فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون}، وبعد هذه: {قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون}، ثم بعد هذه: {إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون}، للسائل أن يسأل عن وجه اختلاف هذه الأوصاف التابعة في الآى الثلاث؟
والجواب: أنه لما تقدم الآية الأولى قوله جل وتعالى: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} فذكر سبحانه من المعتبرات التي يتوصل بالنظر فيها إلى معرفته وحدانيته تعالى ما يحصل الاطلاع عليه تعقلا وتنقلا ويستند في كثير منه إلى التعاون في تعرفه والاطلاع عليه بمن تقدمت له به المعرفة فيحصل في ذلك علم منقول فيما يتعلق بذات المتعرف المطلوب به الاستدلال أو في أدوات موصولة إليه إذ ليس علم ذلك راجعا إلى مجرد الفكر والتفطن ألا ترى أن إدراك العلم بنجوم السماء وتفصيل ذلك بتعيين الكواكب الثابتة والسيارة المتنقلة في أبراجها وخنوس الخمسة منها واشتراكها مع الشمس والقمر في انتقالها في منازلها مختلفات الحالات في السرعة والبطء فكم بين قطع القمر الفلك في ثمان وعشرين ليلة وقطع زحل إياه في ست وثلاثين سنة جارية في أفلاكها من غرب إلى شرق وقذف الفلك الأعظم بالكل من شرق إلى غرب على العكس {ذلك تقدير العزيز العليم} وياعرف هذا القسط مما ذكرنا يتحصل للمعتبر الاهتداء بها على الكمال في ظلمات البر والبحر والعلم بعدد السنين والحساب والقلب في كثير من هذا الضرب مورد على البصر فيما ينهيه إليه فصر هذا الضرب من المعتبرات الدالة على الصانع تعالى كالمخبر به الحاصل بواسطة من خارج فتناسب ذلك التعبير عن المتذكر به بالعلم الذي مواده ومحصلاته الخبر القاطع مع النظر السديد فقيل في ختام هذه الآية: {لقوم يعلمون} وقيل ما معناه أن الوارد في قوله تعالى: {إن الله فالق الحب والنوى} إلى قوله تعالى: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} آيات تنيه على معرفة الله تعالى والعلم به وبوحدانيته وهو أشرف معلوم، فأعقب بأشرف ما يوصف به المعتبرون فقيل: {لقوم يعلمون} وذلك أعلى من الوصف بقوله تعالى: {لقوم يفقهون} و: {لقوم يؤمنون} ولذلك ما ورد وصفه تعالى بالعلم ولا يوصف سبحانه بالفقه ولا العقل فلما كان المعلوم أشرف المعلومات عبر عن الآيات التي نصبت للدلالة عليه باللفظ الأشرف انتهى وهو قول حسن والتناسب فيه واضح.
أما الآية الأخرى فتقدم قبلها قوله تعالى: {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع} ومرجع العلم بنشأة الإنسان وتقلبه من صلب إلى رحم، وارتباط أعضائه الظاهرة والباطنة، وجمع أجزائه وتصرف كل عضو في ما له خلق، واحتياج الأعضاء بعضها إلى بعضها وجرى ما وكل منها بغذاء الإنسان اجتذابا وانتحالا وطبخا وتقسيما وتجزئة على الأعضاء واتقان كل عضو منها زجرى لما يسر له، إلى غير ذلك هذا مما يبسطه من تكلم في التشريع، فالعلم بهذا كله جملة وتفصيلا مما لا يحصل بالسمع والبصر وإنما يطلع بالاعتبار والتفكر من ذوى الفطن السالمة والنظر العقلى السديد والفهم المصيب، فناسب هذا قوله تعالى: {لقوم يفقهون} والفقه التفهم والتفطن وذلك من جملة ألهم إليه وأشار قوله تعالى: {وفى أنفسكم أفلا تبصرون}.
وأما الآية الثالثة فإنه سبحانه لما ذكر إنزال الماء من السماء وإخراج النبات من الأرض به في قوله سبحانه وتعالى: {وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا منه نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان}، فلما أورد هذا كان مذكرا بالبعث الأخراوى والنشأة الثانية كما قال تعالى في آية الأعرف: {كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون} وإنما يحصل العلم بذلك وسائر أمور الآخرة من قبل الرسل عليهم الصلاة والسلام والإيمان بهم وبما جاؤوا به فقال تعالى: {إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} أي يصدقون بالبعث وأنه تعالى كما بدأهم يعودون فقد وضحت مناسبة هذه الآيات الثلاث لما أعقب بها والله سبحانه أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)}.
كما أن نجوم السماء يُهتدى بها في الفلوات فكذلك نجوم القلوب يهتدى بها في معرفة ربِّ الأرضين والسموات. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}.
وبعد أن أوضح سبحانه أنه قد خلق الشمس والقمر بحسبان لتكون حسابا بتقدير منه، وهو العزيز العليم، إنه سبحانه يصف لنا مهمة النجوم فقال: {لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البر والبحر}، والنجوم هي الأجرام اللامعة التي نراها في السماء لنهتدي بها في ظلمات البر والبحر؛ ومن رحمته بنا وعلمه أن بعض خلقه ستضطرهم حركة الحياة إلى الضرب في الأرض؛ والسير ليلا في الأرض أو البحر مثل من يحرسون ويشيعون الأمن في الدنيا ولا يمكن أن يناموا بالليل. بل لابد أن يسهروا لحراستنا، كل ذلك أراده الله بتقدير عزيز حكيم عليم، ولذلك ترك لنا النجوم ليهتدي بها هؤلاء الذين يسهرون أو يضربون في الأرض أو يمشون في البحر بسفنهم، وهم يحتاجون إلى ضوء قليل ليهديهم، ولذلك كان العرب يهتدون بالنجوم؛ يقول الواحد منهم للآخر: اجعل النجم الفلاني أمام عينيك، وسر فوق الحي الفلاني. واجعل النجم الفلاني عن يسارك وامش تجد كذا، أو اجعل النجم الفلاني خلفك وامش تجد كذا.
إذن لو طمّت الظلمة لمنّعت الحركة بالليل، وهي حركة قد يضّطر إليها الكائن الحي، فجعل الحق النجوم هداية لمن تجبرهم الحياة على الحركة في الليل.
وعلى ذلك فالنجوم ليست فقط للاهتداء في ظلمات البر والبحر؛ لأنه لو كان القصد منها أن نهتدي بها في ظلمات البر والبحر، لكانت كلها متساوية في الأحجام، لكنا نرى نجمًا كبيرًا، وآخر صغيرًا، وقد يكون النجم الصغير أكبر في الواقع من النجم الكبير لكنه يبعد عنا بمسافة أكبر، وعلى ذلك لا تقتصر الحكمة من النجوم على الهداية بها في حركة الإنسان برًا وبحرًا، فليست هذه هي كل الحكمة، هذه هي الحكمة التي يدركها العقل الفطري أولا؛ لذلك يأتي الحق في أمر النجوم بقول كريم آخر ليوضح لنا ألا تحصر الحكمة في الهداية بها ليلًا برًا وبحرًا فيقول: {وَعَلامَاتٍ وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ} فلم يقل سبحانه يهتدون في ظلمات البر والبحر. إذن- النجوم- لها مهمة أخرى، إنه جلت قدرته يقول: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 75- 76].
وكل يوم يتقدم العلم يبين لنا الحق أشياء كثيرة، فها هو ذا المذنب الذي يقولون عنه الكثير، وها هي ذي نجوم جديدة تكتشف تأكيدًا لقول الحق: {والسماء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47].
أي أنه سبحانه قد خلق عالمًا كبيرًا. وأنت أيها الإنسان قد أخذت منه على قدر إدراكاتك وامتداداتك في النظر الطبيعي الذي لا تستخدم فيه آلة إبصار، وأخذت منه بالنظر المعان الذي تستخدم فيه التليسكوب والميكروسكوب، وغير ذلك من اقمار صناعية ولذلك يقول الحق سبحانه: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} وبعض العلماء يقول: إن كل إنسان يوجد في الوجود له نجم، وترتبط حياته بهذا النجم، وحين يأفل النجم يأفل قرينه على الأرض، وهناك نجوم لامعة ندرك خفقانها، ونجوم أخرى غير لامعة وبعيدة عنا، ويقال إنها تخص أناسًا لا يدري بهم أحد لقلة تأثيرهم بأعمالهم في الحياة.
ويتقدم العلم كل يوم ويربط لنا أشياء بأشياء وكأن الحق يوضح: إنني خلقت لكم الأشياء مِمّا قَدَرْتم بعقولكم أن تصلوا إلى شيء من الحكمة فيها، ولكن لا تقولوا هذه منتهى الحكمة، بل وراءها حِكَم أعلى، فسبحانه هو الحكيم القادر، إنك قد تدرك جانبا يسيرا من حكم الله، ولكن عليك أن تعلم أن كمال الله غير متناه، ولا يزال في ملك الله ما لا نستطيع إدراك حكمته إلى أن ينهي الله الأرض ومن عليها.
ويقول الحق سبحانه في تذييل الآية: {قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} والآية هي الشيء العجيب، وتطلق على آيات كونية: {وَمِنْ آيَاتِهِ الليل والنهار والشمس والقمر} [فصلت: 37].
وتطلق كلمة آية على الطائفة من القرآن التي لها فاصلة. إذن هناك آيات قرآنية، وآيات كونية، والآيات الكونية تعتبر مفسرة للآيات القرآنية؛ فتفصيل الآيات في الكون ما نراه من تعددها أشكالًا وألوانًا وحكمًا وغايات. وتفصيل الآيات في القرآن هو ما ينبهنا إليه الحق في قرآنه وليلفت النظر إلى أن ذلك التفصيل في آيات الكون وذلك الخلق العجيب الحكيم الذي لا يمكن أن يكون إلا لإله قادر حكيم يستحق أن يكون إلهًا موحَّدًا، ويستحق أن يكون إلهًا معبودًا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ النجوم} الظاهر أن {جعل} بمعنى خَلَق، فتكون متعديةً لواحد، و{لكم} متعلّق بـ {جعل}، وكذا {لِتَهْتَدُوا}.
فإن قيل: كيف يتعلّق حَرْفا جَرِّ متحدان في اللفظ والمعنى؟
فالجواب: أن الثَّاني بدلٌ من الأوَّل بدل اشتمال بإعَادَةِ العامل، فإن ليهتدوا جَارّ ومجرور؛ إذ اللام لام كي، والفعل بعدها منصوب بإضمار أن عند البصريين، وقد تقدَّم تقريره.
والتقدير: جعل لكم النجوم لاهتدائكم، ونطيره قوله: {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ} [الزخرف: 33] ف {لبيوتهم} بدل {لمن يَكْفُرُ} بإعادة العامل.
وقال ابن عطية: وقد يمكن أن يكون بمعنى صَيَّر، ويُقدَّرُ المفعول الثاني من {لتهتدوا} أي: جعل لكم النجوم هِدَايَةً.
قال أبو حيَّان: وهو ضعيف لندور حذف أحد مفعولي ظَنَّ وأخواتها.
قال شهابُ الدين رحمه الله: لم يَدَّع ابن عطية المفعول الثاني حتى يجعله ضعيفًا، إنما قال: إنه بدل من {لتهتدوا}، أي: فَيُقَدَّرُ مُتعلِّقُ الجار الذي وقع مفعولًا ثانيًا، كما يُقَدَّرُ في نظائره، والتقدير: جعل لكم النجوم مُسْتَقِرَّةً أو كائنة لاهتدائكم.
وأما قوله: {جعَل لَكُمُ النُّجُوم} هداية فلإيضاحِ المعنى وبيانه.
والنجوم مَعْرُوفَةٌ، وهي جمع نَجْم، والنَّجْمُ في الأصل مصدر؛ يقال: نجم الكوكب ينجم نجمًا ونجومًا، فهو ناجمٌ، ثم أطْلِقَ على الكواكب مجازًا، فالنجم يستعمل مرة اسمًا للكوكب ومرة مصدرًا، والنجوم تُسْتَعْملُ مَرَّةً للكواكب وتارة مصدرًا ومنه نَجَمض النَّبْتُ؛ أي: طلع، ونجم قَرْنُ الشاة وغيرها، والنجم من النبات ما لا سَاقَ له، والشجر ما له ساق، والتَّنْجِيمُ: التفريق، ومنه نجوم الكتابة تشبيهًا بتفرق الكواكب. اهـ.

.تفسير الآية رقم (98):

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر سبحانه بعض هذا الملكوت الأرضي والسماوي، أتبعه- كما مضى في أول السورة- الخلق المفرد الجامع لجميع الملكوت، وهو الإنسان، دالًا على كمال القدرة على كل ما يريد، مبطلًا بمفاوتة أول الإبداع وآخر الآجال ما اعتقدوا في النور والظلمة والشمس والقمر وغيرهما، لأن واحدًا منها لا اختيار له في شيء يصدر عنه، بل هو مسخر ومقهور كما هو محسوس ومشهور، فقال: {وهو} أي لا غيره {الذي أنشأكم} أي وأنتم في غاية التفاوت في الطول والقد واللون والشكل وغير ذلك من الأعراض التي دبرها سبحانه على ما اقتضته حكمته {من نفس واحدة} ثم اقتطع منها زوجها ثم فرّعكم منهما.
ولما كان أغلب الناس في الحياة الدنيا يعمل عمل من لا يحول ولا يزول، لا يكون على شرف الزوال ما دامت فيه بقية من حياة، قال: {فمستقر} أي فسبب عن ذلك أنه منكم مستقر على الأرض- هذا على قراءة ابن كثير وابن عمر وبكسر القاف اسم فاعل، والمعنى في قراءة الباقين بفتحه اسم مكان {ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} [البقرة: 26].
ولما كان من في البرزخ قد كشف عنهم الغطاء فهم موقنون بالساعة غير عاملين على ضد ذلك، وكذا من في الصلب والرحم، عبر بما يدل على عدم الاستقرار فقال: {ومستودع} أي في الأصلاب أو الأرحام أو في بطن الأرض، فدلت المفاوتة من كل منهما- مع أن الكل من نفس واحدة- على القادر المختار، لا يقدر غيره أن يعكس شيئًا من ذلك، وكل ذلك مضمون الآيتين في أول السورة، وقدم الإصباح والليل ومتعلقهما لتقدمهما في الخلق، ثم تلاه بخلق الإنسان على حسب ما مرّ أول السورة، وذكر هنا أنه جعل ذلك الطين نفسًا واحدة فرّع الإنس كلهم منها مع تفاوتهم فيما هناك وفي غيره.
ولما ذكر هذا المفرد الجامع، وفصّله على هذه الوجوه المعجبة، كان محلًا لتوقع التنبيه عليه فقال: {قد فصلنا} أي بعظمتنا {الآيات} أي أكثرنا بيانها في هذا المفرد الجامع في أطوار الخلقة وأدوار الصنعة، تارة بأن يكون من التراب بشر، وأخرى بأن يخرج الأنثى من الذكر، وتارة بأن يفرّع من الذكر والأنثى ما لا يحيط به العد ولا يجمعه الخبر من النطفة إلى الولادة إلى الكبر.
ولما كان إنشاء الناس من نفس واحدة وتصريفهم على تلك الوجوه المختلفة جدًا ألطف وأدق صنعة، فكان ذلك محتاجًا إلى تدبر واستعمال فطنة وتدقيق نظر، قال: {لقوم يفقهون} أي لهم أهلية الفقه والفطنة. اهـ.