فصل: ثورة على المعتزلة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هذا قول متهافت، لا يستقيم أوله مع آخره..
ونستطيع بعد هذا أن نقول: إن أقوال المعتزلة في قدرة الإنسان لم تقم على منطق سليم، ولم نستقم على طريق واضح.
اللّه عادل.. ما في ذلك شك.
ومقتضى هذا العدل أن تجزى كل نفس بما كسبت.. فالعبد كاسب لأفعاله، أي أنها جرت على يديه. وبمحض إرادته.. ولكنه مع هذا واقع تحت إرادة اللّه، خاضع لمشيئته.
وللنظام رأى في إرادة اللّه، وأن معنى الإرادة عنده ليس هو معنى المشيئة، لأن الإرادة بمعنى المشيئة تستلزم حاجة من جانب المريد، ولهذا يقول: إن اللّه إذا وصف بأنه مريد لأفعاله، فمعنى ذلك أنه خالقها ومنشئها، وإذا وصف بأنه مريد لأفعال عباده أو وقوع أمر، فمعنى ذلك أنه حاكم بذلك، أو آمر، أو مخبر.
وهذا الفهم للإرادة بأنها تستلزم حاجة من جانب المريد، إنما هو فهم مقيس على المستوي الإنسانى، حيث إرادتنا محصورة في دائرة حاجاتنا ومطالبنا..
فلا نريد إلا ما نحن في حاجة إليه.. ذلك فهم يتفق مع عالم النقص الذي نحن فيه، فتكون إرادتنا متحركة في هذا العالم حسب حاجتنا، ساعية إلى سدّ ما نشعر به من نقص.. إننا نريد كذا، لأجل كذا..
أما عالم الكمال، فما يصدر عنه لا يصدر لحاجة، وإن صدر بإرادة ومشيئة، ولن يصدر بغير إرادة ومشيئة.. إنه يجرى مع الحكمة التي يطلبها الكمال..
مما تقدم يمكن أن نقول:
أولا: إن المعتزلة قد بالغوا في رفع قيمة الإنسان، وكادوا يجعلون منه إلها مستقلا بسلطان وجوده، لا يلتفت إلى ماوراء وجوده في صراعه مع الحياة، وفى تقلبه بين خيرها وشرها.
ولا شك أن هذه الانعزالية عن العالم العلوي، تحرم الإنسان كثيرا من أمداد الاستعانة بالخالق جلّ وعلا، كما أنها تدفع داعية التوكل على اللّه، والرضا بقضائه وقدره، بعد أن ينفذ القضاء، ويقع المقدور، فيكون في هذا عزاء جميلا عما وقع للإنسان مما يكره ويسوء.
ثانيا: أن المعتزلة في دفعهم للإنسان إلى هذا الحدّ، قد جاروا على الإنسان نفسه، وخلّوا بينه وبين ذاته، وألزموه أمورا وحمّلوه أوزارا يلقى بها ربه في غير رجاء، كما جعلوا صوالح أعماله حقّا ملزما للّه، يطالبه به العبد في غير حياء! وتلك حال يدخل فيها الضيم على الإنسان من كل وجه.. فإن أي إنسان مهما بلغ من التقوى والكمال، ومهما قدّم من خير وبرّ، فهو في حاجة أبدا إلى فضل اللّه، وإنّه لن يدخل الجنة بعمله، لأن أعماله مهما عظمت لن تفى بالقليل من بعض نعم اللّه وفضله عليه.. وفى هذا يقول الرسول الكريم: «إنكم لن تدخلوا الجنة بأعمالكم». قالوا ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال: «ولا أنا إلّا أن يتغمّدنى اللّه برحمته» ولهذا وجد كثير من أنصار المعتزلة حرجا في الأخذ بقولهم هنا، من إطلاق قدرة الإنسان وإرادته..
فهذا إمام من أئمتهم، وهو الجاحظ لا يرضى أن يقرر مذهب المعتزلة في هذه المسألة على هذا الوجه.. بل إنه ليصل إرادة العبد بإرادة اللّه.. يقول الجاحظ: لا فضل للإنسان إلا بالإرادة.
ومعنى هذا أن للإنسان إرادة، وأنه بغيرها لا يكون أحسن من الحيوان حالا، ولا أكرم منزلة..
ولكن هذه الإرادة التي يحملها الإنسان في كيانه لا تعمل وحدها، هكذا مطلقة من كل قيد، فهى متصلة أولا بكيان الإنسان كله، وهى ثمرة من ثمرات التفاعل الذي يجرى في هذا الكيان، الذي هو متصل بهذا الوجود كلّه، مقيد به، ومؤثر فيه، ومتأثر به.. وفى هذا يقول الجاحظ:
لأن أفعال الإنسان كلها داخلة في نسيج حوادث الطبيعة من جهة، ولأن علم الإنسان كلّه اضطراري يأتيه من أعلى.. من جهة أخرى.
ومعنى هذا أن الإرادة التي يعمل بها الإنسان ليست كلها له، لأنها فرع العلم الذي يحصّله اضطرارا، والذي يأتيه من أعلى..
ونسأل: وأين إرادة الإنسان إذن؟
نكاد نقول إن الجاحظ يقول بالجبر والاختيار معا..!
ثالثا: إن المعتزلة وهم يحاولون أن يدافعوا عن عدل اللّه بإضافة أقوال الإنسان كلها- خيرها وشرها- إلى الإنسان- أقول: إنهم بهذا الدفاع قد أنكروا على اللّه أن يكون قادرا ومريدا، مطلق القدرة، ومطلق الإرادة، أي ذا قدرة وإرادة شاملتين.. والقدرة والإرادة بهذا الوصف- من صفات الكمال. فكيف لا يتصف الخالق بهما؟ تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا..

.ثورة على المعتزلة:

لهذا لم يرتض كثير من المسلمين آراء المعتزلة، وإن حمدوا للكثير منهم دفاعهم عن الدّين، وكسرهم من حدّة السلبيّة، التي استولت على المجتمع الإسلامى، بعد تلك الفتن الكثيرة، والجراحات القاتلة، التي أصابت الصميم من الجسد الاجتماعى الإسلامى، التي أصابت المسلمين، بعد مقتل الإمام علىّ- كرم اللّه وجهه- ومصارع أهل البيت- رضوان اللّه عليهم- وامتحان كثير من صحابة رسول اللّه، والتابعين، على يد الخلفاء الأمويين والعباسيين على السواء..
فكان الاستسلام للأحداث، والتسليم بالهزيمة هو العزاء لكثير من النفوس، حتى لقد كان لسان حال الناس في كل أمر هو: هذا ما قضى اللّه وقدّره! وكان هذا القول- وهو قول حق- يقال في كل حال داعية إليه، أو غير داعية، يتعزّى به الناس عند كل مصيبة، ويستدعونه عند كل نازلة، دون استحضار هممهم، وبذل جهدهم.. والقول بأن هذا قضاء اللّه وقدر اللّه، هو قول حق، ولكن الاستنامة في ظل هذا القول، وإلقاء كل أخطائنا على القدر، هو الذي لا يرضاه، عقل، ولا يقرّه دين.
من أجل هذا قام المعتزلة في وجه هذه الظاهرة، وتصدّوا لتلك الدّعوة المريضة، ولكن بدلا من أن يقتصدوا في تقرير مسئولية الإنسان، وفى إبراز شخصيته، وإثبات وجوده مع أحداث الحياة- بالغوا أيّما مبالغة في هذا الأمر، فبعد أن كان القول الذائع بأن إرادة اللّه فوق كل شيء، وإرادة العبد لا شيء- أصبح القول عند المعتزلة هو: إن إرادة العبد هي كل شيء، وإن إرادة اللّه لا شى ء!.
وهكذا اندفع المعتزلة زمنا وراء هذه الدعوة، وجروا بها أشواطا بعيدة، حتى وقع الخلاف بينهم، وقام فيهم من يردّ عليهم، ويوقف انطلاق دعوتهم..
وكان الأشعري فارس هذه الحلبة، ورجل هذا الميدان!.

.رأى أهل السنة:

الأشعري: هو تلميذ أبى علىّ الجبّائى- أحد ائمة المعتزلة. ولكنّه لم يرتض قول المعتزلة في إطلاق إرادة الإنسان واختياره،.. فكان له رأيه الذي أصبح- فيما بعد- الرأى الذي تقول به الجماعة، (أي أهل السنّة).
يقول دى بور في كتابه تاريخ الفلسفة الإسلامية: وظهر من بين صفوف المعتزلة رجل كانت رسالته أن يتوسط بين مختلف الآراء، ويقيم بناء المذهب الذي عرف في الشرق، ثم في بلاد العالم الإسلامى، بأنه مذهب السنّة..
استطاع الأشعري أن يجعل للّه ما يليق به، دون أن يتحيّف حق الإنسان.. فالإنسان عنده يمتاز بأنه يستطيع أن يضيف إلى نفسه ما يخلقه اللّه فيه من الأفعال، وأن يعتبر ذلك من كسبه..
وليست مكانة الأشعري عند جمهور المسلمين في هذا الرأى الذي قرّره..
كما يقول دى بور- فإن هذا الرأى في ذاته غير واضح المعالم، وغير مقنع في قضية القدر- كما سنرى- ولكن قيمة الأشعري ومكانته، إنما هي في خروجه على المعتزلة، ووقوفه في وجههم، وتصدّيه لهم وهم أوج قوتهم.
يقول طاش كبرى زاده في كتابه: مفتاح السعادة: ودفع- أي الأشعري- الكتب التي ألّفها على مذهب أهل السنة، وكانت المعتزلة قبل ذلك قد رفعوا رءوسهم، فجحرهم الأشعري، حتى دخلوا في أقماع السمسم!!
ويعلّق المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق على هذا بقوله: إذا كان مذهب الأشعري في محاربة المعتزلة بمثل سلاحهم، من أساليب النظر العقلي- قد أضعف الاعتزال، وأذلّ سلطانه، فإن السياسة كان لها كبير الأثر فيما ناله الاعتزال من القوة والسيادة أولا، وكان لها أثرها في نزوله عن عرشه أخيرا.
إن الأشعري، قد وقف في وجه المعتزلة، فانتزع منهم الإنسان الذي جعلوه في بعض أحواله خالقا، منفردا بخلق أفعاله وتدبير وجوده، حتى لكأنه يطاول إله العالمين، وينازعه سلطانه- انتزع الأشعري هذا الإنسان الإلهى، ونزل به إلى واقع الحياة البشرية، فجعله كاسبا لأفعاله، لا خالقا لها، عاملا بإرادته، ولكن في ظلّ من إرادة اللّه ومشيئته..

.كسب الإنسان:

فتح الأشعري بنظرية الكسب التي أحلها محل الخلق الذي تقول به المعتزلة- نقول: فتح بابا دخل منه كثير من الفلاسفة والمتكلمين على هذا الشيء الذي سماه الأشعري كسبا، والذي يراه في الإنسان، متلبسا بإرادته، معلقا بمشيئته..
وقد عدّ كثير من العلماء والباحثين قول الأشعري لغزا تندّروا به، ووضعوه موضع العقد التي لا يعرف لها حلّ، وذلك أنهم لم يروا فارقا واضحا بين الخلق الذي تقول به المعتزلة، وبين الكسب الذي يقول به الأشعري، ويراه مناقضا للقول بالخلق.
يقول ابن تيمية في تفنيد نظرية الكسب: ولا يقول الأشعري: إن العبد فاعل في الحقيقة، بل كاسب، ولم يذكر بين الكسب والفعل فرقا معقولا، بل حقيقة قولهم- أي الأشعرية- قول جهم: (هو جهم بن معبد، رأس الجبرية) إن العبد لا قدرة له، ولا فعل ولا كسب.
وقد نظم بعضهم هذا شعرا، وقرن نظرية القول بالكسب إلى نظرية القول بالطّفرة عند النظام، والقول بالحال عندهم أبى هاشم: فقال:
مما يقال ولا حقيقة عنده ** معقولة تدنو إلى الأفهام

الكسب عند الأشعري والحال ** عند البهشمىّ وطفرة النظام

والذي جعل الأشعري يقول بالكسب هو ما رآه في الإنسان من إرادة وقدرة على الفعل أو الترك، ثم ما يراه من جهة أخرى من قدرة اللّه المطلقة الشاملة، وعلمه المحيط بكل شيء، فلم يرتض أن يقول إن العبد خالق لأفعاله، لأن الخلق للّه، ولم يقبل أن يجعل العبد آلة مسخرة، لأنه يراه يعمل بإرادة، ويتحرك بقدرة، ويقدم أو يحجم عن تقدير وتفكير.. فلابد- والأمر كذلك- أن يضيف إلى الإنسان شيئا مما يعمل، لا كل ما يعمل، وسمّى هذا كسبا.
يقول الأشعري: والعبد قادر على أفعال العباد.. إذ الإنسان يجد من نفسه تفرقة ضرورية، بين حركات الرّعدة والرعشة،- التي هي حركات اضطرارية- وحركات الاختيار والإرادة.. إن الحركات الاختيارية حاصلة من اختيار القادر.. والمكتسب هو المقدور بالقدرة الحادثة.
وعلى أىّ، فإن نظرية الكسب هذه، قد أثارت جوّا من التفكير عند الباحثين في هذه المشكلة، وكانت معتمد الذين لا يقولون بقول المعتزلة، من أن للإنسان اختيارا مطلقا في أفعاله، وإنّما للإنسان نوع من الاختيار، ودرجة من الإرادة، حيث يضعون الإنسان في منزلة بين الاختيار والجبر، فلا هو مختار مطلق، ولا هو مجبر ملزم.. إن له إرادة، ولكنها إرادة مقيدة بأكثر من قيد.
ولقد صار الأشعري بقوله هذا زعيما لحركة أطلق عليها لفظ الأشاعرة نسبة إليه، ثم أصبحت هذه الحركة معبرة عن رأى أهل السنة.
وقد ظاهر هذه الحركة كثير من علماء السنّة وفقهائها.. منهم إمام الحرمين.. أبو المعالي الجويني، والقاضي أبو بكر الباقلاني، وفخر الدين الرازي، والإمام الغزالي، ولسان الدين بن الخطيب.. وكثير غيرهم.

.حركة الأشاعرة:

يدور رأى الأشاعرة- كما أشرنا من قبل- على القول بأن الإنسان في منطقة حرام، بين الجبر والاختيار..
فالإنسان مختار في قالب مجبر، وأنه أشبه براكب سفينة تمخر عباب المحيط، فهو حرّ مختار يسير كيف يشاء، وأين يشاء، داخل هذه السفينة، ولكنه مجبر مسيّر هو وسفينته بعوامل خارجية تحيط به وبالسفينة.. كالأنواء، والعواصف وغيرها.. مما يتصل بسلامة السفينة وقوة احتمالها.. كذلك الإنسان في سفينة الوجود! هو حرّ مطلق، ولكنه مقيد بالنظام العام للوجود! فالأشاعرة هنا قريبون من الفلاسفة الغربيين القائلين بنظرية الاتفاقية، أو الظروف والمناسبات.. ومعناها أن كل فعل إنما هو في الحقيقة للّه، ولكنه يظهر على النحو الذي يظهر فيه، إذا تحققت ظروف خاصة: إنسانية، أو غير إنسانية، حتى لكأنّما يخيل للإنسان أن الظروف هي التي أوجدت هذا الفعل..
والأشعري، يرى ألا تأثير للقدرة الحادثة في الأحداث، وإنما جرت سنّة اللّه بأن يلازم بين الفعل المحدث وبين القدرة المحدثة له، ويسمّى هذا الفعل كسبا، فيكون خلقا من اللّه تعالى، وكسبا من العبد، في متناول قدرته واستطاعته..
هذا هو المحتوى الإجمالى لمذهب الأشاعرة غير أن لكل صاحب قول في هذا المذهب اتجاها خاصا في تقرير هذه القضية، وتحريرها.. كما سنرى في عرض هذه النماذج من المقولات.

.لسان الدين بن الخطيب ورأيه في الكسب:

يرى لسان الدين بن الخطيب، أن الكسب فعل يخلقه اللّه في العبد، كما يخلق فيه القدرة، والإرادة، والعلم.. فيضاف الفعل إلى اللّه خلقا لأنه خالقه، وإلى العبد كسبا لأنه محلّه الذي قام به..
يقول ابن الخطيب: وإذا كانت العرب تقول: حرّكت القضيب فتحرك، فتجعل الحركة بين فاعلين، حركة للمتحرك، وفعلا للمحرّك، فذلك- أي ما يصدر عن الإنسان- أقرب، لوجود القصد، والعلم، والقدرة.. في محيط الإنسان.. ثم إن الطاعة والمعصية للعبد من حيث الكسب. ولا طاعة ولا معصية- أي للعبد- من حيث الخلق! والخلق لا يصح أن يضاف إلى العبد، لأنه إيجاد من عدم، والفعل موجود بالقدرة القديمة، لعموم تعلق القدرة الحادثة بها.. فالقدرة الحادثة تتعلق ولا تؤثر.. وهذه- أي القدرة الحادثة- تصلح للتأثير لولا المانع، وهو وجود القدرة القديمة، لأنهما إذا تواردا- أي اجتمعا: القدرة القديمة والحادثة- لم يكن للقدرة الحادثة تأثير!! فابن الخطيب، يرى للإنسان قصدا، وعلما، يلقى بهما ضروب الأمور في الحياة.. فهذا جانب حر، أو منطقة حرّة في كيان الإنسان.. ولكنه يرى من جهة أخرى أن الأفعال كلها مخلوقة للّه، بإرادة أزلية سابقة شاملة، وأن إرادة الإنسان لا تؤثر في القدرة القديمة..
فالإنسان محكوم عليه أن ينفّذ ما وقع في إرادة اللّه، وأن إرادة الإنسان، وقصده، وعلمه- كل هذا، لا يغيّر من المقدّر عليه شيئا.. فالإنسان حر إلى أن يفرغ من الفعل الذي قدّر عليه بإرادة سابقة أن يقع على يديه.
وتسأل: ما قيمة هذه الحرّية مع ما سبق من إرادة اللّه وقدرته؟ إن الإنسان في ظاهر الأمر يبدو حرّا طليقا، ولكن قوة غير ظاهرة هي التي تقوده إلى ما سبق به علم اللّه، وقضت به إرادته.. ومرة أخرى: ما قيمة هذه الحريّة؟
أتراها تدفع شيئا مما قضى به اللّه وقدّره؟
والجواب: كلا.. إنها لا تدفع قضاء ولا تردّ قدرا.. ولكنها حرية تتيح للإنسان أن يبرز ذاته، وأن يعمل قواه كلها، وأن يفرض وجوده على الحياة، وأن يبسط سلطانه على الأشياء، وإن تفلّتث منه وخرجت من يديه! وذلك شيء ليس بالقليل في وجود الإنسان الذي لا قيمة له بغير هذه الحرية التي تمنحه الاستعلاء على الأشياء، وتريه من نفسه أنه قادر، مستطيع، عالم، مريد.. وإن لم يكن قادرا، ولا مستطيعا، ولا عالما، ولا مريدا.