فصل: قال ابن زنجلة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن زنجلة:

سورة فاتحة الكتاب:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
رب يسر:
1- الفاتحة:
{مالك يوم الدين 4}.
قرأ عاصم والكسائي {مالك يوم الدين} بألف وقرأ الباقون بغير ألف وحجتهم الملك القدوس وملك الناس فتعالى الله الملك الحق وكان أبو عمرو يقول أولا تقولون فتعالى الله المالك الحق وحجة أخرى ذكرها أبو عبيد وهي أن كل ملك فهو مالك وليس كل مالك ملكا لأن الرجل قد يملك الدار والثوب وغير ذلك فلا يسمى ملكا وهو مالك وكان أبو عمرو يقول ملك تجمع مالكا ومالك لا يجمع ملكا.
وحجة أخرى وهي أن وصفه بالملك أبلغ في المدح من وصفه بالملك وبه وصف نفسه فقال لمن الملك اليوم فامتدح بملك ذلك وانفراده به يومئذ فمدحه بما امتدح به أحق وأولى من غيره والملك إنما هو من ملك لا من مالك لأنه لو كان من مالك لقيل لمن الملك بكسر الميم والمصدر من الملك الملك يقال هذا ملك عظيم الملك والاسم من المالك الملك يقال هذا مالك صحيح الملك بكسر الميم.
وحجة من قرأ مالك هي أن مالكا يحوي الملك ويشتمل عليه ويصير الملك مملوكا لقوله جل وعز قل اللهم مالك الملك فقد جعل الملك للمالك فصار مالك أمدح وإن كان يشتمل على ما يشتمل عليه الملك وعلى ملكه سوى ما يتلوه من زيادة الألف التي هي حسنة قد ضمن عنها عشر حسنات والدليل على هذا أن شاعرا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو امرأته فقال:
يا مالك الملك وديان العرب

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مه ذلك الله وحجة أخرى وهي قوله يوم لا تملك نفس لنفس شيئا فقد أخبر أنه وإذا كان يملك فهو مالك وحجة أخرى ذكرها الأخفش وهي أن مالكا يضاف في اللفظ إلى سائر المخلوقات فيقال هو مالك الناس والجن والحيوان ومالك الرياح ومالك الطير وسائر الأشياء ولا يقال هو ملك الريح والحيوان فلما كان ذلك كذلك كان الوصف بالملك أعم من الوصف بالملك لأنه يملك جميع ما ذكرنا وتحيط به قدرته ويحكم يوم الدين بين خلقه دون سائر خلقه قال علماؤنا إنما يكون الملك أبلغ في المدح من مالك في صفة المخلوقين لأن أحدهم يملك شيئا دون شيء والله يملك كل شيء.
{اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} [5 و6].
قرأ ابن كثير في رواية القواس السراط وسراط بالسين وحجته هي أن السين الأصل ولا ينتقل عن الأصل إلى ما ليس بأصل وروي أن ابن عباس كان يقرؤها بالسين وقرأ حمزة بإشمام الزاي وروي عنه بالزاي وهي لغة للعرب.
وقرأ الباقون بالصاد وحجتهم أنها كتبت في جميع المصاحف بالصاد قال الكسائي هما لغتان.
{صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قرأ حمزة عليهم وإليهم ولديهم بضم الهاء قرأ ابن كثير ونافع في رواية القاضي عن قالون عنه عليهمو وإليهمو بكسر الهاء وضم الميم ويصلون بواو في اللفظ.
وقرأ الباقون بكسر الهاء وسكون الميم.
واعلم أن الأصل في عليهم عليهم بضم الهاء والميم والواو التي بعد الميم والدليل على ذلك أن هذه الهاء للمذكر تضم وتشبع ضمتها فيتولد منها الواو نحو ضربته وإذا فتحت كانت للمؤنث نحو رأيتها وهذه أيضا وإن فتحت فأصلها الضم بدلالة قولك للاثنين رأيتهما وللجماعة رأيتهن وعلامة الجمع في المذكر إلى هذه الهاء هي الميم المضمومة التي بعدها واو كما هي في قولكم ضربتكم وأصله ضربتكمو يتبين لك ذلك إذا اتصل به مضمر آخر ترد معه الواو نحو ضربتكموه ولا تقول ضربتكمه ومنه قول الله عز وجل أنلزمكموها فهذا مما يبين لك أن الأصل عليهمو بضمتين وواو.
وحجة من قرأ عليهم بضم الهاء وسكون الميم أن أصلها الضم فأجري على أصل حركتها وطلب الخفة بحذف الواو والضمة فأتى بأصل هو ضم الهاء وترك أصلا هو إثبات الواو وضم الميم وأما من قرأ عليهم فإنه استثقل ضمة الهاء بعد الياء فكسر الهاء لتكون الهاء محمولة على الياء التي قبلها والميم مضمومة للواو التي بعدها فحمل كل حرف على ما يليه وهو أقرب إليه.
وحجة الباقين أن الهاء إذا وقعت بعد ياء أو كسرة كسرت نحو به وإليه وعليه وإنما اختير الكسر على الضم الذي هو الأصل لاستثقال الضمة بعد الكسرة ألا ترى أنه قد رفض في أصل البناء فلم يجئ بناء على فعل مضمومة العين بعد كسر الفاء وأما حذف الواو فلأن الميم استغني بها عن الواو والواو أيضا تثقل على ألسنتهم فإذا لقيت الميم ألف ولام فإنهم مختلفون مثل عليهم الذلة وبهم الأسباب فقرأ أبو عمرو بكسر الهاء والميم وقرأ حمزة والكسائي بضمهما وقرأ الباقون بكسر الهاء وضم الميم وإنما كسروا الهاء لمجاورة الياء والكسرة وإنما رفعوا الميم لأنهم لما احتاجوا إلى تحريكها من أجل الساكن الذي لقيته رد عليها الحركة التي كانت لها في الأصل وهي الضم لأن أصل الميم الضم وقد بينا فيما تقدم.
وأما أبو عمرو فإنه لما غير الهاء عن أصلها كراهية الثقل فعل ذلك في الميم حين أراد تحريكها للساكن بعدها فأتبع الميم كسر ما قبلها كراهية أن يخرج من كسر إلى ضم فأتبع الكسر الكسر ليؤلف بين الحركات عند حاجته إلى تحريك الميم.
وحجة من ضم الهاء والميم هي أن الميم لما احتيج إلى تحريكها من أجل الساكن رد عليها الحركة التي كانت في الأصل وهي الضم فلما انضمت الميم غلبت على الهاء وأخرجتها في حيز ما قبلها من الكسر فرجعت الهاء إلى أصلها. اهـ.

.فصل في متشابهات السورة الكريمة:

.قال ابن جماعة:

سورة الفاتحة:
{بسم الله الرحمن الرحيم}.
9- مسألة:
إذا كان المراد بالبسملة الاستعانة به تعالى، فما فائدة إقحام الاسم بين الباء وبين لفظة الجلالة مع أن الاستعانة به لا بنفس الاسم؟
جوابه:
أن القصد به التعظيم والإجلال لذاته تعالى، ومنه: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و: {تبارك اسم ربك}.
2- مسألة:
لم اختصت البسملة بهذه الأسماء الثلاثة؟
أما الأول: فلأنه اسم المعبود المستحق للعبادة دون غيره، والموجد لعباده. والثاني والثالث: تنبيه على المقتضى لسؤال الاستعانة به، وهو سعة رحمته لعباده.
3- مسألة: فما فائدة إعادتها ثانيا بعد الحمد؟
جوابه:
التنبيه على الصفات المقتضية لحمده وشكره وهي: سعة رحمته تعالى لعباده، ولطفه، ورزقه، وأنواع نعمه.
فالأول: توكيد الاستعانة، والثاني: توكيد الشكر.
وهذه الآية جمعت ما لم يجتمع في آية غيرها، وهو: أنها آية مستقلة في الفاتحة عند من قال به.
وهي بعض آية في النمل.
وربعها الأول بعض آية في: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}.
ونصفها الأول بعض آية في هود: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا}. وربعها الثاني بعض آية في الرحمن: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ} ونصفها الثاني آية في الفاتحة، وبعض آية في سورة البقرة هو: {الرحمن الرحيم}.
5- مسألة:
{الرحمن الرحيم}.
ذكر المفسرون في إيراد الاسمين مع اتحاد المعنى فيهما معاني كثيرة مذكورة في كتب التفسير لم نطل بها هنا.
وأحسن ما يقال مما لم أقف عليه في تفسير: أن فعلان صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمه، والامتلاء منه، ولا يلزم منه الدوام لذلك، كغضبان، وسكران، ونومان. وصيغة فعيل لدوام الصفة، ككريم، وظريف.
فكأنه قيل: العظيم الرحمة، الدائمها.
ولذلك: لما تفرد الرب سبحانه بعظم رحمته لم يسم بالرحمن وبالألف واللام غيره.
ما فائدة تقديم الرحمن على الرحيم؟
جوابه:
لما كانت رحمته في الدنيا عامة للمؤمنين والكافرين: قدم {الرحمن}.
وفي الآخرة دائمة لأهل الجنة لا تنقطع قيل: {الرحيم} ثانيا. ولذلك يقال: رحمن الدنيا، ورحيم الآخرة.
6- مسألة:
ما فائدة العدول من الغيبة إلى الخطاب في قوله تعالى: {وإياك نعبد}؟
جوابه: أن الخطاب للحاضر، والاستعانة به أقرب إلى حصول المطلوب من خطاب الغائب والله أعلم.
7- مسألة:
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؟
جوابه:
كررت إياك المفيدة للحصر إذا تقدمت: للتصريح بتوكيد حصر الإخلاص في العبادة له، وحصر الاستعانة أيضا به تعالى.
8- مسألة:
كرر لفظ: {الصراط} ثانيا؟
جوابه:
لبيان وصف سالكيه المنعم عليهم.
فالأول: وصفه بالاستقامة.
والثاني: بوصف سالكيه من السفرة والصديقين.
ولما كان الطريق تقتضي الرفيق نبه تعالى عليه بقوله تعالى: {وحسن أولئك رفيقا}.
9- مسألة:
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} جوابه:
تصريح بإضافة النعم إليه دون الغضب، فلذلك لم يقل: غير الذين غضبت عليهم كما قال أنعمت عليهم، وهو من باب الأدب من السائل في حال السؤال ومنه: ببيدك الخير ولم يقل والشر، ونبه على ضده بقوله: إنك على كل شيء قدير. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

وأَمَّا المتشابهات فقوله: {الرحمن الرَّحيم ملك} فيمن جعل البسملة منها، وفى تكراره أَقوال.
قيل: كرّر للتَّأْكيد. وقيل: كُرِّر للتَّأْكيد. وقيل: كُرِّر لأَن المعنى: وجب الحمد لله لأَنه الرَّحمن الرَّحيم.
وقيل: إِنما كُرِّر لأَن الرحمة هي الإِنعام على المحتاج وذكر في الآية الأَولى المنعِم ولم يذكر المنعَم عليهم، فأَعادها مع ذكرهم، وقال: ربِّ العالمين، الرحمن بهم أَجمعين الرحيم بالمؤمنين خاصَّة يوم الدين، ينعم عليهم ويغفر لهم، وقيل: لمَّا أَراد ذكر يوم الدين لأَنه مِلكة ومالكه، وفيه يقع الجزاءُ، والعقاب، والثواب وفى ذكره يحصل للمؤمنين ما لا مزيد عليه: من ارعب والخشية، والخوف، والهيبة.
قدَّم عليه ذكر الرَّحمن الرحيم تطمينًا له، وتأْمينًا، وتطييبًا لقلبه، وتسكينًا، وإِشعارًا بأَن الرَّحمة سابقة غالبة، فلا ييأَس ولا يأْسى فإِن ذلك اليوم- وإِن كان عظيمًا عسيرا- فإِنما عُسْره وشِدّته على الكافرين؛ وأَمَّا المؤمن فبَيْن صفتى الرَّحمن الرَّحيم من الآمنين.
ومنها قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} كرّر: {إِيَّاكَ} ولم يقتصر على ذكره مرّة كما اقتصر على ذكر أَحد المفعولين في: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} وفى آيات كثيرة؛ لأَن في التقديم فائدة وهى قطع الاشتراك، ولو حُذف لم يدلّ على التقدّم؛ لأَنك لو قلت: إِيَاك نعبد ونستعين لم يظهر أَن التّقدير: {إياك نعبد وإياك نستعين}.
وكرّر: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} لأَنّه يقرب ممَّا ذكرنا في: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.
وذلك بأن الصّراط هو المكان المهيَّأ للسّلوك، فذَكر في الأَوّل المكان ولم يَذكر السّالكين، فأَعاده مع ذكرهم، فقال: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وهم النبيّون والمؤمنون.
ولهذا كرّر أَيضًا في قوله: {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} لأَنّه ذكر المكان المهيّأ وقوله: {عَلَيْهِم} ليس بتكرار لأَنّ كلّ واحد منهما متَّصل بفعل غير الآخر، وهو الإِنعام والغضب، وكلّ واحد منهما يقتضيه، وما كان هذا سبيليه فليس بتكرار، ولا من المتشابِه. والله أعلم. اهـ.

.قال الكرماني:

سورة الفاتحة:
1- أول المتشابهات قوله: {الرحمن الرحيم مالك} فيمن جعل {بسم الله الرحمن الرحيم} آية من الفاتحة وفي تكراره قولان قال علي بن عيسى إنما كرر للتوكيد وأنشد قول الشاعر:
هلا سألت جموع كندة ** يوم ولوا أين أينا

وقال قاسم بن حبيب إنما كرر لأن المعنى وجب الحمد لله لأنه الرحمن الرحيم قلت إنما كرر لأن الرحمة هي الإنعام على المحتاج وذكر في الآية الأولى المنعم ولم يذكر المنعم عليهم فأعادها مع ذكرهم وقال رب العاملين الرحمن لهم جميعا ينعم عليهم ويرزقهم الرحيم بالمؤمنين خاصة يوم الدين ينعم عليهم ويغفر لهم.
2- قوله تعالى {إياك نعبد وإياك نستعين} كرر إياك وقدمه ولم يقتصر على ذكره مرة كما اقتصر على ذكر أحد المفعولين في آيات كثيرة منها ما ودعك ربك وما قلى أي ما قلاك وكذلك الآيات التي بعدها معناها فآواك فهداك فأغناك لأن في التقديم فائدة وهي قطع الاشتراك ولو حذف لم يدل على التقديم لأنك لو قلت إياك نعبد ونستعين لم يظهر أن التقدير {إياك نعبد وإياك نستعين} أم إياك نعبد ونستعينك فكرر.
3- قوله تعالى {صراط الذين أنعمت عليهم} كرر الصراط لعلة تقرب مما ذكرت في الرحمن الرحيم وذلك أن الصراط هو المكان المهيأ للسلوك فذكر في الأول المكان ولم يذكر السالكين فأعاده مع ذكرهم فقال {صراط الذين أنعمت عليهم} أي الذي يسلكه النبيون والمؤمنون ولهذا كرر أيضا في قوله إلى صراط مستقيم صراط الله لأنه ذكر المكان المهيأ ولم يذكر المهيئ فأعاده مع ذكره فقال صراط الله أي الذي هيأه للسالكين.
4- قوله عليهم ليس بتكرار لأن كل واحد منهما متصل بفعل غير الآخر وهو الإنعام والغضب وكل واحد منهما يقتضيه اللفظ وما كان هذا سبيله فليس بتكرار ولا من المتشابه. اهـ.