فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

في الآية مباحث نذكرها في معرض السؤال والجواب.
السؤال الأول: الفاء في قوله: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ} يقتضي تعلقًا بما تقدم، فما ذلك الشيء؟
والجواب: قوله: {فَكُلُواْ} مسبب عن إنكار اتباع المضلين الذين يحللون الحرام ويحرمون الحلال، وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين: إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله فما قتله الله أحق أن تأكلوه مما قتلتموه أنتم.
فقال الله للمسلمين إن كنتم متحققين بالإيمان فكلوا مما ذكر اسم الله عليه وهو المذكى ببسم الله.
السؤال الثاني: القوم كانوا يبيحون أكل ما ذبح على اسم الله ولا ينازعون فيه، وإنما النزاع في أنهم أيضًا كانوا يبيحون أكل الميتة، والمسلمون كانوا يحرمونها، وإذا كان كذلك كان ورود الأمر بإباحة ما ذكر اسم الله عليه عبثًا لأنه يقتضي إثبات الحكم في المتفق عليه وترك الحكم في المختلف فيه.
والجواب: فيه وجهان: الأول: لعل القوم كانوا يحرمون أكل المذكاة ويبيحون أكل الميتة، فالله تعالى رد عليهم في الأمرين، فحكم بحل المذكاة بقوله: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ} وبتحريم الميتة بقوله: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ} الثاني: أن نحمل قوله: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ} على أن المراد اجعلوا أكلكم مقصورًا على ما ذكر اسم الله عليه، فيكون المعنى على هذا الوجه تحريم أكل الميتة فقط.
السؤال الثالث: قوله: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ} صيغة الأمر، وهي للإباحة.
وهذه الإباحة حاصلة في حق المؤمن وغير المؤمن، وكلمة {إن} في قوله: {إِن كُنتُم بآياته مُؤْمِنِينَ} تفيد الاشتراط.
والجواب: التقدير ليكن أكلكم مقصورًا على ما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين والمراد أنه لو حكم بإباحة أكل الميتة لقدح ذلك في كونه مؤمنًا. اهـ.

.قال ابن جزي:

{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)}
القصد بهذا الأمر إباحة ما ذكر اسم الله عليه، والنهي عما ذبح للنصب وغيرها، وعن الميتة وهذا النهي يقتضيه دليل الخطاب من الأمر ثم صرح به في قوله الآتي: {أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ}؛ وقد استدل بذلك من أوجب التسمية على الذبيحة، وإنما جاء الكلام في سياق تحريم الميتة وغيرها، فإن حملناه على ذلك لم يكن فيه دليل على وجوب التسمية في ذبائح المسلمين، وإن حملناه على عمومه كان فيه دليل على ذلك، وقال عطاء: وهذه الآية أمر بذكر الله على الذبح والأكل والشرب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ}
نزلت بسبب أناس أتَوُا النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إنا نأكل ما نقتل ولا نأكل ما قتل الله؟ فنزلت {فَكُلُوا} إلى قوله: {وَإِنْ أَطَعْتُموهُمْ إنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} خرجه الترمذيّ وغيره.
قال عطاء: هذه الآية أمرٌ بذكر اسم الله على الشَّراب والذبح وكلّ مطعوم.
وقوله: {إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} أي بأحكامه وأوامره آخذين؛ فإن الإيمان بها يتضمّن ويقتضي الأخذ بها والانقياد لها. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه}
هذا جواب لقول المشركين حيث قالوا للمسلمين أتأكلون مما قتلتم ولا تأكلون مما قتل ربكم؟ فقال الله تعالى للمسلمين فكلوا أنتم ما ذكر اسم الله عليه من الذبائح: {إن كنتم بآياته مؤمنين} وقيل كانوا يحرمون أصنافًا من النعم ويحلون الميتة فقيل: أحلوا ما أحل الله وحرموا ما حرم الله، فعلى هذا القول تكون الآية خطابًا للمشركين.
وعلى القول الأول تكون الآية خطابًا للمسلمين وهو الأصح لقوله في آخر الآية: {إن كنتم بآياته مؤمنين}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فكلوا مما ذكر اسم عليه إن كنتم بآياته مؤمنين}
ذكر أن السبب في نزولها أنهم قالوا للرسول: من قتل الشاة التي ماتت؟ قال الله: قالوا فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك وما قتله الصقر والكلب حلال وما قتله الله حرام.
وقال عكرمة: لما أنزل تحريم الميتة كتب مجوس فارس إلى مشركي قريش فكانوا أولياءهم في الجاهلية وبينهم مكاتبة أن محمدًا وأصحابه يزعمون أنهم يبتغون أمر الله ثم يزعمون أن ما ذبحوا فهو حلال وما ذبح الله فهو حرام فوقع في أنفس ناس من المسلمين، فأنزل الله: {ولا تأكلوا مما} ولما تضمنت الآية التي قبلها الإنكار على اتباع المضلين الذين يحلون الحرام ويحرمون الحلال وكانوا يسمون في كثير مما يذكرونه اسم آلهتهم أمر المؤمنين بأكل ما سمي على ذكاته اسم الله لا غيره من آلهتهم أمر إباحة وما ذكر اسم الله عليه فهو المذكى لإمامات حتف أنفه.
وقال الزمخشري: {فكلوا} متسبب عن إنكار اتباع المضلين وعلق أكل ما سمي الله على ذكاته بالإيمان كما تقول: أطعني إن كنت ابني أي أنتم مؤمنون فلا تخالفوا أمر الله وهو حث على أكل ما أحل وترك ما حرم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ} أمرٌ مترتبٌ على النهي عن اتباع المُضلّين الذين من جملة إضلالِهم تحليلُ الحرامِ وتحريمُ الحلالِ، وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين: إنكم تعبدون الله فما قتله الله أحقُّ أن تأكُلوه مما قتلتم أنتم فقيل للمسلمين: كلوا ممّا ذُكر اسمُه تعالى خاصة على ذبحه لا مما ذكر عليه اسمُ غيرِه فقط أو مع اسمه تعالى أو مات حتفَ أنفِه {إِن كُنتُم بآياته} التي من جملتها الآياتُ الواردةُ في هذا الشأن {مُّؤْمِنِينَ} فإن الإيمانَ بها يقتضي استباحةَ ما أحله الله والاجتنابِ عما حرمه، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ لدلالة ما قبله عليه. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ} أمر مترتب على النهي عن اتباع المضلين الذين من جملة إضلالهم تحليل الحرام وتحريم الحلال، فقد ذكر الواحدي أن المشركين قالوا: يا محمد أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قبلها فقال عليه الصلاة والسلام: الله تعالى قتلها قالوا: فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال وما قتل الصقر والكلب حلال وما قتله الله تعالى حرام فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال عكرمة: إن المجوس من أهل فارس لما أنزل الله تعالى تحريم الميتة كتبوا إلى مشركي قريش وكانوا أولياءهم في الجاهلية وكانت بينهم مكاتبة أن محمدًا عليه الصلاة والسلام وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله تعالى ثم يزعمون أن ما ذبحوا فهو حلال وما ذبح الله تعالى فهو حرام فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء فأنزل سبحانه لآية وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أنأكل مما قتلنا ولا نأكل مما يقتل الله تعالى فأنزل الله تعالى الآية، والمعنى على ما ذهب إليه غير واحد: كلوا مما ذكر اسم الله تعالى على ذبحه لا مما ذكر عليه اسم غيره خاصة أو مع اسمه عز اسمه أو مات حتف انفه، والحصر كما قيل مستفاد من عدم اتباع المضلين ومن الشرط ولولا ذلك لكان هذا الكلام متعرضًا لما لا يحتاج إليه ساكتًا عما يحتاج إليه، وادعى بعضهم أن لا حصر واستفادة عدم حل ما مات حتف أنفه من صريح النظم أعنى قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا} إلخ وهو مخالف لما عليه الجمهور.
{إِن كُنتُم بآياته} التي من جملتها الآيات الواردة في هذا الشأن {مُّؤْمِنِينَ} فإن الإيمان بها يقتضي استباحة ما أحل الله تعالى واجتناب ما حرم، وقيل: المعنى إن صرتم عالمين حقائق الأمور التي هذا الأمر من جملتها بسبب إيمانكم، وقيل: المراد إن كنتم متصفين بالإيمان وعلى يقين منه فإن التصديق يختلف ظنًا وتقليدًا وتحقيقًا، والجار والمجرور متعلق بما بعده وقدم رعاية للفواصل؛ وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} هذا تخلّص من محاجّة المشركين وبيان ضلالهم، المذيَّل بقوله: {إنّ ربّك هو أعلم من يضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} [الأنعام: 117].
انتقل الكلام من ذلك إلى تبيين شرائع هدى للمهتدين، وإبطاللِ شرائع شَرَعها المضلّون، تبيينا يزيل التّشابه والاختلاط.
ولذلك خللت الأحكام المشروعة للمسلمين، بأضدادها الّتي كان شرعها المشركون وسلَفُهم.
وما تُشعر به الفاء من التفريع يقضي باتّصال هذه الجملة بالَّتي قبلها، ووجه ذلك: أنّ قوله تعالى: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل الله} [الأنعام: 116] تضمّن إبطال ما ألقاه المشركون من الشّبهة على المسلمين: في تحريم الميتة، إذ قالوا للنّبيء صلى الله عليه وسلم: «تزعم أن ما قتلتَ أنت وأصحابك وما قتل الكلب والصّقر حلال أكلُه، وأنّ ما قتل اللَّهُ حرام» وأنّ ذلك ممّا شمله قوله تعالى: {وإن هم إلاّ يَخْرصون} [الأنعام: 116]، فلمّا نهى الله عن اتِّباعهم، وسمّى شرائعهم خرصًا، فرّع عليه هنا الأمر بأكل ما ذكر اسم الله عليه، أي عند قتله، أي ما نُحر أو ذُبح وذُكر اسم الله عليه، والنّهيَ عن أكل ما لم يُذكر اسم الله عليه، ومنه الميتة، فإنّ الميتة لا يذكر اسم الله عليها، ولذلك عقبت هذه الآية بآية: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائِهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنَّكم لمشركون} [الأنعام: 121].
فتبيّن أنّ الفاء للتّفريع على معلوم من المراد من الآية السّابقة.
والأمر في قوله: {فكلوا} للإباحة.
ولمّا لم يكن يخطر ببال أحد أنّ ما ذُكر اسم الله عليه يحرم أكلُه، لأنّ هذا لم يكن معروفًا عند المسلمين، ولا عند المشركين، علم أنّ المقصود من الإباحة ليس رفع الحرج، ولكن بيان ما هو المباح، وتمييزه عن ضدّه من الميتة وما ذبح على النُّصُّب.
والخطاب للمسلمين.
وقوله: {مما ذكر اسم الله عليه} دلّ على أنّ الموصول صادق على الذّبيحة، لأنّ العرب كانوا يذكرون عند الذّبح أو النّحر اسم المقصود بتلك الذكاة، يجهرون بذكر اسمه، ولذلك قيل فيه: أُهِلّ به لغير الله، أي أُعلن.
والمعنى كلوا المذكّى ولا تأكلوا الميتة.
فما ذُكر اسم الله عليه كناية عن المذبوح لأنّ التّسمية إنَّما تكون عند الذّبح.
وتعليق فعل الإباحة بما ذكر اسم الله عليه؛ أفهم أنّ غير ما ذكر اسم الله عليه لا يأكله المسلمون، وهذا الغير يساوي معناه معنى ما ذكر اسمُ غير الله عليه، لأنّ عادتهم أن لا يذبحوا ذبيحة إلاّ ذكروا عليها اسم الله، إن كانت هديا في الحجّ، أو ذبيحة للكعبة، وإن كانت قربانًا للأصنام أو للجنّ ذكروا عليها اسم المتقرّب إليه.
فصار قوله: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} مفيدًا النّهي عن أكل ما ذُكر اسم غير الله عليه، والنّهي عمّا لم يذكر عليه اسم الله ولا اسم غير الله، لأنّ ترك ذكر اسم الله بينهم لا يكون إلاّ لقصد تجنّب ذكره.
وعلم من ذلك أيضًا النّهي عن أكل الميتة ونحوها، ممّا لم تقصد ذكاته، لأنّ ذكر اسم الله أو اسم غيره إنَّما يكون عند إرادة ذبح الحيوان.
كما هو معروف لديهم، فدلت هذه الجملة على تعيين أكل ما ذكّي دون الميتة، بناء على عرف المسلمين لأنّ النّهي موجّه إليهم.
وممّا يؤيّد ذلك: ما في الكشاف، أنّ الفقهاء تأوّلوا قوله الآتي: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه} بأنَّه أراد به الميتة، وبناء على فهم أن يَكون قد ذُكر اسم الله عليه عند ذكاته دون ما ذكر عليه اسم غير الله، أخذا من مقام الإباحة والاقتصارِ فيه على هذا دون غيره، وليس في الآية صيغة قصر، ولا مفهوم مخالفة، ولكن بعضها من دلالة صريح اللّفظ، وبعضها من سياقه، وهذه الدّلالة الأخيرة من مستتبعات التّراكيب المستفادة بالعقل الّتي لا توصف بحقيقة ولا مجاز.
وبهذا يُعلم أن لا علاقة للآية بحكم نسيان التّسمية عند الذّبح، فإنّ تلك مسألة أخرى لها أدلَّتها وليس من شأن التّشريع القرآني التعرّض للأحوال النّادرة.
وعلى للاستعلاء المجازي، تدلّ على شدّة اتَّصال فعل الذّكر بذات الذّبيحة، بمعنى أن يذكر اسم الله عليها عند مباشرة الذّبح لا قبله أو بعده.
وقوله: {إن كنتم بآياته مؤمنين} تقييد للاقتصار المفهوم: من فعل الإباحة، وتعليقِ المجرور به، وهو تحريض على التزام ذلك، وعدم التّساهل فيه، حتّى جعل من علامات كون فاعله مؤمنًا، وذلك حيث كان شعارُ أهل الشّرك ذكرَ اسم غير الله على معظم الذّبائح.
فأمّا ترك التّسمية: فإن كان لقصد تجنّب ذكر اسم الله فهو مساو لذكر اسم غير الله، وإن كان لسهو فحكمه يُعرف من أدلّة غير هذه الآية، منها قوله تعالى: {ربَّنا لا تؤاخذنا إن نسينا} [البقرة: 286] وأدلّة أخرى من كلام النّبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)}
هذا في حكم التفسير مختص بالذبيحة، وفي معنى الإشارة منع الأكل على الغفلة، فإِن من أكل على الغفلة فما دامت تلك القوةُ باقيةً فيه فخواطره إما هواجس النَّفْس أو وساوس الشيطان. اهـ.