فصل: من فوائد السمرقندي في الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {لَا يُؤْمِنُونَ} وَبَيَانٌ لِسُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي عَدَمِ إِيمَانِهِمْ بِرُؤْيَةِ الْآيَةِ. أَيْ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَيْضًا أَنَّنَا نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ عِنْدَ مَجِيءِ الْآيَةِ بِالْخَوَاطِرِ وَالتَّأْوِيلَاتِ وَالتَّفَكُّرِ فِي اسْتِنْبَاطِ الِاحْتِمَالَاتِ وَأَبْصَارَهُمْ فِي تَوَهُّمِ التَّخَيُّلَاتِ. كَشَأْنِهِمْ فِي عَدَمِ إِيمَانِهِمْ بِمَا جَاءَهُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ مِنَ الْآيَاتِ، وَقِيلَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [15: 14: 15] فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُقْنِعْهُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنَ الْآيَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ، لَا يُقْنِعُهُ مَا يَرَاهُ بِعَيْنِهِ مِنَ الْآيَاتِ الْحِسِّيَّةِ، بَلْ يَدَّعِي أَنَّ عَيْنَيْهِ خُدِعَتَا أَوْ أُصِيبَتَا بِآفَةٍ فَهِيَ لَا تَرَى إِلَّا صُوَرًا خَيَالِيَّةً، أَوْ أَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ السِّحْرِ الصِّنَاعِيَّةِ، وَهَلْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ، فِي مُكَابَرَةِ آيَاتِ مَنْ بُعِثَ فِيهِمْ مِنَ الْمُرْسَلِينَ؟
{وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} الْعَمَهُ: التَّرَدُّدُ فِي الْأَمْرِ مِنَ الْحَيْرَةِ فِيهِ، أَيْ وَنَدَعُهُمْ فِي تَجَاوُزِهِمُ الْحُدُودَ فِي الْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ، الْمُشَابِهِ لِطُغْيَانِ الْمَاءِ فِي الطُّوفَانِ، الَّذِي رَسَخُوا فِيهِ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ مِنْ سُنَّتِنَا فِي تَقْلِيبِ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ، يَتَرَدَّدُونَ مُتَحَيِّرِينَ فِيمَا سَمِعُوا وَرَأَوْا مِنَ الْآيَاتِ، هَلْ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ، أَمِ السَّحَرُ الَّذِي يَخْدَعُ النَّاظِرِينَ؟ وَهَلِ الْأَرْجَحُ اتِّبَاعُ الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ، أَمِ الْمُكَابَرَةُ لَهُ وَالْجِدَالُ فِيهِ كِبْرًا وَأَنَفَةً مِنَ الْخُضُوعِ لِمَنْ يَرَوْنَهُ دُونَهُمْ؟ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ رُسُوخَهُمْ فِي الطُّغْيَانِ الَّذِي هُوَ مُنْتَهَى الْإِسْرَافِ فِي الْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ، وَهُوَ سَبَبُ تَقْلِيبِ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ وَإِنَّمَا إِسْنَادُهُ إِلَى الْخَالِقِ لَهَا لِبَيَانِ سُنَّتِهِ الْحَكِيمَةِ فِيهَا. كَغَيْرِهِ مِنْ رَبْطِ الْمُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا، وَإِنَّمَا يُخْطِئُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ هَذَا الْأَمْرَ الْوَاقِعَ لِعَدَمِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَتَوَهَّمَ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُسْنَدُ إِلَيْهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنَ الْخَلْقِ الْمُسْتَقِلِّ دُونَ نِظَامٍ لِلْمَقَادِيرِ، وَهَى نَزْعَةٌ قَدَرِيَّةٌ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِمُ الْأَمْرُ أُنُفٌ أَوْ لَا نِظَامَ فِيهِ وَلَا قَدَرَ، يَتْبَعُهُمْ خُصُومُهُمْ فِيهَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَيُوقِعُهُمُ التَّعَصُّبُ لِلْمَذَاهِبِ فِي أَظْهَرِ التَّنَاقُضِ وَهُمْ غَافِلُونَ، فَنَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يُثَبِّتَ أَفْئِدَتَنَا وَأَبْصَارَنَا عَلَى الْحَقِّ، وَيَحْفَظَنَا مِنَ الطُّغْيَانِ وَالْعَمَهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ، وَيَجْعَلَنَا مِمَّنْ أَبْصَرَ بِمَا جَاءَهُ مِنَ الْبَصَائِرِ، وَيُصْلِحَ لَنَا السَّرَائِرَ وَالظَّوَاهِرَ، اللهُمَّ آمِينَ. اهـ.

.من فوائد السمرقندي في الآيات:

قال رحمه الله:
{قَدْ جَاءكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ} يعني بيانًا من ربكم وهو القرآن الذي فيه البيان {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} يقول: من صدق بالقرآن وآمن به فثوابه لنفسه، {وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا} يعني: من لم يصدق بالقرآن ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فعليها جزاء العذاب {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} يعني: بمسلط وهذا قبل أن يؤمر بالقتال.
ثم قال: {وكذلك نُصَرّفُ الآيات} يعني: نبين لهم الآيات في القرآن في كل وجه.
{وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ} قرأ ابن كثير وأبو عمرو {دَارَسْتَ} يعني: ذاكرت أهل الكتاب وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي {الآيات وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ} يعني: قرأت الكتب.
ويقال: تعلمت من جبر ويسار وكانا غلامين بمكة عبرانيين فقال أهل مكة: إنما يتعلم منهما وقرأ ابن عامر {دَرَسْتَ} بنصب الراء والسين يعني: هذا شيء قديم قد خلفت وقرأ بعضهم {دَرَسْتَ} أي قرئت.
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ {لّيَقُولواْ} بغير واو {درس} بغير تاء يعني: لكي يقولوا دَرَسَ النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان نزول هذه الآيات سببًا لقولهم هذا، فأضاف قولهم إلى الآيات.
ثم قال: {دَرَسْتَ وَلِنُبَيّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يعني: أصحاب محمد عليه السلام.
ثم قال: {اتبع مَا أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} يعني: اعمل بما أنزل إليك من ربك من أمره ونهيه حين دعي إلى ملة آبائه.
ثم قال: {لا إله إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} يعني: اتركهم على ضلالتهم.
ثم قال: {وَلَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكُواْ} يقول: ولو شاء الله لجعلهم مؤمنين.
ويقال: لو شاء لأنزل عليهم آية يؤمنوا بها لو شاء لاستأصلهم فقطع سبب شركهم.
{وَمَا جعلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} يعني: أن لم يوحّدوا {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} يعني: بمسلط وقوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله} وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كان يذكرون الأصنام بسوء ويذكرون عيبهم، فقال المشركون: لتنتهين عن شتم آلهتنا، أو لنسبنّ ربك.
فنهى الله تعالى المؤمنين عن شتم آلهتهم عندهم لأنهم جهلة.
{فَيَسُبُّواْ الله عَدْوًا} يعني: اعتداءً {بِغَيْرِ عِلْمٍ} يعني: بلا علم منهم ويقال: {عَدُوّا} يعني: ظلمًا صار نصبًا بالمصدر، وفي الآية دليل أن الإنسان إذا أراد أن يأمر بالمعروف فيقع المأمور به في أمر هو شر مما هو فيه من الضرب أو الشتم أو القتل، ينبغي أن لا يأمره ويتركه على ما هو فيه.
ثم قال: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا} يقول: هكذا زينا {لِكُلّ أُمَّةٍ} يعني: لكل أهل دين عملهم يعني: ضلالتهم في الدنيا عقوبة ومجازاة لهم {ثُمَّ إلى رَبّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ} في الآخرة {فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يعني: فيجازيهم بذلك.
قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم} وكان أهل الجاهلية يحلفون بآبائهم وبالأصنام وبغير ذلك، وكانوا يحلفون بالله تعالى، وكان يسمونه جهد اليمين إذا كانت اليمين بالله، ولما نزل قوله تعالى: {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السماء ءَايَةً فَظَلَّتْ أعناقهم لَهَا خاضعين} [الشعراء: 4] الآية قالوا: أنْزِلها فوالله لنؤمنن بك.
وقال المسلمون: أنْزِلها لكي يؤمنوا فنزل {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم} يقول: حلفوا بالله: {لَئِن جَاءتْهُمْ ءايَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا} قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله} إن شاء أنزلها وإن شاء لم ينزلها.
ثم قال: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا} يقول: وما يدريكم أنها {إِذَا جَاءتْ} يعني: الآية: {لاَ يُؤْمِنُونَ} وقال مقاتل: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} يا أهل مكة أنها إذا جاءتكم لا تؤمنون.
وقال الكلبي {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} أيها المؤمنون أنها إذا جاءت لا يؤمنون.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر {أَنَّهَا} بالكسر على معنى الابتداء وإنما يتم الكلام عند قوله: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} ثم ابتدأ فقال: {أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ}.
ويشهد لهذا قراءة عبد الله بن مسعود {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ}.
وقرأ الباقون {أَنَّهَا} بالنصب على معنى البناء ويشهد لها قراءة أُبي وما يشعركم لعلها إذا جاءت.
وقرأ ابن عامر وحمزة {لاَ تُؤْمِنُونَ} بالتاء على معنى المخاطبة، وهذه القراءة توافق لقول مقاتل.
ثم قال: {وَنُقَلّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وأبصارهم} يعني: نترك قلوبهم وأبصارهم مغلقة كما هي ولا أوفقهم.
{كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} قبل نزول الآيات ويقال عند انشقاق القمر: لما لم يعتبروا به ولم يؤمنوا فعاقبهم الله تعالى وختم على قلوبهم فثبتوا على كفرهم.
{وَنَذَرُهُمْ} يقول: وندعهم {فِي طغيانهم} يعني: في ضلالتهم {يَعْمَهُونَ} يعني: يترددون ويتحيرون فيه.
ويقال: {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} يعني: كما لم يؤمن به أوائلهم من الأمم الخالية لما سألوا الآية من أنبيائهم. اهـ.

.من فوائد الثعلبي في الآيات:

قال رحمه الله:
{وَجَعَلُواْ} يعني الكافرين {للَّهِ شُرَكَاءَ الجن} يعني وجعلوا للّه الجن شركاء، وإن شئت نصبته على التفسير {وَخَلَقَهُمْ} يعني وهو خلقهم وخلق الجن.
وقرأ يحيى بن معمر: وخلقهم بسكون اللام وفتح القاف أراد إفكهم وادّعاءهم ما يعبدون من الأصنام حيث جعلوها شركاء للّه عز وجل يعني وجعلوا له خلقهم.
وقرأيحيى بن وثاب: وخلقهم بسكون اللام وكسر القاف، يعني جعلوا للّه شركاء ولخلقهم أشركوهم مع اللّه في خلقه إياهم.
وقال الكلبي: نزلت في الزنادقة قالوا: إن اللّه وإبليس شريكان، واللّه خالق النور والناس والدواب والأنعام. وإبليس خالق الظلمة والسباع والعقارب والحيّات، وهذا كقوله: {وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَبًا} [الصافات: 158] يعني في الجنة، وهم صنف من الملائكة خزان الجنان أشق لهم منهم صنف من الجن {وَخَرَقُواْ} أي اختلفوا وخرصوا.
وقرأ أهل المدينة: بكثرته وخرّقوا على التكثير {لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} وهم كفار مكة، قالوا: الملائكة والأصنام بنات اللّه. واليهود قالوا: عزير ابن اللّه. والنصارى قالوا: المسيح ابن اللّه ثم نزّه نفسه. وقال تعالى: {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَصِفُونَ بَدِيعُ السماوات والأرض أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ} زوجة {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} إلى قوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} أجراه بعضهم على العموم فقال: معناه لا تحيط به الأبصار بل تراه وهو يحيط بها.
قال اللّه عز وجل: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] فكما تعرفه في الدنيا لا كالمعروفين فكذلك تراه في العقبى لا كالمرئيين.
قالوا: وقد ترى الشيء ولا تدركه كما أخبر اللّه تعالى عن قول أصحاب موسى عليه السلام حين قرب منهم فرعون {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61] وكان قوم فرعون قد رأوا قوم موسى ولم يدركوهم لأن اللّه تعالى قد وعد نبيه موسى عليه السلام إنهم لا يدركون بقوله: {لاَّ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تخشى} [طه: 77].
وكذلك قال سعيد بن المسيب: لا تحيط به الأبصار. وقال عطاء: كلّت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به.
وقال الحسن: لا تقع عليه الأبصار ولا تدلّ عليه العقول ولا يدركه الإذعان.
يدلّ عليه ما روى عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار}. قال: «لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفًا واحدًا ما أحاطوا باللّه أبدًا».
وأجراه بعضهم على النصوص. قال ابن عباس ومقاتل: معناه لا تدركه الأبصار في الدنيا وهو يرى في الآخرة {وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار} لا يخفى عليه شيء ولا يفوته.
وقيل: معناه لا تدركه أبصار الكافرين، فأما المؤمنون فيرونه، واللّه أعلم {وَهُوَ اللطيف الخبير}.
قال أبو العالية: لطيف باستخراج الأشياء خبير بها.
وقال أكثر العلماء في معنى اللطيف. فقال الجنيد: اللطيف: من نوّر قلبك بالهدى وربي جسمك بالغدا، وجعل لك الولاية في البلوى ويحرسك من لظى ويدخلك جنة المأوى.
وقيل: اللطيف الذي أنسى العباد ذنوبهم لئلاّ يخجلوا. وقيل: الذي ركّب من النطفة من ماء مهين وقيل: هو الذي يستقل الكثير من نعمه ويستكثر القليل من طاعة عباده.
قتادة: وقيل: اللطيف الذي يُغِير ولا يُغَير. وقيل: اللطيف الذي إن رجوته لبّاك وأن قصدته آواك، وإن أحببته أدناك وإن أطعته كافاك، وإن عصيته عافاك وإن أعرضت عنه دعاك، وإن أقبلت إليه عداك.
وقيل: اللطيف: الذي لا يطلب من الأحباب الأحساب والأنساب. وقيل: اللطيف: الذي يغني المفتقر إليه ويعز المفتخر به. وقيل: اللطيف: من يكافي الوافي ويعفو عن الباقي. وقيل: اللطيف: من أمره تقريب ونهيه تأريب.
وقيل: اللطيف: الذي يكون عطاؤه خير ومنعه ذخيرة. وأصل اللطيف دقة النظر في جميع الأشياء {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ} يعني الحجج البينة التي يبصرون بها الهدى من الضلال والحق من الباطل.
قال الكلبي: يعني بينات القرآن.
{فَمَنْ أَبْصَرَ} يعني عرفها وآمن بها {فَلِنَفْسِهِ} عمل وحظه أصاب وإياها بغى الخير {وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} عنها فلم يعرفها ولم يصدقها.
وقرأ طلحة بن مصرف: ومن عُمّي بضم العين وتشديد الميم على المفعول التي تدل عليها، يقول: فنفسه ضر وإليها أساء لا إلى غيره {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} رقيب أحصي إليكم أعمالكم وإنما أنا رسول أبلغكم رسالات ربي وهو الحفيظ عليكم الذي لا يخفى عليه شيء من أفعالكم {وكذلك نُصَرِّفُ الآيات} نبينها في كل وجه لندعوكم بها {وَلِيَقُولُواْ} وليلًا يقولوا إذا قرأت عليهم القرآن {دَرَسْتَ} أي تلوت وقرأت يا محمد بغير ألف قرأه جماعة منهم أبي رجاء وأبي وائل والأعرج ومعظم أهل العراق وأهل الحجاز، وكان عبد اللّه بن الزبير يقول: إن صبيانًا يقرأونها دارست بالألف وإنما هي درست.
وقرأ علي ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو: دارست بالألف يعني قارأت أهل الكتاب وتعلمت منهم تقرأ عليهم يقرأوا عليك.
وقال ابن عباس: يعني جادلت وخاصمت، وكذلك كان يقرأها، وقرأ قتادة: درست بمعنى قرئت وتليت.
وقرأ الحسن وابن عامر ويعقوب: درست بفتح الدال والراء وجزم التاء بمعنى تقادمت وانمحت وقرأ ابن مسعود وأبي طلحة والأعمش: درس بفتحها يعنون النبي درس الآيات {وَلِنُبَيِّنَهُ} يعني القول والتحريف والقرآن {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ اتبع} يا محمد {مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} يعني القرآن إعمل به {لا إله إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} فلا تجادلهم ولا تعاقبهم {وَلَوْ شَاءَ الله مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} رقيبًا. ويقال ربًا. قال عطاء: وما جعلناك عليهم حفيظًا تمنعهم مني {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} والإعراض منسوخ بآية السيف. وهذه الآية نزلت حين قال المشركون لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى دين آبائك.
{وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله}.
قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98]. قال المشركون: يا محمد لتنتهينّ عن سبّ الهتنا أو لنهجون ربك فنهاهم اللّه تعالى أن يسبوا أوثانهم.
قال قتادة: كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فنهاهم اللّه عن ذلك كيلا يسبوا اللّه فإنهم قوم جهلة.
وقال السدي: لما حضرت أبا طالب الوفاة، قالت قريش: إنطلقوا فلندخل على هذا الرجل ولنأمرنّه أن ينهى عنا ابن أخيه فإنا نستحي أن نقتله بعد موته فيقول العرب: كان يمنعه فلما مات قتلوه، فانطلق أبو سفيان، وأبو جهل، والنضر بن الحرث، وأمية وأبي بن أخلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمرو بن العاص، والأسود بن البحتري، إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا وإن محمدًا قد آذانا وآذى الهتنا فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر الهتنا ولندعه وإلهه، فدعاه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أبو طالب: هؤلاء قومك وبنو عمك، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «ما يريدون؟ قالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك».