرا الآية عليهم ويخاطبهم بقوله: {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا} مما لا دليل عليه فإن أراد بهذا التلقين وحيا جديدا بالخطاب كالوحي الأول بالغيبة كانت الآية نازلة مرتين مرة في ضمن السورة وهى إحدى آياته ومرة في المدينة غير داخلة في آيات السورة ولا جزء منها، وإن أراد بالتلقين غير الوحى بنزول جبرئيل بها لم تكن الآية آية ولا القراءة قراءة وأن اريد به أن الله فهم رسوله نوعا من التفهيم أن لفظ {تجعلونه قراطيس} الخ، النازل عليه في ضمن سورة الأنعام بمكة يسع الخطاب والغيبة جميعا وأن القراءتين جميعا صحيحتان مقصودتان كما ربما يقوله من ينهى القراءات المختلفة إلى قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو القراءة عليه ونحوهما ففيه الالتزام بورود جميع الاشكال السابقة كما هو ظاهر.
واعلم أن هذه الابحاث إنما تتأتى على تقدير كون الآية نازلة بمكة، وأما على ما وقع في بعض الروايات من أن الآية نزلت بالمدينة فلا محل لاكثرها.
قوله تعالى: {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} المراد بهذا العلم الذي علموه ولم يكونوا يعلمونه هم ولا آباؤهم ليس هو العلم العادى بالنافع والضار في الحياة مما جهز الإنسان بالوسائل المؤدية إليه من حس وخيال وعقل فإن الكلام واقع في سياق الاحتجاج مربوط به ولا رابطة بين حصول العلوم العادية للإنسان من الطرق المودعة فيه وبين المدعى وهو أن من لوازم الألوهية أن تهدى الإنسان إلى سعادته وتنزل على بعض أفراده الوحى والكتاب.
وليس المراد بها أن الله أفاض عليكم العلم بأشياء ما كان لكم من أنفسكم أن تعلموا كما يفيده قوله تعالى: {وجعل لكم السمع والابصار والافئدة} [النحل: 78] وقوله: {الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق: 5]، فإن السياق كما عرفت ينافى ذلك.
فالمراد بالآية تعليم ما ليس في وسع الإنسان بحسب الطرق المألوفة عنده التي جهز بها أن ينال علمه.
وليس إلا ما أوحاه الله سبحانه إلى أنبيائه وحملة وحيبكتاب أو بغير كتاب من المعارف الإلهية والاحكام والشرائع فإنها هي التي لا تسع الوسائل العادية التي عند عامة الإنسان أن تنالها.
ومن هنا يظهر أن المخاطبين بهذا الكلام أعنى قوله: {وعلمتم ما لم تعلموا} الخ، ليسوا هم المشركين إذا لم يكن عندهم من معارف النبوة والشرائع الإلهية شيء بين يعرفونه ويعترفون به والذى كانوا ورثوه من بقايا آثار النبوة من أسلاف أجيالهم ما كانوا ليعترفوا به حتى يصح الاحتجاج به عليهم من غير بيان كاف وقد وصفهم الله بالجهل في أمثال قوله: {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله} [البقرة: 118].
فالخطاب متوجه إلى غير المشركين، وليس بموجه إلى المسلمين أما أولا: فلان السياق سياق الاحتجاج، ولو كان الخطاب متوجها إليهم لكان اعتراضا في سياق الاحتجاج من غير نكتة ظاهرة.
وأما ثانيا: فلما فيه من تغيير مورد الخطاب، والعدول من خطاب المخاطبين بقوله: {من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى} الخ، إلى خطاب غيرهم بقوله: {وعلمتم} الخ، من غيرقرينة ظاهرة مع وقوع اللبس فالخطاب لغير المشركين والمسلمين وهم اليهود المخاطبون بصدر الآية.
فقد احتج الله سبحانه على اليهود القائلين: {ما أنزل الله على بشر من شيء} عنادا وابتغاء للفتنة من طريقين: أحدهما طريق المناقضة وهو أنهم مؤمنون بالتوراة وأنها كتاب جاء به موسى عليه السلام نورا وهدى للناس ويناقضه قولهم: {ما أنزل الله على بشر من شيء} ثم ذمهم على تقطيعها بقطعات يظهرون بعضها ويخفون كثيرا.
وثانيهما: أنكم علمتم ما لم يكن في وسعكم أن تعلموه أنتم من عند أنفسكم بالاكتساب ولا في وسع آبائكم أن يعلموه فيورثوكم علمه وذلك كالمعارف الإلهية والاخلاق الفاضلة والشرائع والقوانين الناظمة للاجتماع والمعدلة له أحسن نظم وتعديل الحاسمة لاعراق الاختلافات البشرية الاجتماعية فإنها وخاصة المواد التشريعية من بينها ليست مما ينال بالا كتساب، والتى تنال منها من طريق الاكتساب العقلي كالمعارف الكلية الإلهية من التوحيد والنبوة والمعاد والاخلاق الفاضلة في الجملة لا يكفى مجرد ذلك في استقرارها في المجتمع الإنساني، فمجرد العلم بشئ غير دخوله في مرحلة العمل واستقراره في المستوى العام الاجتماعي، فحب التمتع من لذائذ المادة وغريزة استخدام كل شيء في طريق التوصل إلى الاستعلاء على مشتهيات النفس والتسلط التام على ما تدعو إليه أهواؤها لا يدع مجالا للإنسان يبحث فيه عن كنوز المعارف والحقائق المدفونة في فطرته ثم يبنى ويدوم عليها وفي مسيرحياته وخاصة إذا استولت هذه المادية على المجتمع واستقرت في المستوى فإنها تكون لهم ظرفا يحصرهم في التمتعات المادية لا ينفذ في شيء من أقطاره شيء من الفضائل الإنسانية ولا يزال ينسى فيه ما بقى من إثاره الفضائل المعنوية الموروثة واحدا بعد واحد حتى يعود مجتمعهم مجتمعا حيوانيا ساذجا كما نشاهده في الظروف الراقية اليوم أنهم توغلوا في المادية واستسلموا للتمتعات الحسية فشغلهم ذلك في أوقاتهم بثوانيها وصرفهم عن الاخرة إلى الدنيا صرفا سلبهم الاشتغال بالمعنويات ومنعهم أي تفكير في ما يسعدهم في حياتهم الحقيقية الخالدة.
ولم يضبط التاريخ فيما ضبطه من أخبار الأمم والملل رجلا من رجال السياسة والحكومة كان يدعو إلى فضائل الاخلاق الإنسانية والمعارف الطاهرة الإلهية وطريق التقوى والعبودية بل أقصى ما كانت تدعو إليه الحكومات الفردية الاستبدادية- هو أن يتمهد الأمر لبقاء سلطتها واستقامة الأمر لها، وغاية ما كانت تدعو إليه الحكومات الاجتماعية- الديمقراطية وما يشابهها- أن ينظم أمر المجتمع على حسب ما يقترحه هوى أكثرية الافراد أيا ما اقترحه فضيلة أو رذيلة وافق السعادة الحقيقية العقلية أو خالفها غير أنهم إذا خالفوا شيئا من الفضائل المعنوية والكمالات والمقاصد العالية الإنسانية التي بقيت أسماؤها عندهم وألجاتهم الفطرة إلى إعظامها والاحترام لها كالعدل والعفة والصدق وحب الخير ونصح النوع الإنساني والرأفة بالضعيف وغير ذلك فسروها بما يوافق جارى عملهم والدائر من سنتهم كما هو نصب أعيننا اليوم.
وبالجملة فالعقل الاجتماعي والشعور المادى الحاكم في المجتمعات ليس مما يوصل الإنسان إلى هذه المعارف الإلهية والفضائل المعنوية التي لا تزال المجتمعات الإنسانية على تنوعها وتطورها تتضمن أسماء كثيرة منها واحترام معانيها وأين الاخلاد إلى الأرض من الترفع عن المادة والماديات.
فليست إلا آثارا وبقايا من الدعوة الدينية المنتهية إلى نهضات الأنبياء ومجاهداتهم في نشر كلمة الحق وبث دين التوحيد وهداية النوع الإنساني إلى سعادته الحقيقية في حياته الدنيوية والاخروية جميعا فهى منتهية إلى تعليم إلهى من طريق الوحى وإنزال الكتب السماوية.
فقوله تعالى: {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} احتجاج على اليهود في رد قول القائل منهم: {ما أنزل الله على بشر من شيء} بأن عندكم من العلم النافع ما لم تنالوه من أنفسكم ولا ناله ولا ورثه آباؤكم بل إنما علمتم به من غير هذا الطريق وهو طريق إنزال الكتاب والوحى من قبل الله على بعض البشر فقد أنزل الله على بعض البشر ما علمه وهو المعارف الحقة وشرائع الدين، وقد كان عند اليهود من هذا القبيل شيء كثير ورثوه من أنبيائهم وبثه فيهم كتاب موسى.
وقد ظهر مما تقدم أن المراد بقوله: {وعلمتم ما لم تعلموا} مطلق ما ينتهى من المعارف والشرائع إلى الوحى والكتاب لا خصوص ما جاء منه في كتاب موسى عليه السلام وإن كان الذي منه عند اليهود هو معارف التوراة وشرائعه خلافا لبعض المفسرين.
وذلك أن لفظ الآية لا يلائم التخصيص فقد قيل: {وعلمتم ما لم تعلموا} الخ، ولم يقل وعلمتم به أو وعلمكم الله به.
وقد قيل: {وعلمتم} الخ، من غير فاعل التعليم لأن ذلك هو الانسب بسياق الاستدلال لأن ذكر الفاعل في هذا السياق أشبه بالمصادرة بالمطلوب فكأنه قيل: إن فيما عندكم علوما لا ينتهى إلى اكتسابكم أو اكتساب آبائكم فمن الذي علمكم ذلك؟ ثم أجيب عن مجموع السؤالين بقوله: الله عز اسمه.
قوله تعالى: {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} لما كان الجواب واضحا بينا لا يداخله ريب، والجواب الذي هذا شأنه يسوغ للمستدل السائل أن يتكلفه ولا ينتظر المسؤول المحتج عليه، أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يتصدى هو الجواب فقال: {قل الله} أي الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى والذى علمكم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم هو الله.
ولما كان القول بأن الله لم ينزل على بشر شيئا من لغو القول وهزله الذي لا يتفوه به إلا خائض لاعب بالحقائق وخاصة إذا كان القائل به من اليهود المعترفين بتوراة موسى والمباهين بالعلم والكتاب أمره بأن يدعهم وشأنهم فقال: {ثم ذرهم في خوضهم يلعبون}. اهـ.

.من فوائد الشوكاني في الآية:

قال رحمه الله:
قوله: {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} قدرت الشيء وقدّرته: عرفت مقداره، وأصله: الستر، ثم استعمل في معرفة الشيء، أي لم يعرفوه حق معرفته، حيث أنكروا إرساله للرسل، وإنزاله للكتب.
وقيل المعنى: وما قدروا نعم الله حق تقديرها.
وقرأ أبو حيوة: {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} بفتح الدال: وهي لغة، ولما وقع منهم هذا الإنكار وهم من اليهود، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يورد عليهم حجة لا يطيقون دفعها، فقال: {قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذي جَاء بِهِ موسى} وهم يعترفون بذلك ويذعنون له، فكان في هذا من التبكيت لهم والتقريع ما لا يقادر قدره، مع إلجائهم إلى الاعتراف بما أنكروه، من وقوع إنزال الله على البشر، وهم الأنبياء عليهم السلام، فبطل جحدهم وتبين فساد إنكارهم وقيل: إن القائلين بهذه المقالة هم كفار قريش، فيكون إلزامهم بإنزال الله الكتاب على موسى من جهة أنهم يعترفون بذلك، ويعلمونه بالأخبار من اليهود، وقد كانوا يصدقونهم، و{نُورًا وَهُدًى} منتصبان على الحال، و{لِلنَّاسِ} متعلق بمحذوف هو صفة لهدى، أي كائنًا للناس.
قوله: {تَجْعَلُونَهُ قراطيس} أي تجعلون الكتاب الذي جاء به موسى في قراطيس تضعونه فيها ليتمّ لكم ما تريدونه من التحريف والتبديل، وكتم صفة النبي صلى الله عليه وسلم المذكورة فيه، وهذا ذمّ لهم، والضمير في {تُبْدُونَهَا} راجع إلى القراطيس، وفي {تَجْعَلُونَهُ} راجع إلى الكتاب، وجملة {تجعلونه} في محل نصب على الحال، وجملة {تبدونها} صفة لقراطيس {وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} معطوف على {تبدونها} أي وتخفون كثيرًا منها، والخطاب في {وَعُلّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ ءابَاؤُكُمْ} لليهود، أي والحال أنكم قد علمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم، ويحتمل أن تكون هذه الجملة استئنافية مقرّرة لما قبلها، والذي علموه هو الذي أخبرهم به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الأمور التي أوحى الله إليه بها، فإنها اشتملت على ما لم يعلموه من كتبهم، ولا على لسان أنبيائهم، ولا علمه آباؤهم، ويجوز أن يكون ما في {ما لم تعلموا} عبارة عما علموه من التوراة، فيكون ذلك على وجه المنّ عليهم بإنزال التوراة.
وقيل: الخطاب للمشركين من قريش وغيرهم، فتكون ما عبارة عما علموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمره الله رسوله بأن يجيب عن ذلك الإلزام الذي ألزمهم به حيث قال: {مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذي جَاء بِهِ موسى} فقال: {قُلِ الله} أي: أنزله الله: {ثُمَّ ذَرْهُمْ في خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} أي ذرهم في باطلهم حال كونهم يلعبون، أي يصنعون صنع الصبيان الذين يلعبون. اهـ.