فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان التقدير: فإن أطعتموهم تركتم الهدى وتبعتم الهوى، وكان من المعلوم أن الهوى يعود إلى الشرك، عطف على هذا قوله: {وإن أطعتموهم} أي المشركين تدينًا بما يقولونه في ترك الأكل مما ذكر اسم الله عليه والأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، أو في شيء مما جادلوكم فيه {إنكم لمشركون} أي فأنتم وهم في الإشراك سواء كما إذا سميتم غير الله على ذبائحكم على وجه العبادة، لأن من اتبع أمر غير الله فقد اشركه بالله كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه في قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله} [التوبة: 31] من أن عبادتهم لهم تحليلهم ما أحلوا وتحريمهم ما حرموا، فنبه صلى الله عليه وسلم بذلك على أن الأسماء تتبع المعاني؛ قال شيخ الإسلام محيي الدين النووي الشافعي في باب الضحايا من كتاب الروضة: حكي في الشامل وغيره عن نص الشافعي أنه لو كان لأهل الكتاب ذبيحة يذبحونها باسم غير الله كالمسيح لم تحل؛ وفي كتاب القاضي ابن كنج أن اليهودي لو ذبح لموسى والنصراني لعيسى عليهما السلام أو للصليب حرمت ذبيحته، وأن المسلم لو ذبح للكعبة أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فينبغي أن يقال: تحرم، لأنه ذبح لغير الله تعالى، قال: وخرّج أبو الحسن وجهًا آخر أنها تحل لأن المسلم يذبح لله ولا يعتقد في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعتقده النصراني في عيسى عليه السلام.
قال: وإذا ذبح للصنم لم تؤكل ذبيحته سواء كان الذابح مسلمًا أو نصرانيًا، وفي تعليقه للشيخ إبراهيم المروزي أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقربًا إليه أفتى أهل بخارى بتحريمه لأنه مما أهل به لغير الله، واعلم أن الذبح للمعبود باسمه نازل منزلة السجود له.
وكل واحد منهما نوع من أنواع التعظيم، العبادة المخصوصة بالله تعالى الذي هو المستحق للعبادة، فمن ذبح لغيره من حيوان أو جماد كالصنم على وجه التعظيم والعبادة لم تحل ذبيحته، وكان فعله كفرًا كمن سجد لغيره سجدة عبادة، وكذا لو ذبح له ولغيره على هذا الوجه، فأما إذا ذبح لغيره لا على هذا الوجه- بأن ضحى أو ذبح للكعبة تعظيمًا لها لأنها بيت الله تعالى أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يجوز أن يمنع حل الذبيحة، وإلى هذا المعنى يرجع قول القائل: أهديت للحرم أو للكعبة، ومن هذا القبيل الذبح عند استقبال السلطان، فإنه استبشار بقدومه نازل منزلة ذبح العقيقة لولادة المولود، ومثل هذا لا يوجب الكفر، وكذا السجود لغير الله تذللًا وخضوعًا، فعلى هذا إذا قال الذابح: بسم الله واسم محمد، وأراد: أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد، فينبغي أن لا يحرم، وقول من قال: لا يجوز ذلك، يمكن أن يحمل على أن اللفظ مكروه، لأن المكروه يصح نفي الجواز والإباحة المطلقة عنه، وحكى الرافعي أنه وقعت في هذا منازعة بين أهل قزوين أفضت إلى فتنة في أنه تحل ذبيحته وهل يكفر بذلك! قال: والصواب ما بينا؛ قال الشيخ محيي الدين: ومما يؤيد ما قاله- أي الرافعي- ما ذكره الشيخ إبراهيم المروزي في تعليقه: قال: حكى صاحب التقريب عن الشافعي رحمه الله أن النصراني إذا سمى غير الله كالمسيح لم تحل ذبيحته، قال صاحب التقريب: معناه أن يذبحها له.
فأما إن ذكر المسيح على معنى الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجائز، قال: وقال الحليمي: تحل مطلقًا وإن سمى المسيح- والله أعلم، ثم قال في المسائل المنثورة: الثالثة: قال ابن كج: من ذبح شاة وقال: أذبح لرضى فلان، حلت الذبيحة، لأنه لا ينصرف إليه بخلاف من تقرب بالذبح إلى الصنم؛ وقال الروياني: إن من ذبح للجن وقصد به التقرب إلى الله تعالى ليصرف شرهم عنه فهو حلال، وإن قصد الذبح لهم فحرام؛ ومما يوضح لك سر هذا الانتظام ويزيده حسنًا أن هذه الآيات كلها من قوله تعالى: {إن الله فالق الحب والنوى} [الأنعام: 100] إلى آخر السورة تفصيل لقوله تعالى في أول السورة {قل أغير الله أتخذ وليًا فاطر السماوات والأرض} [الأنعام: 14]، فلما ذكر إبداعه السماوات والأرض بقوله: {إن الله فالق الحب والنوى} [الأنعام: 95] ونحوه، وأنكر اتخاذ من دونه بقوله: {وجعلوا لله شركاء الجن} [الأنعام: 100] وما نحا نحوه، قال: {فكلوا} [الأنعام: 118] إشارة إلى {وهو يطعم ولا يطعم} [الأنعام: 14] وقوله: {أو من كان ميتًا فأحييناه} [الأنعام: 122] وقوله: {فمن يرد الله أن يهديه} [الأنعام: 125] ونحوهما إشارة إلى قوله: {قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم} [الأنعام: 14]، وقوله: {ويوم نحشرهم جميعًا} [الأنعام: 22] ونحوه مشير إلى {إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} [الأنعام: 15].
ولما انقضى التفصيل عند قوله: {فسوف يعلمون} شرع في تفصيلها ثانيًا بقوله: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا} [الأنعام: 136] إلى آخرها، والسر في الإعادة أن الشيء إذا أثبت أو نفي، وأقيمت الدلائل على إثبات ما ثبت منه ونفي ما نفي، ثم أعيد ذلك في أسلوب آخر، كان أثبت في النفس وألصق بالقلب، لاسيما إن كان في الأسلوب الثاني- كما هي عادة القرآن- زيادة في البيان وتنبيه على ما لم يتقدم أولًا، ولاسيما إن كانت العبارة فائقة والألفاظ عذبة رائقة وأنت خبير بأن هذا كله دأب القرآن في أساليب الافتنان؛ قال الغزالي في أوائل كتاب الجواهر في الفصل الذي فيه اشتمال الفاتحة على ثمانية أقسام: وقوله ثانيًا {الرحمن الرحيم} إشارة إلى الصفة مرة أخرى، ولا تظن أنه مكرر، فلا مكرر في القرآن، إذ حد المكرر ما لا ينطوي على مزيد فائدة، وذكر الرحمة بعد ذكر {العالمين}، وقبل ذكر {العالمين}، وقبل ذكر {مالك يوم الدين} ينطوي على فائدتين عظيمتين في تفصيل مجاري الرحمة ثم ذكر ما حاصله أن إحداهما ملتفت إلى خلق كل عالم من العالمين على أكمل أنواعه وأفضلها وإيتائه كل ما احتاج إليه، والثانية ملتفت إلى ما بعده بالإشارة إلى الرحمة في المعاد يوم الجزاء عند الإنعام بالملك المؤبد، قال: وشرح ذلك يطول والمقصود أنه لا مكرر في القرآن، وإن رأيت شيئًا مكررًا من حيث الظاهر فانظر إلى سوابقه ولواحقه لينكشف لك مزيد الفائدة في إعادته- انتهى.
وفي ذلك نكتة أخرى، وهي أن الرحمن مشير إلى ما قال من جهة الربوبية في الإيجادين: الأول والثاني، والرحيم مشير بخصوصه بما ترضاه الإلهية إلى الإيجاد الثاني والإبقاء الثاني بالرحمة الجزائية وإلى ما يفهمه الخصوص من النعمة بمن لم يخصه الرحمة- كما مضت الإشارة إليه في الفاتحة. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما بين أنه يحل أكل ما ذبح على اسم الله، ذكر بعده تحريم ما لم يذكر عليه اسم الله، ويدخل فيه الميتة، ويدخل فيه ما ذبح على ذكر الأصنام، والمقصود منه إبطال ما ذكره المشركون. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

نقل عن عطاء أنه قال: كل ما لم يذكر عليه اسم الله من طعام أو شراب، فهو حرام، تمسكًا بعموم هذه الآية.
وأما سائر الفقهاء فإنهم أجمعوا على تخصيص هذا العموم بالذبح، ثم اختلفوا فقال مالك: كل ذبح لم يذكر عليه اسم الله فهو حرام، سواء ترك ذلك الذكر عمدًا أو نسيانًا.
وهو قول ابن سيرين وطائفة من المتكلمين.
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إن ترك الذكر عمدًا حرم، وإن ترك نسيانًا حل.
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: يحل متروك التسمية سواء ترك عمدًا أو خطأ إذا كان الذابح أهلًا للذبح، وقد ذكرنا هذه المسألة على الاستقصاء في تفسير قوله: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فلا فائدة في الإعادة، قال الشافعي رحمه الله تعالى: هذا النهي مخصوص بما إذا ذبح على اسم النصب، ويدل عليه وجوه: أحدها: قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} وأجمع المسلمون على أنه لا يفسق أكل ذبيحة المسلم الذي ترك التسمية.
وثانيها: قوله تعالى: {وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَائِهِمْ ليجادلوكم} وهذه المناظرة إنما كانت في مسألة الميتة، روي أن ناسًا من المشركين قالوا للمسلمين: ما يقتله الصقر والكلب تأكلونه، وما يقتله الله فلا تأكلونه.
وعن ابن عباس أنهم قالوا: تأكلون ما تقتلونه ولا تأكلون ما يقتله الله، فهذه المناظرة مخصوصة بأكل الميتة، وثالثها: قوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} وهذا مخصوص بما ذبح على اسم النصب، يعني لو رضيتم بهذه الذبيحة التي ذبحت على اسم إلهية الأوثان، فقد رضيتم بإلهيتها وذلك يوجب الشرك.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فأول الآية وإن كان عامًا بحسب الصيغة، إلا أن آخرها لما حصلت فيه هذه القيود الثلاثة علمنا أن المراد من ذلك العموم هو هذا الخصوص، ومما يؤكد هذا المعنى هو أنه تعالى قال: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} فقد صار هذا النهي مخصوصًا بما إذا كان هذا الأمر فسقًا، ثم طلبنا في كتاب الله تعالى أنه متى يصير فسقًا؟ فرأينا هذا الفسق مفسرًا في آية أخرى، وهو قوله: {قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِىَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لغير الله به} [الأنعام: 145] فصار الفسق في هذه الآية مفسرًا بما أهل به لغير الله، وإذا كان كذلك كان قوله: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} مخصوصًا بما أهل به لغير الله.
والمقام الثاني: أن نترك التمسك بهذه المخصصات، لكن نقول لم قلتم إنه لم يوجد ذكر الله ههنا؟ والدليل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ذكر الله مع المسلم سواء قال أو لم يقل»، ويحمل هذا الذكر على ذكر القلب.
والمقام الثالث: وهو أن نقول: هب أن هذا الدليل يوجب الحرمة إلا أن سائر الدلائل المذكورة في هذه المسألة توجب الحل، ومتى تعارضت وجب أن يكون الراجح هو الحل، لأن الأصل في المأكولات الحل، وأيضًا يدل عليه جميع العمومات المقتضية لحل الأكل والانتفاع كقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَّا في الأرض جَمِيعًا} [البقرة: 29] وقوله: {كُلُواْ واشربوا} [البقرة: 60] لأنه مستطاب بحسب الحس فوجب أن يحل لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات} [المائدة: 4] ولأنه مال لأن الطبع يميل إليه، فوجب أن لا يحرم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال، فهذا تقرير الكلام في هذه المسألة ومع ذلك فنقول: الأولى بالمسلم أن يحترز عنه لأن ظاهر هذا النص قوي.
فائدة:
الضمير في قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} إلى ماذا يعود؟ فيه قولان: الأول: أن قوله: {لاَ تَأْكُلُواْ} يدل على الأكل، لأن الفعل يدل على المصدر، فهذا الضمير عائد إلى هذا المصدر.
والثاني: كأنه جعل ما لم يذكر اسم الله عليه في نفسه فسقًا، على سبيل المبالغة. اهـ. بتصرف يسير.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ} يعني: ما لم يُذَك ولم يذبح أو ذبح بغير اسم الله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} يعني: أكله معصية واستحلاله كفر. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}
سبب نزولها: مجادلة المشركين للمؤمنين في قولهم: أتأكلون مما قتلتم، ولا تأكلون ما قتل الله! على ما ذكرنا في سبب قوله تعالى: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 118] هذا قول ابن عباس.
وقال عكرمة: كتبت فارس إلى قريش: إن محمدًا وأصحابه لا يأكلون ما ذبحه الله، ويأكلون ما ذبحوا لأنفسهم؛ فكتب المشركون إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فوقع في أنفس ناسٍ من المسلمين من ذلك شيء، فنزلت هذه الآية.
وفي المراد بما لم يذكر اسم الله عليه أربعة أقوال:
أحدها: أنه الميتة، رواه ابن جبير عن ابن عباس.
والثاني: أنه الميتة والمنخنقة، إلى قوله: {وما ذبح على النصب} [المائدة: 3] روي عن ابن عباس.
والثالث: أنها ذبائح كانت العرب تذبحها لأوثانها، قاله عطاء.
والرابع: أنه عام فيما لم يسمَّ الله عند ذبحه، وإلى هذا المعنى ذهب عبد الله ابن يزيد الخطمي، ومحمد بن سيرين.
فصل:
فان تعمَّد ترك التسمية، فهل يباح؟ فيه عن أحمد روايتان.
وإن تركها ناسيًا أُبيحت.
وقال الشافعي: لا يحرم في الحالين جميعًا.
وقال شيخنا علي بن عبيد الله: فإذا قلنا: إن ترك التسمية عمدًا يمنع الإباحة، فقد نُسخ من هذه الآية ذبائح أهل الكتاب بقوله: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} [المائدة: 5] وعلى قول الشافعي: الآية محكمة.
قوله تعالى: {وإنه لفسق} يعني: وإنَّ أكلَ ما لم يُذكر عليه اسم الله لفسق، أي: خروج عن الحق والدين. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق}
قال السخاوي قال مكحول: وروي عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت مثل ذلك وأجاز ذبائح أهل الكتاب وإن لم يذكر اسم الله عليها، وذهب جماعة إلى أن الآية محكمة ولا يجوز لنا أن نأكل من ذبائحهم إلا ما ذكر عليه اسم الله، وروي ذلك عن علي وعائشة وابن عمر؛ انتهى.
ولا يسمى هذا نسخًا بل هو تخصيص ولما أمر بأكل ما سمي الله عليه وكان مفهومه أنه لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه أكد هذا المفهوم بالنص عليه، والظاهر تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه عمدًا كان ترك التسمية أو نسيانًا وبه قال ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وعبد الله بن يزيد الخطيمي وابن سيرين والشعبي ونافع وأبو ثور وداود في رواية.
وقال أبو هريرة وابن عباس أيضًا في رواية وأبو عياض وأبو رافع وعطاء وابن المسيب والحسن وجابر وعكرمة وطاووس والنخعي وقتادة وابن زيد وعبد الرحمن بن أبي ليلى وربيعة ومالك في رواية، والشافعي والأصم: يحل أكل متروك التسمية عمدًا كان الترك أو نسيانًا.
وقال مجاهد وطاووس أيضًا وابن شهاب وابن جبير وعطاء في رواية وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حيي والحسن بن صالح وإسحاق ومالك في رواية، وأحمد في رواية وابن أبي القاسم وعيسى وأصبغ: يؤكل إن كان الترك ناسيًا وإن كان عمدًا لم يؤكل واختاره النحاس وقال: لا يسمى فاسقًا إذا كان ناسيًا وروي عن علي وابن عباس جواز أكل ذبيحة الناسي للتسمية، وقال ابن عطية: وهذا قول الجمهور، وقال أشهب والطبري: تؤكل ذبيحة تارك التسمية عمدًا إلا أن يكون مستخفًا.
وقال أبو بكر الآيذي: يكره أكل ذبيحة تارك التسمية عمدًا وتحتاج هذه التخصيصات إلى دلائل.
والظاهر أن المراد بقوله: {مما لم يذكر اسم الله عليه} ظاهره لعموم الآية وهو متروك التسمية.
وقال ابن عباس في رواية: إنه الميتة وعنه أنه الميتة والمنخنقة إلى وما ذبح على النصب، وقال عطاء: ذبائح للأوثان كانت العرب تفعل ذلك، وقال ابن بحر: صيد المشركين لأنهم لا يسمون عند إرسال السهم ولا هم من أهل التسمية.
قال الحسن: {لفسق} لكفر، قال الكرماني: يريد مع الاستحلال وقال غيره لفسق المعصية والضمير في {وإنه} عائد إلى المصدر الدال عليه تأكلوا أي وإن الأكل قاله الزمخشري، واقتصر عليه وجوز معه الحوفي في أن يعود على ما من قوله: {مما لم يذكر} وجوز معه ابن عطية أن يعود على الذكر الذي تضمنه قوله: {لم يذكر}، انتهى.
ومعنى إنه عائد على المصدر المنفي كأنه قيل: وإن ترك الذكر لفسق وهذه الجملة لا موضع لها من الإعراب وتضمنت معنى التعليل فكأنه قيل لفسقه. اهـ.