فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وإنَّه لَفِسْقٌ} هذه الجُمْلَة فيها أرْبَعَة أوْجُه:
أحدها: أنَّها مُسْتأنَفة، قالوا: ولا يَجُوز أن تكُون مَنْسُوقة على ما قَبْلَها؛ لأن الأولَى طلبيَّة، وهي خَبَرِيَّة، وتُسَمَّى هذه الواوُ، واو الاسْتِئْنَافِ.
والثاني: أنَّها مَنْسُوقة على ما قَبْلَها، ولا يُبَالَى بِتَخَلُفِهما، وهو مَذْهَبُ سيبوَيْه، وقد تقدَّم تَحْقِيق ذلك، وقد أوْرَدْتُ من ذَلِك شَواهِد صالِحَة من شِعْر وغيره.
الثالث: أنَّها حاليَّة، أي: لا تَأكُلوه، الحالُ: أنَّه فِسْق وقد تبجَّح الإمام الرَّازي بهذا الوَجْه على الحَنَفيَّة، حيث قَلَب دَليلَهُم عليهم بهذا الوَجْه، وذلك أنَّهم يَمْنِعُون من أكْل مَتْروك التَّسْمِيَة، والشَّافعيَّ لا يَمْنعَون منه استدل عيهم الحَنَفِيَّة بِظَاهِر هذه الآية.
فقال الرَّازي: هذه الجُملَة حاليَّة، ولا يَجُوز أن تَكُون مَعْطُوفة لِتخَالُفِهَمَا طَلَبًا وخبرًا، فتعيَّن أن تكون حاليَّة، وإذا كان حاليَّة، كان المعنى: لا تَكُلُوه حال كَوْنهِ مُفَسَّقًا، ثم هذا الفِسْق مُجْمَل قد فَسَّره اللَّه تعالى في مَوْضِع آخرَرن فقال: {أو فِسْقًا أهِلَّ لِغَير اللَّه به} يعني: أنه إذَا ذُكر على الذَّبيحة غَيْر اسم اللَّه، فإنَّه لا يَجُوزظ أكْلُها؛ لأنَّه فِسقٌ.
ونحن نقُول به، ولا يَلْزَم من ذَلِك أنَّه إذا لم يُذْكر اسْم اللَّه، ولا اسْم غيره، أن تكون حَرَامًا؛ لأنه لَيْس بالتَّفْسِير الذي ذَكْرنَاه، والنِّزاع فيه مُحَال من وُجُوه:
منها: أنّنا لا نُسَلِّم امْتِناع عَطْفِ الخَبَر على الطَّلَب، والعَكْس، كما قدَّمتُه عن سِيبوَيْه، وإن سُلِّم، فالواو للاسْتِئْنَاف، كما تقدم، وما بَعْدَها مُسْتأنفُ، وإن سُلِّم أيضًا، فلا نسلم أن {فِسْقًا} في الآية الأخرى مُبَيَّن للقِسق في هذه الآية، فإن هذا لَيْس من بابِ المُجْمَل والمُبَيَّن؛ لأن له شُرُوطًا لَيْسَت مَوجُودَة هُنَا.
وهذا الذي قاله مُشْتَمِلٌ من كلام الزَّمَخْشَرِي: فإنه قال: فإن قُلْت: قد ذَهَبَ جماعة من المُجْتَهِدين إلى جَوازِ أكْل ما لَمْ يُذْكَر اسْم اللَّه عليه بِنِسْيَان أوْ عَمْد.
قلت: قد تأوَّله هؤلاء بالمَيْتَة، وبما ذُكِر غَيْر اسْم اللَّه عليه؛ كقوله: {أو قِسْقًا أهلِّ لِغَيْر اللَّه به} فهذا أصْل ما ذكره ابن الخَطِيب وتبجَّ به والضَّمير في أنَّه يُحْتَمل أن يعُود على الأكْل المَدْلُول عليه بلا تأكُلُوا، وأن يعُود على الموصُول، وفيه حنئيذٍ تأويلان:
أن تَجْعَل الموصُول نَفْس الفِسْق مبالغة.
أو على حَذْفِ مُضَافٍ، أي: وإنَّ أكله لَفِسْق أو على الذكْر المَفْهُوم من قوله: ذكر قال أبوُ حيَّان: والضَّمِ ر في إنَّه: يعُوج على الأكْل، قاله الزَّمَخْشَري، واقْتَصَر عليه.
قال شهاب الدِّين- رحمه الله: لم يَقْتَصِرْ عليه بل ذَكَر: أنَّه يحُوز أن يَعُوج على المَوصُول، وذكر التَّأويلين المُتقدِّمين، فقال: الضَّمير راجع على مَصْدر الفِعْل الدَّاخل عليه حَرْف النَّهْي، بمعنى: وإنَّ الأكل منه لَفِسْق، أو على الموصُول على أنَّ أكْلَه لِفِسْق، أو جعل ما لَمْ يُذكَر اسْمُ اللَّه عليه في نفس فِسْقًا.
قوله: {لِيُجَادِلُوكُم} متعلِّق بـ {يُوحُون} أي: يُوحُون لأجْل مُجَادَلَتِكم، وأصْل يُوحُون يُوحِيُون؛ فأعِلّ.
قوله: {وإن أطَعْتُمُوهم} قيل: إنَّ التَّوْطِئة للقسم، فلذلك أجيب القسم المُقَدَّر بقوله: {إنكم لمُشْرِكُون} وحذف جواب الشَّرْط بِلَفْظِ الماضِي، وهو هاهنا كذلك، وهو قوله: {وإنْ أطَعْتُمُوهُم}.
قال شهاب الدِّين: كأنه زعم: أنَّ جواب الشَّرْط هو الجُمْلَة من قوه: {إنَّكُم لَمُشْرِكُون} والأصل: فإنكُم بالفاء؛ لأنَّها جُمْلَة اسميَّة، ثم حُذِفَت الفاء؛ لكون فِعْل الشَّرْط بِلَفْظِ المُضِيِّ، وهذا لَيْس بِشَيء؛ فإن القَسَم مُقدَّر قَبْل الشَّرْط ويدُل على ذلك حَذْف اللاَّم المُوَطِّئَة قبل إن الشَّرْطية، ولَيْس فِعْل الشَّرْط مَاضِيًا؛ كقوله تعالى: {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ} [الأعراف: 3] فَهَهُنَا لا يُمْكنه أن يقُول: إن الفاء مَحذُوفة؛ لأن فِعْل الشَّرْط مُضارعٌ، وكأن أبا البقاء- والله أعلم- أخذ هذا من الحُوفيِّ؛ فإني رَأيْتُه فيه كما ذَكَرَهُ أبُو البقاء، ورَدَّه أبُو حيَّان بنحو ما تقدم. اهـ. باختصار.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {وكلمهم الموتى} أي: قلوبهم الميتة {وحشرنا} أي أريناهم جميع الآيات المودعة في المكونات {إلا أن يشاء الله} فإن المشيئة تغير السجية والعناية الأزلية كفاية الأبدية {ولكن أكثرهم يجهلون} أن الهدى ليس بالمنى وأنه بمشيئة المولى، ثم أخبر أن البلايا للسائرين إلى الله هي المطايا فقال: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا شياطين الإنس} هي النفس الأمارة التي هي أعدى الأعداء. {والذين آتيناهم الكتاب} هديناهم بنور الكتاب إلى حضرة الجلال {فلا تكونن} نهى التكوين في الأزل {وتمت كلمة ربك} كلامه وقضاؤه في الأزل {صدقًا} فيما قال: {وعدلًا} فيما حكم بالوجود والعدم والسعادة والشقاوة والرد والقبول والخير والشر والحسن والقبح والإيمان والكفر، وأحسن شيء خلقه هو الإنسان {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} [التين: 4] وكذلك شر شيء هو الإنسان عند فساد استعداده {ثم رددناه أسفل سافلين} [التين: 5] ولأهل الكمال ترقٍ في كمال الحسن إلى الأبد، ولأهل النقصان تسفل في القبح إلى الأبد أيضًا إظهارًا للقدرة الكاملة غير المتناهية {وهو السميع} لحاجة كل ذي حاجة {العليم} بما يستأهله كل موجود {وإن تطع أكثر من في الأرض} وهم أهل الأهواء وأقلهم أهل الحق {وإن هم إلا يخرصون} في دعوى طلب الحق. فإن سبيل الحق لا يسلك بالهوى وإنما يسلك بالصدق والهدى. {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} فمن أمارات الإيمان أن يأكلوا الطعام بحكم الشرع لا على وفق الطبع ويذيبوه بذكر الله كما قال صلى الله عليه وآله «أذيبوا طعامكم بذكر الله» فالأكل على الغفلة والنسيان والاستعانة به على العصيان يورث موت الجنان والحرمان من الجنان. {وقد فصل لكم} يا أهل الله: {ما حرم عليكم} وهو الدنيا وما فيها والآخرة ونعيمها {إلا ما اضطررتم إليه} من ضروريات البشر في الدارين بأمر المولى لا بالطبع والهوى {إن ربك هو أعلم بالمعتدين}
الذين جاوزوا المولى وركنوا إلى الدنيا والعقبى {وذروا ظاهر الإثم} يعني الأعمال الطبيعية {وباطنه} يعني الأخلاق، الذميمة الردية {سيجزون بما كانوا يقترفون} لأن الأخلاق الظلمانية توجب صدأ مرآة القلب وتزيدها رينًا إلى أن يصير حجابًا بين العبد وبين الله تعالى: ولا تأكلوا طعامًا إلا بأمر الله وعلى ذكر الله وفي طلب الله ليندفع بنور الذكر ظلمة الطعام وشهوته، {وإنه} يعني ظلام الطعام يؤدي إلى الفسق الذي هو الخروج من النور الروحاني إلى الكلمة النّفسانية. {وإن الشياطين ليوحون} فإن للشيطان مجالًا في الوسوسة إذا كانت النفوس في المجادلة مع القلوب لتدعوها إلى متابعة الهوى الله حسبي. اهـ.

.تفسير الآية رقم (122):

قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان معنى التحذير من طاعة المشركين أنكم إن فعلتم كنتم قد رددتم أنفسكم إلى ظلام الضلال بعد أن منحتم نور الهداية، فكان التقدير: أفمن كان هكذا كان كمن نصح لنفسه باتباع الأدلة وتوقي الشبه، عطف عليه قوله: {أو من كان ميتًا} أي بالغرق في أمواج ظلام الكفر، ليس لهم من ذواتهم إلا الجمادية بل العدمية {فأحييناه} أي بما لنا من العظمة بإشراق أنوار الإيمان على قبله الذي إن صلح صلح الجسد كله، وإن فسد فسد الجسد كله {وجعلنا} أي بعظمتنا على وجه الخصوص {له نورًا} أي بالهداية إلى كل خير {يمشي} مستضيئًا {به في الناس} فيعرفون أفعاله وأخلاقه وأقواله {كمن مثله} أي الذي يمثل به، وهو ما ينكشف بوجه الشبه روح لبه وخلاصة حال قلبه، حال قلبه، أو يكون المعنى: صفته أنه {في الظلمات} أي ما له من نفسه من ظلمة الجهل وظلمة ما ينشأ عنه من الهوى وظلمة ما نشأ عن الهوى من الكفر، وإذا كان المثل الذي هو الأعلى من الممثول في شيء كان الممثول عريقًا فيه بطريق الأولى، فلذلك قال: {ليس بخارج} أي ذلك المثل {منها} أي الظلمات بما زين له من سوء أعماله حتى صارت أحب إليه من نفسه وماله، وإذا لم يخرج المثل من شيء لم يخرج الممثول منه وإلا لم تكن بينهما مماثلة، وذلك لأنه زين له عمله، وهي ناظرة إلى قوله أول السورة {إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله} [الأنعام: 36] وقوله: {والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات} [الأنعام: 39].
ولما كان إيحاء الشياطين إلى أوليائهم مما يوجب لزوم العمى ليس إلاّ تزيينًا للقبائح، فكان حالهم مما يشتد العجب منه، كان كأنه قيل: لولا رؤيتنا لحالهم ما صدقنا أن عاقلًا يرضى ما فعلوه بأنفسهم، فهل وقع لأحد قط مثل حالهم؟ فقيل: نعم {كذلك} أي مثل ما زين لهم سوء أعمالهم {زين للكافرين} أي كلهم {ما كانوا} بما جبلناهم عليه {يعملون} فهم أبدًا في الظلمات، فالآية من الاحتباك: أثبت أولًا كونه في الظلمات دليلًا على تقديره ثانيًا، وثانيًا التزيين دليلًا على تقديره أولًا. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى أن المشركين يجادلون المؤمنين في دين الله ذكر مثلًا يدل على حال المؤمن المهتدي، وعلى حال الكافر الضال، فبين أن المؤمن المهتدي بمنزلة من كان ميتًا، فجعل حيًا بعد ذلك وأعطى نورًا يهتدى به في مصالحه، وأن الكافر بمنزلة من هو في ظلمات منغمس فيها لا خلاص له منها، فيكون متحيرًا على الدوام.
ثم قال تعالى: {كَذَلِكَ زُيّنَ للكافرين مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وعند هذا عادت مسألة الجبر والقدر فقال أصحابنا: ذلك المزين هو الله تعالى، ودليله ما سبق ذكره من أن الفعل يتوقف على حصول الداعي وحصوله لابد وأن يكون بخلق الله تعالى، والداعي عبارة عن علم أو اعتقاد أو ظن باشتمال ذلك الفعل على نفع زائد وصلاح راجح، فهذا الداعي لا معنى له إلا هذا التزيين، فإذا كان موجد هذا الداعي هو الله تعالى كان المزين لا محالة هو الله تعالى، وقالت المعتزلة: ذلك المزين هو الشيطان، وحكوا عن الحسن أنه قال: زينه لهم والله الشيطان.
واعلم أن هذا في غاية الضعف لوجوه: الأول: الدليل القاطع الذي ذكرناه.
والثاني: أن هذا المثل مذكور ليميز الله حال المسلم من الكافر فيدخل فيه الشيطان فإن كان إقدام ذلك الشيطان على ذلك الكفر لشيطان آخر، لزم الذهاب إلى مزين آخر غير النهاية وإلا فلابد من مزين آخر سوى الشيطان.
الثالث: أنه تعالى صرح بأن ذلك المزين ليس إلا هو فيما قبل هذه الآية وما بعدها، أما قبلها فقوله: {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: 108] وأما بعد هذه الآية فقوله: {وكذلك جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أكابر مُجْرِمِيهَا} [الأنعام: 123]. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ميتًا} بالتشديد: أبو جعفر ونافع وسهل ويعقوب {رسالته} بالنصب والتوحيد: ابن كثير وحفص والمفضل. الباقون: {رسالاته} على الجمع وبالكسر في موضع النصب {ضيقا} وبابه بالتخفيف: ابن كثير {حرجًا} بكسر الراء: أبو جعفر ونافع وسهل وأبو بكر وحماد. الباقون: بالفتح {يصعد} من الصعود: ابن كثير {يصاعد} من التصاعد بإدغام التاء في الصاد: أبو بكر وحماد. الباقون: {يصعد} بالإدغام من التصعيد. {يحشرهم} بياء الغيبة: حفص. الآخرون بالنون.

.الوقوف:

{بخارج منها} ط {يعملون} o {فيها} ط {وما يشعرون} o {رسل الله} ط {رسالاته} ط {يمكرون} o {للإسلام} ج لابتداء شرط آخر مع العطف. {في السماء} ج {لا يؤمنون} o {مستقيمًا} ط {يذكرون} o {يعملون} o {جميعًا} ج للحذف أي يحشرهم ويقول لهم مع اتحاد المقصود {من الإنس} الأول ج لتبدل القائل مع اتفاق الجملتين {أجلت لنا} ط قال النار يغلظ الصوت على النار إشارة إلى أن النار مبتدأ بعد القول وليست فاعله {يشاء الله} ط {عليم} o {يكسبون} o {يومكم هذا} ط {كافرين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قال أهل المعاني: قد وصف الكفار بأنهم أموات في قوله: {أموات غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 21] وأيضًا في قوله: {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} [ياس: 70] وفي قوله: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} [النمل: 80] وفي قوله: {وَمَا يَسْتَوِى الأعمى والبصير... وَمَا يَسْتَوِى الأحياء وَلاَ الأموات} [فاطر: 19 و22] فلما جعل الكفر موتًا والكافر ميتًا، جعل الهدى حياة والمهتدي حيًا، وإنما جعل الكفر موتًا لأنه جهل، والجهل يوجب الحيرة والوقفة، فهو كالموت الذي يوجب السكون، وأيضًا الميت لا يهتدي إلى شيء، والجاهل كذلك، والهدى علم وبصر، والعلم والبصر سبب لحصول الرشد والفوز بالنجاة، وقوله: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ في الناس} عطف على قوله: {فأحييناه} فوجب أن يكون هذا النور مغايرًا لتلك الحياة والذي يخطر بالبال والعلم عند الله تعالى أن الأرواح البشرية لها أربع مراتب في المعرفة.
فأولها: كونها مستعدة لقبول هذه المعارف وذلك الاستعداد الأصلي يختلف في الأرواح، فربما كانت الروح موصوفة باستعداد كامل قوي شريف، وربما كان ذلك الاستعداد قليلًا ضعيفًا، ويكون صاحبه بليدًا ناقصًا.
والمرتبة الثانية: أن يحصل لها العلوم الكلية الأولية، وهي المسماة بالعقل.
والمرتبة الثالثة: أن يحاول ذلك الإنسان تركيب تلك البديهيات: ويتوصل بتركيبها إلى تعرف المجهولات الكسبية، إلا أن تلك المعارف ربما لا تكون حاضرة بالفعل، ولكنها تكون بحيث متى شاء صاحبها استرجاعها واستحضارها، يقدر عليه.