فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{الذين} يحتمل الرفع والنصب والجر، والظاهر الجر، وهو من ثلاثة أوجه: أظهرها: أنه نعت ل {المتقين}.
والثاني: بدل.
والثالث: عطف بيان.
وأما الرفع فمن وجهين:
أحدهما: أنه خبر مبتدأ محذوف على معنى القطع، وقد تقدم.
والثاني: أنه مبتدأ، وفي خبره قولان: أحدهما: {أولئك} الأولى.
والثاني: {أولئك} الثانية، والواو زائدة، وهذان القولان منكران؛ لأنه قوله: {والذين يؤمنون} يمنع كونه {أولئك} الأولى خبرًا أيضًا.
وقولهم: الواو زائدة لا يلتفت إليه.
والنصب على القطع.
و{يؤمنون} صلة وعائد.
قال الزمخشري: فإذا كان موصولًا كان الوقف على {المتقين} حسنًا غير تام، وإذا كان منقطعًا كان واقفًا تامًا.
وهو مضارع علامة رفعه النون؛ لأنه أحد الأمثلة الخَمْسَةِ وهي عبارة عن كل فعل مضارع اتصل به ألف اثنين، أو واو جمع، أو ياء مخاطبة، نحو: يؤمنان- تؤمنان- يؤمنون- تؤمنون- تؤمنين.
والمضارع معرب أبدًا، إلاّ أن يباشر نون توكيد أو إناث، على تفصيل ياتي إن شاء الله- تعالى- في غُضُون هذا الكتاب.
وهو مضارع أمن بمعنى: صدق، وآمن مأخوذ من أمن الثلاثي، فالهمزة في أمن للصّيرورة نحو: أعشب المكان أي: صار ذا عُشْب.
أو لمطاوعة فعل نحو: كبه فأكب، وإنما تعدى بالباء، لنه ضمن معنى اعترف، وقد يتعدّى باللام كقوله تعالى: {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا} [يوسف: 17]، {فَمَا آمَنَ لموسى} [يونس: 83] إلاَّ أن في ضمن التعدية باللام التّعدية بالباء، فهذا فرق ما بين التعديتين.
وأصل يؤمنون: يؤأمنون بهمزتين:
الأولى: همزة أفْعَل.
والثاني فاء الكلمة، حذفت الولى؛ لأن همزة أفْعَل تحذف بعد حرف المُضَارعة، واسم فاعله، ومفعوله نحو: أكرم ويكرم وأنت مُكْرِم، ومُكْرَم.
وإنما حذفت؛ لأنه في بعض المواضع تجتمع همزتان، وذلك إذا كان حرف المُضّارعة همزة نحو: أنا أكرم، الأصل: أأكرم بهمزتين، الولى: للمضارعة والثانية: همزة أفعل، فحذفت الثانية؛ لأن بها حصل الثّقل؛ ولأن حرف المضارعة أولى بالمحافظة عليه، ثم حصل باقي الباب على ذلك طَرْدًا للباب.
ولا يجوز ثبوت همزة أفعل في شيء من ذلك إلا في ضرورة؛ كقوله: الرجز:
فَإَنَّهُ أَهْلٌ لأَنْ يُؤَكْرَمَا

وهمزة {يؤمنون}- وكذلك كل همزة ساكنة- يجوز أن تبدل بحركة ما قبلها، فتبدل حرفًا متجانسًا نحو: راس وبير ويومن، فإن اتفق أن يكون قبلها همزة أخرى وجب البدل نحو: إيمان وآمن.
و{بالغيب} متعلّق ب {يؤمنون} ويكون مصدرًا واقعًا موقع اسم الفاعل، أو اسم المفعول، وفي هذا الثاني نظر؛ لأنه من غاب وهو لازم، فكيف يبنى منه اسم مفعول من فَعَّلَ مضعفًا متعديًا، أي: المُغَيَّب، وفيه بعد.
وقال الزمخشري: يجوز أن يكون مخففًا من فَيْعِل نحو: هَيِّن من هَيْن، ومَيِّت من مَيْت.
وفيه نظر؛ لأنه لا ينبغي أن يدعى ذلك فيه حتى يسمع مثقلًا كنظائره، فإنها سمعت مخفَّفةً ومثقلةً، ويبعد أن يقال: التزم التخفيف في هذا خاصّة.
ويجوز أن تكون الباء للحال فيتعلّق بمحذوف أي: يؤمنون متلبسين بالغيب عن المؤمن به، والغيب حينئذ مصدر على بابه.
قرأ أبو جعفر، وأبو عمرو وورش: {يُؤمِنُونَ} بترك الهمزة.
ولذلك يترك أبو جعفر كل همزة ساكنة إلاّ في {أَنبِئْهُمْ} [البقرة: 33]، و{يُنَبِّئُهُمُ} [المائدة: 14]، و{نَبِّئْنَا} [يوسف: 36].
ويترك أبو عمرو كلها، إلا أن يكون علامةً للجزم نحو: {وَنَبِّئْهُمْ} [الحجر: 51]، وأَنبئْهُمْ، و{تَسُؤْهُمْ} [آل عمران: 120]، و{إِن نَّشَأْ} [الشعراء: 4] ونحوها، أو يكون خروجًا من لُغَةٍ إلى أخرى نحو: {مُّؤْصَدَةُ} [البلد: 20]، و{وَرِءْيًا} [مريم: 74].
ويترك ورش كلّ همزة ساكنة كانت فاء الفعل، إلا {وتؤويا} [الأحزاب: 51] و{تُؤْوِيهِ} [المعارج: 13]، ولا يترك من عين الفعل إلا {الرؤيا} [الإسراء: 60] وبابه، أو ما كان على وزن فعل.
و{يقيمون} عطف على {يؤمنون} فهو صلةٌ وعائد.
وأصله: يؤقومون حذفت همزة أفعل؛ لوقوعها بعد حرف المُضّارعة كما تقدم فصار: يقومون، فاستثقلت الكسرة على الواو، ففعل فيه ما فعل في مستقيم، وقد تقدم في الفاتحة.
ومعنى {يقيمون} يديمون، أو يظهرون، قال تعالى: {على صَلاَتِهِمْ دَائمُونَ} [المعارج: 23] وقال الشاعر: الوافر:
أَقْمَنَا لأَهْلِ العِرَاقَيْنِ سُوقَ البطْ ** طِعَانِ فَخَامُوا وَوَلَّوْا جَمِعا

وقال آخر: الكامل:
وَإِذَا يُقَالُ أَتَيْتُمُ لَمْ يَبْرَحُوا ** حَتَّى تُقِيْمَ الخَيْلُ سُوقُ طِعَانٍ

من قامت السّوق: إذا أنفقت؛ لأنها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي تتوجّه إليه الرغبات، وإذا أضيفت كانت كالشّيء الكاسد الذي لا يرغب فيه.
أو يكون عبارة عن تعديل أركانها، وحفظها من أن يقع خَلَل في فرائضها وسُننها، أو يكون من قام بالأمر، وقامت الحرب على ساق.
وفي ضده: قعد عن الأمر، وتقاعد عنه: إذا تقاعس وتثبط، فعلى هذا يكون عبارة عن التجرُّد لأدائها، وألاّ يكون في تأديتها فُتُور، أو يكون عبارةً عن أدائها، وإنما عبر عن الأداء بالإقامة؛ لأن القيام ببعض أركانها كما عبر عنه بالقنوت.
وذكر الصّلاة بلفظ الواحد، وأن المراد بها الخمس كقوله تعالى: {فَبَعَثَ الله النبيين مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكتاب بالحق} [البقرة: 213] يعني: الكتب.
و{الصّلاة} مفعول به، ووزنها: فَعضلَة، ولامها واو، لقولهم: صَلَوات، وإنما تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، واشتقاقها من: الصَّلَوَيْنِ وهما عِرْقَان في الوِرْكَيْنِ مفترقان من الصّلاَ، وهو عِرْق مُسْتَبْطِنٌ في الظهر منه يتفرق الصَّلَوان عند عَجَبِ الذَّنْبِ، وذلك أن المصلّي يحرك صَلَوَيْهِ، ومنه المُصَلِّي في حَلَبَةِ السِّباق لمجيئه ثانيًا عند صَلَوَي السابق.
ذكره الزَّمخشري.
قال ابن الخطيب: وهذا يفضي إلى طَعْنٍ عظيم في كون القرآن حُجّة؛ وذلك لأن لفظ {الصلاة} من أشدّ الألفاظ شهرة، وأكثرها دروانًا على ألسنة المسلمين، واشتقاقه من تحريك الصّلوين من أبعد الأشياء اشتهارًا فيما بين أهل النقل، ولو جوزنا أن يقال: مسمى الصلاة في الأصل ما ذكره، ثم إنه خفي واندرس حتى صار بحيث لا يعرفه إلاّ الآحاد لكان مثله في سائر الألفاظ جائزًا، ولو جوزنا ذلك لما قطعنا بأن مراد الله- تعالى- من هذه الألفاظ ما تتبادر أفهامنا إليه من المَعَاني في زماننا هذا، لاحتمال أنها كانت في زمن الرسول موضوعة لمعانٍ أخر، وكان مراد الله- تعالى- تلك المعان، إلاّ أن تلك المعاني خَفِيت في زماننا، واندرست كما وقع مثله في هذه اللَّفظة، فلما كان ذلك باطلًا بإجماع المسلمين علمنا أن الاشتقاق الذي ذكره مردود باطل.
وأجيب عن هذا الإشكال بأن بعثة محمد- عليه الصلاة والسلام- بالإسلام، وتجديد الشريعة أمر طبق الآفاق، ولا شَكّ أنه وضع عبارات، فاحتاج إلى وضع ألفاظ، ونقل ألفاظ عمّا كانت عليه، والتعبير مشهور.
وأما ما ذكره من احتمال التعبير فلا دليل عليه، ولا ضرورة إلى تقديره فافترقا.
و{الصَّلاة} لغة: الدّعاءُ: ومنه قول الشاعر البسيط:
تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرَّبْتُ مُرْتَحلًا ** يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الأَوْصَابَ وَالوَجَعَا

فَعَلَيكِ مِثْلُ الَّذي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي ** يَومًا فَإِنَّ لجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجِعًا

أي: مثل الَّذي دعوت، ومثله: الطويل:
لَهَا حَارِسٌ لاَ يَبْرَحُ الدَّهْرَ بَيْتَهَا ** وإِن ذُبِحَتْ صَلَّى عَلَيْهَا وَزَمْزَمَا

وفي الشرع: هذه العبادة المعروفة.
وقيل: هي مأخوذة من اللزوم، ومنه: صَلِيَ بِالنَّارِ أي: لزمها، ومنه قوله تعالى: {تصلى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 4] قال: الخفيف.
لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِهَا عَلِمَ اللَّ ** هُ وإِنِّي بِحَرِّهَا الْيَومَ صَالِ

وقيل: من صَلَيْتُ العودَ بالنَّار، أي: قَوَّمْتُهُ بالصَّلاَء- وهو حَرّ النار، إذا فَتَحْتَ قَصَرْتَ، وإن كَسَرْتَ مَدَدْتَ، كأن المصلِّي يُقَوِّم نفسه؛ قال: الوافر:
فَلاَ تَعْجَلْ بِأَمْرِكَ واسْتَدِمْهُ ** فَمَا صَلَّى عَصَاكَ كَمُسْتَدِيمِ

ذكر ذلك الخَارزنجِيّ، وجماعة أجلّة، وهو مشكل، فإن الصلاة من ذوات الواو، وهذا من الياء.
وقيل في قوله تعالى: {إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي} [الأحزاب: 56] الآية: إنّ الصّلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاسْتِغْفَار، ومن المؤمنين الدعاء.
{وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ} مما: جاء ومَجْرور متعلّق ب {ينفقون} و{ينفقون} معطوف على الصّلة قبله، وما المجرورة تحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون اسمًا بمعنى الذي، و{رزقناهم} صِلَتِهَا، والعائد محذوف.
قال أبو البقاء: تقديره رزقناهموه، أو رزقناهم إياه.
وعلى كل واحد من هذين التقديرين إشكال؛ لأن تقديره متصلًا يلزم منه اتصال الضَّمير مع اتحاد الرُّتبة، وهو واجب الانفصال، وتقديره منفصلًا يمنع حذفه؛ لأنَّ العائد متى كان منفصلًا امتنع حذفه، نصُّوا عليه، وعللوا بأنه لم يفصل إلا لغرض، وإذا حذف فاتت الدلالة على ذلك الغرض.
ويمكن أن يجاب عن الأوّل بأنه لما اختلف الضَّميران جمعًا وإفرادًا- وإن اتحدا رتبةً- جاز اتصاله؛ ويكون كقوله: الطويل:
فَقَدْ جَعَلَتْ نَفْسِي تَطِيبُ لِضَغْمَةٍ ** لِضَغْمِهمَاهَا يَقْرَعُ الْعَظْمَ نَابُهَا

وأيضًا فإنه لا يلزم من منع ذلك ملفوظًا به منعه مقدّرًا لزوال القُبْحِ اللفظي.
وعن الثَّاني: بأنه إنما يمنع لأجل اللَّبْسِ موصوفةً، والكلام في عائدها كالكلام في عائدها موصولةً تقديرًا واعتراضًا وجوابًا.
الثَّالث: أن تكون مصدريةً، ويكون المصدر واقعًا موقع المفعول أي: مرزوقًا.
وقد منع أبو البقاء هذا الوَجْهَ قال: لأنَّ الفعل لا يتفق، وجوابه ما تقدّم من أنّ المصدر يراد يه المفعول.
والرزق لغة: العَطَاء، وهو مصدر؛ قال تعالى: {وَمَن رزقناه مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 75] وقال الشَّاعر: البسيط:
رُزِقْتَ مَلًا وَلَمْ تُرْزَقْ مَنَافِعَهُ ** إِنَّ الشَّقِيَّ هُوَ الْمَحْرُومُ مَا رُزِقَا

وقيل: يجوز أن يكون فِعْلًا بمعنى مفعول نحو: ذِبْح، ورِعْي بمعنى: مَذْبوح، ومَرْعيّ.
وقيل: الرِّزْق- بالفتح- مصدر، وبالكسر اسم، وهو في لغة أزد شنوءة: الشّكر، ومنه: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82].
وقال بعضهم: ويدخل فيه كل ما ينتفع به حتى الولد والعَبْد.
ونفق الشيء: نفد، وكلّ ما جاء مما فاؤه نون، وعينه فاء، فدالّ على معنى ونحو ذلك إذا تأملت، قاله الزمخشري، وذلك نحو: نَفِدَ نَفَقَ نَفَرَ نفذ، نَفَشَ، نَفَحَ، نفخ، نفض، نفل. اهـ.
ونفق الشيء بالبيع نَفَاقًا ونَفَقَتِ الدابة: ماتت نُفُوقًا، والنفقة: اسم المُنْفَق.
فصل في معاني من:
ومن هنا لابتداء الغاية.
وقيل: للتبعيض، ولها معانٍ أخر:
بيان الجنس: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} [الحج: 30].
والتعليل: {يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ في آذَانِهِم مِّنَ الصواعق} [البقرة: 19].
والبدل: {بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة} [التوبة: 38].
والمُجَاوزة: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} [آل عمران: 121].
وانتهاء الغاية: قربت منه.
والاستعلاء: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ القوم} [الأنبياء: 77].
والفصل: {يَعْلَمُ المفسد مِنَ المصلح} [البقرة: 220].
وموافقة الباء {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى: 45]، {مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض} [فاطر: 40].
والزيادة باطّراد، وذلك بشرطين كون المجرور نكرة والكلام غير موجب.
واشترط الكوفيون التنكير فقط، ولم يشترط الأخفش شيئًا.
والهمزة في أنفق للتَّعدية، وحذفت من ينفقون لما تقدم في يؤمنون. اهـ. بتصرف.