فصل: من فوائد السعدي في الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقوله: ناظرة مقيد بيوم القيامة ويكون هذا جمعًا بين الآيتين {وهو يدرك الأبصار} أي: يراها أو يحيط بها علمًا فلا يخفى عليه شيء ولا يفوته شيء {وهو اللطيف الخبير} قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: اللطيف بأوليائه الخبير بهم، وقال الزهري: اللطيف الرفيق بعباده، وقيل: اللطيف الموصل الشيء بالرفق واللين، وقيل: اللطيف الذي ينسي العباد ذنوبهم لئلا يخجلوا.
{قد جاءكم بصائر} جمع بصيرة أي: حجج {من ربكم} تبصرون بها الهدى من الضلالة والحق من الباطل {فمن أبصر} أي: عمل بالأدلة {فلنفسه} أي: خاصة إبصاره لأنه خلصها من الضلال إلى الهدى {ومن عمي} أي: لم يهد بالأدلة {فعليها} أي: خاصة عماه لأنه يضل فلا يضر إلا نفسه {وما أنا عليكم بحفيظ} أي: برقيب لأعمالكم وإنما أنا منذر والله تعالى هو الرقيب عليكم يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها.
{وكذلك} أي: كما بينا ما ذكر {نصرّف} أي: نبيّن {الآيات} من حال إلى حال في المعاني المتنوّعة سالكين من وجوه البراهين بما يفوت القوى ويعجز القدر ليعتبروا {وليقولوا} اعتذارًا عند ظهور عجزهم {دارست} قرأ ابن كثير وأبو عمرو بألف بين الدال والراء أي: ذاكرت أهل الكتاب، والباقون بغير ألف أي: درست كتب الماضين وجئت بهذا منها، وقرأ ابن عامر بفتح السين وسكون التاء من الدروس أي: هذه الآيات التي تتلوها علينا قديمة قد درست وانمحت كقولهم: أساطير الأوّلين، وقيل: اللام فيه لام العاقبة أي: عاقبة أمرهم أن يقولوا: دارست أي: قرأت على غيرك، وقيل: قرأت كتب أهل الكتاب كقوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًّا وحزنًا} [القصص].
{ولنبينه} أي: الآيات وذكر الضمير لأنها في معنى القرآن كأنه قيل: وكذلك نصرّف القرآن أو القرآن وإن لم يجر له ذكر لكونه معلومًا أو إلى التبيين الذي هو مصدر الفعل كقولهم: ضربته زيدًا {لقوم يعلمون} فإنهم المنتفعون به.
وقوله تعالى: {اتبع} خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم أي: اتبع يا محمد {ما أوحي إليك} أي: القرآن فالزم العمل به، ثم أكد مدحه بقوله: {من ربك} أي: المحسن إليك بهذا البيان، وقوله تعالى: {لا إله إلا هو} اعتراض أكد به إيجاب الاتباع لما في كلمة التوحيد من التمسك بحبل الله والاعتصام به والإعراض عما سواه، وقول البيضاوي: أو حال مؤكدة من ربك بمعنى منفردًا في الألوهية مبني على جواز تأكيد الجملة الفعلية بالإسمية وهو نادر {وأعرض عن المشركين} ولا تحتفل بأقوالهم ولا تلتفت إلى رأيهم، ومن جعله منسوخًا بآية السيف حمل الإعراض على ما يعمّ الكف عنهم.
{ولو شاء الله} إيمانهم وعدم إشراكهم {ما أشركوا} وهذا نص صريح في أن شركهم كان بمشيئة الله تعالى خلافًا للمعتزلة في قولهم: لم يرد الله من أحد الكفر والشرك والآية ردّ عليهم {وما جعلناك عليهم حفيظًا} أي: رقيبًا فتجازيهم بأعمالهم {وما أنت عليهم بوكيل} أي: فتجبرهم على الإيمان وهذا قبل الأمر بالقتال.
{ولا تسبوا الذين يدعون} أي: يعبدون {من دون الله} وهي الأصنام أي: ولا تذكروا آلهتهم التي يعبدونها بما فيها من القبائح {فيسبوا الله عدوًا} أي: اعتداءً وظلمًا {بغير علم} أي: جهلًا منهم بالله وبما يجب أن يذكر به.
روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يطعن في آلهتهم فقالوا: لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون إلهك فنزلت وقال السدي: لما حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش: انطلقوا فلندخلنّ على هذا الرجل فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه فإنا نستحيي أن نقتله بعد موته فتقول العرب: كان يمنعه عمه فلما مات قتلوه، فانطلق أبو سفيان وأبو جهل وأبي بن خلف ومعهم جماعة إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا وإنّ محمدًا قد أذانا وآلهتنا فنحب أن تدعوه وتنهاه عن ذكر آلهتنا وندعه وإلهه، فطلبه وقال: هؤلاء قومك وبنو عمك يقولون: نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك وقد أنصفك قومك فاقبل منهم فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم معطيّ كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم» فقال أبو جهل: نعم وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها فما هي؟ قال: «قولوا لا إله إلا الله» فأبوا ونفروا، فقال أبو طالب: قل غيرها يا ابن أخي، فقال: «يا عمّ ما أنا بالذي أقول غيرها» فقالوا: لتكفن عن سبك آلهتنا أو لنشتمنك ومن يأمرك، فنزلت. وقيل: كان المسلمون يسبونها فنهوا لئلا يكون سبهم سببًا لسبّ الله تعالى وفيه دليل على أنّ الطاعة إذا أدّت إلى معصية راجحة وجب تركها فإن ما يؤدّي إلى الشرّ شر {كذلك} أي: كما زينا لهؤلاء ما هم عليه من عبادة الأوثان وطاعة الشيطان بالحرمان والخذلان {زينا لكل أمّة عملهم} أي: من الخير والشرّ بإحداث ما يمكنهم منه ويحملهم عليه توفيقًا وتخذيلًا، وفي هذه الآية دليل على تكذيب القدرية والمعتزلة حيث قالوا: لا يحسن من الله تعالى خلق الكفر وتزيينه فهو الفعال لما يريد لا يسئل عما يفعل {ثم إلى ربهم مرجعهم} في الآخرة {فينبئهم بما كانوا يعملون} في الدنيا فيجازيهم به.
{وأقسموا} أي: كفار مكة {جهد أيمانهم} أي: غاية اجتهادهم فيها {لئن جائتهم آية} أي: مما اقترحوه {ليؤمنن بها}.
روي أنّ قريشًا قالوا: يا محمد إنك تخبرنا أنّ موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فينفجر منه الماء اثنتي عشرة عينًا وتخبرنا أنّ عيسى كان يحيي الموتى فأتنا من الآيات حتى نصدقك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي شيء تحبون؟» قالوا: تجعل لنا الصفا ذهبًا وتبعث لنا بعض أمواتنا حتى نسأله عنك أحق ما تقول أم باطل؟ وأرنا الملائكة يشهدون لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن فعلت بعض ما تقولون أتصدقونني؟» قالوا: نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين وسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلها عليهم حتى يؤمنوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله أن يجعل الصفا ذهبًا فجاء جبريل عليه السلام فقال: يا رسول الله لك ما شئت إن شئت أصبح ذهبًا ولكن إن لم يصدقوا ليعذبنهم الله وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل يتوب تائبهم» فنزلت، قال الله تعالى: {قل} لهم {إنما الآيات عند الله} ينزلها كيف يشاء وإنما أنا نذير {وما يشعركم} أي: وما يدريكم أيها المسلمون بإيمانهم إذا جاءت فإنهم كانوا يتمنون مجيء الآية طمعًا في إيمانهم أي: أنتم لا تدرون ذلك {إنها إذا جاءت لا يؤمنون} لما سبق في علمي.
وقرأ أبو عمرو بسكون الراء، وروي عن الدوري اختلاس الضم وكسر الهمزة من إنها ابن كثير وأبو عمرو على الابتداء وقالا: تم الكلام عند قوله تعالى: {وما يشعركم} والباقون بالفتح فهي بمعنى لعل وهو شائع في كلام العرب: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئًا، بمعنى لعلك، ومنه قول عدي بن زيد:
أعاذل ما يدريك أنّ منيتي ** إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد

أي: لعل منيتي. وقرأ ابن عامر وحمزة: لا تؤمنون، بالتاء خطابًا للكفار، والباقون بالياء على الغيبة.
{ونقلب أفئدتهم} أي: ونحوّل قلوبهم عن الحق فلا يفقهونه {و} نقلب {أبصارهم} عن الحق فلا يبصرونه فلا يؤمنون لأنّ الله تعالى إذا صرف القلوب والأبصار عن الإيمان بقيت على الكفر {كما لم يؤمنوا به} أي: بما أنزل من الآيات {أوّل مرّة} أي: التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل انشقاق القمر وغيره من المعجزات الباهرات. وقيل: معجزات موسى وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كقوله تعالى: {أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل} [القصص].
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ المرّة الأولى دار الدنيا أي: لوردوا من الآخرة إلى الدنيا نقلب أفئدتهم وأبصارهم عن الإيمان كما لم يؤمنوا في الدنيا قبل مماتهم كما قال تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} [الأنعام].
{ونذرهم} أي: نتركهم {في طغيانهم} أي: ضلالهم {يعمهون} أي: يتردّدون متحيرين لا نهديهم هداية المتقين. اهـ.

.من فوائد السعدي في الآيات:

قال رحمه الله:
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
يخبر تعالى: أنه مع إحسانه لعباده وتعرفه إليهم، بآياته البينات، وحججه الواضحات- أن المشركين به، من قريش وغيرهم، جعلوا له شركاء، يدعونهم، ويعبدونهم، من الجن والملائكة، الذين هم خلق من خلق الله، ليس فيهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، فجعلوها شركاء لمن له الخلق والأمر، وهو المنعم بسائر أصناف النعم، الدافع لجميع النقم، وكذلك خرق المشركون أي: ائتفكوا، وافتروا من تلقاء أنفسهم لله، بنين وبنات بغير علم منهم، ومن أظلم ممن قال على الله بلا علم، وافترى عليه أشنع النقص، الذي يجب تنزيه الله عنه؟!!.
ولهذا نزه نفسه عما افتراه عليه المشركون فقال: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} فإنه تعالى، الموصوف بكل كمال، المنزه عن كل نقص، وآفة وعيب.
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي: خالقهما، ومتقن صنعتهما، على غير مثال سبق، بأحسن خلق، ونظام وبهاء، لا تقترح عقول أولي الألباب مثله، وليسله في خلقهما مشارك.
{أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} أي: كيف يكون لله الولد، وهو الإله السيد الصمد، الذي لا صاحبة له أي: لا زوجة له، وهو الغني عن مخلوقاته، وكلها فقيرة إليه، مضطرة في جميع أحوالها إليه، والولد لابد أن يكون من جنس والده؛ والله خالق كل شيء وليس شيء من المخلوقات مشابها لله بوجه من الوجوه.
ولما ذكر عموم خلقه للأشياء، ذكر إحاطة علمه بها فقال: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وفي ذكر العلم بعد الخلق، إشارة إلى الدليل العقلي إلى ثبوت علمه، وهو هذه المخلوقات، وما اشتملت عليه من النظام التام، والخلق الباهر، فإن في ذلك دلالة على سعة علم الخالق، وكمال حكمته، كما قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} وكما قال تعالى: {وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ} ذلكم الذي خلق ما خلق، وقدر ما قدر.
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ}.
{اللَّهُ رَبُّكُمْ} أي: المألوه المعبود، الذي يستحق نهاية الذل، ونهاية الحب، الرب، الذي ربى جميع الخلق بالنعم، وصرف عنهم صنوف النقم. {لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} أي: إذا استقر وثبت، أنه الله الذي لا إله إلا هو، فاصرفوا له جميع أنواع العبادة، وأخلصوها لله، واقصدوا بها وجهه. فإن هذا هو المقصود من الخلق، الذي خلقوا لأجله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}.
{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أي: جميع الأشياء، تحت وكالة الله وتدبيره، خلقا، وتدبيرا، وتصريفا.
ومن المعلوم، أن الأمر المتصرف فيه يكون استقامته وتمامه، وكمال انتظامه، بحسب حال الوكيل عليه. ووكالته تعالى على الأشياء، ليست من جنس وكالة الخلق، فإن وكالتهم، وكالة نيابة، والوكيل فيها تابع لموكله.
وأما الباري، تبارك وتعالى، فوكالته من نفسه لنفسه، متضمنة لكمال العلم، وحسن التدبير والإحسان فيه، والعدل، فلا يمكن لأحد أن يستدرك على الله، ولا يرى في خلقه خللا ولا فطورا، ولا في تدبيره نقصا وعيبا.
ومن وكالته: أنه تعالى، توكل ببيان دينه، وحفظه عن المزيلات والمغيرات، وأنه تولى حفظ المؤمنين وعصمتهم عما يزيل إيمانهم ودينهم.
{لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ} لعظمته، وجلاله وكماله، أي: لا تحيط به الأبصار، وإن كانت تراه، وتفرح بالنظر إلى وجهه الكريم، فنفي الإدراك لا ينفي الرؤية، بل يثبتها بالمفهوم. فإنه إذا نفى الإدراك، الذي هو أخص أوصاف الرؤية، دل على أن الرؤية ثابتة.
فإنه لو أراد نفي الرؤية، لقال لا تراه الأبصار ونحو ذلك، فعلم أنه ليس في الآية حجة لمذهب المعطلة، الذين ينفون رؤية ربهم في الآخرة، بل فيها ما يدل على نقيض قولهم.
{وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ} أي: هو الذي أحاط علمه، بالظواهر والبواطن، وسمعه بجميع الأصوات الظاهرة، والخفية، وبصره بجميع المبصرات، صغارها، وكبارها، ولهذا قال: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الذي لطف علمه وخبرته، ودق حتى أدرك السرائر والخفايا، والخبايا والبواطن.
ومن لطفه، أنه يسوق عبده إلى مصالح دينه، ويوصلها إليه بالطرق التي لا يشعر بها العبد، ولا يسعى فيها، ويوصله إلى السعادة الأبدية، والفلاح السرمدي، من حيث لا يحتسب، حتى أنه يقدر عليه الأمور، التي يكرهها العبد، ويتألم منها، ويدعو الله أن يزيلها، لعلمه أن دينه أصلح، وأن كماله متوقف عليها، فسبحان اللطيف لما يشاء، الرحيم بالمؤمنين.
{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} لما بين تعالى من الآيات البينات، والأدلة الواضحات، الدالة على الحق في جميع المطالب والمقاصد، نبه العباد عليها، وأخبر أن هدايتهم وضدها لأنفسهم، فقال: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: آيات تبين الحق، وتجعله للقلب بمنزلة الشمس للأبصار، لما اشتملت عليه من فصاحة اللفظ، وبيانه، ووضوحه، ومطابقته للمعاني الجليلة، والحقائق الجميلة، لأنها صادرة من الرب، الذي ربى خلقه، بصنوف نعمه الظاهرة والباطنة، التي من أفضلها وأجلها، تبيين الآيات، وتوضيح المشكلات.
{فَمَنْ أَبْصَرَ} بتلك الآيات، مواقع العبرة، وعمل بمقتضاها {فَلِنَفْسِهِ} فإن الله هو الغني الحميد.
{وَمَنْ عَمِيَ} بأن بُصِّر فلم يتبصر، وزُجِر فلم ينزجر، وبين له الحق، فما انقاد له ولا تواضع، فإنما عماه مضرته عليه.
{وَمَا أَنَا} أي: الرسول {عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} أحفظ أعمالكم وأرقبها على الدوام إنما عليَّ البلاغ المبين وقد أديته، وبلغت ما أنزل الله إليَّ، فهذه وظيفتي، وما عدا ذلك فلست موظفا فيه.
(108) {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.