فصل: قال سيد قطب في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فالجواب الذي ذكره إنما يصح لو كان التصريف علة لأن يمتنعوا من هذا القول لكنه موجب له فسقط كلامهم، وأيضًا حمل اللام على لام العاقبة مجاز، وحمل الكلام على الحقيقة أولى.
ثم إنه لما حكى عن الكفار أنهم نسبوه في شأن القرآن إلى الافتراء وإلى أنه دارس أقوامًا واستفاد هذه العلوم منهم ثم نظمها قرآنًا وادّعى أنه نزل عليه من الله أتبعه قوله: {اتبع ما أوحي إليك من ربك} لئلا يصير ذلك القول سببًا لفتوره في تبليغ الدعوة والرسالة والمقصود تقوية قلبه وإزالة الحزن الذي يعتريه بسماع تلك الشبهة، ونبه بالجملة المعترضة أو الحال المؤكدة وهي قوله: {لا إله إلا هو} على أنه سبحانه لما كان واحدًا في الإلهية فإنه يجب طاعته ولا يجوز الإعراض عن تكاليفه بسبب جهل الجاهلين وزيغ الزائغين. ثم ختم الآية بقوله: {وأعرض عن المشركين} وحمله بعضهم على أنها منسوخة بآية القتال. وضعف بأن المراد واترك مقابلتهم فيما يأتونه من سفه، وأن يعدل صلوات الله عليه إلى الطريق الذي يكون أقرب إلى القبول وأبعد عن التنفير والتغيظ. {ولو شاء الله ما أشركوا} مذهب الأشاعرة فيه ظاهر. وحمله المعتزلة على مشيئة الإلجاء والقسر. وأجيب بعد المعارضة بالعلم والداعي بأن الإيمان الاختياري هب أنه أنفع وأفضل من الإيمان القهري إلا أنه تعالى لما علم أن ذلك لا يقع ولا يحصل فقد كان يجب في حكمته أن يخلق الله فيه الإيمان القهري كي يخلص من العقاب، وإن لم يجب له الثواب كما أن الأب المشفق إذا علم أن ابنه لا يحسن الغوص يقول له: اترك الغوص في البحر ولا تطلب اللآلئ فإنك لا تجدها واكتف بالرزق القليل مع السلامة، فأما أن يأمره بالغوص في البحر مع اليقين التام بأنه لا يستفيد منه إلا الهلاك فإن ذلك من الرحمة والشفقة بمعزل. ثم ختم الكلام بما يكمل به بصيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وآله، وذلك أن بيّن له قدر ما جعل إليه فذكر أنه ما جعله حفيظًا ولا وكيلًا عليهم وإنما فوض إليه الإبلاغ والإنذار. ثم إنهم لما نسبوا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أنه جمع القرآن بطريق المداومة وكان لا يبعد أن يغضب له المسلمون لسبب ذلك فيسبوا آلهتهم نهى الله تعالى عن ذلك فقال: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله} وذلك أن المسلمين إذا شتموا آلهتهم فربما غضبوا وذكروا الله بما لا ينبغي من القول. وفيه تنبيه على أن خصمك إذا شافهك بجهل وسفاهة لم يجز لك أن تقدم على مشافهته بما يجري مجرى كلامه فإن ذلك يوجب فتح باب المشاتمة والمسافهة وإنه لا يليق بالعقلاء. قال ابن عباس: لما نزل {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} [الأنبياء: 98] قال المشركون: لئن لم تنته عن سب آلهتنا وعيبها لنهجونّ إلهك فنزلت. وقال السدي: «لما حضر أبا طالب الوفاة قالت قريش: انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فلنأمرنه أن ينهي عنا ابن أخيه فإنا نستحي أن نقتله بعد موته فتقول العرب كان يمنعه فلما مات قتلوه. فانطلق أبو سفيان وأبو جهل والنضر بن الحرث وأمية وأبي ابنا خلف وعقبة ابن أبي معيط وعمرو بن العاص والأسود بن البختري إلى أبي طالب فقالوا: أنت كبيرنا وسيدنا، وأن محمدًا قد آذانا وآذى آلهتنا فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ولندعه وإلهه. فدعاه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وآله فقال له أبو طالب: هؤلاء قومك وبنو عمك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا تريدون؟ قالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك. فقال أبو طالب: قد أنصفك قومك وبنو عمك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم معطيّ كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم؟ قال أبو جهل: نعم وأبيك لنعطينكها وعشر أمثالها فما هي؟ قال: قولوا لا إله إلا الله فأبوا واشمأزوا فقال أبو طالب: قل غيرها يا ابن أخي فإن قومك قد فزعوا منها. فقال: يا عم ما أنا بالذي أقول غيرها، ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها. فقالوا: لتكفن عن شتمك آلهتنا أو لنشتمنك ولنشتمن من يأمرك فأنزل الله تعالى هذه الآية» قالت العلماء: إن القوم كانوا مقرين بوجود الإله تعالى فكيف يتصور إقدامهم على شتم الله؟ وأجيب بأنه ربما كان بعضهم قائلًا بالدهر ونفي الصانع فما كان يبالي هذا النوع من السفاهة، أو لعل مرادهم شتم الرسول صلى الله عليه وسلم وآله فأجرى الله تعالى شتمه مجرى شتم الله كما في قوله: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} [الفتح: 10] أو لعلهم من جهالتهم اعتقدوا أن الشطيان يحمله على ادعاء الرسالة ثم إنهم سموا ذلك الشيطان بأنه إله محمد صلى الله عليه وسلم وآله. وههنا سؤال وهو أن شتم الأصنام من أصول الطاعات فكيف يحسن من الله تعالى أن ينهى عنه؟ والجواب أن هذا الشتم وإن كان طاعة إلا أنه إذا وقع على وجه يستلزم منكرًا وجب الاحتراز عنه، لأن هذا الشتم كان يستلزم إقدامهم على شتم الله سبحانه وشتم رسوله وفتح باب السفاهة ويقتضي تنفيرهم عن قبول الدين وإدخال الغيظ والغضب في قلوبهم. وفيه أن الأمر بالمعروف قد يقبح إذا أدى إلى ارتكاب منكر، والنهي عن المنكر يقبح إذا أدى إلى زيادة منكر وغلبة الظن قائمة مقام اليقين في هذا الباب. وفيه تأديب لمن يدعو إلى الدين كيلا يتشاغل بما لا يفيد في المطلوب، فإن وصف الأوثان بأنها جمادات لا تنفع ولا تضر يكفي في القدح في إلهيتها فلا حاجة مع ذلك إلى شتمها، يقال: عدا فلان عدوًا وعدوانًا وعداء إذا ظلم ظلمًا يتجاوز القدر.
قال الزجاج {عدوًا} منصوب على المصدر لأن المعنى فيعدو عدوًا وقرئ {عدوًّا} بفتح العين والتشديد أي في حال كونهم أعداء. ومعنى {بغير علم} على جهالة بالله وبما يجب أن يذكر به {وكذلك} أي مثل ذلك التزيين {زينا لكل أمة عملهم} قالت الأشاعرة: فيه دلالة على أنه تعالى هو الذي زين للكافر الكفر وللمؤمن الإيمان وللعاصي المعصية، وزيفه الكعبي بقوله تعالى: {وزين لهم الشيطان أعمالهم} [النمل: 24] [العنكبوت: 38] وبقوله: {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت} [البقرة: 257] فإذا المراد أنه تعالى زين لهم ما لهم أن يعملوا وهم لا يفقهون، أو المراد زينا لكل أمة من أمم الكفار عملهم أي خليناهم وشأنهم وأمهلناهم حتى حسن عندهم سوء عملهم، أو أمهلنا الشيطان حتى زين لهم أو زينا في زعمهم وقولهم أن الله أمرنا بهذا وزينه لنا، وضعف بعد المعارضة بالعلم وخلق الداعي بأن قوله تعالى: {كذلك زينا} بعد قوله: {فيسبوا الله} مشعر بأن إقدامهم على ذلك المنكر إنما كان بتزيين الله تعالى. وأيضًا الإنسان لا يختار الكفر والجهل ابتداء مع العلم بكونه كفرًا وجهلًا والعلم بذلك ضروري، بل إنما يختاره لأنه اعتقد كونه إيمانًا وعلمًا وحقًا وصدقًا، ولولا سابقة الجهل الأول لما اختار الجهل الثاني ولا تذهب الجهالات إلى غير النهاية، فلابد أن ينتهي إلى جهل أول يخلقه الله تعالى فيه وهو بسبب ذلك الجهل ظن الكفر إيمانًا والجهل علمًا. قال: {وأقسموا بالله جهد إيمانهم} والغرض حكاية شبهة أخرى لهم وهي أن هذا القرآن كيفما كان أمره فليس من جنس المعجزات البتة، ولو أنك يا محمد جئتنا بمعجزة باهرة وبينه قاهرة لآمنا بك وأكدوا هذا المعنى بالأيمان والأقسام. قال الواحدي: إنما سمى اليمين بالقسم لأن اليمين موضعة لتوكيد الخبر وكانت الحاجة إلى ذكر الحلف عند انقسام الناس وقت سماع الخبر إلى مصدق ومكذب، فمعنى الأقسام إزالة القسمة وجعل الناس كلهم مصدقين بواسطة الحلف واليمين. عن محمد بن كعب قال: «كلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله قريش فقالوا: يا محمد تخبرنا أن موسى كانت معه عصا فضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، وأن عيسى كان يحيى الموتى، وأن صالحًا كانت له ناقة، فأتنا ببعض تلك الآيات حتى نصدقك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي شيء تحبون أن آتيكم به؟ قالوا: تجعل لنا الصفا ذهبًا. قال: فأن فعلت تصدقوني؟ قالوا: نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فجاءه جبريل عليه السلام فقال: إن شئت أصبح الصفا ذهبًا ولكن لم أرسل بآية فلم يصدق بها إلا أنزلت العذاب، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتركهم حتى يتوب تائبهم».
وأنزل الله الآيات إلى قوله: {ولكن أكثرهم يجهلون} قال الكلبي ومقاتل: إذا حلف الرجل بالله فهو جهد يمينه. وقال الزجاج: معناه بالغوا في الإيمان. والمراد بقوله: {لئن جاءتهم آية} ما روينا من جعل الصفا ذهبًا. وقيل: هي الأشياء المذكورة في قوله: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا} [الإسراء: 90] الآيات. وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم وآله يخبرهم بأن عذاب الاستئصال كان ينزل بالأمم المتقدمين المكذبين فالمشركون طلبوا مثلها. {قل إنما الآيات عند الله} أي هو مختص بالقدرة على أمثال هذه الآيات لأن المعجزات لا تحصل إلا بتخليق الله تعالى، أو المراد بالعندية هو العلم بأن إحداث هذه المعجزات هل يقتضي إيمانهم أم لا كقوله: {وعنده مفاتح الغيب} [الأنعام: 59] أو المراد أنها وإن كانت معدومة في الحال إلا أنه تعالى متى شاء أحدثها وليس لكم أن تتحكموا في طلبها كقوله: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه} [الحجر: 21] {وما يشعركم} ما استفهام والجملة خبره، ثم من قرأ {انها} بكسر الهمزة على الابتداء- وهي القراءة الجيدة- فالتقدير وما يشعركم ما يكون منهم ثم ابتدأ فقال: {إنها إذا جاءت لا يؤمنون} وأما قراءة الفتح فقال سيبويه: سألت الخليل عن ذلك فقال: لا تحسن لأنها تصير عذرًا للكفار، لأن معنى قول القائل: ما يدريك أنه لا يفعل هو أنه يفعل. فمعنى الآية أنها إذا جاءت آمنوا وذلك يوجب مجيء هذه الآيات ويصير هذا الكلام عذرًا لهم في طلبها، لكن القراءة لما كانت متواترة فلا جرم ذكر العلماء فيه وجوها: قال الخليل: أن بمعنى لعل تقول العرب: ائت السوق أنك تشتري لنا شيًا أي لعلك. ويقوي هذا الوجه قراءة أبي {لعلها إذا جاءت لا يؤمنون} وثانيها أن تجعل لا صلة كما في قوله: {ما منعك أن لا تسجد} [الأعراف: 12] {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} [الأنبياء: 95] وثالثها أن المؤمنين كانوا يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية ويتمنون مجيئها فقال الله: وما يدريكم أيها المؤمنون أنهم لا يؤمنون على معنى أنكم لا تدرون ما سبق به على من أنهم لا يؤمنون. وأما من قرأ {لا تؤمنون} بتاء الخطاب فالمراد وما يشعركم أيها الكفار. قال القاضي والجبائي: في الآية دلالة على أنه تعالى يجب أن يفعل كل ما في مقدوره من الألطاف إذ لو كان في المعلوم لطف يؤمنون عنده، ثم إنه لا يفعل ذلك لم يكن لتعليل ترك الإجابة بأنهم لا يؤمنون وجه.
وأيضًا لو كان الإيمان بخلق الله تعالى ولم يكن لفعل الألطاف أثر في حمل المكلف على الطاعات لم يكن لإظهار تلك المعجزات أثر. وأجيب بأن تأثير المعجزات عندهم مبني على وجوب اللطف، فلو أثبت اللطف به لزم الدور، وبأن الآية التي بعد هذه وهي قوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} تدل على أن الكفر والإيمان بقضاء الله وقدره. ومعنى تقليب الأفئدة والأبصار هو أنهم إذا جاءتهم الآيات القاهرة التي اقترحوها عرفوا كيفية دلالتها على صدق الرسول إلا إنه تعالى إذا قلب قلوبهم وأبصارهم عن ذلك الوجه الصحيح بقوا على الكفر ولم ينتفعوا بتلك الآيات. والتقليب تحريك الشيء عن وجهه. وكان صلى الله عليه وسلم وآله يقول: «يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك» والمراد أنه تعالى يقلب القلوب تارة من داعي الخير إلى داعي الشر وبالعكس. وإنما قدم ذكر تقليب الأفئدة على تقليب الأبصار، لأن موضع الدواعي والصوارف هو القلب فإذا حصلت الداعية في القلب انصرف البصر عنه، والحاصل أن السمع والبصر آلتان للقلب فلهذا السبب وقع الابتداء بتقليب القلب. قال الجبائي: المراد ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في جهنم على لهب النار وحرها لتعذيبهم. وزيف بأن قوله: {ونذرهم} إنما يحصل في الدنيا وهذا يستلزم سوء النظم. وقال الكعبي: المراد ونقلب أفئدتهم وأبصارهم بأنا لا نفعل بهم ما نفعل بالمؤمنين من الفوائد والألطاف حيث أخرجوا أنفسهم عن هذا الحد بسبب كفرهم. وضعف بأنه إنما استحق الحرمان من تلك الألطاف والفوائد بسبب إقدامه على الكفر وهو الذي أوقع نفسه في ذلك الحرمان فكيف يحسن إضافته إلى الله تعالى في قوله: {ونقلب} وقال القاضي: القلب باقٍ على حالة واحدة إلا أنه تعالى أدخل التقليب والتبديل في الدلائل. واعترض بأن تقليب القلب نقله من صفة إلى صفة ومن حالة إلى حالة. وأما قوله: {كما لم يؤمنوا به أول مرة} فقال الواحدي: فيه حذف والتقدير ولا يؤمنون بهذه الآيات كما لم يؤمنوا بظهور الآيات أول مرة يعني أول مرة أتتهم الآيات مثل انشقاق القمر وغيره. والكناية في {به} إما عائدة إلى القرآن، أو إلى محمد صلى الله عليه وسلم وآله، أو إلى ما طلبوا من الآيات وقيل: الكاف للجزاء أي كما لم يؤمنوا أول مرة فكذلك نقلب أفئدتهم وأبصارهم عقوبة لهم. قال الجبائي: {ونذرهم} أي لا نحول بينهم وبين اختيارهم ولا نمنعهم بمعاجلة الهلاك وغيره لكنا نمهلهم، فإن أقاموا على طغيانهم فذلك من قبلهم وأنه يوجب تأكيد الحجة عليهم. وقالت الأشاعرة: نقلب أفئدتهم من الحق إلى الباطل ونتركهم في ذلك الطغيان والضلال والعمى. اهـ.

.قال سيد قطب في الآيات السابقة:

{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100)} إلى قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}.
عندما يبلغ إلى هذا المقطع يعرض شرك المشركين، فإذا هو غريب غريب في هذا الجو المؤمن الموصول بمبدع الوجود. ويعرض أوهام المشركين فإذا هي سخف تشمئز منه القلوب والعقول. وسرعان ما يعقب عليها بالاستنكار. والجو كله مهيأ للاستنكار: {وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم}..
وقد كان بعض مشركي العرب يعبدون الجن.. وهم لا يعرفون من هم الجن! ولكنها أوهام الوثنية! والنفس متى انحرفت عن التوحيد المطلق قيد شبر انساقت في انحرافها إلى أي مدى؛ وانفرجت المسافة بينها وبين نقطة الانحراف التي بدأت صغيرة لا تكاد تلحظ! وهؤلاء المشركون كانوا على دين إسماعيل.. دين التوحيد الذي جاء به إبراهيم عليه السلام في هذه المنطقة.. ولكنهم انحرفوا عن هذا التوحيد.. ولابد أن يكون الانحراف قد بدأ يسيرًا.. ثم انتهى إلى مثل هذا الانحراف الشنيع.. الذي يبلغ أن يجعل الجن شركاء لله.. وهم من خلقه سبحانه: {وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم}!
ولقد عرفت الوثنيات المتعددة في الجاهليات المتنوعة أن هناك كائنات شريرة- تشبه فكرة الشياطين- وخافوا هذه الكائنات- سواء كانت أرواحًا شريرة أو ذوات شريرة- وقدموا لها القرابين اتقاء لشرها؛ ثم عبدوها!
والوثنية العربية واحدة من هذه الوثنيات التي وجدت فيها هذه التصورات الفاسدة، في صورة عبادة للجن، واتخاذهم شركاء لله.. سبحانه..