فصل: فصل في الإعجاز العلمي في الآية الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هَلْ أنْتَ بَاعِثُ دِينارٍ لِحَاجَتِنا ** أوْ عِبْدَ ربِّ أخَا عَوْنِ بْنِ مِخْرَاقِ

بنصب عبد، وهو محتمل للوجهين على المذهبين.
وقال الزمخشري: أو يعطفان على محل الليل.
فإن قلت: كيف يكون لليل محلّ، والإضافة حقيقيّة، لأن اسم الفاعل المُضَاف إليه في معنى المُضِيّن ولا تقول: زيد ضارب عمرًا أمس.
قلت: ما هو بمعنى الماضين وإنما هو دالٌّ على فِعْلِ مستمر في الأزمنة.
قال أبو حيَّان: أما قوله: إنما هو دَالٌّ على فعل مستمر في الأزمنة يعنيك فيكون عاملًا، ويكون للمجرور إذا ذاك بعده مَوْضِعٌ فيعطف عليه الشمس والقمر قال: وهذا ليس بِصَحيحٍ إذا كان لا يَتَقَيَّدُ بزمن خاصّ، وإنما هو للاستمرار، فلا يجوز له أن يعمل، ولا لمجروره مَحَلّ، وقد نَصُّوا على ذلك، وأنشدوا عليه قول القائل في ذلك: [البسيط]
ألْقَيْتَ كَاسِبَهُمْ فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ

فليس الكاسب هنا مقيدًا بزمان، وإن تقيَّد بزمان فإما أن يكون ماضيًا دون أل فلا يعمل عند البصريين، أو بأل أو حالًا أو مستقبلًا، فعلم فيضاف على ما تقرر في النحو.
ثم قال: وعلى تقدير تسليم أن الذي للاستمرار يعمل، فلا يجوز العَطْفُ على مَحَلِّ مجروره، بل مذهب سبيويه رحمه الله في الذي بمعنى الحال والاستقبال ألًا يَجُوزُ العَطْفُ على محلِّ مجروره، بل على النصب بفعل مقدَّرٍ لو قلت: هذا ضارب زيد وعمرًا لم يكن نصب عمرًا على المحل على الصحيح وهو مذهب سيبويه؛ لأن شَرْطَ العَطْفِ على الموضع مفقود، وهو أن يكون للموضع محرز لا يتغير، وهذا مُوضِّحٌ في علم النحو.
قال شهاب الدين: وقد ذكر الزَّمخشري في أوّل الفاتحة في {مالك يَوْمِ الدين} [الفاتحة: 4] أنه لمَّا لم يُقْصَدْ به زمانٌ صارت إضافته مَحْضَةً، فلذلك وَقَعَ صفة للمعارف فمن لازم قوله: إنه يترعف بالإضافة ألاَّ يعمل؛ لأن العالم في نِيَّةِ الانفصال عن الإضافة، ومتى كان في نِيَّةِ الانفصال كان نكرة ومتى كان نكرة فلا يقع صِفَةً للمعرفة، وهذا حَسَنٌ حيث يرد عليه بقوله: وقد تقدم تحقيق هذا في الفاتحة.
وقرأ أبو حيوة: {والشَّمْسِ والقَمَرِ} جَرًّا نَسَقًا على اللفظ وقرا شاذًّا {والشَّمْسُ والقَمَرُ} رَفْعًا على الابتداء، وكان من حَقِّهِ أن يقرأ حُسْبَانٌ رَفْعًا على الخبر، وإنما قرأه نَصْبًا فالخبر حينئذ محذوف، تقديره مَجْعولان حُسْبَانًا، أو مخلوقان حُسْبَانًا.
فإن قلت: لا يمكن في هذه القراءة رَفْع حسبان حتى تلزم القارئ بذلك، لأن الشَّمْسَ والقمر ليا نَفْسَ الحسبان.
فالجواب: أنهما في قراءة النصب إما مَفْعُولان أوَّلان، وحسبان ثانٍ، وإما صاحبا حال، وحسبان حال، والمفعول الثاني هو الأوَّل، والحال لابد وأن تكون صَادِقَةً على ذي الحال، فمهما كان الجواب لكن كان لنا.
والجواب ظاهر مما تقدَّم.
والحُسْبَان فيه قولان:
أحدهما: انه جمعن فقيل: جمع حِسَاب كرِكاب ورُكْبَان وشِهَاب وشُهْبَان، وهذا قول أبي عبيد والأخفش وأبي الهيثم والمبرد.
وقال أبو البقاء: هو جمع حسبانة وهو غَلَطٌ؛ لأن الحسبانة: القِطْعَةُ من النار، وليس المراد ذلك قطعًا.
وقيل: بل هو مصدر كالرُّجْحضان والنقصان والخُسْرَان، وأما الحساب فهو اسم لا مَصْدَرٌ وهذا قول ابن السِّكِّيتِ.
وقال الزمخشري: والحُسْبَان بالضم مصدر حَسَبْتُ يعني بالفتح، كما أن الحِسْبَان بالكسر مصدر حَسِبْتُ يعني بالكسر ونظيره: الكُفْرَان والشُّكْران.
وقيل: بل الحِسْبَان والحُسْبَان مصدران، وهو ول أحمد بن يحيى، وأنشد أبو عبيد عن أبي زَيْدٍ في مجيء الحُسْبَان مصدرًا قوله: [الطويل]
عَلَى اللَّهِ حُسْبَانِي إذَا النَّفْسُ أشْرَفَتْ ** عَلَى طَمَعِ أوْ خَافَ شَيْئًا ضَمِيرُهَا

وقال: {حُسْبَانًا} على ما تقدَّم من المفعولية أو الحالية.
وقال ثعلب عن الأخفش: إنه منصوب على إسْقاطِ الخافض، والتقدير: يجريان بِحُسْبَانٍ؛ كقوله: {لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: 61] أي: من طين.
وقوله: {ذلك} إشارة إلى ما تقدَّم من الفلق، أو الجعل، أو جميع ما تقدم من الأخبار في قوله: {فالق الحبّ} إلى {حُسْبَانًا}. اهـ. باختصار.

.فصل في الإعجاز العلمي في الآية الكريمة:

قال الدكتور زغلول النجار:

.من أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم} [الأنعام: 96]:

* ذكر ابن كثير يرحمه الله ما نصه:
{فالق الاصباح وجعل الليل سكنا} أي خالق الضياء (النور) والظلام كما قال في أول السورة (وجعل الظلمات والنور) أي فهو سبحانه يغلق ظلام الليل عن غرة الصباح فيضئ الوجود، ويستنير الأفق، ويضمحل الظلام، ويذهب الليل بسواده وظلام رواقه، ويجئ النهار بضيائه (بنوره) وإشراقه،... وقوله: {والشمس والقمر حسبانا} أي يجريان بحساب مقنن مقدر لايتغير ولايضطرب، بل لكل منهما منازل يسلكها في الصيف والشتاء، فيترتب علي ذلك اختلاف الليل والنهار طولا وقصرا كما قال: {وهو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل} الآية، وكما قال: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون}، وقال: {والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره}، وقوله: {ذلك تقدير العزيز العليم} أي الجميع جار بتقدير العزيز الذي لايمانع، ولايخالف، العليم بكل شيء فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وكثيرا ما إذا ذكر الله تعالي خلق الليل والنهار والشمس والقمر يختم الكلام بالعزة والعلم.
* وجاء في تفسير الجلالين (رحم الله كاتبيه) ما نصه: {فالق الاصباح} مصدر بمعني الصبح أي شاق عمود الصبح، وهو: أول مايبدو من نور النهار عن ظلمة الليل... {سكنا} يسكن فيه الخلق من التعب، {الشمس والقمر} بالنصب عطفا علي محل الليل..{حسبانا} حسابا للأوقات، والباء محذوفة، وهو حال من مقدر أي: يجريان بحسبان...{ذلك} المذكور {تقدير العزيز} في ملكه {العليم} بخلقه.
وذكر صاحب الظلال (رحمه الله رحمة واسعة) مانصه: إن فالق الحب والنوي هو فالق الإصباح أيضا، وهو الذي جعل الليل للسكون، وجعل الشمس والقمر محسوبة حركاتهما، مقدرة دوراتهما.. مقدرا ذلك كله بقدرته التي تهيمن علي كل شيء، وبعلمه الذي يحيط بكل شئ.
وانغلاق الاصباح من الظلام حركة تشبه في شكلها انغلاق الحبة والنواة، وانبثاق النور في تلك الحركة، كانبثاق البراعم في هذه الحركة، وبينهما من مشابه الحركة والحيوية والبهاء والجمال سمات مشتركة، ملحوظة في التعبير عن الحقائق المشتركة في طبيعتهما وحقيقتهما كذلك... وبين انغلاق الحب والنوي وانغلاق الإصباح، وسكون الليل صلة أخري... إن الإصباح والإمساء، والحركة والسكون، في هذا الكون- أو في هذه الأرض- ذات علاقة مباشرة بالنبات والحياة.
إن كون الأرض تدور دورتها هذه حول نفسها أمام الشمس، وكون القمر بهذا الحجم، وبهذا البعد من الأرض، وكون الشمس كذلك بهذا الحجم، وهذا البعد، وهذه الدرجة من الحرارة... هي تقديرات من {العزيز} ذي السلطان القادر {العليم} ذي العلم الشامل... ولولا هذه التقديرات ما انبثقت الحياة في الأرض علي هذا النحو، ولما انبثق النبت والشجر، من الحب والنوي... إنه كون مقدر بحساب دقيق. ومقدر فيه حساب الحياة، ودرجة هذه الحياة، ونوع هذه الحياة... كون لا مجال للمصادفة العابرة فيه.
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن (رحم الله كاتبه برحمته الواسعة) ما نصه: {فالق الإصباح} الإصباح: مصدر سمي به الصبح، أي شاق ظلمة الصبح- وهو الغبش في آخر الليل الذي يلي الفجر المستطيل الكاذب- عن بياض النهار؛ فيضئ الوجود ويضمحل الظلام، ويذهب الليل بسواده ويجئ النهار بضيائه (والأصح هو بنوره). {وجعل الليل سكنا} يسكن إليه من يتعب بالنهارويستأنس به لاسترواحه فيه. {والشمس والقمر حسبانا} أي يجريان في الفلك بحساب مقدر معلوم، لايتغير ولا يضطرب حتي ينتهيا إلي أقصي منازليهما، بحيث تتم الشمس دورتها في سنة، ويتم القمر دورته في شهر، وبذلك تنتظم المصالح المتعلقة بالفصول الأربعة وغيرها. والحسبان: مصدر حسبت المال حسبا- من باب فتل- أحصيته عددا.
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم (جزاهم الله خيرا) مانصه: وهو الذي يشق غبش الصبح بضوء (والصحيح هو بنور) النهار، ليسعي الأحياء إلي تحصيل أسباب حياتهم، وجعل الليل ذا راحة للجسم والنفس، وجعل سير الشمس والقمر بنظام دقيق يعرف به الناس مواقيت عباداتهم، ومعاملاتهم. ذلك النظام المحكم، تدبير القادر المسيطر علي الكون المحيط بكل شيء علما.
وجاء في صفوة التفاسير (جزي الله كاتبه خيرا) مانصه:
{فالق الإصباح} أي شاق الضياء (والصحيح هو النور) عن الظلام وكاشفه، قال الطبري: شق عمود الصبح عن ظلمة الليله وسواده {وجعل الليل سكنا} أي يسكن الناس فيه عن الحركات ويستريحون {والشمس والقمر حسبانا} أي بحساب دقيق يتعلق به مصالح العباد، ويعرف بهما حساب الأزمان والليل والنهار {ذلك تقدير العزيز العليم} أي ذلك التسيير بالحساب المعلوم تقدير الغالب القاهر الذي لايستعصي عليه شيء، العليم بمصالح خلقه وتدبيرهم.

.شرح الآية الكريمة في ضوء المعارف المكتسبة:

تشير هذه الأية الكريمة إلي حقيقة كونية مؤداها أن الله جلت قدرته قد قدر للأرض أن تدور حول محورها أمام الشمس (كما قدر لكل جرم من أجرام السماء أن يدور حول محوره، وأن يسبح في فلكه)، وبذلك فإنه تعالى يفصل بالتدريج بين الأرض عن ليل السماء بطبقة نور النهار الرقيقة (التي لايتعدي سمكها مائتي كليومتر بالنسبة إلي المسافة بين الأرض والشمس المقدرة بنحو 150 مليون كيلومتر)، وبذلك فهو سبحانه يغلق هاتين الظلمتين المتداخلتين بالتدريج فيحل النهار محل ظلمة الأرض، ويبقي ظلمة السماء، ولذلك وصف ذاته العلية بأنه فالق الإصباح أي الصبح ولايقوي علي ذلك أحد غيره.
ثم يضيف وصفا آخر لتلك الذات العلية هي... وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا، ويصف تقدير ذلك بأنه:... تقدير العزيز العليم.
وجاء التعبير فالق الإصباح وجعل الليل سكنا إشارة إلي تبادل كل من النهار والليل، وإلي جعل النهار لعمارة الأرض، وإقامة عدل الله فيها، وللجري وراء المعايش، وللكدح من أجل كسب الرزق الحلال، وجعل الليل للسكن والاستجمام، والراحة والاسترخاء، والتأمل والعبادة بعد كدح النهار؛ وتبادل كل من الليل والنهار لايتم إلا بدوران الأرض حول محورها أمام الشمس.
وهذه الدورة الأرضية التي تعرف باسم الدورة المحورية، أو المغزلية، أو الدورانية تتم بسرعة تقدر بنحو الثلاثين كيلومترا في الدقيقة (465 مترا في الثانية *60=27.9 كيلومتر في الدقيقة *60=1674 كيلومترا في الساعة) لتتم دورة كاملة في يوم مقداره 24 ساعة (23 ساعة،56 دقيقة،4 ثوان في المتوسط)، يتقاسمه ليل ونهار بتفاوت قليل في طول كل منهما، وذلك بسبب ميل محور دوران الأرض علي مستوي مدار الأرض حول الشمس، مما ينتج عنه تبادل فصول السنة: الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء.
ويوم الأرض (الناتج عن دورانها دورة كاملة حول محورها) يختلف طوله علي مدار السنة بسبب تغيير سرعة سبح الأرض في فلكها حول الشمس (سرعة الحركة المدارسة للأرض) تبعا لبعدها عن الشمس، وبسبب آثار ظاهرتي المد والجزر، والدوران الفعلي للغلاف الغازي المحيط بالأرض، وبسبب بعض التغيرات في لب الأرض.
وقد جددت الثانية كوحدة للزمن علي أساس أنها الفترة الزمنية المكافئة لـ 1: 86.400 من متوسط طول اليوم الشمسي علي مدار السنة (24 ساعة *60 دقيقة *60 ثانية =86.40 ثانية).
ولتفادي ماثبت من تناقص سرعة دوران الأرض حول محورها، وبالتالي زيادة متوسط طول اليوم الشمسي بنحو 0.001- من الثانية في القرن الواحد، فقد تم الاتفاق علي تعيين طول الثانية ذريا بأنها الفترة التي يتردد منها قفز الإليكترون من مدار إلي آخر حول نواة ذرة نظير عنصر (السيزيوم- 133) نحو تسعة بلايين مرة (9.192.631.770 مرة)، كما يمكن تقسيم الثانية إلي وحدات أقل.
ومع دوران الأرض حول محورها أمام الشمس من الغرب إلي الشرق يبدو لنا هذا النجم (الشمس) صاعدا من جهة الشرق، وغائبا في جهة الغرب في حركة ظاهرية تحدد لنا كلا من ليل ونهار، ويوم الأرض؛ وباستخدام كل من المزولة، أو البندول المعلق من سقف مرتفع، أو الساعات (باختلاف أنواعها ودرجة دقتها حتي الساعة الذرية) يمكن تقسيم كل من الليل والنهار إلي الساعات والدقائق والثواني، وفي بعض الحالات إلي اجزاء من الثانية.
والدورة اليومية الناشئة عن دوران الأرض حول محورها دورة كاملة في كل يوم تجعل جميع مانراه في صفحة السماء الدنيا، وكأنه يدور من حولنا، وليست الشمس وحدها؛ فبالمثل يبدو القمر وكأنه يطلع علي الأرض من جهة الشرق، ويغيب عنها في جهة الغرب، وهذه دورة ظاهرية، وللقمر دورة حقيقية حول محوره المائل علي مستوي مداره أمام الأرض بسرعة متوسطة تقدر بنحو 3675 كيلومترا في الساعة، أي نحو واحد في الثانية، وهي نفس سرعة سبحه حول الأرض في مدار به دائري يقدر طوله بنحو 2.4 مليون كيلومتر لتتم هذه الدورة في أكثر قليلا من السبعة والعشرين يوما (27.3217 يوم)، ولكن نظرا لسبح الأرض حول الشمس في نفس الوقت مما يؤدي إلي تباعد نقطة البداية في كل دورة قمرية عن سابقتها فان القمر يتم دورته الشهرية فعلا في نحو 29.5 يوم (29.5309 يوم) هي مدة الشهر القمري؛ ويقدر متوسط بعد القمر عن الأرض بنحو 384 ألف كيلومتر، وبذلك يكون يوم القمر هو الشهر القمري للأرض، وهو يوم يقدر طول كل من ليله ونهاره بنحو 14.5 يوم أرضي.