فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)}.
وكما فَلَقَ صبحَ الكون فأشرقَتْ الأنوارُ كذلك فَلَقَ صبحَ القلوبِ فاستنارت به الأسرار، وكما جعل الليل سَكَنًا لِتَسْكَنَ فيه النفوس من كدِّ التصرف عن أسباب المَعَاش كذلك جعل الليلَ سَكَنًا للأحباب يَسْكَنونَ فيه إلى روح المناجاة إذا هدأت العيونُ من الأغيار.
وجعل الشمس والقمر يجريان بحسبان معلوم على حد معلوم، فالشمس بوصفها مذ خُلِقَت لم تنقص ولم تزِدْ، والقمر لا يبقى ليلةً واحدةً على حالة واحدة فأبدًا في الزيادة والنقصان، ولا يزال ينمو حتى يصير بدرًا، ثم يتناقص حتى لا يُرى، ثم يأخذ في الظهور، وكذلك دأبُه دائمًا إلى أَنْ تُنْقضَ عليه العادة. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {فالق الإصباح} في معنى الفلق قولان قد سبقا.
فأما الإصباح، فقال الأخفش: هو مصدر من أصبح.
وقال الزجاج: الإصباح والصبح واحد.
وللمفسرين في الإصباح، ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ضوء الشمس بالنهار، وضوء القمر بالليل، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: أنه إضاءة الفجر، قاله مجاهد.
وقال ابن زيد: فلق الإصباح من الليل.
والثالث: أنه نوَّر النهار، قاله الضحاك.
وقرأ أنس بن مالك، والحسن، وأبو مجلز، وأيوب، والجحدري: {فالق الأَصباح} بفتح الهمزة.
قال أبو عبيد: ومعناه: جمع صبح.
قوله تعالى: {وجاعل الليل سكنًا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {جاعل} بألف.
وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: {وجعل} بغير ألف.
{الليلَ} نصبًا.
قال أبو علي: من قرأ: {جاعل} فلأجل {فالق} وهم يراعون المشاكلة.
ومن قرأ: {جعل} فلأن فاعلًا هاهنا بمعنى: فعل بدليل قوله: {والشمس والقمر حسبانًا} فأما السكن: فهو ما سكنْتَ إليه.
والمعنى: أن الناس يسكنون فيه سكون راحة.
وفي الحسبان قولان:
أحدهما: أنه الحساب، قاله الجمهور.
قال ابن قتيبة: يقال: خذ من كل شيء بحسبانه، أي: بحسابه.
وفي المراد بهذا الحساب، ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهما يجريان إلى أجل جُعل لهما، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: يجريان في منازلهما بحساب، ويرجعان إلى زيادة ونقصان، قاله السدي.
والثالث: أن جريانهما سبب لمعرفة حساب الشهور والأعوام، قاله مقاتل.
والقول الثاني: أن معنى الحسبان: الضياء، قاله قتادة.
قال الماوردي، كأنه أخذه من قوله تعالى: {ويرسل عليها حسبانًا من السماء} [الكهف: 40] أي: نارًا.
قال ابن جرير: وليس هذا من ذاك في شيء. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {فالق الإصباح} في معنى الفلق قولان قد سبقا.
فأما الإصباح، فقال الأخفش: هو مصدر من أصبح.
وقال الزجاج: الإصباح والصبح واحد.
وللمفسرين في الإصباح، ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ضوء الشمس بالنهار، وضوء القمر بالليل، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: أنه إضاءة الفجر، قاله مجاهد.
وقال ابن زيد: فلق الإصباح من الليل.
والثالث: أنه نوَّر النهار، قاله الضحاك.
وقرأ أنس بن مالك، والحسن، وأبو مجلز، وأيوب، والجحدري: {فالق الأَصباح} بفتح الهمزة.
قال أبو عبيد: ومعناه: جمع صبح.
قوله تعالى: {وجاعل الليل سكنًا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {جاعل} بألف.
وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: {وجعل} بغير ألف.
{الليلَ} نصبًا.
قال أبو علي: من قرأ: {جاعل} فلأجل {فالق} وهم يراعون المشاكلة.
ومن قرأ: {جعل} فلأن فاعلًا هاهنا بمعنى: فعل بدليل قوله: {والشمس والقمر حسبانًا} فأما السكن: فهو ما سكنْتَ إليه.
والمعنى: أن الناس يسكنون فيه سكون راحة.
وفي الحسبان قولان:
أحدهما: أنه الحساب، قاله الجمهور.
قال ابن قتيبة: يقال: خذ من كل شيء بحسبانه، أي: بحسابه.
وفي المراد بهذا الحساب، ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهما يجريان إلى أجل جُعل لهما، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: يجريان في منازلهما بحساب، ويرجعان إلى زيادة ونقصان، قاله السدي.
والثالث: أن جريانهما سبب لمعرفة حساب الشهور والأعوام، قاله مقاتل.
والقول الثاني: أن معنى الحسبان: الضياء، قاله قتادة.
قال الماوردي، كأنه أخذه من قوله تعالى: {ويرسل عليها حسبانًا من السماء} [الكهف: 40] أي: نارًا.
قال ابن جرير: وليس هذا من ذاك في شيء. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا}.
وسبحانه يأتي بآية أخرى من الآيات المعجزة كما جاء بالآية الأولى في أنه هو الذي خلق لنا ما يقيم حياتنا.
{فَالِقُ الإصباح وَجَعَلَ الليل سَكَنًا}. ومعنى {فالق} أي جعل الشيء شقين، وهما نعمتان متقابلتان لا تكفي واحدة عن الأخرى، إذ لابد أن يوجد إصباح ويوجد الليل سكنًا؛ لأن الإصباح هو زمان وضوح الأشياء أمام رؤية العين؛ لأننا نعلم أن الظلمة تجعل الإنسان يضطرب مع الإشياء، فإن كنت أقوى من هذه الأشياء حطمتها، وإن كانت أقوى منك حطمتك. إن السير في الظلمات التي لا يوجد فيها نور يهدي الإنسان إلى مرائيه قد يؤدي إلى خسارة الأشياء.
إننّا في الصباح نعمل ونسعى في الأرض، ونملأ الدنيا حركة. فإذا ما أصابنا الكد والتعب والنَّصب من الحركة فالمنطق الطبيعي للكائن الحي أن يستريح ويهدأ ويسكن لا بحركته فقط ولكن بسكون كل شيء حوله؛ لأنك إن كنت ساكنًا ويأتي لك ضوء فهو يؤثر في تكوينك، ولذلك يقولون الآن: إن الأشعة التي يكتشفون بها أسرار ما في داخل جسد الإنسان تترك آثارًا.
إذن فالإشعاع الصادر عن الشمس يمنعه عنك الله ليلًا حتى يستريح الجسم من كل شيء، من كل حركة ناشئة فيه، ومن حركة وافدة عليه، وهكذا تكون نعمة سكون الليل وظلمته مثل نعمة الصباح، وكلاهما تتمم الأخرى، ولذلك قلنا: إن الحق سبحانه وتعالى في أول السورة قدّم الظلمات على النور: {الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَجَعَلَ الظلمات والنور} [الأنعام: 1].
لأنك لا تستطيع أن تنتفع بحركتك في النور إلا إذا كنت نشيطًا ومرتاحًا أثناء الليل. فإن لم ترتح كنت مرهقًا ولن تستطيع العمل بدقة في حركة النهار. إذن فالظلمة مقصودة في الوجود. ولذلك فالحضارة الراقية هي التي تنظم حياة الإنسان ليعمل نهارا ويستريح ليلًا، حتى لا يستأنف عمله في الصباح مكدودًا. ومن يزور ريف مصر هذه الأيام يفاجأ بأن أهل الريف قد سهروا طوال الليل مع أجهزة الترفيه، ويقومون إلى العمل في الصباح وهم مكدودون مرهقون.
ونقول: لنأخذ الحضارة من قمتها، ولا نأخذ الحضارة من أسفلها؛ فحين تذهب إلى أوروبا تجد الناس تخلد وتسكن ليلًا، ومن يسير في الشارع لا يسمع صوتًا ولا يجد من يخرج من بيته، ولا تسمع صوت ميكروفون في الشارع؛ حتى ينال كل إنسان قسطه من الهدوء، ويختلف الأمر في بلادنا: فالشوارع تمتلئ بالضجيج، والمريض لا يستطيع أن يرتاح، ومن يذاكر لا يجد الهدوء اللازم، ومن يتعبد تخرجه الضوضاء من جوّ العبادة، ونجد من يصف ذلك بأنه نقلة حضارية!!
ونقول: لتأخذ كل نعمة من نعم الله على قدر معطياتها في الوجود النافع لك، وحين يأتي الليل عليك أن تطفئ المصباح حتى تهجع ولا تتشاغب فيك جزئياتك وتكوينك.
وسبحانه يقول: {فَالِقُ الإصباح} و{فَالِقُ}- كما قلنا- تعني شاقق، فهل الإصباح ينفلق؟. وبماذا؟. ونقول: إن {فَالِقُ} هي اسم فاعل، مثلما نقول: قاتل الضربة أي أن الضربة من يده قاتلة.
و{فَالِقُ الإصباح} معناها أن الصباح ينفلق عن الظلمة؛ لأن الظلمة متراكمة وحين يأتي الإصباح فكأنه فلق الظلمة وشقها ليخرج النور، وتعني {فَالِقُ الإصباح} أيضًا أن الفلق واقع على الإصباح فيأتي من بعده الظلام، وهذه من دقة الأداء البياني في القرآن؛ لأن الذي يتكلم إله.
وامرؤ القيس قال:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ** بصبح وما الإصباح منك بأمثل

والصبح والإصباح معناهما واحد.
هل الصبح من طلوع الشمس؟ أو الصبح من ظهور الضوء قبل أن تشرق الشمس؟ يأتي الإصباح أولا وهو النور الهادئ، ونجد أطباء العيون بعد إجراء جراحة ما لإنسان في عينيه يقومون بفك الأربطة التي تساعد الجرح على الالتئام، يفكونها بالتدريج حتى لا يخطف الضوء البصر فورًا، ومن رحمة الله أن خلق فترة الصبح بضوئها الهادئ قبل أن تطلع الشمس بضوئها كله دفعة واحدة. فكأن الصبح جاء ليفلق ظلمة الليل فلقًا هادئًا، ثم جاءت الشمس ففلقت الصبح.
إذن الإصباح فالق مرة لأنه شقّ الظلمة وفلقها ومفلوق مرة أخرى؛ لأن الظلمة جاءت بعده. إذن فاسم الفاعل قد أدى مهمتين.. المهمة الأولى: فالق الإصباح. أي دخل بضوء الشمس. وإن قلنا: إصباحه فالق، أي ظلمة الليل الأوى انفلقت. إذن فالإصباح فالق مرة، ومفلوق مرة أخرى. وسبحانه حين يقول: {فَالِقُ الإصباح وَجَعَلَ الليل سَكَنًا} يريد أن يعطي شقين اثنين؛ لأنه هو في ذاته فالق الإصباح. فيأتي بالاسم ليعطي لها صفة الثبوت، ثم جاء ب {وَجَعَلَ الليل سَكَنًا} صفة الحدوث بعد وجود المتعلّق. فإذا أراد الصفة اللازمة له قبل أن يوجد المتعلق يأتي بالاسم. وإن أراد الصفة بعد أن وجد المتعلّق يأتي بالفعل.
ولذلك نجد القرآن الكريم يصور الثبات في قوله الحق: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} [الكهف: 18].
الكلب هنا على هذه الصورة الثابتة، وحين يريد القرآن أن يأتي بالصفة التي تتغير، يأتي بالفعل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً} [الحج: 63].
وكان القياس أن يقول: فأصبحت الأرض مخضرة؛ لأنه قال: {أنزل} لكنه يأتي بالتجدد الذي يحدث {فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً}.
ويتابع الحق: {والشمس والقمر حُسْبَانًا} ونحن نعرف الشمس والقمر وجاء بعد ذلك بكلمة {حُسْبَانًا}، على وزن فُعْلان، وهذا ما يدل عادة على المبالغة مثلما تقول: فلان والعياذ بالله كفر كفرانًا. ومثلما تدعو: غفر الله لك غفرانًا. فحين تحب أن تبالغ تأتي بصيغة فُعْلان. وجاء القرآن بكلمة حسبان في موضعين اثنين فيما يتصل بالشمس والقمر جاء بها هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها {والشمس والقمر حُسْبَانًا}، وفي سورة الرحمن يقول الحق سبحانه: {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5].