فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

نقل الواحدي في البسيط عن ابن عباس: يريد بالماء هاهنا المطر ولا ينزل نقطة من المطر إلا ومعها ملك، والفلاسفة يحملون ذلك الملك على الطبيعة الحالة في تلك الجسمية الموجبة لذلك النزول، فأما أن يكون معه ملك من ملائكة السموات، فالقول به مشكل والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
قوله: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شيء} فيه أبحاث:
البحث الأول: ظاهر قوله: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شيء} يدل على أنه تعالى إنما أخرج النبات بواسطة الماء، وذلك يوجب القول بالطبع والمتكلمون ينكرونه، وقد بالغنا في تحقيق هذه المسألة في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى: {وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقًا لَّكُمْ} [البقرة: 22] فلا فائدة في الإعادة.
البحث الثاني: قال الفراء: قوله: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شيء} ظاهره يقتضي أن يكون لكل شيء نبات.
وليس الأمر كذلك، فكان المراد فأخرجنا به نبات كل شيء له نبات، فإذا كان كذلك، فالذي لا نبات له لا يكون داخلًا فيه.
البحث الثالث: قوله: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} بعد قوله: {أَنَزلَ} يسمى التفاتًا.
ويعد ذلك من الفصاحة.
واعلم أن أصحاب العربية ادعوا أن ذلك يعد من الفصاحة.
وما بينوا أنه من أي الوجوه يعد من هذا الباب؟ وأما نحن فقد أطنبنا فيه في تفسير قوله تعالى: {حتى إِذَا كُنتُمْ في الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيّبَةٍ} [يونس: 22] فلا فائدة في الإعادة.
والبحث الرابع: قوله: {فَأَخْرَجْنَا} صيغة الجمع.
والله واحد فرد لا شريك له، إلا أن الملك العظيم إذا كنى عن نفسه، فإنما يكنى بصيغة الجمع، فكذلك ههنا.
ونظيره قوله: {إِنَّا أنزلناه} [الدخان: 3].
{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: 1].
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر} [الحجر: 9].
أما قوله: {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا} فقال الزجاج: معنى خضر، كمعنى أخضر، يقال أخضر فهو أخضر وخضر، مثل أعور فهو أعور وعور.
وقال الليث: الخضر في كتاب الله هو الزرع وفي الكلام كل نبات من الخضر، وأقول إنه تعالى حصر النبت في الآية المتقدمة في قسمين: حيث قال: {إِنَّ الله فَالِقُ الحب والنوى} فالذي ينبت من الحب هو الزرع، والذي ينبت من النوى هو الشجر فاعتبر هذه القسمة أيضًا في هذه الآية فابتدأ بذكر الزرع، وهو المراد بقوله: {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا} وهو الزرع، كما رويناه عن الليث.
وقال ابن عباس: يريد القمح والشعير والسلت والذرة والأرز، والمراد من هذا الخضر العود الأخضر الذي يخرج أولًا ويكون السنبل في أعلاه وقوله: {نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا} يعني يخرج من ذلك الخضر حبًا متراكبًا بعضه على بعض في سنبلة واحدة، وذلك لأن الأصل هو ذلك العود الأخضر وتكون السنبلة مركبة عليه من فوقه وتكون الحبات متراكبة بعضها فوق بعض، ويحصل فوق السنبلة أجسام دقيقة حادة كأنها الأبر، والمقصود من تخليقها أن تمنع الطيور من التقاط تلك الحبات المتراكبة. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَأَخْرَجْنَا بِهِ} أي بسبب الماء، والفاء للتعقيب وتعقيب كل شيء بحسبه.
و{أَخْرَجْنَا} عطف على {أَنَزلَ} والإلتفات إلى التكلم إظهارًا لكمال العناية بشأن ما أنزل الماء لأجله، وذكر بعضهم نكتة خاصة لهذا الإلتفات غير ما ذكر وهي أنه سبحانه لما ذكر فيما مضى ما ينبهك على أنه الخالق اقتضى ذلك التوجه إليه حتى يخاطب واختيار ضمير العظمة دون ضمير المتكلم وحده لإظهار كمال العناية أي فأخرجنا بعظمتنا بذلك الماء مع وحدته {نَبَاتَ كُلّ شيء} أي كل صنف من أصناف النبات المختلفة في الكم والكيف والخواص والآثار اختلافًا متفاوتًا في مراتب الزيادة والنقصان حسبما يفصح عنه قوله سبحانه: {يسقى بِمَاء واحد وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ في الاكل} [الرعد: 4] والنبات كالنبت وهو على ما قال الراغب ما يخرج من الأرض من الناميات سواء كان له ساق كالشجر أو لم يكن له ساق كالنجم لكن اختص في التعارف بما لا ساق له بل قد اختص عند العامة بما تأكله الحيوانات، ومتى اعتبرت الحقائق فإنه يستعمل في كل نام نباتًا كان أو حيوانًا أو إنسانًا.
والمراد هنا عند بعض المعنى الأول.
وجعل قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا} شروعًا في تفصيل ما أجمل من الإخراج وقد بدأ بتفصيل حال النجم وضمير {مِنْهُ} للنبات، والخضر بمعنى الأخضر كأعور وعور، وأكثر ما يستعمل الخضر فيما تكون خضرته خلقية، وأصل الخضرة لون بين البياض والسواد وهو إلى السواد أقرب ولذا يسمى الأخضر أسود وبالعكس، والمعنى فأخرجنا من النبات الذي لا ساق له شيئًا غضًا أخضر وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة.
وجوز عود الضمير إلى الماء ومن سببية.
وجعل أبو البقاء هذا الكلام حينئذ بدلًا من {أَخْرَجْنَا} الأول، وذكر بعض المحققين أن في الآية على تقدير عود الضمير إلى الماء معنى بديعًا حيث تضمنت الإشارة إلى أنه تعالى أخرج من الماء الحلو الأبيض في رأي العين أصنافًا من النبات والثمار مختلفة الطعوم والألوان وإلى ذلك نظر القائل يصف المطر:
يمد على الآفاق بيض خيوطه ** فينسج منها للثرى حلة خضرا

وقوله تعالى: {نُّخْرِجُ مِنْهُ} صفة لخضرًا، وصيغة المضارع لاستحضار الصورة بما فيها من الغرابة، وجوز أن يكون مستأنفًا أي نخرج من ذلك الخضر {حَبًّا مُّتَرَاكِبًا} أي بعضه فوق بعض كما في السنبل وقرئ {يَخْرُجُ مِنْهَا حُبَّ}. اهـ.

.قال الفخر:

ولما ذكر ما ينبت من الحب أتبعه بذكر ما ينبت من النوى، وهو القسم الثاني فقال: {وَمِنَ النخل مِن طَلْعِهَا قنوان دَانِيَةٌ} وههنا مباحث:
البحث الأول: أنه تعالى قدم ذكر الزرع على ذكر النخل، وهذا يدل على أن الزرع أفضل من النخل.
وهذا البحث قد أفرد الجاحظ فيه تصنيفًا مطولًا.
البحث الثاني: روى الواحدي عن أبي عبيدة أنه قال: أطلعت النخل إذا أخرجت طلعها وطلعها كيزانها قبل أن ينشق عن الأغريض، والأغريض يسمى طلعًا أيضًا.
قال والطلع أول ما يرى من عذق النخلة، الواحدة طلعة.
وأما {قِنْوانٌ} فقال الزجاج: القنوان جمع قنو.
مثل صنوان وصنو.
وإذا ثنيت القنو قلت قنوان بكسر النون، فجاء هذا الجمع على لفظ الاثنين والإعراب في النون للجمع.
إذا عرفت تفسير اللفظ فنقول: قوله: {قنوان دَانِيَةٌ} قال ابن عباس: يريد العراجين التي قد تدلت من الطلع دانية ممن يجتنيها.
وروي عنه أيضًا أنه قال: قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض قال الزجاج: ولم يقل ومنها قنوان بعيدة لأن ذكر أحد القسمين يدل على الثاني كما قال: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 81] ولم يقل سرابيل تقيكم البرد، لأن ذكر أحد الضدين يدل على الثاني، فكذا هاهنا وقيل أيضًا: ذكر الدانية في القريبة، وترك البعيدة لأن النعمة في القريبة أكمل وأكثر.
والبحث الثالث: قال صاحب الكشاف {قِنْوانٌ} رفع بالابتداء {وَمِنَ النخل} خبره {وَمِنْ طَلْعِهَا} بدل منه كأنه قيل: وحاصلة من طلع النخل قنوان، ويجوز أن يكون الخبر محذوفًا لدلالة أخرجنا عليه تقديره، ومخرجه من طلع النخل قنوان.
ومن قرأ يخرج منه {حب متراكب} كان {قِنْوانٌ} عنده معطوفًا على قوله: {حُبَّ} وقرئ {قنوان} بضم القاف وبفتحها على أنه اسم جمع كركب لأن فعلان ليس من باب التكسير. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمِنَ النخل} جمع نخل كما قال الراغب والنخل معروف ويستعمل في الواحد والجمع، وهذا شروع في تفصيل حال الشجر إثر بيان حال النجم عند البعض.
فالجار والمجرور خبر مقدم.
وقوله سبحانه: {مِن طَلْعِهَا} بدل منه بدل بعض من كل بإعادة العامل.
وقوله سبحانه: {قنوان} مبتدأ؛ وحاصلة من طلع النخيل قنوان، وجوز أن يكون الخبر محذوفًا لدلالة {أَخْرَجْنَا} عليه وهو كون خاص وبه يتعلق الجار والتقدير ومخرجه من طلع النخل قنوان.
وعلى القراءة السابقة آنفًا يكون {قنوان} معطوفًا على (حب) وقيل: المعنى وأخرجنا من النخل نخلًا من طلعها قنوان (أو) ومن النخل شيئًا من طلعها قنوان، وهو جمع قنو بمعنى العذق وهو للتمر بمنزلة العنقود للعنب.
وتثنيته أيضًا قنوان ولا يفرق بين المثنى والجمع إلا الإعراب، ولم يأت مفرد يستوي مثناه وجمعه إلا ثلاثة أسماء هذا وصنو وصنوان ورئد ورئدان بمعنى مثل قاله ابن خالويه، وحكى سيبويه شقد وشقدان.
وحش وحشان للبستان نقله الجلال السيوطي في المزهر.
وقرئ بضم القاف وبفتحها على أنه اسم جمع لأن فعلان ليس من زنات التكسير.
{دَانِيَةٌ} أي قريبة من المتناول كما قال الزجاج.
واقتصر على ذكرها عن مقابلها لدلالتها عليه وزيادة النعمة فيها؛ وقيل: المراد دانية من الأرض بكثرة ثمرها وثقل حملها والدنو على القولين حقيقة، ويحتمل أن يراد به سهولة الوصول إلى ثمارها مجازًا. اهـ.

.قال الفخر:

{وجنات مّنْ أعناب والزيتون والرمان}.
فيه أبحاث:
البحث الأول: قرأ عاصم: {جنات} بضم التاء، وهي قراءة علي رضي الله عنه: والباقون {جنات} بكسر التاء.
أما القراءة الأولى فلها وجهان: الأول: أن يراد، وثم وجنات من أعناب أي مع النخل والثاني: أن يعطف على {قِنْوانٌ} على معنى وحاصلة أو ومخرجة من النخل قنوان وجنات من أعناب وأما القراءة بالنصب فوجهها العطف على قوله: {نَبَاتَ كُلّ شيء} والتقدير: وأخرجنا به جنات من أعناب، وكذلك قوله: {والزيتون والرمان} [الأنعام: 141] قال صاحب الكشاف: والأحسن أن ينتصبا على الاختصاص كقوله تعالى: {والمقيمين الصلاة} [النساء: 162] لفضل هذين الصنفين.
والبحث الثاني: قال الفراء: قوله: {والزيتون والرمان} يريد شجر الزيتون، وشجر الرمان كما قال: {واسئل القرية} [يوسف: 82] يريد أهلها.
البحث الثالث: اعلم أنه تعالى ذكر هاهنا أربعة أنواع من الأشجار.
النخل والعنب والزيتون والرمان، وإنما قدم الزرع على الشجر لأن الزرع غذاء، وثمار الأشجار فواكه، والغذاء مقدم على الفاكهة، وإنما قدم النخل على سائر الفواكه لأن التمر يجري مجرى الغذاء بالنسبة إلى العرب ولأن الحكماء بينوا أن بينه وبين الحيوان مشابهة في خواص كثيرة بحيث لا توجد تلك المشابهة في سائر أنواع النبات، ولهذا المعنى قال عليه الصلاة والسلام: «أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من بقية طينة آدم» وإنما ذكر العنب عقيب النخل لأن العنب أشرف أنواع الفواكه، وذلك لأنه من أول ما يظهر يصير منتفعًا به إلى آخر الحال فأول ما يظهر على الشجر يظهر خيوط خضر دقيقة حامضة الطعم لذيذة المطعم، وقد يمكن اتخاذ الطبائخ منه، ثم بعده يظهر الحصرم، وهو طعام شريف للأصحاء والمرضى، وقد يتخذ الحصرم أشربة لطيفة المذاق نافعة لأصحاب الصفراء، وقد يتخذ الطبيخ منه، فكأنه ألذ الطبائخ الحامضة.
ثم إذا تم العنب فهو ألذ الفواكه وأشهاها، ويمكن ادخار العنب المعلق سنة أو أقل أو أكثر، وهو في الحقيقة ألذ الفواكه المدخرة ثم يبقى منه أربعة أنواع من المتناولات، وهي الزبيب والدبس والخمر والخل، ومنافع هذه الأربعة لا يمكن ذكرها إلى في المجلدات، والخمر، وإن كان الشرع قد حرمها، ولكنه تعالى قال في صفتها: {ومنافع لِلنَّاسِ} ثم قال: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} فأحسن ما في العنب عجمه.
والأطباء يتخذون منه جوارشنات عظيمة النفع للمعدة الضعيفة الرطبة، فثبت أن العنب كأنه سلطان الفواكه، وأما الزيتون فهو أيضًا كثير النفع لأنه يمكن تناوله كما هو، وينفصل أيضًا عنه دهن كثير عظيم النفع في الأكل وفي سائر وجوه الاستعمال.
وأما الرمان فحاله عجيب جدًا، وذلك لأنه جسم مركب من أربعة أقسام: قشره وشحمه وعجمه وماؤه.
أما الأقسام الثلاثة الأول وهي: القشر والشحم والعجم، فكلها باردة يابسة أرضية كثيفة قابضة عفصة قوية في هذه الصفات، وأما ماء الرمان، فبالضد من هذه الصفات.
فإنه ألذ الأشربة وألطفها وأقربها إلى الاعتدال وأشدها مناسبة للطباع المعتدلة، وفيه تقوية للمزاج الضعيف، وهو غذاء من وجه ودواء من وجه، فإذا تأملت في الرمان وجدت الأقسام الثلاثة موصوفة بالكثافة التامة الأرضية، ووجدت القسم الرابع وهو ماء الرمان موصوفًا باللطافة والاعتدال فكأنه سبحانه جمع فيه بين المتضادين المتغايرين، فكانت دلالة القدرة والرحمة فيه أكمل وأتم.
واعلم أن أنواع النبات أكثر من أن تفي بشرحها مجلدات، فلهذا السبب ذكر الله تعالى هذه الأقسام الأربعة التي هي أشرف أنواع النبات، واكتفي بذكرها تنبيهًا على البواقي. اهـ.