فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}
لأن الآيات وإنْ توالت، وشموس البرهان وإنْ تعالَتْ فَمَنْ قَصَمَتْه العِزَّةُ وكَبَسْته القِسمة لم يَزِدْه ذلك إلا حيرة وضلالًا، ولم يستنجز إلا للشقوة حالًا. اهـ.

.قال في روح البيان:

اعلم أن الآية وإن عظمت لا تضطر إلى الإيمان إن لم يشأ الله تعالى فإنه لا آية أعظم من قيام الساعة والله تعالى يقول: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28] وجملة الأمر أن المشيئة تغير السجية وعدمها من فساد الاستعداد فلذا بقي أهل الضلال في يد القهر والجلال.
وجميع المعجزات من الأنبياء والكرمات من الأولياء علمية كانت أو كونية تربية لمن في زمانهم فمن حسن استعداده مال واهتدى ومن فسد أعرض وضلّ وترى كثيرًا من المغرورين المشغولين بأحكام طبائعهم الخبيثة ونفوسهم المتمردة يقولون كالطلبة، لو أنا صادفنا المرشد الكامل ورأينا منه العلامة واضحة لكنا أول من يسلك بطريقتهم ويتمسك بأذيال حقيقتهم فقل لهم إن الشمس شمس، وإن لم يرها الضرير والعسل عسل، وإن لم يجد طعمه الممرور والطالب المستعد لا يقع في الأمنية، ولا يضيع نقد عمره بخسارة بل يجتهد كل حين بما أمكن له من الطاعات ويكون في طريق الطلب فإن ما لا يدرك كله لا يترك كله.
ثم هذا الاستعداد وانشراح الصدر في طريق الحق نور من الله تعالى يقذفه في قلب أيّ عبد شاء وليس بحداثة السن ولا بالشيخوخة وكم رأيت وسمعت من غلبه الحال في عنفوان عمره وعنوان أمره.
وعن بعض الصالحين قال: حججت سنة من السنين وكانت سنة كثيرة الحر والسموم فلما كان ذات يوم وقد توسطنا أرض الحجاز، انقطعت عن الحاج وغفلت قليلًا فلم أشعر ليلًا إلا وأنا وحدي في البرية فلاح لي شخص أمامي فأسرعت إليه ولحقته، وإذا به غلام أمرد لا نبات بعارضيه كأنه القمر المنير والشمس الضاحية وعليه أثر الدلال والترف، فقلت له: السلام عليك يا غلام، فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا إبراهيم فعجبت منه كل العجب ورابني أمره، فلم أتمالك أن قلت له يا غلام سبحان الله من أين تعرفني ولم ترني قبلها؟ فقال لي: يا إبراهيم ما جهلت مذ عرفت ولا قطعت مذ وصلت، فقلت: ما الذي أوقعك في هذه البرية في مثل هذه السنة الكثيرة الحر والقيظ؟ فأجابني يا إبراهيم ما آنس بسواه ولا رافقت غيره وأنا منقطع إليه بالكلية مقرّ له بالعبودية، فقلت له: من أين المأكول والمشروب فقال لي: تكفل به المحبوب فقلت والله إني خائف عليك لأجل ما ذكرت لك فأجابني ودموعه تتحدر على خديه كاللؤلؤ الرطب.
فلو أجوع فذكر الله يشبعني ** ولا أكون بحمد الله عطشانا

وإن ضعفت فوجد منه يحملني ** من الحجاز إلى أقصى خراسانا

فقلت له: بالله عليك يا غلام إلا ما أعلمتني حقيقة عمرك؟ فقال اثنتا عشرة سنة ثم رجوته فدعا لي باللحوق إلى أصحابي فلما وقفنا بعرفة ودخلنا الحرم إذا أنا بالغلام وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يبكي ويناجي ثم وقع ساجدًا ومات إلى رحمة الله تعالى، ثم رأيته في المنام فقلت ما الذي فعل بك إلهك فقال أوقفني بين يديه وقال لي ما بغيتك فقلت إلهي وسيدي أنت بغيتي، فقال لي:
أنت عبدي حقًا ولك عندي أن أحجب عنك ما تريد، فقلت: أريد أن تشفعني في القرن الذي أنا فيه، قال شفعتك فيه ثم إنه صافحني فاستيقظت بعد المصافحة فلم أر أحدًا إلا ويقول لي يا إبراهيم لقد أزعجت الناس من طيب رائحة يدك.
قال بعض المحدثين: ولم تزل رائحة الطيب تخرج من يد إبراهيم حتى قضى نحبه رحمه الله رحمة واسعة. اهـ. بتصرف يسير.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله: قوله تعالى: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة}
سبب نزولها: أن المستهزئين أتوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في رهط من أهل مكة، فقالوا له: ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم: أحق ما تقول أم باطل؟ أو أرنا الملائكة يشهدون لك أنك رسول الله، أو ائتنا بالله والملائكة قبيلًا.
فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس ومعنى الآية ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة كما سألوا، وكلمهم الموتى، فشهدوا لك بالنبوة، {وحشرنا}: أي: جمعنا {عليهم كل شيء} في الدنيا {قبلًا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله}، فأخبر أن وقوع الإيمان بمشيئته، لا كما ظنوا أنهم متى شاؤوا آمنوا، ومتى شاؤوا لم يؤمنوا.
فأما قوله: {قِبَلًا} فقرأ ابن عامر، ونافع: بكسر القاف وفتح الباء.
قال ابن قتيبة: معناها: معاينة.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي {قُبُلا} بضم القاف والباء.
وفي معناها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه جمع قبيل، وهو الصِّنْف؛ فالمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء قبيلًا قبيلًا، قاله مجاهد، واختاره أبو عبيدة، وابن قتيبة.
والثاني: أنه جمع قبيل أيضًا، إلا أنه: الكفيل؛ فالمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء، فكَفَلَ بصحة ما تقول، اختاره الفراء، وعليه اعتراض، وهو أن يقال: إذا لم يؤمنوا بانزال الملائكة، وتكليم الموتى، فَلأَنْ لا يؤمنوا بالكفالة التي هي قول، أولى.
فالجواب: أنه لو كَفَلَت الأشياء المحشورة، فنطق ما لم ينطق، كان ذلك آية بينة.
والثالث: أنه بمعنى: المقابل، فيكون المعنى: وحشرنا عليهم كل شيء، فقابلهم، قاله ابن زيد.
قال أبو زيد: يقال: لقيت فلانًا قِبَلًا وقَبَلًا وقُبُلًا وقبيلًا وقَبَليًّا ومقابلة، وكله واحد، وهو للمواجهة.
قال أبو علي: فالمعنى في القرآن على ما قاله أبو زيد واحد، وإن اختلفت الألفاظ.
قوله تعالى: {ولكن أكثرهم يجهلون} فيه قولان:
أحدهما: يجهلون أن الاشياء لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى.
والثاني: أنهم يجهلون أنهم لو أوتوا بكل آية ما آمنوا. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة: قوله عز وجل: {ولو أننا أنزلنا إليهم الملائكة}
قال ابن جريج: نزلت في المستهزئين، وذلك أنهم أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قريش، فقالوا: يا محمد ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك أحق ما تقول أم باطل وأرنا الملائكة يشهدن لك أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ائتنا بالله والملائكة قبيلًا فنزلت هذه الآية جوابًا لهم.
والمعنى: ولو أنا نزلنا إليهم الملائكة حتى يشهدوا لك بالرسالة {وكلمهم الموتى} يعني كما سألوا {وحشرنا عليهم كل شيء قبلًا} يعني وجمعنا عليهم كل شيء قبلًا قبيلًا، قيل القبيل الكفيل بصحة ما تقول ما آمنوا وهو قوله: {ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} يعني إلا أن يشاء الله الإيمان منهم وفيه دليل على أن جميع الأشياء بمشيئة الله تعالى حتى الإيمان والكفر، وموضع المعجزة أن الأشياء المحشورة منها ناطق ومنها صامت فإذا أنطق الله الكل حتى يشهدوا له بصحة ما يقول كان ذلك في غاية الإعجاز.
وقيل قبلًا من المقابلة والمواجهة، والمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء مواجهة ومعاينة {ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} أخبر الله أن الإيمان بمشيئة الله لا كما ظنوا أنهم متى شاؤوا آمنوا ومتى شاؤوا لم يؤمنوا، وقال ابن عباس: ما كانوا ليؤمنوا هم أهل الشقاء إلا أن يشاء الله هم أهل السعادة الذين سبق لهم في علمه أنهم يدخلون في الإيمان.
وصحح الطبري قول ابن عباس قال: لأن الله عم بقوله ما كانوا ليؤمنوا القوم الذين تقدم ذكرهم في قوله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها} ثم استثنى منهم أهل السعادة وهم الذين شاء لهم الإيمان.
قوله تعالى: {ولكن أكثرهم يجهلون} يعني يجهلون أن ذلك كذلك ويحسبون أن الإيمان إليهم متى شاؤوا آمنوا ومتى شاؤوا كفروا، وليس الأمر كذلك بل الإيمان والكفر بمشيئة الله تعالى فمن شاء له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر وفي هذا دليل لمذهب أهل السنة أن الأشياء كلها بمشيئة الله تعالى ورد على القدرية والمعتزلة في قوله: إن الله أراد الإيمان من جميع الكفار. اهـ.

.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الملائكة}
تصريحٌ بما أشعَرَ به قولُه عز وجل: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} من الحكمة الداعيةِ إلى ترك الإجابةِ إلى ما اقترحوه من الآيات إثرَ بيانِ أنها في حُكمه وقضائه المبنيِّ على الحِكَم البالغةِ لا مدخلَ لأحد في أمرها بوجه من الوجوه، وبيانٌ لكذبهم في أيْمانهم الفاجرةِ على أبلغِ وجهٍ وآكَدِه أي ولو أننا لم نقتصِرْ على إيتاء ما اقترحوه هاهنا من آية واحدةٍ من الآيات بل نزلنا إليهم الملائكةَ كما سألوه بقولهم: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الملائكة} وقولِهم: {لَّوْ مَا تَأْتِينَا بالملائكة} {وَكَلَّمَهُمُ الموتى} وشهدوا بحقية الإيمانِ بعد أن أحييناهم حسبما اقترحوه بقولهم: فأتوا بآبائنا {وَحَشَرْنَا} أي جمعنا {عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْء قُبُلًا} بضمتين وقرئ بسكون الباء أي كُفلأَ الأمرِ وصدقِ النبي صلى الله عليه وسلم، على أنه جمعُ قَبيل بمعنى الكفيل كرغيف ورُغُف وقضيب وقُضُب وهو الأنسب بقوله تعالى: {أَوْ تَأْتِىَ بالله والملائكة قَبِيلًا} أي لو لم نقتصِرْ على ما اقترحوه بل زدنا على ذلك بأن أحضرنا لديهم كلَّ شيءٍ يتأتّى منه الكفالةُ والشهادةُ بما ذُكر لا فرادى بل بطريق المعيةِ. أو جماعاتٍ على أنه جمعُ قَبيلٍ وهو جمعُ قبيلة، وهو الأوفق لعموم كلِّ شيءٍ وشمولِه للأنواع والأصنافِ أي حشرنا كلَّ شيء نوعًا نوعًا وصنفًا صنفًا وفوجًا فوجًا، وانتصابُه على الحالية وجمعيتُه باعتبار الكل المجموعيِّ اللازمِ للكل الإفراديِّ أو مقابلةً وعِيانًا على أنه مصدرٌ كقِبَلا، وقد قرئ كذلك، وانتصابُه على الوجهين على أنه مصدرٌ في موقع الحالِ، وقد نقل عن المبرِّد وجماعةٍ من أهل اللغة أن الأخيرَ بمعنى الجهة كما في قولك: لي قِبَلَ فلانٍ حقٌّ، وأن انتصابَه على الظرفية {مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} أي ما صح وما استقام لهم الإيمانُ لتماديهم في العصيان وغلوِّهم في التمرد والطُّغيانِ، وأما ما سبق القضاءُ عليهم بالكفر فمن الأحكامِ المترتبةِ على ذلك حسبما ينبئ عنه قولُه عز وجل: {وَنَذَرُهُمْ في طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} وقوله تعالى: {إِلاَّ أَن يَشَاء الله} استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم الأحوالِ، والالتفاتُ إلى الاسم الجليل لتربية المهابةِ وإدخالِ الروعة، أي ما كانوا ليؤمنوا بعد اجتماعِ ما ذكر من الأمورِ الموجبةِ للإيمان في حال من الأحوال الداعيةِ إليه المتمِّمة لموجباته المذكورةِ إلا في حال مشيئتِه تعالى لإيمانهم أو من أعمّ العللِ أي ما كانوا ليؤمنوا لعلة من العلل المعدودةِ وغيرِها إلا لمشيئته تعالى له، وأيًا ما كان فليس المرادُ بالاستثناء بيانَ أن إيمانَهم على خطر الوقوعِ بناءً على كون مشيئتِه تعالى أيضًا كذلك بل بيانَ استحالةِ وقوعِه بناءً على استحالة وقوعِها كأنه قيل: ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله وهيهاتَ ذلك وحالُهم حالُهم بدليل ما سبق من قوله تعالى: {وَنُقَلّبُ أَفْئِدَتَهُمْ} الآية، كيف لا وقولُه عز وجل: {ولكن أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} استدراكٌ من مضمون الشرطيةِ بعد ورودِ الاستثناءِ لا قبله، ولا ريبَ في أن الذي يجهلونه سواءٌ أريد بهم المسلمون وهو الظاهرُ، أو المُقسِمون ليس عدمَ إيمانِهم بلا مشيئة الله تعالى كما هو اللازمُ من حمل النظمِ الكريمِ على المعنى الأولِ فإنه ليس مما يعتقده الأولون ولا مما يدّعيه الآخَرون بل إنما هو عدمُ إيمانهم لعدم مشيئتِه إيمانَهم ومرجعُه إلى جهلهم بعدم مشيئتِه إياه فالمعنى أن حالَهم كما شُرح ولكن أكثر المسلمين يجهلون عدمَ إيمانِهم عند مجيءِ الآياتِ لجهلهم عدمَ مشيئتِه تعالى لإيمانهم فيتمنَّوْن مجيئَها طمعًا فيما لا يكون. فالجملةُ مقرِّرةٌ لمضمون قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} الخ، على القراءة المشهورة، أو ولكن أكثرَ المشركين يجهلون عدمَ إيمانِهم عند مجيء الأيات لجهلهم عدم مشيئته تعالى لإيمائهم حينئذ فيقسمون بالله جهد أيمانهم على ما لا يكاد يكونُ، فالجملةُ على القراءة السابقةِ بيانٌ مبتدأٌ لمنشأ خطأ المقسِمين ومناطِ إقسامهم وتقريرٌ له على قراءة لا تؤمنون بالتاء الفوقانية وكذا على قراءة وَمَا يشعرهم أنها إذا جاءتهم لا يؤمنون. اهـ.

.من فوائد عبد الكريم الخطيب في الآية:

قال رحمه الله: {وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى}
التفسير في هذه الآية يكشف اللّه سبحانه وتعالى عن هذا المدى البعيد الذي بلغه أولئك المشركون من إمعان في الضلال والطغيان، وأنهم إن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها..
فلو أن اللّه سبحانه أنزل عليهم الملائكة، يمشون بينهم، ويتحدثون إليهم لقالوا فيهم مقالا، ولو جدوا للزور والبهتان علّة يعتلّون بها.
ولو أن اللّه سبحانه بعث الموتى من قبورهم يكلمونهم، كما كانوا يكلمونهم وهم أحياء، لكان لهم فيهم لغط وجدل.
ولو أن اللّه سبحانه بعث إليهم كل شيء يقترحونه، وجاءهم به عيانا ومواجهة قبلا، ما كانوا ليؤمنوا، ولقالوا من الزور والبهتان ما حكاه اللّه عنهم في قوله تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابًا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر: 14- 15]
وفى قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ} هو استثناء من جميع الأحوال، أي أنهم لا يؤمنون في أي حال إلا في تلك الحال التي يشاء اللّه لهم فيها أن يؤمنوا، وهى حال تتعلق بمشيئة اللّه، ولا تتعلق بما يساق إليهم من آيات ومعجزات، فإيمانهم معلق بمشيئة اللّه، لا بتلك الآيات التي يقترحونها. {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ} أي أكثر النّاس، وهم هؤلاء المشركون جميعا، ومعهم كثير من أولئك المؤمنين الذين طمعوا في إيمانهم، واستشعروا أنهم قد يؤمنون إذا جاءهم النبي بما يقترحون عليه من آيات- أكثر هؤلاء لا يعلمون مشيئة اللّه المتسلطة على هذا الوجود، القائمة على تصريفه وتدبيره.. فلا يقع شيء إلا على الوجه الذي شاءه اللّه سبحانه وتعالى وقدّره.

.مبحث: في مشيئة اللّه ومشيئة العباد:

وهنا نودّ أن نقف وقفة قصيرة، مع هذه القضية، التي شغلت الناس منذ عرفوا اللّه فآمنوا به.. من علماء، وفلاسفة، وفقهاء، ومتدينين بل وملحدين.