فصل: من فوائد ابن كثير في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أدلة قال الله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ} وقال: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ} فبيّن الحالين وأوضح الحكمين.
فقوله: {لا تأكلوا} نهيٌ على التحريم لا يجوز حمله على الكراهة؛ لتناوله في بعض مقتضياته الحرام المحض، ولا يجوز أن يتبعّض، أي يراد به التحريم والكراهة معًا؛ وهذا من نفيس الأصول.
وأما النَّاسي فلا خطاب توجّه إليه إذ يستحيل خطابه؛ فالشرط ليس بواجب عليه.
وأما التارك للتسمية عمدًا فلا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يتركها إذا أضجع الذبيحة ويقول: قلبي مملوء من أسماء الله تعالى وتوحيده فلا أفتقر إلى ذكرٍ بلساني؛ فذلك يجزئه لأنه ذكر الله جلّ جلاله وعظمه.
أو يقول: إن هذا ليس بموضع تسْمية صريحة، إذ ليست بقربة؛ فهذا أيضًا يجزئه.
أو يقول: لا أسمي، وأيّ قدر للتسمية؛ فهذا متهاون فاسق لا تؤكل ذبيحته.
قال ابن العربيّ: وأعجب لرأس المحققين أمامِ الحرمين حيث قال: ذِكر الله تعالى إنما شُرع في القُرَب، والذّبح ليس بقُرْبة.
وهذا يعارض القرآن والسنة؛ قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «ما أنهر الدّمَ وذُكر اسم الله عليه فَكُلْ» فإن قيل: المراد بذكر اسم الله بالقلب؛ لأن الذكر يضادّ النسيان ومحل النسيان القلب فمحل الذكر القلب، وقد روى البَرَاء بن عازب: اسم الله على قلب كل مؤمن سَمَّى أو لم يسمّ.
قلنا: الذكر باللسان وبالقلب، والذي كانت العرب تفعله تسمية الأصنام والنُّصُب باللسان، فنسخ الله ذلك بذكره في الألسنة، واشتهر ذلك في الشريعة حتى قيل لمالك: هل يُسَمِّي الله تعالى إذا توضأ فقال: أيريد أن يذبح.
وأما الحديث الذي تعلّقوا به من قوله: «اسم الله على قلب كل مؤمن» فحديث ضعيف.
وقد استدلّ جماعة من أهل العلم على أن التسمية على الذبيحة ليست بواجبة؛ لقوله عليه السلام لأناس سألوه، قالوا: يا رسول الله، إنّ قومًا يأتوننا باللّحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَمّوا الله عليه وكلوا». أخرجه الدّارقطنيّ عن عائشة ومالك مرسلًا عن هشام بن عروة عن أبيه، لم يُختلف عليه في إرساله، وتأوّله بأن قال في آخره: وذلك في أوّل الإسلام.
يريد قبل أن ينزل عليه {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم اللَّهِ عَلَيْهِ}.
قال أبو عمر: وهذا ضعيف، وفي الحديث نفسِه ما يردّه، وذلك أنه أمرهم فيه بتسمية الله على الأكل؛ فدلّ على أن الآية قد كانت نزلت عليه.
ومما يدلّ على صحة ما قلناه أن هذا الحديث كان بالمدينة، ولا يختلف العلماء أن قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ}.
نزل في سورة الأنعام بمكة.
ومعنى {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} أي لمعصية؛ عن ابن عباس.
والفِسْق: الخروج؛ وقد تقدّم.
الرابعة: قوله تعالى: {وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَائِهِمْ} أي يُوَسْوِسُون فيُلقون في قلوبهم الجدال بالباطل.
روى أبو داود عن ابن عباس في قوله: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم} يقولون: ما ذبح الله فلا تأكلوه، وما ذبحتم أنتم فكُلُوه، فأنزل الله: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ} قال عِكرمة: عنى بالشياطين في هذه الآية مَرَدة الإنس من مَجُوس فارس.
وقال ابن عباس وعبد الله بن كثير: بل الشياطين الجنُّ، وكفرة الجن أولياء قريش.
ورُوي عن عبد الله بن الزبير أنه قيل له: إن المختار يقول: يُوحَى إليّ فقال: صدق، إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم.
وقوله: {ليجادلوكم}.
يريد قولهم: ما قتل الله لم تأكلوه وما قتلتموه أكلتموه.
والمجادلة: دفع القول على طريق الحجة بالقوّة؛ مأخوذ من الأجدل، طائر قوِيّ.
وقيل: هو مأخوذ من الجَدالة، وهي الأرض؛ فكأنه يغلِبه بالحجة ويقهره حتى يصير كالمجدول بالأرض.
وقيل: هو مأخوذ من الجدْل، وهو شدّة الفَتْل؛ فكأن كلّ واحد منهما يفتل حجة صاحبه حتى يقطعها، وتكون حقًا في نصرة الحق وباطلًا في نصرة الباطل.
الخامسة: قوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ} أي في تحليل الميتة {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}.
فدلّت الآية على أن من استحل شيئًا مما حرّم الله تعالى صار به مُشرِكًا.
وقد حرَّم الله سبحانه الميتة نصًّا؛ فإذا قَبل تحليلها من غيره فقد أشرك.
قال ابن العربيّ: إنما يكون المؤمن بطاعة المشرك مشركًا إذا أطاعه في الاعتقاد؛ فأما إذا أطاعه في الفعل وعقده سليم مستمر على التوحيد والتصديق فهو عاصٍ؛ فافهموه.
وقد مضى في المائدة. اهـ.

.من فوائد ابن كثير في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}
استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب إلى أنه لا تحل الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها، ولو كان الذابح مسلما، وقد اختلف الأئمة، رحمهم الله، في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
فمنهم من قال: لا تحل هذه الذبيحة بهذه الصفة، وسواء متروك التسمية عمدًا أو سهوًا. وهو مروي عن ابن عمر، ونافع مولاه، وعامر الشعبي، ومحمد بن سيرين. وهو رواية عن الإمام مالك، ورواية عن أحمد بن حنبل نصرها طائفة من أصحابه المتقدمين والمتأخرين، وهو اختيار أبي ثور، وداود الظاهري، واختار ذلك أبو الفتوح محمد بن محمد بن علي الطائي من متأخري الشافعية في كتابه الأربعين، واحتجوا لمذهبهم هذا بهذه الآية، وبقوله في آية الصيد: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4]. ثم قد أكد في هذه الآية بقوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} والضمير قيل: عائد على الأكل، وقيل: عائد على الذبح لغير الله- وبالأحاديث الواردة في الأمر بالتسمية عند الذبيحة والصيد، كحديثي عدي بن حاتم وأبي ثعلبة: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك». وهما في الصحيحين، وحديث رافع بن خُدَيْج. «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه». وهو في الصحيحين أيضًا، وحديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للجن: «لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه» رواه مسلم. وحديث جُنْدَب بن سفيان البَجَلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى، ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله». أخرجاه وعن عائشة، رضي الله عنها، أن ناسا قالوا: يا رسول الله، إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري: أذكر اسم الله عليه أم لا؟ قال: «سموا عليه أنتم وكلوا». قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر. رواه البخاري. ووجه الدلالة أنهم فهموا أن التسمية لابد منها، وأنهم خشوا ألا تكون وجدت من أولئك، لحداثة إسلامهم، فأمرهم بالاحتياط بالتسمية عند الأكل، لتكون كالعوض عن المتروكة عند الذبح إن لم تكن وجدت، وأمرهم بإجراء أحكام المسلمين على السداد، والله تعالى أعلم.
والمذهب الثاني في المسألة: أنه لا يشترط التسمية، بل هي مستحبة، فإن تركت عمدًا أو نسيانًا لم تضر وهذا مذهب الإمام الشافعي، رحمه الله، وجميع أصحابه، ورواية عن الإمام أحمد. نقلها عنه حنبل. وهو رواية عن الإمام مالك، ونص على ذلك أشهب بن عبد العزيز من أصحابه، وحكي عن ابن عباس، وأبي هريرة، وعطاء بن أبي رباح، والله أعلم.
وحمل الشافعي الآية الكريمة: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} على ما ذبح لغير الله، كقوله تعالى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145].
وقال ابن جُرَيْج، عن عطاء: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} قال: ينهى عن ذبائح كانت تذبحها قريش عن الأوثان، وينهى عن ذبائح المجوس، وهذا المسلك الذي طرقه الإمام الشافعي رحمه الله قوي، وقد حاول بعض المتأخرين أن يقويه بأن جعل الواو في قوله: {وإِنَّهُ لَفِسْقٌ} حالية، أي: لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه في حال كونه فسقًا، ولا يكون فسقا حتى يكون قد أهل به لغير الله. ثم ادعى أن هذا متعين، ولا يجوز أن تكون الواو عاطفة. لأنه يلزم منه عطف جملة إسمية خبرية على جمله فعلية طلبية. وهذا ينتقض عليه بقوله: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} فإنها عاطفة لا محاولة، فإن كانت الواو التي ادعى أنها حالية صحيحة على ما قال؛ امتنع عطف هذه عليها، فإن عطفت على الطلبية ورد عليه ما أورد على غيره، وإن لم تكن الواو حالية، بطل ما قال من أصله، والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن المغيرة، أنبأنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قوله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} قال: هي الميتة.
ثم رواه، عن أبي زُرْعَة، عن يحيى بن أبي كثير عن ابن لَهِيعَة، عن عطاء- وهو ابن السائب- به.
وقد استدل لهذا المذهب بما رواه أبو داود في المراسيل، من حديث ثور بن يزيد، عن الصلت السدوسي- مولى سُوَيْد بن مَنْجوف أحد التابعين الذين ذكرهم أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذَبِيحَة المسلم حلال ذُكِر اسمُ اللهِ أو لم يُذْكَرْ، إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله».
وهذا مرسل يعضد بما رواه الدارقطني عن ابن عباس أنه قال: «إذا ذبح المسلم- ولم يذكر اسم الله فليأكل، فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله».
واحتج البيهقي أيضًا بحديث عائشة، رضي الله عنها، المتقدم أن ناسا قالوا: يا رسول الله، إن قوما حديثي عهد بجاهلية يأتونا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: «سَمّوا أنتم وكُلُوا». قال: فلو كان وجود التسمية شرطا لم يرخص لهم إلا مع تحققها، والله أعلم.
المذهب الثالث في المسألة: أنه إن ترك البسملة على الذبيحة نسيانا لم يضر وإن تركها عمدًا لم تحل.
هذا هو المشهور من مذهب الإمام مالك، وأحمد بن حنبل، وبه يقول أبو حنيفة وأصحابه، وإسحاق بن راهويه: وهو محكي عن علي، وابن عباس، وسعيد بن المُسَيَّب، وعَطَاء، وطاوس، والحسن البصري، وأبي مالك، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وجعفر بن محمد، وربيعة بن أبي عبد الرحمن.
ونقل الإمام أبو الحسن المرغيناني في كتابه الهداية الإجماع- قبل الشافعي على تحريم متروك التسمية عمدا، فلهذا قال أبو يوسف والمشايخ: لو حكم حاكم بجواز بيعه لم ينفذ لمخالفة الإجماع.
وهذا الذي قاله غريب جدًا، وقد تقدم نقل الخلاف عمن قبل الشافعي، والله أعلم.
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير: من حرم ذبيحة الناسي، فقد خرج من قول جميع الحجة، وخالف الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك يعني ما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا أبو أمية الطرسوسي، حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا معقل بن عبيد الله، عن عمرو بن دينار، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم يكفيه اسمه، إن نسي أن يسمي حين يذبح، فليذكر اسم الله وليأكله».
وهذا الحديث رفعه خطأ، أخطأ فيه معقل بن عبيد الله الجزيري فإنه وإن كان من رجال مسلم إلا أن سعيد بن منصور، وعبد الله بن الزبير الحميدي روياه عن سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن أبي الشعثاء، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس، من قوله. فزادا في إسناده أبا الشعثاء، ووقفا والله تعالى أعلم. وهذا أصح، نص عليه البيهقي وغيره من الحفاظ.
وقد نقل ابن جرير وغيره. عن الشعبي، ومحمد بن سيرين، أنهما كرها متروك التسمية نسيانا، والسلف يطلقون الكراهية على التحريم كثيرا، والله أعلم. إلا أن من قاعدة ابن جرير أنه لا يعتبر قول الواحد ولا الاثنين مخالفا لقول الجمهور، فيعده إجماعا، فليعلم هذا، والله الموفق.
قال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا أبو أسامة، عن جَهِير بن يزيد قال: سئل الحسن، سأله رجل أتيت بطير كَرًى فمنه ما قد ذبح فذكر اسم الله عليه، ومنه ما نسي أن يذكر اسم الله عليه، واختلط الطير، فقال الحسن: كله، كله. قال: وسألت محمد بن سيرين فقال: قال الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}
واحتج لهذا المذهب بالحديث المروي من طرق عند ابن ماجه، عن ابن عباس، وأبي هريرة، وأبي ذر وعقبة بن عامر، وعبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه» وفيه نظر، والله أعلم.
وقد روى الحافظ أبو أحمد بن عدي، من حديث مروان بن سالم القرقساني، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اسم الله على كل مسلم».
ولكن هذا إسناده ضعيف، فإن مروان بن سالم القرقساني أبا عبد الله الشامي، ضعيف، تكلم فيه غير واحد من الأئمة، والله أعلم.
وقد أفردت هذه المسألة على حدة، وذكرت مذاهب الأئمة ومآخذهم وأدلتهم، ووجه الدلالات والمناقضات والمعارضات، والله أعلم.
قال ابن جرير: وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية: هل نسخ من حكمها شيء أم لا؟ فقال بعضهم: لم ينسخ منها شيء وهي محكمة فيما عُنيت به. وعلى هذا قول عامة أهل العلم.
وروي عن الحسن البصري وعكرمة. ما حدثنا به ابن حُميد، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن عكرمة والحسن البصري قالا قال الله: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} وقال: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} فنسخ واستثنى من ذلك فقال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5].
وقال ابن أبي حاتم: قرئ علي العباس بن الوليد بن مزيد، حدثنا محمد بن شعيب، أخبرني النعمان- يعني ابن المنذر- عن مكحول قال: أنزل الله في القرآن: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ثم نسخها الرب ورحم المسلمين فقال: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} فنسخها بذلك وأحل طعام أهل الكتاب.