فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والنص القرآني جاء بقوله الحق: {لا يؤمنون} وجاء العلماء عند هذه المسألة واختلفوا، وجزى الله الجميع خيرا؛ لأنها أفهام تتصارع لتخدم الإيمان. ونسأل: ما الذي يجعل الأسلوب يجيء بها الشكل؟ ونقول: إنها مقصودات الإِله حتى نعيش في القرآن. لا أن نمر عليه المرور السريع. والأسلوب في قوله: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} هو دليل على أنه ليس لكم علم.
وقلنا: إن الشعور يحتاج إلى إدراك ومواجيد ونزوع، فعلى أي أساس بنيتم شعوركم هذا؟ أنتم أخذتم ظاهر كلامهم، ولكن الحق يعلم ويحيط بما يخفون ويبطنون. وكأنه سبحانه يوضح أن طلب الآية إنما هو تمحيك. وأنتم تعلمون أن الله إن جاء لهم بالآية فلن يؤمنوا.
وبعض من المفسرين قال: إن (لا) زائدة ومنهم من كان أكثر تأدبا فقال: (لا) صلة لأنهم خافوا أن يقولوا: (لا) زائدة وقد يأخذ البعض بمثل هذا القول فيحذفها، لذلك أحسنوا الأدب؛ لأن الذي يتكلم هو الإِله وليس في كلامه حرف زائد بحيث لو حذفته يصح الكلام، لا. إنك إذا حذفت شيئا فالكلام يفسد ولا يؤدي المراد منه؛ لأن لله مرادات في كلامه، وهذه المرادات لابد أن يحققها أسلوبه. والمثال في حياتنا أن يقول لك واحد: ما عندي مال أو ما عندي من مال؟ إن من مال هنا ابتدائية أي من عندي من بداية ما يقال: إنه مال، أما من يقول: ما عندي مال أي ليس عنده ما يعتد به من المال الذي له خطر وقيمة، بل عنده قروش مما لا يثال له: مال. إن في جيبه القليل من القروش.
ولا في هذه الآية جاءت لأن الحق يريد أن يقول للمؤمنين: ما يعلمكم يا مؤمنون أنني إذا جئت لهم بالآية يؤمنون، فكأنه سبحانه ينكر على المؤمنين تأييد مطلب الكافرين. وقد تلطف الحق مع المؤمنين وكرم حسن ظنهم في التأييد لأنهم لا يؤيدون الطلب حبا في الكافار، بل حبا في النبي والمنهج، وكأن الحق يقول لهم: أنا أعذركم لأنكم تأخذون بظاهر جهد اليمين {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} ومبالغتهم فيه. ولا أنكر عليكم تصديقكم لظاهر قولهم؛ لأن هذا هو مدى علمكم، ومكا أدراكم أنني إذا جئت بالآية أنهم أيضا لن يعلنوا الإِيمان. ولو كنتم تعبمون ما أعلم لعرفتم أنهم لن يؤمنوا. إذن حين جاء الأسلوب ب {لاَ يُؤْمِنُونَ} ف لا حقيقية وليست زائدة. ومن أجل أن يطمئن الحق المؤمنين أظهر لهم أن علمه الواسع يعلم حقيقة أمرهم يقول: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ...}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {جَهْد أيْمَانِهِم} تقدم الكلام عَلَيه في المائدة.
وقرا طَلْحَة بن مُصَرِّف: {ليُؤمَنَنْ} مَبْنيًا للمفعول مؤكّدًا بالنون الخفيفة، ومَعْنَى {جهد أيمانهم}: قال الكَلْبِيُّ ومُقَاتِل: إذا حلف الرَّجُل باللَّه جَهْد يَمِينه، وقال الزَّجَّاج: بالَغُوا في الأيْمَان.
قوله: {وَمَا يُشْعِرُكُم} {ما}: استِفْهَامِيَّة مُبْتَدأ، والجملة بَعْدَها خَبْرُهَا، وفاعل يُشْعِر يعود عَلَيْها، وهي تتعدى لاثْنَيْن.
الأوَّل: ضمير الخطاب.
والثاني: مَحْذُوف، أي: وأيُّ شَيءْ يدرِيكُم إيمانُهم إذا جَاءَتْهُم الآيَات التي اقْترَحُوها.
قال أبو علي: {مَا} استِفْهَام، وفَاعِل {يُشْعِرُكُم} ضمير {مَا} والمعنى: وما يُدْرِيكم إيمانهم؟ فحذف المَفْعُول، وحذف المفعُول كَثِير.
والمعنى أي: بِتَقْدير أنْ تَجِيئَهم هَذِه الآيَات، فهم لا يُؤمِنُون.
وقرأ العامَّة: انها بِفَتْح الهَمْزة، وابن كثيرٍ وأبُو عَمْرو، وأبُوبَكْر بخلاف عنه بِكَسْرِها.
فأما قرءاة الكَسْر: فَوَاضِحَة اسْتجودها النَّاس: الخَلِيل وغيْره، لأن معناها: اسْتِنَاف إخْبَار بعدم إيمان من طُبع على قَلْبِه، ولو جَاءَتْهُم كلُّ آيَة.
قال سيبويه: سَألْتُ الخَلِيل عن هذه القراءة عين: قِرَاءة الفَتْح فَقُلْت: ما مَنَع أن يكُون كقولك: ما يُدْرِيك أنّه لا يَفْعل؟ فقال: لا يَحْسُن ذلك في هذا المَوْضِع، إنَّما قال: {ومَا يُشْعِرُكم} ثم ابْتِدأ؛ فأوْجَب، فقال: إنَّها غذا جَاءَت، لا يُؤمِنُون لو فتحن فقال: وما يُشْعِرُكُم أنَّها إذا جَاءَتْ لا يُؤمِنُون، لكان عُذْرًا لهم، وقد شرح النَّاس قَوْل الخَلِيل، وأوْضَحُوه، فقال الواحدي وغيره: لأنَّك لو فَتَحْت أنّ وجَعَلْتَها الَّتِي في نَحْو: بَلَغَنِي أنَّ زيدًا مُنْطَلِق، لكان عُذْرًا لمنَ أخبر عَنْهُم أنَّهم لا يُؤمِنُون؛ لأنَّه إذا قال القَائِل: إنَّ زَيْدًا لا يُؤمِن فقلت: وما يُدْرِيك أنَّه لا يُؤمِن؟ كان المَعْنَى: أنه يُؤمِن، وإذا كان كذلك، كان عُذْرًا لمن نفي عنه الإيمان، وليس مُرادُ الآية الكريمة، إقامة عُذْرهم، ووجود إيمانهم.
وقال الزَّمَخْشَري: وقُرِئ {إنَّها} بالكَسْر؛ على أنَّ الكلام قد تمَّ قبْله بِمَعْنَى: مَا يُشْعِرُكُم ما يَكُون مِنْهُم ثمَّ أخبَرَهم بِعِلْمه فِيهِم، فقال: إنَّها إذَا جَاءَت، لا يُؤمِنُون.
وأما قِرَاءة الفَتْح: فقد وَجَّهَها النَّاسُ على سِتَّة أوْجُه:
أظهرها: أنَّها بمعنى: لَعَلَّ، حكى الخَلِيل أتيت السُّوق أنَّك تَشْتَرِي لَنَا مِنْهُ شَيْئًا أي: لَعَلَّك فهذا من كلام العرب- كما حَكَاه الخَلِيل- شَاهد على كَوْن أنَّ بِمَعْنَى لَعَلَّ وانْشَد أبو جَعْفَر النَّحَّاس: [الطويل]
أرينِي جَوَادًا مَاتَ هُزْلًا لأنَّنِي ** أرَى ما تَرَيْنَ أوْ بَخِيلًا مُخَلَّدَا

وقال امرؤ القيس- أنشده الزَّمَخْشَريُّ: [الكامل]
عُوجَا على الطَّلَلِ المُحِيل لأنَّنَاِ ** بنْكِي الدِّيارَ كَمَا بَكَى ابنُ حِذَامِ

وقال جري: [الوافر]
هَل أنْتُمْ عَائِجُونَ بِنَا لَعَنَّا ** نَرَى العَرَصَاتِ أوْ أثَرَ الخِيَامِ

وقال عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ: [الطويل]
أعَاذِل مَا يُدْريكَ أنَّ مَنْيَّتِي ** إلى سَاعَةٍ في اليَوْمِ أوْ فِي ضُحَى الغَدِ

وقال آخر: [الزجر]
قُلْتُ لِشَيْبَانَ ادْنُ مِنْ لِقَائِهْ ** أنَّا نُغَذِّي النَّاسَ مِنْ شِوَائِهْ

ف أنَّ في هذه المواضِع كلِّها بِمَعْنَى: لعلَّ قالوا: ويدلُّ على ذَلِك أنَّها في مُصْحَف أبَيِّ وقراءته: {وما أدْرَاكُم لعلَّها إذا جَاءَتْ لا يُؤمِنُون} ونُقِل عنه: {وما يُشْعِرُكم لعلِّها إذَا جَاءَت لا يُؤمِنُون} ذكر أبُو عُبَيْد وغيره، ورَجَّحُوا ذلك أيْضًا بأنَّ لَعَلَّ قد كَثُر ورودُها في مِثْل هذا التَّركِيب؛ كقوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ} [الشورى: 17]، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى} [عبس: 3]، وممَّن جعل أنَّ بِمَعْنَى: لعل أيْضًا، يَحْيَى بن زِيَاد الفرّاء.
ورجَّح الزَّجَّاج فقال: زعم سِيبوَيْه عن الخَلِيل، أن مَعْنَأها: لَعَلَّهَا قال: وهَذَا الوَجْه أقْوى في العَرَبِيَّة وأجود ونَسَب القراءة لأهْل المدينة، وكذا أبُو جَعْفَر.
قال شهاب الدِّين: وقراءة الكُوفيِّين، والشَّامِيِّين أيضًا، إلاَّ أن أبَا عَلِيَّ الفارسيَّ ضعَّف هذا القَوْل الَّذِي استجوده النَّاسُ، وقوَّوْهُ تَخْريجًا لهذه القِراءة، فقال: التَّوَقُّع الَّذِي تدلّ عليه لَعَلَّ لا يُنَاسب قراءة الكَسْر، لأنها تدلُّ على حُكْمِه تعالى عليهم بأنَّهم لا يُؤمِنُون ولكنَّه لمَّا مَنَعَ كونها بِمَعْنَى: لعل لم يَجْعَلءها مَعْمُولة ليُشْعِرُكُم بل جَعَلها على حَذْف لام العِلَّة، أي: لأنَّها، والتَّقْدِير عنده: قل إنَّما الآياتِ عِنْد اللَّهِ، لأنَّها إذا جَاءَت لا يُؤمِنُون.
فهو لا يَأتِي بَهَا؛ لإصْرارهم على كُفْرِهم، فيَكُون نَظِير: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون} [الإسراء: 59]، أي بالآيات المُقْتَرحة، وعلى هذا فيَكُون قوله: {وما يُشْعِرُكُم} اعتِرَاضًا بين العِلَّة والمَعْلُول.
الثاني: ان تكون لاَ مَزِيدة، وهذا رَأي الفرَّاء وشيخه، قال: ومثله: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} [الأعراف: 12] أي: أنْ تَسْجُد فيكون التَّقْدير: وما يُشْعِرُكُم أنَّها إذا جَاءَت يُؤمِنون، والمعنى على هذا: أنَّها لو جَاءَت لم يُؤمِنُوا، وإنما حمله على زِيَادَتِها ما تقدَّم من أنَّها لو تُقدَّر زَائِدة، لكان ظَاهِرُ الكلام عُذْرًا لكُفَّار، وأنَّهم يُؤمِنون كا عرفت تَحْقيقه أولًا، إلا أن الزَّجَّاج نسب ذلك إلى الغَلَط، فقال: والَّذِي ذكر أنَّ لا لَغْو، غالط؛ لأن ما يَكُون لَغْوًا، لا يكون غَيْر لَغْوٍ، ومن قَرَأ بالكَسْر، فالإجْمَاع: على أنَّ لا غير لَغْو فليس يَجُوز أن يكُون مَعْنَى لفظة: مرةً النَّفي، ومرَّة الإيجاب في سِيَاق واحد.
وانتصر الفارسيّ لقول الفرَّاء، ونفي عنه الغَلَط، فإنَّه قال: يجوزُ أن تكون لا في تأويل زائِدةً، وفي تَأويل غَيْر زَائدة؛ كقول الشَّاعر في ذلك: [الطويل]
أبى جُودُهُ لا البُخْلَ واسْتَعْجَلَتْ نَعَمْ ** بِهِ مِنْ فَتًى لا يَمْنَعُ الجُودَ نَائِلُهْ

يُنشد بالوَجْهَيْنِ، أي: بِنَصْب البُخْل وجرِّه، فَمَنْ نَصَبَه، كانت زائدة، أي: أبَى جُودُه البُخْلَ ومَنْ خَفَضَ، كانت غَيْر زَائِدة، وأضَافَ لاَ إلى البُخْلِ.
قال شهاب الدِّين: وعلى تَقْدير النَّصْب، لا يَلْزَم زِيَادتها؛ لجوازِ أن تكُون لا مَفْعُولًا بِهَا، والبُخْل بدل مِنْهَا، أي أبَى جُودُه لَفْظَ لا ولفظ لا هو بُخْل.
وقَدْ أوائل لك طَرف من هذا محقَّقًا عند قوله تعالى: {وَلاَ الضآلين} [الفاتحة: 7] في أوائل هذا الموضوع وسَيَمُرُّ بك مَوَاضِع مِنها؛ كقوله تعالى: {وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95].
قالوا: تَحْتَمل الزِّيَادة، وعدمها وكذا {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} [الأعراف: 12]، {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب} [الحديد: 29].
الثالث: أن الفَتح على تَقْدِير لام العِلَّة، والتَّقْدير: إنما الآيات التي يَقْتَرِحُونها عِنْد اللَّه؛ لأنَّها إذا جَاءتَ لا يُؤمِنُون، و{ما يُشْعِرُكُم} اعتِرَاض كما تقدَّم تَحْقيق ذلك عن أبي عَلِيِّ، فأغنى عن إعَادَتِهِ، وصار المَعْنَى: إنَّما الآيَات عند اللَّه، أي: المُقْترحة لا يأتي بِهَا؛ لانْتِفَاء إيمانهم، وإصْرارِهْم على كُفْرِهم.
الرابع: أن في الكلام حَذْف مَعْطُوف على ما تقدَّم.
قال أبُو جَعْفَر في مَعَانيه: وقيل في الكلام حَذْف، والمعنى: وما يُشْعِرُكم أنَّها إذا جاءت لا يُؤمِنُون أو يُؤمِنُون، فحذفَ هذا لِعْلِم السَّامِعِ، وقدَّرَه غَيره: ما يُشْعِرُكُم بانْتِفَاء الإيمان، أو وقُوعه.
الخامس: أن لا غير مزيدة، ولي في الكلام حَذْف، بل المَعْنَى: وما يُدريكم انتِفَاء إيمانهم ويكون هَذَا جوابًا لمن حُكِم عليْهم بالكُفر ويُئسِ من إيمانهِمِ.
وقال الزّمَخْشَرِي: وما يُشْعِرُكم: وما يُدْرِيكثم أنها، أي: أن الآيات التي يَقترِحُونها إذا جاءت لا يُؤمِنُون بِهَا يَعْنِي: أنَا أعلم أنَّها إذا جَاءَت لا يُؤمِنُون بِهَا، وأنتم لا تَدْرُون بِذَلك.
وذلك أنّ المُؤمنين كانُوا حَرِيصين على إيمانهم، وطامعين فيه إذا جَاءَت تلك الآيَة، ويتمنَّوءن مَجيئها، فقال- عز وجلَّ: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} على مَعْنَى: أنكم لا تَدءرُوْنَ ما سَبَقَ عِلْمي بهم، أنهم لا يُؤمِنُون؛ ألا ترى إلى قوله: {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110] انتهى.
قال شهاب الدِّين: بَسْطُ قوله إنَّهم كَانُوا يَطْمعُون في إيمانهم، ما جَاءَ في التَّفْسِير: أن المُشْركين قَالُوا لِرسُول الله صلى الله عليه وسلم: أنْزِلَ عَلَيْنَا الآية الَّتي قال اللَّه فيها: {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السماء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] ونحن واللَّه نُؤمِن، فأنزل الله تعالى: {وما يُشْعِرُكُم} إلى آخرها وهذا الوَجْه: هو اخْتِيَار أبي حيَّان، فإنَّه قال: ولا يَحْتَاج الكلام إلى زِيَادة لاَ ولا إلى هذا الإضْمَار، يعني حَذْفَ المَعْطُوف، ولا إلى أنَّ بِمَعْنَى: لعَّل، وهذا كلُّه خُرودٌ عن الظَّاهِر لغير ضَرُورة، بل حَمْلُه على الظَّاهِر أوْلى، وهو وَاضِحٌ سائغٌ، أي: وما يُشْعِرُكم ويُدْرِيكم بِمَعْرِفة انْتِفَاء إيمانهم، لا سَبِيل لَكُم إلى الشُّعُور بِهَا.
السادس: أن مَا حَرْف نَفْي، يَعْني: أنه نَفى شُعُورهم بِذلكِ، وعلى هذا فَيُطْلَبُ لـ {يُشْعركُمْ} فاعل.
فقيل: هو ضَمِير الله تعالى أضْمر للدَّلالة عَلَيْه، وفيه تكلُّف بعيد، أي: وما يُشْعِركُم اللَّه إذا جاءت الآيات المُقْتَرحَة لا يُؤمِنُون.
وقد تقدَّم في البقرة كيْفِيَّة قِرَاءة أبي عَمْرو ليُشْعركم و{يَنصُرْكُمُ} [آل عمران: 160]، ونحوهما عند قوله: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ} [البقرة: 67]، وحَاصِلُها ثلاثة أوْجُه: الضَّمُّ الخَالِص، والاختلاس، والسُّكُون المحض.
وقرأ الجُمْهُور: {لا يُؤمنُون} بياء الغَيْبَة، وابن عامر، وحمزة بتاء الخِطَاب.
وقرأ أيضًا في الجاثية [آية: 6] {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} بالخِطَاب، واقفهُمَا عليها الكَسَائِي، وأبُو بكر عن عَاصِم، والباقون: باليَاء للغَيْبَة، فتحصَّل من ذلك أنَّ ابْن عامرٍ، وحَمْزة يقرآن بالخِطَاب في المَوْضِعَيْن، وأن نَافِعًا، وابن كثير، وأبا عَمْرو، وحَفْصًا عن عَاصِم، بالغيبة في الموْضِعَيْن، وأنّ الكَسِائيّ، وأبا بكر عن عَاصِم: بالغَيْبَة هُنَا، بالخِطَاب في الجَاثِية، فقد وافقا أحد الفريقين في إحْدى السُّورَتَيْن والآخر في أخرى.
فأما قِرَاءة الخِطَاب هُناَ: فيكون الظَّاهر من الخِطاب في قوله: {ومَا يُشْعِرُكُم} أنه للكُفَّار، ويتَّضح مَعْنَى هذه القِرَاءة على زيادة لا أي: ومَا يُشْعِرُكم أنكم تُؤمِنُون، إذا جَاءَت الآيَات الَّتِي طَلَبْتُمُوها كما أقْسَمْتُم عَلَيْه، ويتَّضحُ أيضًا على كون أنَّ بمعنى: لَعَلَّ، مع كون لا نَافِية، وعلى كَوْنِها عِلَّة بِتَقْدير: حذف اللاَّم، أي: إنما الآيات عِنْدالله فلا يَأتِيكم بِهَا؛ لأنَّها إذا جَاءَت لا يُؤمِنُون بها ويتَّضِحُ أيضًا على كَوْن المَعْطُوف مَحْذُوفًا، أي: وما يُدْرِيكم بعدم إيمَانِكم، إذا جاءَت الآيات أو وُقُوعه؛ لأن مَآل أمركم مُغَيِّبٌ عَنْكم، فكَيْفَ تُقْسِمُون على الإيمان عِنْد مَجِيئ الآيات؟ وإنَّما يُشْكَل؛ إذا جَعَلْنا أنَّ معمولة لـ {يُشْعِرُكم} وجَعَلْنَا لا: نافية غير زَائِدَة؛ يكون المَعْنَى: وما يُدْرِيكم أيُّهَا المُشْرِكون بانْتِفَاء إيمانكم، إذا جَاءَتْكم، ويَزُول هذا الإشْكَال بأنَّ المَعْنَى: وما يُدْريكم أيُّها المُشْرِكون بانْتِفَاء إيمانِكم، وإذا جَاءَتْكم، ويَزُول هذا الإشْكَال بأنَّ المَعْنى: ايُّ شَيءْ يُدْرِيكم بِعَدم إيمانِكُم، إذا جَاءَتْكم الآيَات الَّتِي اقْتَرَحْتُمُوها؟ يعني: لا يمرُّ هذا بِخَواطِرِكم، بل أنْتُم جازِمُونَ بالإيمان عند مجيئها، لا يَصْدُّكم عَنْه صادٌّ، وأنا أعْلَمُ أنكم لا تُؤمِنُون وَقْت مَجِيئها؛ لأنكم مَطْبُوع على قُلُوبكُم.
وأمَّا على قِراءة الغَيْبَة، فتكون الهَمْزَة معها مكْسُورة؛ وهي قراءة ابْن كَثِير، وأبِي عَمْرو، وأبِي بَكْر عن عَاصِم، ومَقْتوحة؛ وهي قرءاة نافِع، والكسَائي، وحَفْص عن عَاصِم.
فعلى قِرَاءة ابْن كَثِير ومَنْ مَعَه يكون الخِطَاب في: {وما يُشْعِرُكُم} حائزًا فيه وجهان:
أحدهما: أنَّه خِطَاب للمُؤمِنين، أي: وما يُشْعِركُم أيُّها المُؤمِنُون إيمانَهُم ثم اسْتَأنَف إخْبارًا عنهم بأنَّهم لا يُؤمِنُون، فلا تَطْمَعُوا في إيمانهم.
الثاني: أنه للكُفَّار، أي: وما يُشْعِرُكم أيُّها المُشْرِكون مَا يَكون مِنْكم ثم اسْتَأنف إخْبَارًا عَنْهم بِعَدَم الإيمَان؛ لعلمه السَّابق فيهم وعلى هَذَا فِفِي الكلام التِفَاتٌ من خِطَاب إلى غَيْبَة.
وعلى قرءاة نَافِع يكون الخِطَاب للكُفَّار، وتكون أنَّ بِمَعْنَى: لعلَّ كذا قاله أبو شَامَة، وغيره.