فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}.
بعد أن بين الله سبحانه وتعالى لنا أن هذا الكتاب- وهو القرآن الكريم- {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}. أي أن فيه المنهج والطريق لكل من يريد أن يجعل بينه وبين غضب الله وقاية، أراد أن يعرفنا صفات هؤلاء المتقين ومن هم، وأول صفة هي قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}.
ما هو الغيب الذي جعله الله أول مرتبة في الهدى، وفي الوقاية من النار ومن غضب الله؟
الغيب هو كل ما غاب عن مدركات الحس. فالأشياء المحسة التي نراها ونلمسها لا يختلف فيها أحد، ولذلك يقال ليس مع العين أين، لأن ما تراه لا تريد عليه دليلا، ولكن الغيب لا تدركه الحواس، إنما يدرك بغيرها.
ومن الدلالة على دقة التعريف أنهم قالوا أن هناك خمس حواس ظاهرة هي: السمع والبصر والشم والذوق واللمس، ولكن هناك أشياء تدرك بغير هذه الحواس.
لنفرض أن أمامنا حقيبتين، الشكل نفسه والحجم نفسه. هل تستطيع بحواسك الظاهرة أن تدرك أيهما أثقل من الأخرى؟ هل تستطيع الحواس الخمس أن تقول لك أي الحقيبتين أثقل؟ لا، لابد أن تحمل واحدة منهما ثم تحمل الأخرى لتعرف أيهما أثقل.
بأي شيء أدركت هذا الثقل؟ بحاسة العضل، لأن عضلاتك أُجهدت عندما حملت احدى الحقيبتين، ولم تجهد عندما حملت الثانية، فعرفت بالدقة أيهما أثقل، لا تقل باللمس؛ لأنك لو لمست احداهما ثم لمست الأخرى لا تعرف أيهما أثقل، إذن فهناك حاسة العضل التي تقيس بها ثقل الأشياء.
ولنفرض أنك دخلت محلا لبيع القماش، وأمامك نوعان من قماش واحد، ولكن أحدهما أرق من الآخر، بمجرد أن تضع القماشين بين أنامِلك تدرك أن أحدهما رقيق والآخر أكثر سمكا، بأي حاسة أدركت هذا؟ ليس بحاسة اللمس ولكن بحاسة البينة وحكمها لا يخطئ.
وعندما تشعر بالجوع، بأي حاسة أدركت أنك جوعان؟ ليس بالحواس الظاهرة، وكذلك عندما تظمأ، ما هي الحاسة التي أدركت بها أنك محتاج إلى الماء، وعندما تكون نائما، أي حاسة تلك التي توقظك من النوم، لا أحد يعرف.
اذن هناك ملكات في النفس وهي الحواس الظاهرة، وهناك ادراكات في النفس، وهي حواس لا يعلمها إلا خالقها، لذلك عندما يأتي العلماء ليضعوا تعريفا للنفس البشرية نقول لهم: ماذا تعرفون عن هذه النفس؟!.. انكم لا تعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا، ولكن هناك أشياء داخل النفس لا تعرفونها، هناك ادراكات لا يعلم عنها الانسان شيئا، وهي ادراكات كثيرة ومتعددة.
لذلك يخطئ من يقول إن ما لا يدرك بالحواس البشرية الظاهرة هو غيب، لأن هناك ملكات وادراكات متعددة تعمل بغير علم منا.
لو أعطى لطالب تمرين هندسي فحله وأتى بالجواب، هل نقول أنه عَلِمَ غيبا؟ لأن حل التمرين كان غيبا عنه ثم وصل اليه، لا، لأن هناك مقدمات وقوانين أوصلته إلى هذا الحل، والغيب بلا مقدمات ولا قوانين تؤدي اليه، وهل عندما تعلن الأرصاد الجوية أن غدا يوم مطير شديد الرياح، أتكون قد عَلِمَتْ غيبا؟ لا، لأنها أخذت المقدمات ووصلت بها إلى نتائج وهذا ليس غيبًا.
وإذا جاء أحد من الدجالين وقال لك أن ما سرق منك عند فلان، أيكون قد علم الغيب؟ لا، لأنه يشترط في الغيب ألا يكون معلوما لمثلك، وما سرق منك معلوم لمثلك، فالسارق والذي بيعت له المسروقات يعرفان من الذي سرق، وما الذي حدث، والشرطة تستطيع بالمقدمات والبصمات والبحث أن تصل إلى السارق ومن اشترى المسروقات، وإذا جاءك دجال من الذين يسخرون الجن، والمعروف أن الجن مستورعنا يمتاز بخفة الحركة وسرعتها، والله سبحانه وتعالى يقول عن الشيطان: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27] فقد يكون هذا المستعان به من الجن قد رأى شيئا، أو انتقل من مكان إلى آخر، فيعرف شيئا لا تعرفه أنت، هذا لا يكون غيبًا لأنك جهلته، ولكن غيرك يعلمه بقوانينه التي خلقها الله له، والعلماء الذين يكتشفون أسرار الكون، أيقال إنهم أطلعوا على الغيب؟ لا، لأن هؤلاء العلماء اكتشفوا موجودًا له مقدمات فوصلوا إلى هذه النتائج فهو ليس غيبا.
ولكن ما هو الغيب؟
هو الشيء الذي ليس له مقدمات ولا يمكن أن يصل إليه علم خَلْقٍ من خلق الله حتى الملائكة، واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى حينما عَلَّمَ آدم الأسماء كلها وعرضهم على الملائكة قال جل جلاله: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَاؤُلاءِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَائهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 31- 33] والجن أيضا لا يعلم الغيب، ولذلك عندما مات سليمان عليه السلام، وكان الله سبحانه وتعالى قد سَخَّرَ له الجن لم تعلم الجن بموته إلا عندما أكلت دابة الأرض عصاه، واقرأ قوله تبارك وتعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: 14] إذن فالغيب هو ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، واقرأ قول الحق جل جلاله: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 26- 27] وهكذا فإن الرسل لا يعلمون الغيب، ولكن الله سبحانه وتعالى يعلمهم بما يشاء من الغيب ويكون هذا معجزة لهم ولمن اتبعوهم.
وقمة الغيب هي الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والإيمان باليوم الآخر، كل هذه أمور غيبية، وحينما يخبرنا الله تبارك وتعالى عن ملائكته ونحن لا نراهم، نقول مادام الله قد أخبرنا بهم فنحن نؤمن بوجودهم، وإذا أخبرنا الحق سبحانه وتعالى عن اليوم الآخر، فمادام الله قد أخبرنا فنحن نؤمن باليوم الآخر، لأن الذي أخبرنا به هو الله جل جلاله، آمنت به أنه اله، واستخدمت في هذا الإيمان الدليل العقلي الذي جعلني أؤمن بأن لهذا الكون إلهًا وخالقًا، وما يأتيني عن الله حيثية الإيمان به أن الله سبحانه وتعالى هو القائل.
ولابد أن نعرف أن وجود الشيء مختلف تماما عن ادراك هذا الشيء، فأنت لك روح في جسدك تهبك الحياة، أرأيتها؟ أسمعتها؟ أذقتها؟ أشممتها؟ ألمستها؟ الجواب طبعا لا، فبأي وسيلة من وسائل الادراك تدرك أن لك روحا في جسدك؟ بأثرها في إحياء الجسد.
إذن فقد عرفت الروح بأثرها، والروح مخلوق لله، فكيف تريد وأنت عاجز أن تدرك مخلوقا في جسدك وذاتك وهو الروح بآثارها، أن تدرك الله سبحانه وتعالى بحواسك.
ونحن إذا آمنا بالقمة الغيبية وهو الله جل جلاله، فلابد أن نؤمن بكل ما يخبرنا عنه وإن لم نَرَه، ولقد أراد الله تبارك وتعالى رحمة بعقولنا أن يقرب لنا قضية الغيب فأعطانا من الكون المادي أدلة على أن وجود الشيء، وادراك هذا الوجود شيئان منفصلان تماما.
فالجراثيم مثلا موجودة في الكون تؤدي مهمتها منذ بداية الخلق، وكان الناس يشاهدون آثار الأمراض في أجسادهم من ارتفاع في الحرارة وحمى وغير ذلك وهم لا يعرفون السبب، فلما ارتقى العلم وأذن الله لخلقه أن يروا هذا الوجود للجراثيم، جعل الله العقول قادرة على أن تكتشف المجهر، الذي يعطينا الصورة مكبرة، لأن العين قدرتها البصرية أقل من أن تدرك هذه المخلوقات الدقيقة، فلما اكتشف العلم المجهر، استطعنا أن نرى هذا الجراثيم، ونعرف أن لها دورة حياة وتكاثر إلى غير ما يكشفه الله لنا من علم كما تقدم الزمن.
إن عدم قدرتنا على رؤية أي شيء لا يعني أنه غير موجود.
ولكن آلة الإدراك- وهي البصر- عاجزة عن أن تراه، لأنه غاية في الصغر، فإذا جئت بالمجهر كبر لك هذا الميكروب ليدخل في نطاق وسيلة رؤيتك وهي العين، ورؤيتنا للجراثيم والميكروبات ليست دليلا على أنها خلقت ساعة رأيناها، بل هي موجودة تؤدي مهمتها، سواء رأيناها أو لم نرها.
فلو حدثنا أحد عن الميكروبات والجراثيم قبل أن نراها رؤية العين، هل كنا نصدق؟ والله سبحانه وتعالى ترك بعض خلقه غير مدرك في زمنه لبعض حقائق الكون ليرتقي الانسان ويدرك بعد ذلك، وكان المفروض أنه يزداد ايمانا، عندما يدرك وليعرف الخلق بالدليل المادي أن ما هو غيب عنهم موجود وإن كنا لا نراه.
والله تبارك وتعالى قد أعطانا من آياته في الكون ما يجعلنا ندرك أن لهذا الكون خالقا، فالشمس والقمر والنجوم والأرض والانسان والحيوان والجماد لا يستطيع أحد أن يدعي أنه خلقهم، ولا أحد يمكن أن يدعي أنه خلق نفسه أو غيره، ولا يمكن لهذا الكون بهذا النظام الدقيق أن يوجد مصادفة؛ لأن المصادفات أحداث غير مرتبة أو غير منظمة، ولو وجد هذا الكون بالصدفة لتصادمت الشمس والقمر والنجوم والأرض ولاختل الليل والنهار.
ولكن كل ما في الكون من آيات يؤكد لنا أن هناك قوة هائلة هي التي خلقت ونظمت وأبدعت، فإذا جاءنا رسول يبلغنا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق هذا الكون فلابد أن نصدقه.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ}. والصلاة هي إدامة ولاء العبودية للحق تبارك وتعالى وهي لا تسقط عن الانسان أبدا، فالانسان يصلي وهو واقف، فإن لم يستطع يصلي وهو جالس. فإن لم يستطع، فيصلي وهو راقد، ولا تسقط الصلاة عن الانسان من ساعة التكليف إلى ساعة الوفاة كل يوم خمس مرات.
ويقول الحق تبارك وتعالى: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}. وحين نتكلم عن الرزق يظن كثير من الناس أن الرزق هو المال، نقول له لا، الرزق هو ما ينتفع به فالقوة رزق، والعلم رزق، والحكمة رزق، والتواضع رزق، وكل ما فيه حركة للحياة رزق، فإن لم يكن عندك مال لتنفق منه فعندك عافية تعمل بها لتحصل على المال، وتتصدق بها على العاجز والمريض، وإن كان عندك حلم، فإنك تنفقه بأن تقي الأحمق من تصرفات قد تؤذي المجتمع وتؤذيك، وإن كان عندك علم انفقه لتعلم الجاهل، وهكذا نرى: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} تستوعب جميع حركة الحياة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}.
أخرج جرير عن قتادة {هدى للمتقين} قال: نعتهم ووصفهم بقوله: {الذين يؤمنون بالغيب} الآية.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله: {الذين يؤمنون} قال: يصدقون {بالغيب} قال: بما جاء منه، يعني من الله.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: {الذين يؤمنون بالغيب} قال: هم المؤمنون من العرب قال: و{الإِيمان} التصديق و{الغيب} ما غاب عن العباد من أمر الجنة والنار، وما ذكر الله في القرآن لم يكن تصديقهم بذلك من قبل أصحاب الكتاب، أو علم كان عندهم {يؤمنون بما أنزل إليك} هم المؤمنون من أهل الكتاب، ثم جمع الفريقين فقال: {أولئك على هدى} الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {الذين يؤمنون بالغيب} قال: بالله وملائكته، ورسله، واليوم الآخر، وجنته وناره، ولقائه، والحياة بعد الموت.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {الذين يؤمنون بالغيب} قال: آمنوا بالبعث بعد الموت، والحساب، والجنة والنار، وصدقوا بموعود الله الذي وعد في هذا القرآن.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {الذين يؤمنون بالغيب} قال: ما غاب عنهم أمر الجنة والنار قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت أبا سفيان بن الحرث يقول:
وبالغيب آمنا وقد كان قومنا ** يصلون للأوثان قبل محمد

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم كلاهما في معرفة الصحابة عن تويلة بنت أسلم قالت: صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة، فاستقبلنا مسجد ايلياء فصلينا سجدتين ثم جاءنا من يخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام، فتحوّل الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال، فصلينا السجدتين الباقيتين، ونحن مستقبلو البيت الحرام. فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: «أولئك قوم آمنوا بالغيب».
وأخرج سفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وأحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه وابن مردويه عن الحرث بن قيس أنه قال لابن مسعود: عند الله يحتسب ما سبقتمونا به يا أصحاب محمد من رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال ابن مسعود: عند الله يحتسب إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم ولم تروه! إن أمر محمد كان بيِّنًا لمن رآه. والذي لا إله غيره. من آمن أحد أفضل من إيمان بغيب. ثم قرأ: {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه} [البقرة: 12] إلى قوله: {المفلحون} [البقرة: 5].
وأخرج البزار وأبو يعلي والمرهبي في فضل العلم والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب قال: كنت جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أنبئوني بأفضل أهل الإِيمان إيمانًا؟ قالوا: يا رسول الله الملائكة...؟ قال: هم كذلك، ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها قالوا: يا رسول الله الأنبياء الذين أكرمهم الله برسالاته والنّبوة! قال: هم كذلك، ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها قالوا: يا رسول الله الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء...! قال: هم كذلك، ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالشهادة مع الأنبياء. بل غيرهم قالوا: فمن يا رسول الله؟! قال: أقوام في أصلاب الرجال، يأتون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني، ويصدقوني ولم يروني، يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانًا».
وأخرج الحسن بن عروة في حزبه المشهور والبيهقي في الدلائل والأصبهاني في الترغيب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي الخلق أعجب إليكم إيمانًا؟ قالوا: الملائكة... قال: وما لهم لا يؤمنون، وهم عند ربهم. قالوا: فالأنبياء... قال: فما لهم لا يؤمنون، والوحي ينزل عليهم. قالوا: فنحن... قال: وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم، ألا إن أعجب الخلق إلي إيمانًا، لقوم يكونون من بعدكم يجدون صحفًا فيها كتاب يؤمنون بما فيه».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: «ما من ماء ما من ماء؟ قالوا: لا. قال: فهل من شن؟ فجاؤوا بالشن، فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع يده عليه ثم فرق أصابعه، فنبع الماء مثل عصا موسى من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا بلال اهتف بالناس بالوضوء، فأقبلوا يتوضأون من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت همة ابن مسعود الشرب، فلما توضأوا صلى بهم الصبح، ثم قعد للناس فقال: يا أيها الناس من أعجب الخلق إيمانًا؟ قالوا: الملائكة. قال: وكيف لا تؤمن الملائكة وهم يعاينون الأمر! قالوا: فالنبيون يا رسول الله. قال: وكيف لا يؤمن النبيون والوحي ينزل عليهم من السماء! قالوا: فأصحابك يا رسول الله فقال: وكيف لا تؤمن أصحابي وهم يرون ما يرون، ولكن أعجب الناس إيمانًا، قوم يجيئون بعدي يؤمنون بي ولم يروني، ويصدقوني ولم يروني أولئك اخواني».
وأخرج الإسماعيلي في معجمه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي شيء أعجب إيمانًا؟ قيل: الملائكة... فقال كيف وهم في السماء يرون من الله ما لا ترون! قيل: فالأنبياء... قال: كيف وهم يأتيهم الوحي؟ قالوا: فنحن... قال: كيف وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله! ولكن قوم يأتون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني، أولئك أعجب إيمانًا، وأولئك إخواني، وأنتم أصحابي».
وأخرج البزار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي الخلق أعجب إيمانًا؟ قالوا الملائكة، قال: الملائكة... كيف لا يؤمنون؟ قالوا: النبيون... قال: النبيون يوحى إليهم فكيف لا يؤمنون؟ ولكن أعجب الناس إيمانًا، قوم يجيئون من بعدكم، فيجدون كتابًا من الوحي، فيؤمنون به ويتبعونه. فهؤلاء أعجب الناس إيمانًا».
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ليتني قد لقيت إخواني؟ قالوا يا رسول الله ألسنا إخوانك وأصحابك: قال: بلى. ولكن قومًا يجيئون من بعدكم، يؤمنون بي إيمانكم، ويصدقوني تصديقكم، وينصروني نصركم. فيا ليتني قد لقيت إخواني.
وأخرج ابن عساكر في الأربعين السباعية من طريق أبي هدبة وهو كذاب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليتني قد لقيت إخواني؟ فقال له رجل من أصحابه: أولسنا إخوانك؟ قال: بلى أنتم أصحابي، وإخواني قوم يأتون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني، ثم قرأ: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة}.
وأخرج أحمد والدارمي والباوردي وابن قانع معًا في معجم الصحابة والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي جمعة الأنصاري قال: قلنا يا رسول الله هل من قوم أعظم من أجرًا؟ آمنا بك، واتبعناك. قال: ما يمنعكم من ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم، يأتيكم الوحي من السماء! بل قوم يأتون من بعدي، يأتيهم كتاب بين لوحين، فيؤمنون به، ويعملون بما فيه، أولئك أعظم أجرًا.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي عمر وأحمد والحاكم عن أبي عبد الرحمن الجهني قال: بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع راكبان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كنديان، أو مذحجيان، حتى أتيا فإذا رجلان من مذحج فدنا أحدهما ليبايعه، فلما أخذ بيده قال: يا رسول الله أرأيت من آمن بك واتبعك وصدقك، فماذا له؟ قال: «طوبى له»، فمسح على يده وانصرف. ثم جاء الآخر حتى أخذ على يده ليبايعه فقال: يا رسول الله أرأيت من آمن بك وصدقك واتبعك ولم يرك؟ قال: «طوبى له». ثم مسح على يده وانصرف.
وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يراني سبع مرات».
وأخرج أحمد وابن حبان عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن رجلًا قال: يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك. قال: طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني».
وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد عن نافع قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعينكم هذه؟ قال: نعم قال: طوبى لكم. فقال ابن عمر: ألا أخبرك بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى. قال: سمعته يقول: «قال طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني ثلاث مرات».
وأخرج أحمد وأبو يعلي والطبراني عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات».
وأخرج الحاكم عن أبي هريرة مرفوعًا «أن ناسًا من أمتي يأتون بعدي، يودّ أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن إسحاق عن ابن عباس في قوله: {ويقيمون الصلاة} قال: الصلوات الخمس {ومما رزقناهم ينفقون} قال: زكاة أموالهم.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ويقيمون الصلاة} قال: يقيمونها بفروضها {ومما رزقناهم ينفقون} قال: يؤدّون الزكاة احتسابًا لها.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إقامة الصلاة إتمام الركوع، والسجود، والتلاوة، والخشوع، والإِقبال، عليها فيها.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {يقيمون الصلاة} قال: إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها، ووضوئها، وركوعها، وسجودها {ومما رزقناهم ينفقون} قال: أنفقوا في فرائض الله التي افترض الله عليهم، في طاعته وسبيله.
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله: {ومما رزقناهم ينفقون} قال: إنما يعني الزكاة خصة، دون سائر النفقات. لا يذكر الصلاة إلا ذكر معها الزكاة، فإذا لم يسم الزكاة قال في أثر ذكر الصلاة {ومما رزقناهم ينفقون}.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: {ومما رزقناهم ينفقون} قال: هي نفقة الرجل على أهله.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {ومما رزقناهم ينفقون} قال: كانت النفقات قربانًا يتقربون بها إلى الله على قدر ميسورهم وجهدهم، حتى نزلت فرائض الصدقات في سورة براءة. هن الناسخات المبينات. اهـ.