فصل: من فوائد القاسمي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ أهل مكة {عُدُوّا} بضم العين والدال وتشديد الواو، وهي قراءة الحسن، وأبي رجاء وقتادة.
وقرأ من عداهم بفتح العين وضم الدال وتشديد الواو، ومعنى القراءتين واحد: أي ظلمًا وعدوانًا، وهو منتصب على الحال، أو على المصدر، أو على أنه مفعول له {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} أي مثل ذلك التزيين زينا لكل أمة من أمم الكفار عملهم من الخير والشرّ {يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء} [النحل: 93، فاطر: 8] {ثُمَّ إلى رَبّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} في الدنيا من المعاصي التي لم ينتهوا عنها، ولا قبلوا من المرسلين ما أرسلهم الله به إليهم، وما تضمنته كتبه المنزلة عليهم.
وقد أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة في قوله: {قَدْ جَاءكُمْ بَصَائِرُ} أي بينة {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} أي فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه {وَمَنْ عَمِىَ} أي من ضلّ {فَعَلَيْهَا}.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه، والضياء في المختارة، عن ابن عباس أنه كان يقرأ {دارست} وقال: قرأت.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه عنه {دَرَسْتَ} قال: قرأت وتعلمت.
وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عنه أيضًا قال: {دارست} خاصمت، جادلت، تلوت.
وأخرج أبو الشيخ، عن السديّ، {وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} قال: كفّ عنهم، وهذا منسوخ، نسخه القتال: {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5].
وأخرج ابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس في قوله: {وَلَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكُواْ} يقول الله تبارك وتعالى: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} أي بحفيظ.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عباس، في قوله: {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله} قال: قالوا يا محمد لتنتهينّ عن سبك آلهتنا أو لنهجونَّ ربك، فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم {فَيَسُبُّواْ الله عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}.
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ملعون من سبّ والديه»، قالوا يا رسول الله وكيف يسبّ الرجل والديه؟ قال: «يسبّ أبا الرجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمه فيسبّ أمه». اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي: لا تذكروا آلهتهم، التي يعبدونها، بما فيها من القبائح، لئلا يتجاوزوا إلى الجناب الرفيع.
روى عبد الرزاق عن قتادة قال: كان المسلمون يسبون أصنام الكفار، فنهوا عنه لذلك. وقال الزجاج: نهوا أن يلعنوا الأصنام التي كانت تعبدها المشركون. انتهى.
فـ: {الَّذِينَ يَدْعُونَ} عبارة عن الآلهة، والعائد مقدر، والتعبير بـ: {الَّذِينَ} على زعمهم أنهم من أولي العلم، أو بناء على أن سبّ آلهتهم سبّ لهم، كما يقال: ضربُ الداية صفعٌ لراكبها. فإن قيل: إنهم كانوا يقرّون بالله وعظمته، وأن آلهتهم إنما عبدوها لتكون شفعاء عنده، فكيف يسبونه؟ قلنا: لا يفعلون ذلك صريحًا، بل يفضي كلامهم إلى ذلك، كشتمهم له ولمن يأمر بذلك مثلًا. وقد فسر: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بهذا، وهو حسن جدًا. أو أن الغيظ والغضب ربما حملهم على سب الله صريحًا. ألا ترى المسلم قد تحمله شدة غضبه بالكفر؟!
و: {عَدُوًّا} مصدر، أي: ظلمًا وعدوانًا، يقال: عدا عليه عدوًا، كـ (ضربًا)، و(عدوًّا) ك (عتوّ)، و(عداء) كـ (عزاء)، و(عدوانًا) كـ (سبحان) إذا تعدى وتجاوز، وهو مفعول مطلق لـ (تسبوا) من معناه، لأن السبب عدوان. أو مفعول له، أو حال مؤكدة مثل: {بِغَيْرِ عِلْمٍ}- كذا في العناية-.
تنبيه:
قال ابن الفرس في الآية: إنه متى خيف من سب الكفار وأصنامهم، أن يسبوا الله وأو رسوله أو القرآن، لم يجز أن يُسَبّوا ولا دينهم. قال: وهي أصل في قاعدة سد الذرائع.
قال السيوطي: وقد يستدل بها على سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا خيف من ذلك مفسدة أقوى. وكذا كل فعل مطلوب ترتب على فعله مفسدة أقوى من مفسدة تركه.
وقال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية أن الحَسَن يصير قبيحًا إذا كان يحصل بفعله مفسدة. قال الحاكم: نهوا عن سب الأصنام لوجهين:
أحدهما: أنها جماد لا ذنب لها.
والثاني: أن ذلك يؤدي إلى المعصية بسبّ الله تعالى.
قال: والذي يجب علينا بيان بغضها، وأنه لا تجوز عبادتها، وأنها لا تضر ولا تنفع، وأنها لا تستحق العبادة، وهذا ليس بسبٍّ. ولهذا قال أمير المؤمنين (يوم صفين): لا تسبوهم، ولكن اذكروا قبيح أفعالهم. انتهى.
وقال الزمخشري: فإن قلت: سب الآلهة حق وطاعة، فكيف صح النهي عنه، وإنما يصح النهي عن المعاصي؟ قل: رب طاعة عُلِمَ أنها تكون مفسدة، فتخرج عن أن تكون طاعة، فيجب النهي عنها لأنها معصية، لا لأنها طاعة. كالنهي عن المنكر، هو من أجل الطاعات، فإذا علم أنه يؤدي إلى زيادة الشر انقلب إلى معصية، ووجب النهي عن ذلك، كما يجب النهي عن المنكر. فإن قلت: فقد روي عن الحسن وابن سيرين أنهما حضرا جنازة، فرأى محمد نساءً، فرجع. فقال الحسن: لو تركنا الطاعة لأجل المعصية، لأسرع ذلك في ديننا. قلت: ليس هذا مما نحن بصدده، لأن حضور. الرجال الجنازة طاعة، وليس بسبب لحضور النساء، فإنهن يحضرنها، حضر الرجال أو لم يحضروا. بخلاف سب الآلهة. وإنما خيل إلى ابن سيرين أنه مثله، حتى نبه عليه الحسن. انتهى.
ومنه قال بعض مفسري الزيدية: واعلم أن المعصية إن كانت حاصلة لا محالة، سواء فعل الحسن أم لا، لم يسقط الواجب، ولا يقبح الحسن. انتهى.
وكذا قال الخفاجي: إن الطاعة إذا أدت إلى معصية راجحة، وكانت سببًا لها، وجب تركها. بخلاف الطاعة في موضع فيه معصية، لا يمكن دفعها. وكثيرًا ما يشتبهان ولذا لم يحضر ابن سيرين جنازة اجتمع فيها الرجال والنساء، وخالفه الحسن للفرق بينهما. انتهى.
قال الرازيّ: وفي الآية تأديب لمن يدعو إلى الدين، لئلا يتشاغل بما لا فائدة له في المطلوب، لأن وصف الأوثان بأنها جمادات لا تضر ولا تنفع، يكفي في القدح في إلهيتها، فلا حاجة، مع ذلك، إلى شتمها.
{كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ} من الأمم الماضية على الضلال: {عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ} أي: بالبعث بعد الموت {فَيُنَبِّئُهُمْ} أي: يخبرهم: {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} في الدنيا. وذلك بالمحاسبة والمجازاة عليه. تنبيهات:
الأول- ذهب أهل السنة إلى ظاهر الآية، من أن المزيَّن للكافر الكفر، وللمؤمن الإيمان، هو الله تعالى. وذلك لأن صدور الفعل من العبد يتوقف على حصول الداعي، ولابد أن يكون ذلك الداعي بخلق الله تعالى. وقد بسط الرازي ذلك، وساق تأويلات المعتزلة الركيكة، فانظره!
الثاني- في قوله تعالى: {فَيُنَبِّئُهُم} إلخ وعيد الجزاء والعذاب. كقول الرجل لمن يتوعدة: سأخبرك بما فعلت.
الثالث- فيه نكتة سرية، مبينة على حكمة أبيّة، وهي أن كل ما يظهر في هذه النشأة من الأعيان والأعراض، فإنما يظهر بصورة مستعارة مخالفة لصورته الحقيقة التي بها يظهر في النشأة الآخرة. فإن المعاصي سموم قاتلة، قد برزت في الدنيا بصورة تستحسنها نفوس العصاة، كما نطقت به هذه الآية الكريمة، وكذا الطاعات، فإنها مع كونها أحسن الأحاسن، قد ظهرت عندهم بصورة مكروهة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: حُفَّت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات. فأعمال الكفرة قد برزت لهم في هذه النشأة بصورة مزينة تستحسنها الغواة وتستحبها الطغاة. وستظهر في النشأة الآخرة بصورتها الحقيقة المنكرة الهائلة، فعند ذلك يعرفون أن أعمالهم ماذا؟ فعبر عن إظهارها بصورها الحقيقة بالأخبار بها، لما أن كلًا منهما سبب للعلم بحقيقتها كما هي. فليتدبر!- أفاده أبو السعود. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}.
وتتضمن هذه الآية الكريمة منهجًا ضروريًا من مناهج الدعوة إلى الله، هذه الدعوة التي حملها الرسل السابقون، وختمهم الحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلها سبحانه ختمًا لاتصال السماء بالأرض؛ لذلك كان لابد من أن يستوعب الإسلام كل أقضية تتعلق بالدعوة إلى الله يحملها أمينًا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمة المحمدية. التي شرفها الله سبحانه وتعالى بأن جعل فيها من يحملون أمانة دعوة الله إلى الخلق امتدادًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكل مسلم يعلم حكمًا من أحكام الله مطلوب منه أن يبلغه لغيره؛ فرب مُبلَّغ أوعى من سامع. حتى وإن كان الله لم يوفقه للعمل بما جاء فيما بلغ. فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، فإذا فاته أن يعمل فالواجب ألا يفوت من يعلم قضية من قضايا دينه ثواب البلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخلق، ولكن عليه أن يعمل ليكون قدوة سلوكية يتأسى به غيره حتى لا يقع تحت طائلة قوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ}.
وإن كان بعض الشعراء يلحون على هذه المسألة. فيقولون:
وخذ بعلمي ولا تركن إلى عملي ** واجن الثمار وخلّ العود للنار

إذن فالبلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ضروري، وهو امتداد لشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه بلغ صلى الله عليه وسلم عن الحق مراده من الخلق. وبقي أن يشهد الناس الذين اتبعوا هذا الرسول أنهم بلغوا إلى الناس ما جاءهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
إذن فكما أن الرسول سيشهد بأنه بلغنا، فمن صميم المنهج أن يشهد أتباعه أنهم بلغوا الناس، فإن حدث تقصير في البلاغ إلى الناس، فستكون المسئولية على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يؤد أمانة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الناس أجمعين. ومنهج الدعوة منهج صعب؛ لأن الدعوة إلى الله تتطلب أن يأخذ الداعي يد الذين ينحرفون عن منهج السماء اتباعا لشهوات الأرض، وشهوات الأرض جاذبة دائما للخلق؛ لأنها تحقق العاجل من متع النفس. واتباع منهج الدين- كما يقولون- يحقق نفعا آجله، فهو يحقق- أيضا- المتعة العاجلة؛ لأن الناس إن تمسكوا بمنهج الله في افعل ولا تفعل يعيشون حياة طيبة لا حقد فيها، ولا استغلال، ولا ضغن ولا حسد ولا سيطرة، ولا جبروت، فيصبح الناس جميعا في أمان.
إذن فلا تقولوا إن الدين ثمرته في الآخرة بل قولوا ليست مهمة الدين هي الآخرة فحسب بل مهمة الدين هي الدنيا أيضا، والآخرة إنما هي ثواب على النجاح في هذه المهمة؛ لأن الله إنما يجازي في الآخرة من أحسن العمل في الدنيا.
ومن اتبع منهج الله كما قال الله: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} ومن أعرض عن منهج الله فإن له معيشة ضنكا. ويحدث ذلك قبل الآخرة، ثم يأتي يوم القيامة ليتلقى العقاب من الله: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى} [طه: 124].
فإذا كان الدين يأخذ بالناس من شهواتهم الهابطة إلى منهج الله العالي، فتكون مهمة الداعي شاقة على النفس، ولذلك قالوا: إن الناصح بالخير يجب أن يكون لبقا؛ لأنه يريد أن يخلع الناس مما أحبوا وألفوا من الشر؛ لذلك يجب على الداعي ألا يجمع عليهم إخراجهم مما ألفوا بأسلوب يكرهونه بل لابد أن يثير جنانهم ورغبتهم في اتباع المنهج، ولذلك جاءت هذه الآية: {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 108].
لقد قال الحكماء: النصح ثقيل فلا نرسله جبلًا ولا تجعله جدلًا، والحقائق مُرّة، فاستعيروا لها خفة البيان. والخفة في النصح تؤلف قلب المنصوح، وحسبك منه أن تخلعه عما ألف وأحبّ. إلى ما لم يتعود، فلا يكون خلعه مما ألف بأسلوب عنيف. ولذلك يعلمنا الحق هذه القضية حين ندعو الخصوم إلى الإيمان به، وهؤلاء الخصوم يتخذون من دون الله أندادًا؛ أي جعلوا لله ومعه شركاء.
إنهم إذن إرادوا المتعة العاجلة بالابتعاد عن المنهج، ثم احتفظوا بالله مع الشركاء؛ لأنه قد تأتي لهم ظروف عصيبة، لا تقدر أسباب الأرض على دفعها، ومن مصلحتهم أن يكون لهم إله قادر على أن ينجيهم مما هم فيه. فهم لا يكذبون أنفسهم. والحق سبحانه هو القائل في مثل هؤلاء إن أصروا على الشرك: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98].
حصب جهنم إذن هم المشركون ومعهم الأصنام التي كانوا يعبدونها وستكون وقودًا للنار التي يعذبون بها. وبعض من الناس السطحيين يظن أن هذا عذاب للأحجار، لا، بل هي غيرة ونقمة وغضب من الأحجار على خروج المشركين عن منهج الله في توحيد الله. فتقول الأحجار: لقد كنتم مفتونين بي ولذلك سأكون أنا أداة إحراقكم. إننا نجد المفتونين في الآلهة من البشر أو الآلهة من الأشجار أو الآلهة من الكواكب أو الآلهة يصيبهم الله بالعذاب، والأحجار التي عبدوها تقول كما قال بعضهم فيها شعرًا:
عبدونا ونحن أعبد ل ** له من القائمين في الأسحار

واتخذوا صمتنا علينا دليلا ** وغدونا لهم وقود النار

للمغالي جزاؤه والمغالي فيه ** تنجيه رحمة الغفار

ولذلك يأتي الأمر بألا نسبّ ما يعبده الذين أشركوا بالله؛ لأن الأصنام لا ذنب لها، والواقع كان يقتضي أن تتلطفوا بالأحجار فهي لا ذنب لها في المفتونين بها.
والحق سبحانه وتعالى يعلمنا ويوضح لنا ألا نظلم المتَّخَذ إلها؛ لأنه مغدور، والسب هو ذكر القبيح، والشتم، والذم، والهجاء، إنك إن سببت وقبحت ما عبدوه من دون الله فإن العابد لها بغباوته سيسب إلهك فتكون أنت قد سببت إلها باطلا، وهم سبّوا الإله الحق، وبذلك لم نكسب شيئا؛ فانتبهوا.