فصل: من فوائد النسفي في الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولماذا سميت أم القرى؟؛ إما لأن هاجر لما نزلت بابنها الرضيع بوادٍ غير ذي زرع، وبعد ذلك تكاثر الناس فصارت هي أم القرى، أو لأن فيها الكعبة، وكل الناس يؤمّونها، أو لأن الحاجّ يأتيها من كل صوب كما يهب ويسرع الأبناء ويلوذون بأمهم: {وَلِتُنذِرَ أُمَّ القرى وَمَنْ حَوْلَهَا والذين يُؤْمِنُونَ بالآخرة يُؤْمِنُونَ بِهِ} [الأنعام: 92].
من- إذن- الذي يؤمن بهذا الكتاب الذي أنزل مصدقًا لما بين يديه لينذر به أم القرى ومن حولها، ومن هم الذين يؤمنون بالآخرة؟ ولماذا جاء الربط بين أم القرى وما حولها وبين الذين يؤمنون بالآخرة؟. لأن أحدًا لن يذهب لتعاليم القرآن ليأخذها وينفذها إلا من يؤمن بأن هناك يومًا نذهب فيه جميعًا إلى الآخرة.
لذلك يخاف فيهرب من المعاصي، ويرغب في الطاعة؛ لأن هناك ثوابًا وعقابًا، أما الذي لا يؤمن بالآخرة فلا يسمعك ولا ينصاع ولا ينقاد لك حين تأمره بالعفة؛ لأنه لا يرى ثوابًا أو عقابًا ولا ينتهي عن السرقة أو الكبر أو الموبقات جميعًا؛ لأنه لا يخاف من الآخرة؟.
إذا فالذي يملكنا جميعًا هو الآخرة والخوف منها، ومن لا يؤمن بالآخرة يقول أنا غير مُلزم بشيء، ولا شيء يقيّد حريتي. ثم لماذا أقيّد حريتي؟!
وهنا نقول: أنت تأخذ الأمر بسطحية، فعلى فرض أن في قوانين السماء ما يقيد حريتك، لكنه لا يقيد حريتك وحدك، إنه يقيد حرية الكل، فإن قيد حريتك بالنسبة للناس، فهذه القوانين السماوية تقيد حرية الناس بالنسبة لك، فحين ينهاك الدين عن السرقة، وعن النظر إلى محارم الغير فهو يقول للناس كلها: لا تسرقوا من فلان ولا تنظروا إلى محارم فلان، وبذلك تأخذ حقك كاملًا، وبهذا تعيش في نظام متساوٍ لا تتعب فيه؛ لأن الجاري والمطبق عليك جارٍ على غيرك مع جريانه عليك.
لكن من يؤمنون بالآخرة هم كل واحد يريد أن ينجي نفسه من العقاب، ومن الوعيد. ويدخل نفسه في الوعد وفي الثواب. فمثلًا- ولله المثل الأعلى- حين نقول للولد: اذهب لتلقى العلم، قد يرد: أنا لا أريد شهادة، فيجبره والده في البداية أن يستذكر، ثم نجد الشاب بعد مشوار المذاكرة يخاف من الرسوب وأن عليه أن يجتهد وأن ينجح. أما إن لم يوجد امتحان في آخر العام فالمذاكرة وعدمها سواء لديه. فمن أقرب- إذن- إلى الاستجابة لنداء العدل والخير؟ إنه من يؤمن بالآخرة.
{والذين يُؤْمِنُونَ بالآخرة يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الأنعام: 92].
ولماذا جاء بالحفاظ على الصلاة هنا؟. نحن نعلم أن الصلاة، هي عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، وحين نحلل الأمر تحليلًا طبيعيًا نجد أن الناس تنفر من الطاعات لأنها تأخذ زمنًا يحبون أن يقضوه في اللعب، وحين نقول لواحد مثلًا: اترك عملك وصل. قد يرد: لا؛ لأني حين أترك عملي يضيع عليّ كذا. ولو كان طبيبًا لذكر عددا من مرضى سيكشف عليهم، ولو كان عاملًا لقال: إن توقف الآلة في أثناء الصلاة يجعلني أخسر كثيرًا.
وهنا نقول: يا أخي تعال إلى الطاعة، والبركة تعوض لك ما تظن أنك تخسره، وإذا نظرت إلى أركان الإسلام تجدها بالنسبة لانشغال الزمن بها لا تأخذ الكثير من الوقت؛ فشهادة أن لا إله إلا الله مُحمد رسول الله لا تحتاج منك إلا إلى أن تقولها مرة واحدة، وهذا ركن لم يستغرق زمنًا طويلًا بالنسبة لأدائه، والزكاة لا تأخذ منك إلا ما تعطيه يوم الحصاد، وهذا يستغرق وقتا قليلا، وكذلك زكاة المال آخر العام، والصوم شهر في السنة، وإذا كان زمن الصوم أوسع قليلًا إلا أنه وقت لا يمر إلا كل عام. والحج مرة في العمر إن كنت مستطيعًا.
إذن أنت تجد التكاليف الركنية في الإسلام بالنسبة للأزمان وقتها يسير وقليل لمن يحرص عليها، لكن الصلاة تؤدي في كل يوم خمس مرات، ورقعتها بالنسبة للزمن أوسع. وأداؤها يحتاج إلى طهارة من حدث أو جنابة وكذلك طهارة المكان؛ لذلك جاءت الصلاة ركنًا أصيلًا في الإسلام. وأنت لا تعرف الإنسان إن كان مسلمًا إلا إذا سمع الأذان وقام يصلي. لذلك هي الفارقة بين المسلم وغير المسلم؛ لأن الأركان الأخرى أزمانها محصورة، ومع أنها كذلك إلا أنها أخذت من التشريع حظها من الركنية الأصيلة.
إنّ كل تشريعات الإسلام أركانًا وفروعًا جاءت بالوحي إلا الصلاة؛ فقد جاءت بالمباشرة؛ لأن الصلاة دعاء الخالق خلقه لحضرته؛ لذلك كان لابد أن يكون تشريعها بهذه الصورة الفريدة، تشريعًا جاء بالحضرة الإلهية.
وشيء آخر: ما دامت الصلاة هي العمدة في الدين فكأن الصلاة تقول للأركان الأخرى: أنا أجمعكم وأضمكم وأشملكم جميعا؛ فالمسلم في أثناء الصلاة يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. والمسلم يصوم في أثناء الصلاة عن شهوتي البطن والفرج بل وتكون الصلاة صومًا لا عن الأكل والشرب، وشهوة الفرج فقط بل هي إمساك عن كل حركة، وفي الصلاة زكاة؛ لأن الزكاة تعني أن تخرج بعضًا من مالك، والمال فرع العمل، والعمل فرع الوقت. وأنت حين تصلي إنما تزكي بالأصل وهو وقت العمل، وأنت في الصلاة تتوجه إلى الكعبة كما يتجه الحاج والمعتمر، إذن ففي الصلاة كل أركان الإسلام مجتمعة.
إذن فأهمية الصلاة أنها قد اندمج فيها كل ركان الإسلام، وبها يتحقق الاستطراق الاجتماعي للخلافة في الأرض؛ لأن الخلافة في الأرض تقتضي مواهب متعددة، وطاقات متعددة، ولا يمكن لخليفة واحد في الأرض أن يكون مجمع هذه المواهب بل لابد أن تتفرق المواهب في المتفرق والشتيت من الناس، فلا يمكن أن يكون الإنسان الواحد مهندسًا وطبيبًا ومحاميًا وصانعًا وحارثًا وزارعًا وتاجرًا. ولذلك وزع الله سبحانه وتعالى مقتضيات الخلافة في الأرض على الخلفاء في الأرض توزيعًا يجعل الالتقاء ضروريًا وليس تَفضُّليًا، بحيث تكون أنت في حاجة إلى مواهب ليست عندك فتذهب لصاحبها.
وصاحبها أيضا يحتاج إلى مواهب عندك ليست عنده فيأتي إليك.
وانظروا إذا شاء واحد أن يستغني في بعض الأشياء التي يقوم بها الغير كم يتعب؟، فإذا ما أتعبه السباكون وآلموه في الأجور. وحاول تعلم السباكة، ولابد له أن يتعلمها من سباك. وكذلك حياكة الملابس. ومعنى ذلك أن الله أبقى المواهب متفرقة مشتتة في الخلق ليحتاج كل خلق إلى كل الخلق. والناس لا تنظر إلى جهة التميّز إلا إلى شيء واحد هو: الغِنى.
ونقول الغِنى المالي أو العقاري هو نوع فقط من المواهب؛ لأنك مثلًا إذا نظرت إلى العَالِم الذي يظل عشرين عامًا يستوعب العلم، ثم يقابله من يستفتيه في فتوى فيقولها له مجانًا، ولو علم هذا السائل ماذا تكلف الأستاذ الذي أفتاه طوال عشرين سنة بحثًا في الكتب وسماعًا من الأساتذة واستنباطًا من الأحكام لدفع مكافأة لهذه الفتوى؛ لأن العالِم كان مُسخرًا لمدة عشرين عامًا لتأخذ أنت الفتوى في نضجها النهائي في يسر وسهولة وتنتفع بها.
وحين نرى من يمسح الحذاء، ونجد صاحب الحذاء وهو يمد وهو يمد رجله والاخر يمسح الحذاء تقول لنفسك: لماذا كل هذا الزهو لصاحب الحذاء، ولماذا هذا الانكسار لماسح الأحذية؟. وأقول: أنت رأيت صاحب الحذاء وقت راحته، ورأيت ماسح الأحذية وهو في وقت عمله. ولو عرفت كيف جاء صاحب الحذاء بالنقود التي سيدفعها لماسح الأحذية لعلمت أنه كان مسخرًا له ساعة كان يعمل ليحصل على النقود ليعطي مها ماسح الأحذية، ولذلك قال الحق: {لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32]
والناس لا تنظر في التسخير إلا للغني والفقير، ونقول: خذوا التسخير على أن كل واحد في الكون مُسخّر في الموهبة التي عنده، ومُسخّر له في المواهب التي ليست عنده. وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يربط الناس بهذا ربطًا قسريًا وليس تفضّليًا؛ لأن من عنده أولاد يريدون أن يأكلوا وامرأة تحتاج إلى أن تَطْعَم ولا يملك نقودًا، وليس أمامه من عمل سوى نزح المجاري، فيأتي بأدوات نزح المجاري، ويؤدي العمل ليعول من يعولهم، ولولا ارتباطه بضرورة الحياة له ولمن يعول لما عمل في مثل هذا العمل، إذن فهو مربوط ربطًا ضروريًا ليؤدي خدمة في الكون. ولو كان كل البشر يعيشون في رغد العيش أكان هناك من يتطوع لينزح المجاري؟ لا يحدث ذلك أبدًا، لأنه عمل لا يأتي بالتفضل بل بالاحتياج.
وهكذا نرى أن الخلافة في الأرض تقتضي استطراقًا، وهذا الاستطراق لا يدوم كثيرًا؛ فمرة تكون القوة لإنسان ثم تذهب منه، ومرة يكون الثراء لإنسان ثم ينحسر عنه هذا الغِنى، ولذلك أخبرنا الحق أنه جعل الأيام دُوَلًا بين الناس ليستقيم العالم بارتباط الضرورة في بعض الأعمال، وإن بدا لنا أن هناك مواهب تميز بين الناس في شكلهم، وفي هندامهم، وفي مطيتهم، تجد الطبيب يعمل في أكثر من مكان، وإن سار على رجليه لتعب، لذلك يشتري سيارة، ويظن من يراها أن السيارة امتياز لا مثيل له، متناسيًا أن هذه السيارة تقضي مصالح الرجل ليخدم الآخرين.
مثال آخر: أنت إن نظرت إلى كوب الشاي الذي تشربه بمزاج وليس لضرورة حيوية، وإن جاءك من يقدم لك الشاي ليقول: إن الشاي قد نفد من المقهى، فتعطيه جنيهًا وتقول: هات كيسًا من الشاي من عند البقال، ويذهب الغلام ليحضر علبة الشاي فيجد البقال وكأنه قد جهزها له، وأنت لا تعرف أن علبة الشاي هذه قد أخذت وقتا وعملا من اثنين أو ثلاثة لتصل إليك؛ لأن الحق قد كلف أناسًا ليزرعوا الشاي في بعض البلاد، وأناسًا آخرين يستوردونه، ثم تأتيك علبة الشاي لتصنع منها كوبًا لتشربه.
إذن فمسألة كلها تسخيرات؛ لذلك توجد الفوارق الاجتماعية التي تقتضيها أعمالنا، ويذيب الحق هذه الفوارق بأن جعل في الصلاة استطراقًا للجميع، وتلتفت ساعة يقول المؤذن: (الله أكبر) أن الكل قد جاء، الغني قبل الفقير، والخفير مع الأمير، ويخلع الجميع أقدارهم خارج المسجد مع نعالهم ليتساوَوْا في الصلاة، ومن له رئيس يتكبر عليه يراه وهو ساجد مثله لله، فتريحه لحظة استطراق العبودية.
ولنفرض أن كلًا منا سيصلي بمفرده في الصلاة اليومية، لكن عندما يؤذن المؤذن لصلاة الجمعة، يأمرنا الحق أن نَذَر ونترك كل شيء لنؤدي صلاة الجمعة معًا. ويرى الضعيف عظيمًا يتضرع مثله إلى الله، ويرى القوي نفسه بجانب الضعيف، وحين يعود كل منا إلى عمله تسقط أقنعة القوة والزهو؛ لأننا جميعًا نقف أمام خالق واحد وكلنا سواء.
إن هذا هو الاستطراق الاجتماعي؛ لأننا حين نرقب بعضنا في أثناء الصلاة نجد أنفسنا في حضرة الرَّب الذي أعد لنا الكون، وسخّره لنا، وأعطانا الطاقات، وأعطانا المواهب، وإذا تأملنا واحدًا له وظيفة كبيرة جدًا، فأنت حين ترغب في لقائه تكتب التماسًا، ويُنْظَر في الالتماس، فإمّا أن يوافقوا وإمّا لا يوافقوا على لقائك به. وإن وافقوا يسألوك: في أي أمر ستتكلم؟ وسيُحدد لك الوقت الذي ستجلس فيه معه وليكن ثلاث دقائق مثلا، وحين تجلس إليه وتنسى نفسك يقوم هو ليدلك على أن المقابلة انتهت، لكن ربنا يقول لنا: تعالوْا لي في أي وقت، وكلموني في أي شيء، وأنا لا أملّ حتى تملُّوا، وأنتم يا عبيدي مَنْ تنهون المقابلة، وهذا عطاء كثير جدًا. يغدقه المولى عزوجل على عباده.
فهل هناك ربوبية أفضل من هذه؟.
إذن فالصلاة إذا نظرت إليها وجدت أنها: جماع كل فضائل الدين وفيها كل الفضائل للمجتع؛ لذلك جعلها الله عماد الدين. اهـ.

.من فوائد النسفي في الآيات:

قال عليه الرحمة:
{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا} إشارة إلى جميع ما احتج به إبراهيم عليه السلام على قومه من قوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اليل} إلى قوله: {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} {ءاتيناها إبراهيم على قَوْمِهِ} وهو خبر بعد خبر {نَرْفَعُ درجات مَّن نَّشَاءُ} في العلم والحكمة وبالتنوين كوفي وفيه نقض قول المعتزلة في الأصلح {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ} بالرفع {عَلِيمٌ} بالأهل.
{وَوَهَبْنَا لَهُ} لإبراهيم {إسحاق وَيَعْقُوبَ كُلًا هَدَيْنَا} أي كلهم وانتصب {كَلاَّ} ب {هَدَيْنَا} {وَنُوحًا هَدَيْنَا} أي وهدينا نوحًا {مِن قَبْلُ} من قبل إبراهيم {وَمِن ذُرّيَّتِهِ} الضمير لنوح أو لإبراهيم، والأوّل أظهر لأن يونس ولوطًا لم يكونا من ذرية إبراهيم {دَاوُدَ وسليمان وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وموسى وهارون} والتقدير: وهدينا من ذريته هؤلاء {وَكَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} ونجزي المحسنين جزاء مثل ذلك، فالكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف {وَزَكَرِيَّا ويحيى وعيسى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ} أي كلهم {مِّنَ الصالحين} وذكر عيسى معهم دليل على أن النسب يثبت من قبل الأم أيضًا لأنه جعله من ذرية نوح عليه السلام وهو لا يتصل به إلا بالأم، وبذا أجيب الحجاج حين أنكر أن يكون بنو فاطمة أولاد النبي عليه السلام {وإسماعيل واليسع} {والليسع} حيث كان بلامين: حمزة وعلي {واليسع وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًا فَضَّلْنَا عَلَى العالمين} بالنبوة والرسالة {وَمِنْ ءَابَائِهِمْ} في موضع النصب عطفًا على {كُلاَّ} أي وفضلنا بعض آبائهم {وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ ذلك} أي ما دان به هؤلاء المذكورون {هُدَى الله} دين الله: {يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} فيه نقض قول المعتزلة لأنهم يقولون إن الله شاء هداية الخلق كلهم لكنهم لم يهتدوا {وَلَوْ أَشْرَكُواْ} مع فضلهم وتقدمهم وما رفع لهم من الدرجات العلى {لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} لبطلت أعمالهم كما قال: {لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر: 65]
{أولئك الذين ءاتيناهم الكتاب} يريد الجنس {والحكم} والحكمة أو فهم الكتاب {والنبوة} وهي أعلى مراتب البشر {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا} بالكتاب والحكم والنبوة أو بآيات القرآن {هؤلاء} أي أهل مكة {فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا} هم الأنبياء المذكورون ومن تابعهم بدليل قوله: {أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده} أو أصحاب النبي عليه السلام، أوكل من آمن به أو العجم.
ومعنى توكيلهم بها أنهم وفقوا للإيمان بها والقيام بحقوقها كما يوكل الرجل بالشيء ليقوم به ويتعهده ويحافظ عليه.
والباء في {لَّيْسُواْ بِهَا} صلة {كافرين} وفي {بكافرين} لتأكيد النفي {أولئك الذين هَدَى الله} أي الأنبياء الذين مر ذكرهم {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} فاختص هداهم بالاقتداء ولا تقتد إلا بهم، وهذا معنى تقديم المفعول.
والمراد بهداهم طريقتهم في الإيمان بالله وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع فهي مختلفة، والهاء في {اقتده} للوقف تسقط في الوصل، واستحسن إيثار الوقف لثبات الهاء في المصحف ويحذفها حمزة.