فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} ظَاهِرُهُ أَمْرٌ وَمَعْنَاهُ الْإِبَاحَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} هَذَا إذَا أَرَادَ بِأَكْلِهِ التَّلَذُّذَ فَهُوَ إبَاحَةٌ وَيَحْتَمِلُ التَّرْغِيبَ فِي اعْتِقَادِ صِحَّةِ الْإِذْنِ فِي أَكْلِهِ لِلِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَكُونُ آكِلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ مَأْجُورًا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولَ: {إنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} يَدُلُّ عَلَى حَظْرِ أَكْلِ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِاقْتِضَائِهِ مُخَالَفَةَ الْمُشْرِكِينَ فِي أَكْلِ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقوله: {مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} عُمُومٌ فِي سَائِرِ الْأَذْكَارِ، وَيُحْتَجُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ ذَبْحِ الْغَاصِبِ لِلشَّاةِ الْمَغْصُوبَةِ وَفِي الذَّبْحِ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبَةٍ أَنَّ الْمَالِكَ لِلشَّاةِ لَهُ أَكْلُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} إذْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} في هذه الفَاءِ وجهان:
أحدهما: أنَّها جواب شَرْط مُقدَّر.
قال الزَّمخْشَريُّ بعد كلام: فقيل للمُسْلِمِين: إن كُنْتم مُتَحَقِّقِين بالإيمان، فكُلوا وذلك أنَّهم كانوا يَقُلون للمُسْلِمين: إنَّكم تَزْعُمون أنَّكم تَعْبُدُون اللَّه، فما قتله الله أحَقُّ أن تَأكُلُوا ممَّا قَتَلْتُمُوه أنْتُم، وقال الله تعالى للمسلمين: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ}.
والثاني: أنها عَاطِفَة على مَحْذُوف.
قال الواحدي: ودخَلَت الفاءُ للعطْف على ما دلَّ عليه أوَّل الكلام، كأنه قِيل: كونوا على الهُدَى، فكُلُوا.
والظَّاهر: أنَّها عَاطِفة على ما تقدَّم من مَضْمُون الجُمَل المُتقدّمَة كأنه قيل: اتَّبِعُوا ما أمركُم اللَّه تعالى من أكْلِ المُذَكَّى دون الميتة، فكُلُوا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (119):

قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{وما لكم} أي أيّ شيء يكون لكم في {ألا تأكلوا مما ذكر} أي يقبل أن يذكر {اسم الله} أي الذي له كل شيء {عليه} فإن التسمية قائمة مقام إذنه {وقد} أي والحال أنه قد {فصل لكم} أي من قبل ذلك والخلق خلقه والأمر أمره {ما حرم عليكم} أي مما لم يحرم تفصيلًا واضح البيان ظاهر البرهان {إلا ما اضطررتم إليه} أي فإن الضرورة تزيل التفصيل عنه برده إلى ما كان عليه قبل التفصيل؛ فيصير الكل حلالًا لا تفصيل فيه، والمراد في هذه الآية مختلف باختلاف المخاطبين، فأما من خوطب بها وقت الإنزال فالمراد بالتفصيل الذي آتاه الآية الآتية أخير هذه فإنها نزلت جملة، وكذا كل ما شاكلها مما أنزل بمكة قبل هذه السورة، وكذا ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في وحي متلو إذ ذاك، ولعله نسخت تلاوته وبقي حكمه، أو وحي غير متلو من جميع الأحاديث التي تقدمت على هذه السورة، وأما من خوطب بها بعد ترتيبه على هذا الوجه فالمراد في حقه كما في البقرة والمائدة وغيرهما من السور الماضية- من الحلال والحرام.
ولما كان التقدير: من عمل بهذه الأوامر اهتدى بما نال من العلم وهم قليل، عطف عليه قوله: {وإن كثيرًا} أي من الناس {ليضلون} أي يقع منهم الضلال فيوقعون غيرهم فيه بنكوبهم عما دعت إليه أوامر الله وهدى إليه بيانه، فيكونون بمعرض العطب {بأهوائهم} أي بسبب اتباعهم للهوى؛ ولما كان الهوى- وهو ميل النفس- ربما كان موافقًا لما أدى إليه العم بصحيح الفكر وصريح العقل قال: {بغير علم} أي دعا إلى ذلك ممن له العلم من شريعة ماضية ممن له الأمر.
ولما كانوا ينكرون هذا، أثبت لنفسه الشريفة ما هو مسلم عند كل أحد وقال دليلًا على صحة ما أخبر به: {إن ربك} أي المحسن إليك بإنزال هذا الكتاب شاهدًا لك بإعجازه بالتصديق {هو} أي وحده {أعلم} وكان الموضع للإضمار فأظهر للتعميم والتنبيه على الوصف الذي أوجب لهم ذلك فقال: {بالمعتدين} أي الذين يتجاوزون الحدود مجتهدين في ذلك. اهـ.

.قال الفخر:

قرأ نافع وحفص عن عاصم {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} بالفتح في الحرفين، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو بالضم في الحرفين، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم {فَصَّلَ} بالفتح {وَحَرَّمَ} بالضم، فمن قرأ بالفتح في الحرفين فقد احتج بوجهين: الأول: أنه تمسك في فتح قوله: {فَصَّلَ} بقوله: {قَدْ فَصَّلْنَا الأيات} [الأنعام: 97، 98، 126] وفي فتح قوله: {حَرَّمَ} بقوله: {أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} [الأنعام: 151].
والوجه الثاني: التمسك بقوله: {مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} فيجب أن يكون الفعل مسندًا إلى الفاعل لتقدم ذكر اسم الله تعالى، وأما الذين قرؤا بالضم في الحرفين فحجتهم قوله: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم} [المائدة: 3] وقوله: {حرمات} تفصيل لما أجمل في هذه الآية، فلما وجب في التفصيل أن يقال: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة} بفعل ما لم يسم فاعله وجب في الإجمال كذلك وهو قوله: {مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} ولما ثبت وجوب {حَرَّمَ} بضم الحاء فكذلك يجب {فَصَّلَ} بضم الفاء لأن هذا المفصل هو ذلك المحرم المجمل بعينه.
وأيضًا فإنه تعالى قال: {وَهُوَ الذي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الكتاب مُفَصَّلًا} [الأنعام: 114] وقوله: {مُفَصَّلًا} يدل على فصل.
وأما من قرأ {فَصَّلَ} بالفتح وحرم بالضم فحجته في قوله: {فَصَّلَ} قوله: {قَدْ فَصَّلْنَا الأيات} وفي قوله: {حَرَّمَ} قوله: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ}
المعنى: ما المانع لكم من أكل ما سمّيتم عليه ربَّكم وإن قتلتموه بأيديكم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ} إنكار لأن يكون لهم شيء يدعوهم إلى الاجتناب عن أكل ما ذكر اسم الله تعالى عليه، فما للاستفهام الإنكاري وليست نافية كما قيل وهي مبتدأ و{لَكُمْ} الخبر وأن تأكلوا بتقدير حرف الجر أي في أن تأكلوا، والخلاف في محل المنسبك بعد الحذف مشهور.
وجوز أن يكون ذلك حالا، ورد بأن المصدر المؤول من أن والفعل لا يقع حالا كما صرح به سيبويه لأنه معرفة ولأنه مصدر بعلامة حرف الاستقبال المنافية للحالية إلا أن يؤول بنكرة أو يقدر مضاف أي ذوي أن لا تأكلوا ومقعول {تَأْكُلُواْ} كما قال أبو البقاء: محذوف أي شيئًا مما الخ، قيل: وظاهر الآية مشعر بأنه يجوز الأكل مما ذكر اسم الله تعالى عليه وغيره معا وليست من التبعيضية لإخراجه بل لإخراج ما لم يؤكل كالروث والدم وهو خارج بالحصر السابق فلا تغفل، وسبب نزول الآية على ما قاله الإمام أبو منصور أن المسلمين كانوا يتحرجون من أكل الطيبات تقشفًا ونزهدًا فنزلت. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} عطف على قوله: {فكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 118].
والخطاب للمسلمين.
و{مَا} للاستفهام، وهو مستعمل في معنى النّفي: أي لا يَثبت لكم عدم الأكل ممّا ذُكر اسم الله عليه، أي كلوا ممّا ذكر اسم الله عليه.
واللام للاختصاص، وهي ظرف مستقرّ خبر عن (ما)، أي ما استقرّ لكم.
و{أن لا تأكلوا} مجرور بـ (في) محذوفة.
مع (أنْ).
وهي متعلّقة بما في الخبر من معنى الاستقرار، وتقدّم بيان مثل هذا التّركيب عند قوله تعالى: {قالوا وما لَنا أَلاَّ نقاتل في سبيل الله} في سورة البقرة (246).
ولم يفصح أحد من المفسّرين عن وجه عطف هذا على ما قبله، ولا عن الدّاعي إلى هذا الخطاب، سوى ما نقله الخفاجي في حاشية التّفسير عمّن لقَّبه علم الهدى ولعلّه عنى به الشّريف المرتضى: أنّ سبب نزول هذه الآية أنّ المسلمين كانوا يتحرّجون من أكل الطيّبات، تقشّفًا وتزهّدًا. اهـ، ولعلّه يريد تزهّدًا عن أكل اللّحم، فيكون قوله تعالى: {وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه} استطرادًا بمناسبة قوله قبله: {فكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 118]، وهذا يقتضي أنّ الاستفهام مستعمل في اللّوم، ولا أحسب ما قاله هذا الملقّب بعلم الهدى صحيحًا ولا سند له أصلًا.
قال الطّبري: ولا نعلم أحدًا من سلف هذه الأمّة كفّ عن أكل ما أحلّ اللَّه من الذّبائح.
والوجه عندي أنّ سبب نزول هذه الآية ما تقدّم آنفًا من أنّ المشركين قالوا للنّبيء صلى الله عليه وسلم وللمسلمين، لمّا حَرّم الله أكل الميتة: أنأكل ما نَقتل ولا نَأكل ما يقتلُ اللَّهُ يعنون الميتة، فوقع في أنفس بعض المسلمين شيء، فأنزل الله: {وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه} أي فأنبأهم الله بإبطال قياس المشركين المُموّهِ بأنّ الميتة أولى بالأكل ممّا قتله الذّابح بيده، فأبدى الله للنّاس الفرق بين الميتة والمذكّى، بأنّ المذكّى ذُكر اسم الله عليه، والميتة لا يذكر اسم الله عليها، وهو فارق مؤثّر.
وأعرض عن محاجة المشركين لأنّ الخطاب مسوق إلى المسلمين لإبطال محاجّة المشركين فآل إلى الرد على المشركين بطريق التعريض.
وهو من قبيل قوله في الردّ على المشركين، في قولهم: {إنَّما البيعُ مثل الرّبا} [البقرة: 275]، إذ قال: {وأحلّ الله البيع وحرّم الرّبا} [البقرة: 275] كما تقدّم هنالك، فينقلب معنى الاستفهام في قوله: {وما لكم أن لا تأكلوا} إلى معنى: لا يسوِّلْ لكم المشركون أكل الميتة، لأنّكم تأكلون ما ذكر اسم الله عليه، هذا ما قالوه وهو تأويل بعيد عن موقع الآية. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}
أكثر المفسرين قالوا: المراد منه قوله تعالى في أول سورة المائدة: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمُ الخنزير} وفيه إشكال: وهو أن سورة الأنعام مكية وسورة المائدة مدنية، وهي آخر ما أنزل الله بالمدينة.
وقوله: {وَقَدْ فَصَّلَ} يقتضي أن يكون ذلك المفصل مقدمًا على هذا المجمل، والمدني متأخر عن المكي، والمتأخر يمتنع كونه متقدمًا.
بل الأولى أن يقال المراد قوله بعد هذه الآية: {قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِىَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يطعمه} [الأنعام: 145].
وهذه الآية وإن كانت مذكورة بعد هذه الآية بقليل إلا أن هذا القدر من التأخير لا يمنع أن يكون هو المراد والله أعلم.
وقوله: {إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ} أي دعتكم الضرورة إلى أكله بسبب شدة المجاعة. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَقَدْ فَصَّلَ} أي بيّن لكم الحلال من الحرام، وأزيل عنكم اللبس والشك.
فما استفهام يتضمن التقرير.
وتقدير الكلام: وأي شيء لكم في ألا تأكلوا.
فأنْ في موضع خفض بتقدير حرف الجر.
ويصحّ أن تكون في موضع نصب على ألا يقدّر حرف جر، ويكون الناصب معنى الفعل الذي في قوله: {مَا لَكُمْ} تقديره أي ما يمنعكم.
ثم استثنى فقال: {إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ} يريد من جميع ما حرّم كالميتة وغيرها كما تقدّم في البقرة.
وهو استثناء منقطع.
وقرأ نافع ويعقوب {وقد فَصَّل لكم ما حَرّم} بفتح الفعلين.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر وابن كَثير بالضم فيهما، والكوفيون {فَصَّل} بالفتح {حُرِّم} بالضم.
وقرأ عطية العَوْفي {فَصَل} بالتخفيف.
ومعناه أبان وظهر؛ كما قرئ {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود: 1] أي استبانت.
واختار أبو عبيدة قراءة أهل المدينة.
وقيل: {فصل} أي بيّن، وهو ما ذكره في سورة المائدة من قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمُ الخنزير} [المائدة: 3] الآية.
قلت هذا فيه نظر؛ فإن الأنعام مكية والمائدة مدنِية فكيف يحيل بالبيان على ما لم ينزل بعد، إلا أن يكون فصّل بمعنى يفصّل. والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} بقوله تعالى: {قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الآية فبقي ما عدا ذلك على الحل، وقيل بقوله تعالى: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم} [المائدة: 3] واعترضه الإمام بأن سورة المائدة من أواخر ما نزل بالمدينة وهذه مكية كما علمت فلا يتأتى ذلك وأما التأخر في التلاوة فلا يوجب التأخر في النزول فلا يضر تأخر {قُل لا أَجِدُ} إلخ عن هذه الآية في هذه السورة، وقيل: التفصيل بوحي غير متلو، والجملة حالية مؤكدة للإنكار السابق.
قرأ أهل الكوفة غير حفص {فصل... ما حرم} ببناء الأول للفاعل والثاني للمفعول.
وقرأ أهل المدينة وحفص ويعقوب وسهل {فصل} و{حرم} كليهما بالبناء للفاعل.
وقرأهما الباقون بالبناء للمفعول.
{إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ} أي دعتكم الضرورة إلى أكله بسبب شدة المجاعة، وظاهر تقرير الزمخشري كما قال العلامة الثاني يقتضي أن (ما) موصولة فلا يستقيم غير جعل الاستثناء منقطعًا أي لكن الذي اضطررتم إلى أكله مما هو حرام عليكم حلال لكم حال الضرورة، وجوز عليه الرحمة جعله استثناء من ضمير {حرم} و(ما) مصدرية في معنى المدة أي فصل لكم الأشياء التي حرمت عليكم إلا وقت الاضطرار إليها، واعترض بأنه لا يصح حينئذ الاستثناء من الضمير بل هو استثناء مفرغ من الظرف العام المقدر كأنه قيل: حرمت عليكم كل وقت إلا وقت الخ، ومن الناس من أورد هنا شيئًا لا أظنه مما يضطر إليه حيث قال بعد كلام: والمهم في هذا المقام بيان فائدة {إِلاَّ مَا اضطررتم}، وقد أعني عنه قوله سبحانه: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} لأن تفصيل ما حرم يتضمن قوله تعالى: {إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ} وكأن الفائدة فيه والله تعالى أعلم المبالغة في النهي عن الإمتناع عن الأكل بأن ما حرم يصير مما لا يؤكل بخلاف ما حل فإنه لا يصير مما لا يؤكل فكيف يجتنب عما يؤكل فتأمل. اهـ.