فصل: من فوائد ابن الجوزي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إليَّ}.
اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن أولها، إلى قوله: {ولم يوحَ إليه شيء} نزل في مُسيلمة الكذاب.
وقوله تعالى: {ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله} نزل في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان قد تكلم بالإسلام، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحايين، فإذا أُملي عليه: «عزيز حكيم» كتب: «غفور رحيم» فيقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا وذاك سواء.
فلما نزلت {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} [المؤمنون: 12] أملاها عليه، فلما انتهى إلى قوله: {خلقا آخر} [المؤمنون: 14] عجب عبد الله بن سعد، فقال: {تبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 14] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذا أنزلت عليَّ فاكتبها» فشك حينئذ، وقال: لئن كان محمد صادقًا، لقد أوحي إليَّ كما أوحي إليه، ولئن كان كاذبًا، لقد قلت كما قال، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
قال عكرمة: ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة.
والقول الثاني: أن جميع الآية في عبد الله بن سعد، قاله السدي.
والثالث: أنها نزلت في مسيلمة، والأسود العنْسيّ، قاله قتادة.
فإن قيل: كيف أفرد قوله: {أو قال أُوحي إليَّ} من قوله: {ومن أظلم ممن افترى} وذاك مفترٍ أيضا؟
فعنه جوابان.
أحدهما: أن الوصفين لرجل واحد، وصف بأمر بعد أمر ليدل على جرأته.
والثاني: أنه خص بقوله: {أو قال أُوحي إليَّ} بعد أن عم بقوله: {افترى على الله} لأنه ليس كل مفترٍ على الله يدعي أنه يوحى إليه، ذكرهما ابن الأنباري.
قوله تعالى: {سأُنزل مثل ما أنزل الله} أي: سأقول.
قال ابن عباس: يعنون الشعر، وهم المستهزؤون.
وقيل: هو قول عبد الله بن سعد بن أبي سرح.
قال الزجاج: وهذا جواب لقولهم: {لو نشاء لقلنا مثل هذا}.
قوله تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون} فيهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم قوم كانوا مسلمين بمكة، فأخرجهم الكفار معهم إلى قتال بدر، فلما أبصروا قلَّة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا عن الإيمان، فنزل فيهم هذا، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنهم الذين قالوا: {ما أنزل الله على بشر من شيء} قاله أبو سليمان.
والثالث: الموصوفون في هذه الآية، وهم المفترون والمدَّعون الوحي إليهم، ومماثلة كلام الله.
قال الزجاج: وجواب لو محذوف؛ والمعنى: لو تراهم في غمرات الموت لرأيت عذابًا عظيمًا.
ويقال: لكل من كان في شيء كبير: قد غمر فلانًا ذلك.
قال ابن عباس: غمرات الموت: سكراته.
قال ابن الأنباري: قال اللغويون: سميت غمرات، لأن أهوالها يغمرن من يقعن به.
قوله تعالى: {والملائكة باسطو أيديهم}.
فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: بالضرب، قاله ابن عباس.
والثاني: بالعذاب، قاله الحسن، والضحاك.
والثالث: باسطوها لقبض الأرواح من الأجساد، قاله الفراء.
وفي الوقت الذي يكون هذا فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: عند الموت، قال ابن عباس هذا عند الموت، الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم، وملك الموت يتوفاهم.
والثاني: يوم القيامة، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: في النار، قاله الحسن.
قوله تعالى: {أخرجوا أنفسكم} فيه إضمار يقولون وفي معناه قولان:
أحدهما: استسلموا لإخراج أنفسكم.
والثاني: أخرجوا أنفسكم من العذاب إن قدرتم.
قوله تعالى: {تجزَون عذاب الهون} قال أبو عبيدة: الهون: مضموم، وهو الهوان، وإذا فتحوا أوله، فهو الرِّفق والدَّعة.
قال الزجاج: والمعنى: تجزَون العذاب الذي يقع به الهوان الشديد. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله عز وجل: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا} يعني ومن أعظم خطأ وأجهل فعلًا ممن اختلق على الله كذبًا فزعم أن الله بعثه نبيًا وهو في زعمه كذاب مبطل {أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء} قال قتادة: نزلت هذه الآية في مسيلمة الكذاب بن ثمامة.
وقيل مسيلمة بن حبيب من بني حنيفة وكان صاحب نيرجات وكهانة وسجع ادعى النبوة باليمن وزعم أن الله أوحى إليه وكان قد أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولين: فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشهدان أن مسيلمة نبي؟ قالا: نعم.
فقال لهما: النبي صلى الله عليه وسلم لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما (ق).
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض فوضع في يدي سواران من ذهب فكبرا عليّ وأهماني فأوحي إلي أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة». وفي لفظ الترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت في المنام كأن في يدي سوارين فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي، يقال لأحدهما: مسيلمة صاحب اليمامة والعنسي صاحب صنعاء» قوله فأوحى إليّ أن أنفخهما يروى بالخاء المهملة ومعناه الرمي والدفع من نفخت الدابة برجلها إذا دفعت ورمحت ويروى بالخاء المعجمة من النفخ يريد أنه نفخهما فطارا عنه وهو قريب من الأول فأما مسيلمة الكذاب فإنه ادعى النبوة باليمامة من اليمن وتبعه قوم من بني حنيفة وكان صاحب نيرجات فاغترّ قومه بذلك وقتل مسيلمة.
الكذاب في زمن خلافة أبي بكر الصديق قتله وحشي قاتل حمزة بن عبد المطلب وكان وحشي يقول: قتلت خير الناس يعني حمزة وقتلت شر الناس يعني مسيلمة وأما الأسود العنسي بالنون فهو عبهلة بن كعب وكان يقال له ذو الحمار ادعى النبة باليمن في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقتل والنبي صلى الله عليه وسلم حي لم يمت وذلك قبل موته بيومين وأخر أصحابه بقتله وقتله فيروز الديلمي فقال النبي صلى الله عليه وسلم فاز فيروز يعني بقتلة الأسود العنسي فمن قال إن هذه الآية يعني قوله تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء} انزلت في مسيلمة الكذاب والأسود العنسي يقول: إن هذه الآية مدنية نزلت بالمدينة وهو قول لبعض علماء التفسير تقدم ذكره في أول السورة ومن قال إن هذه الآية مكية وقال: إنها نزلت في شأنهما يقول إنها خبر عن غيب قد ظهر ذلك فيما بعد والله أعلم.
وقوله تعالى: {ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله} قال السدي: نزلت في عبد الله بن أبي سرح القرشي وكان قد أسلم وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا أملى عليه سمعيًا بصيرًا كتب عليمًا حكيمًا وإذا أملى عليه عليمًا حكيمًا كتب غفورًا رحيمًا فلما نزلت {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} أملاها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان فقال تبارك أحسن الخالقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتبها فهكذا نزلت فشك عبد الله بن أبي سرح وقال: لئن كان محمد صادقًا فقد أوحي إلي مثل ما أوحي إليه فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين ثم رجع عبد الله بعد ذلك إلى الإسلام فأسلم قبل فتح مكة والنبي صلى الله عليه وسلم نازل بمر الظهران وقال ابن عباس نزل قوله ومن قال: سأنزل مثل ما أنزل الله في المستهزئين وهو جواب لقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا قال العلماء وقد دخل في حكم هذه الآية كل من افترى على الله كذبًا في ذلك الزمان وبعده لأنه لا يمنع خصوص السبب من عموم الحكم: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت} يعني ولو ترى يا محمد حال هؤلاء الظالمين إذ أنزل بهم الموت لرأيت أمرًا عظيمًا وغمراته شدائده وسكراته وغمرة كل شيء معظمة وأصلها الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها ثم وضعت في موضع الشدائد والمكاره {والملائكة باسطوا أيديهم} يعني بالعذاب يضربون وجوههم وأدبارهم وقيل: باسطوا أيديهم لقبض أرواحهم {أخرجوا أنفسكم} يعني يقولون لهم أخرجوا أنفسكم.
فإن قلت: إنه لا قدرة لأحد على إخراج روحه من بدنه فما فائدة هذا الكلام.
قلت: معناه يقولون لهم أخرجوا أنفسكم كرهًا لأن المؤمن يحب لقاء الله بخلاف الكافر وقيل معناه يقولون لهم خلصوا أنفسكم من هذا العذاب أن قدرتم على ذلك فيكون هذا القول توبيخًا لهم لأنهم لا يقدرون على خلاص أنفسهم من العذاب في ذلك الوقت {اليوم تجزون عذاب الهون} يعني الهوان {بما كنتم تقولون على الله غير الحق} يعني ذلك العذاب الذي تجزونه بسبب ما كنتم تقولون على الله غير الحق {وكنتم عن آياتنا تستكبرون} يعني وبسبب ما كنتم تتعظمون عن الإيمان بالقرآن ولا تصدقونه. اهـ.

.من فوائد ابن كثير في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزلُ مِثْلَ مَا أَنزلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}.
يقول تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} أي: لا أحد أظلم ممن كذب على الله، فجعل له شريكا أو ولدا، أو ادعى أن الله أرسله إلى الناس ولم يكن أرسله؛ ولهذا قال تعالى: {أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ}.
قال عِكْرِمة وقتادة: نزلت في مسيلمة الكذاب لعنه الله: {وَمَنْ قَالَ سَأُنزلُ مِثْلَ مَا أَنزلَ اللَّهُ} يعني: ومن ادعى أنه يعارض ما جاء من عند الله من الوحي مما يفتريه من القول، كما قال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} [الأنفال: 31]، قال الله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} أي: في سكراته وغمراته وكُرُباته، {وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} أي: بالضرب كما قال: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ} الآية [المائدة: 28]، وقال: {وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ} الآية [الممتحنة: 2].
وقال الضحاك، وأبو صالح: {بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} أي: بالعذاب. وكما قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال: 50]؛ ولهذا قال: {وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} أي: بالضرب لهم حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم؛ ولهذا يقولون لهم: {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} وذلك أن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنَّكال، والأغلال والسلاسل، والجحيم والحميم، وغضب الرحمن الرحيم، فتتفرق روحه في جسده، وتعصى وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم، قائلين لهم: {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} أي: اليوم تهانون غاية الإهانة، كما كنتم تكذبون على الله، وتستكبرون عن اتباع آياته، والانقياد لرسله.
وقد وردت أحاديث متواترة في كيفية احتضار المؤمن والكافر، وهي مقررة عند قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27].
وقد ذكر ابن مَرْدُوَيه هاهنا حديثا مطولا جدا من طريق غريبة، عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعا، فالله أعلم. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} أي: اختلق إفكًا، فجعل له شركاء أو ولدًا، أو أحكامًا في الحل والحرمة، كعمرو بن لحيّ وأشباهه، ممن جعل قوله قول الله: {أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} ممن ادعى النبوة كذبًا، وهذا يزيد على الافتراء في دعوى النبوة.
قال البقاعي: هذا تهديد على سبيل الإجمال، كعادة القرآن الجميل، يدخل فيه كل من اتصف بشيء من ذلك، كمسيلمة والأسود العنسيّ وغيرهما، ثم قال: رأيت في كتاب غاية المقصود في الرد على النصارى واليهود لابن يحيى المغربي الذي كان من علمائهم في حدود سنة 560 ثم هداه الله للإسلام فبين فضائحهم: إن الربانيين منهم زعموا أن الله يوحي إلى جميعهم في كل يوم مرات. ثم قال: إن الربانيين أكثرهم عددًا، يزعمون أن الله يخاطبهم في كل مسألة بالصواب، وهذه الطائفة أشد اليهود عداوة لغيرهم في الأمم. انتهى.: {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} أي: ومن ادعى أنه يعارض ما جاء من عند الله من الوحي مما يفتريه من القول، كالنضر بن الحارث. وهذا كقوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} [الأنفال: 31].
قال المهايمي: أي: ومن أنكر إعجاز القرآن حتى قال: سأنزل مثل ما أنزل الله، مع أنه قد عرف إعجازه، فكأنه ادعى لنفسه قدرة الله، فكأنه ادعى الإلهية لنفسه، ولا يجترئ على هذه الوجوه من الظلم من يؤمن بالآخرة. فيعلم ما للظالمين فيها، المبيَّن بقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ}. أي: شدائده وسكراته وكرباته {وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} أي: بالضرب والعذاب، كقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال: 50].
{أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} أي: قائلين لهم: أخرجوا إلينا أرواحكم من أجسادكم، تغليظًا وتوبيخًا وتعنيفًا عليهم. وقد جنح بعضهم إلى أن ما ذكر من مجاز التمثيل. أي: فشبه فعل الملائكة في قبض أرواحهم، بفعل الغريم الذي يبسط يده إلى من عليه الحق ويعنف في استيفاء حقه من غير إمهال. وفي الكشف أنه كناية عن ذلك، ولا بسط ولا قول حقيقة. قال الناصر في الانتصاف: ولا حاجة إلى ذلك. والظاهر أنهم. يفعلون معهم هذه الأمور حقيقة، على الصور المحكية. وإذا أمكن البقاء على الحقيقة، فلا معدل عنها. انتهى.
وقال الحافظ ابن كثير: إن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال والأغلال والسلاسل والجحيم والحميم وغضب الرحمن الرحيم، فتتفرق روحه في جسده، وتعصى، وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم، قائلين لهم: أخرجوا أنفسكم. انتهى.
أقول: مما يؤيد الحقيقة آية: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى} المتقدمة، فإنها صريحة ومراعاة النظائر القرآنية أعظم ما يفيد في باب التأويل.
قال السيوطي في الإكليل: في هذه الآية حال الكافر عند القبض، وعذاب القبر. واستدل بها محمد بن قيس على أن لملك الموت أعوانًا من الملائكة- أخرجه ابن أبي حاتم-.
{الْيَوْمَ} أي: وقت الإماتة، أو الوقت الممتد من الإماتة إلى ما لا نهاية له {تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} أي: الهوان الشديد {بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ} كالتحريف ودعوى النبوة الكاذبة. وهو جراءة على الله متضمنة للاستهانة به- قاله المهايمي- {وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} حتى قال بعضكم: سأنزل مثل ما أنزل الله. اهـ.